molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: فضل البنات - عبد السلام بن برجس آل عبد الكريم الأحد 4 ديسمبر - 4:04:31 | |
|
فضل البنات
عبد السلام بن برجس آل عبد الكريم
الخطبة الأولى
عباد الله، يقول الله تعالى ذِكْرُهُ: وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ [النحل: 5859].
في هاتين الآيتين يبين الله جَلَّ وَعَلاَ حال أهل الجاهلية عندما يولد لأحدهم بنت، وهذا البيان لحالهم إنما هو على سبيل الذمِّ لهم، والتَّقبِيحِ لِفِعْلِهِم، والتَّحذيرِ منه، والتنفيرِ عنه.
فإن أحدهم إذا ولدت له بنت اسوَدَّ وجهُهُ واكْتَهَرَ، وامتلأ قلبه غيظًا وحَنَقًا على تلك المرأة التي جلبت له هذه المصيبة على حَدِّ زَعْمِهِ الفاسِدِ، وتَخَفَّى عن الأعين، وتوارى عن الناس، واحتار حَيرة كبيرة في هذه البنت: أيُبْقِيها حَيَّةً مع ما سيلحقه من عارها كما يَتَصَوَّرُ، أم يَئِدُها لِيَسْتَرِيحَ مِن شرِّها وعارها ونفقاتها؟!
يقول قَتادة رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى على هاتين الآيتين: "هذا صنيع مشركي العرب، أخبرهم الله تَعَالَى ذِكْرُهُ بِخُبْثِ صنيعَتِهِم، فأما المؤمن فهو حَقِيقٌ بأن يرضى بما قسم الله له، وقضاءُ الله خيرٌ مِن قضاء المرء لنفسه، ولَعَمْرِي ما يدري أنه خير، لَرُبَّ جاريةٍ خيرٌ لأهلها مِن غلام، وإنما أخبركم الله جَلَّ وَعَلاَ بخبرهم لتحذروه ولتنتهوا عنه".
أيها المسلمون، لقد بدأت هذه الظاهرة في الانتشار بين أوساط كثير من المجتمعات في هذه الأيام، وهي ظاهرةُ شَرٍّ وَبلاء، فيها مشاقة لله ورسوله ، وفيها تَعَدٍّ لحدود الله، وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ [الطلاق: 1]. وهي اعتراض على قضاء الله جَلَّ وَعَلاَ وقَدَرِهِ؛ فإن أمْرَ الذُّرِيَّةِ بِيَدِ الله، يَهَبُ لمن يشاء إناثًا ويَهَبُ لمن يشاء الذكور؛ كما قال الله جَلَّ وَعَلاَ: لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ [الشورى: 49، 50].
وقد عَلِمَ الجميع خبر الاعتراض على قضاء الله وقدره؛ فقد جاء في الحديث أن ((مَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ))، يعني: مَن سخط أمر الله واعترض على قضائه تَعَالَى فإن ذلك مدعاةٌ إلى سَخَطِ الله جَلَّ وَعَلاَ عليه، وإذا سَخِطَ الله عليه فقد هَلَكَ وخاب وخَسِر.
وفي هذا الاعتراض على قضاء الله وقدره اتهامٌ لِلَّه جَلَّ وَعَلاَ بعدم الحكمة في أفعاله، وهو جَلَّ وَعَلاَ لا يفعل شيئًا عَبَثًا؛ بل يفعله لِحِكَمٍ عَظِيمَةٍ، قد يظهر بعضُها للناس، وقد يخفى كثيرٌ منها على الناس، وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا [الأحزاب: 38].
فَالْمُتَحَلِّي بهذه الخَصْلَةِ الذَّمِيمَةِ وهي التَّسَخُّطُ من البنات قد شابه أهلَ الجاهليةِ في أخلاقهم وصنيعهم؛ فبئس ما فعل، وبئس ما اقترفتْ يداهُ.
وإذا كان التسخط وهذا التذمر مصاحِبًا للخوف من الإنفاق على هذه البنت فإن الجُرْمَ يَزداد شرًّا، ويَسْتَفْحِلُ جِدًّا؛ لأن الله جَلَّ وَعَلاَ تَكَفَّلَ برِزق المخلوقاتِ كلِّها؛ وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا [هود: 6]، ونهى جَلَّ وَعَلاَ عن قتل الأولاد خشيةَ الإنفاقِ عليهم؛ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ [الأنعام: 151]، وقد كان رجل جالسًا عند عبد الله بن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وكان له بنات، فتمنى موتهن؛ فغضب ابن عمر جدًّا وقال: أنتَ ترزقُهُنَّ؟!
