molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: قصة الثلاثة نفر- عبد السلام بن برجس آل عبد الكريم الأحد 4 ديسمبر - 4:06:49 | |
|
قصة الثلاثة نفر
عبد السلام بن برجس آل عبد الكريم
الخطبة الأولى
عباد الله، أخرج الشيخان وغيرهما عن عبد الله بن عمر رضي الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى عنهما أن النبي قال: ((انْطَلَقَ ثَلاَثَةُ نَفَرٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، حَتَّى آوَاهُمُ الْمَبِيتُ إِلَى غَارٍ فَدَخَلُوهُ، فَانْحَدَرَتْ صَخْرَةٌ مِنَ الْجَبَلِ، فَسَدَّتْ عَلَيْهِمُ الْغَارَ، فَقَالُوا: إِنَّهُ لاَ يُنْجِيكُمْ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةَ إِلاَ أَنْ تَدْعُوا اللهَ جَلَّ وَعَلاَ بِصَالِحِ أَعْمَالِكُمْ.
قَالَ الأوَّلُ: اللَّهُمَّ كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ، وَكُنْتُ لاَ أَغْبِطُ قَبْلَهُمَا أَهْلاً وَلاَ مَالاً، فَنَأَى بِي طَلَبُ الشَّجَرِ يَوْمًا؛ فَلَمْ أُرِحْ عَلَيْهِمَا حَتَّى نَامَا، فَحَلَبْتُ لَهُمَا غَبُوطَهُمَا فَوَجَدْتُهُمَا نَائِمَيْنِ، فَوَضَعْتُ الْقَدَحَ عَلَى يَدِي أَنْتَظِرُ اسْتِيقَاظَهُمَا، حَتَّى بَزَغَ الْفَجْرُ، وَالصِّبْيَةُ يَتَضَاغَوْنَ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَا أَعْطَيْتُهُمَا غَبُوطَهُمَا فَشَرِبَا. اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ. فَانْفَرَجَتْ شَيْئًا يَسِيرًا لاَ يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوجَ مِنْهُ.
قَالَ الآخَرُ: اللَّهُمَّ كَانَتْ لِيَ ابْنَةُ عَمٍّ كَانَتْ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَيَّ؛ فَأَرَدْتُهَا عَنْ نَفْسِهَا، فَامْتَنَعَتْ مِنِّي، فَأَصَابَتْهَا سَنَةٌ مِنَ السِّنِينِ؛ فَجَاءَتْ إِلَيَّ، فَأَعْطَيْتُهَا عِشْرِينَ وَمِئَةَ دِينَارٍ عَلَى أَنْ تُخَلِّيَ بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِهَا، فَفَعَلَتْ، فَلَمَّا قَدِرْتُ عَلَيْهَا وفي رواية: فَلَمَّا قَعَدْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا قَالَتِ: اتَّقِ اللَّهَ، وَلاَ تَفُضَّ الْخَاتَمَ إِلاَ بِحَقِّهِ. اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ. فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ غَيْرَ أَنَّهُمْ لاَ يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوجَ.
قَالَ الثَّالِثُ: اللَّهُمَّ اسْتَأْجَرْتُ أُجَرَاءَ فَأَعْطَيْتُ كُلَّ أَجِيرٍ مِنْهُمْ أَجْرَهُ غَيْرَ رَجُلٍ وَاحِدٍ؛ ذَهَبَ وَتَرَكَ الَّذِي لَهُ، فَثَمَّرْتُ لَهُ أَجْرَهُ حَتَّى كَثُرَتْ مِنْهُ الأمْوَالُ، فَجَاءَنِي فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، أَدِّ إِلَيَّ أَجْرِي. فَقُلْتُ: كُلُّ مَا تَرَى مِنَ الْمَالِ لَكَ مِنَ الإبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالرَّقِيقِ. فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، لاَ تَسْتَهْزِئْ بِي. فَقُلْتُ: لاَ أَسْتَهْزِئُ بِكَ. فَأَخَذَهُ كُلَّهُ فَاسْتَاقَهُ فَلَمْ يَتْرُكْ مِنْهُ شَيْئًا. اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ. فَانْفَرَجَتْ عَنْهُمُ الصَّخْرَةُ، وَخَرَجُوا يَمْشُونَ)).