عباد الله، لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا [النساء: 11]، قد تكون البنات خيرًا لآبائهن وأمهاتهن من كثير من الذكور، كما قال الله جَلَّ وَعَلاَ في شأن النساء: فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا [النساء: 19]، قال ابن القيم: "هذا كما أنه في النساء فإنه يكون في البنات؛ فقد يكرههن المرء واللَّهُ جَلَّ وَعَلاَ جَعَل فيهن خيرًا كثيرًا".
أيها الأخ المسلم، إذا تسلَّط الشيطان عليك، وألقى في قلبك نَفَثَاتِ أهل الجاهلية، وأحْسَسْتَ مِن نفسِكَ الكراهةَ للبنت المولودة؛ فتذكَّر أن الذريةَ ذكورًا وإناثًا نعمةٌ من الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يهبها لمن يشاء من عباده، وتذكر إخوانك الذين حرمهم الله جَلَّ وَعَلاَ من الإنجاب والذرية؛ لِتَعْلَمَ فضلَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عليك؛ فإن الذرية هم جمال الدنيا بنينًا أو بناتًا؛ كما أخبر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وتذكر دائمًا أن أنبياء الله صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ كانوا آباءَ بنات، كما قال الإمام أحمد رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: "الأنبياء آباء بنات"، وقد ورد في فضل البنات ما علمتم.
فاتقوا الله جَلَّ وَعَلاَ عباد الله، واسألوا الله جَلَّ وَعَلاَ صلاحَ النية والذرية، واحمدوه على ما وهبكم من ذرية إناثًا كانت أم ذكورًا؛ فقد كانت عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُا إذا بُشِّرَتْ بِوِلادَةٍ سألت: أسَلِيمٌ هُو؟ فإن قيل: سليم قالت: أذَكَرٌ أم أنثى؟ فبدأت بالسؤال عن سلامة الخِلقة؛ لأن الخلقة في سلامَتِها نفعٌ عظيم، وهي مِنَّةٌ كبرى من الله جَلَّ وَعَلاَ؛ فلو خُيِّرَ المرءُ بين ذَكَرٍ مُشَوَّه وبنتٍ سَلِيمة لاختار بنتًا سليمة.
الخطبة الثانية
عباد الله، يقول الله بعض السلف رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى: "البنون نِعَم من الله، والبنات حَسَنات، والله يحاسب على النِّعَم، ويجازي على الحَسَنات". وهذا حَقٌّ؛ فإن المتأمل في النصوص يرى فضل البنات كبيرًا عظيمًا، وأجر مَن عالَهُنَّ وصبر عليهن أجرًا كبيرًا.
ففي صحيح مسلم عن أنس أن النبي قال: ((مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا كُنْتُ أَنَا وَهُوَ فِي الْجَنَّةِ كَهَاتَيْنِ)) وضَمَّ بين السَّبّابَةِ والْوُسْطَى.
وثبت في سنن أبي داود عن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أن النبي قال: ((مَنْ وُلِدَتْ لَهُ ابْنَةٌ فَلَمْ يَئِدْهَا وَلَمْ يُهِنْهَا وَلَمْ يُؤْثِرْ وَلَدَهُ عَلَيْهَا أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ)).
وثبت في المسند أيضًا أن النبي قال: ((مَنْ كَانَ لَهُ ثَلاَثُ بَنَاتٍ يُؤْويهُنَّ وَيَكَفَلُهُنُّ وَيَرْحَمُهُنَّ وَجَبْتْ لَهُ الْجَنَّةُ))، قيل: فإن كانتا اثنتين؟ قال: ((وَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ))، قال: فرأى بعض القوم أن لو قال: واحدة؟ لقال: واحدة.
فانظروا إلى فضل البنات وما جاء فيهنّ من الأجر العظيم والثواب الجزيل؛ فاحمدوا الله جَلَّ وَعَلاَ عليهنّ، واشكروه على نعمه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ظاهرةً وباطنة.
| |
|