عباد الله، هذه قصة ذات عِبَرٍ عَظِيمة وَعِظَاتٍ جَلِيلة؛ فإن هؤلاء النفر الثلاثة عملوا أعمالاً صالحة في الرَّخاء، فلما وقعت بهم كُرْبَةٌ وشِدَّةٌ سألوا الله جَلَّ وَعَلا بصالح أعمالهم التي فعلوها حال الرخاء؛ ففرَّج الله كربتهم، وأقال عثرتهم، وهكذا: مَن تعرَّفَ على اللَّهِ في الرَّخاءِ تعرَّفَ اللَّهُ عليه في الشِّدَّةِ.
فالأول ذكر بِرَّهُ بوالدَيه، وإحسانَه إليهما، ورأفته بهما، وهذه صورةٌ جليلة ينبغي أن تكون نَصْبَ عَيْنَي كُلِّ مسلمٍ دومًا وأبدًا؛ يحتذي حذوها، ويسعى إلى تطبيقِها مع والديه؛ فهي صورةٌ جليلةٌ تتجلَّى فيها أسمى صفاتِ البرِّ والإحسانِ إلى الوالدين، ونحن بحاجةٍ إلى ذلك حاجَةً ماسَّةً، لا سيَّما في هذا الوقت الذي طَغَتْ فيه المادَّةُ، وانشغل فيه كُلُّ إنسان بنفسِهِ؛ فَحَرِيٌّ بالمسلمِ أن يُحْسِنَ إلى والِدَيْهِ وأن يَبَرَّهُما، لا سيِّما إذا بلغ الكبر منهما مبلغًا لا يستطيعان معه دَفْعَ ضُرٍّ عن أنفسِهِم أو جَلْبَ خيرٍ لأنفسهم.
والثاني ذكر تَعَفُّفَهُ عَنِ الحرام، وتَجَنُّبَهُ إيَّاهُ في حال القُدْرَةِ عليه والظَّفَرِ به، وذلك أجَلُّ ما يفعلُهُ المسلم؛ لأنه عَلِمَ أن له ربًّا يراقبه، يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ [غافر: 19]، إِنَّ اللّهَ لاَ يَخْفَىَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء [آل عمران: 5].
وَإِذَا خَلَــــــوْتَ بِرِيبَـــــــــةٍ فِي ظُلْمَةٍ وَالنَّفْسُ دَاعِيَةٌ إِلَى الْعِصْيَانِ
فَاسْتَحْيِ مِنْ نَظَرِ الإلَهِ وَقُلْ لَهَا إِنَّ الَّذِي خَلَقَ الظَّلاَمَ يَرَانِي
والثالث ذكر أداءه للأمانة، ومحافظتَهُ عليها، وإيفاءهُ بالعقود التي أمَر الله جَلَّ وَعَلاَ بإيفائها، وذلك عملٌ صالح جليل قَلَّ من يلتزمه، لاسيَّما في هذه الأزمان.
فإلى الذين يتساهلون في حقوق العمال ومرتَّباتِهِم إلى هؤلاء نقول: يجب أن تنظروا في هذه الصورة الطيبة؛ وهي وفاء هذا الرجل، وماذا جازاه الله جَلَّ وَعَلا على ذلك: إن الله جازاه بتفريج كُرْبَتِهِ، وإزالة الشِّدَّةِ عنه، وهكذا كُلُّ مَن عمل عملاً صالحًا مخلصًا لله جَلَّ وَعَلا فيه.
الخطبة الثانية
عباد الله، إن هؤلاء الثلاثة عملوا تلك الأعْمَال التي سمعتم وهم مخلصون لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فيها؛ فلذا أثَّرَتْ هذا التأثيرَ، ونفعت هذا النفع؛ فَكُلُّ عمل يعمله المسلم لا بد أن يكون خالصًا لله جَلَّ وَعَلاَ؛ ليؤتي ثمارَهُ دينًا ودنيا.
| |
|