molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: الخشوع في الصلاة - عبد السلام بن برجس آل عبد الكريم الأحد 4 ديسمبر - 3:59:09 | |
|
الخشوع في الصلاة
عبد السلام بن برجس آل عبد الكريم
الخطبة الأولى
عباد الله، إن فقدان الخشوع في الصلاة داءٌ بُلِيَ به كثيرٌ من الناس، وهو في الحقيقة داء خطير؛ يُمِيتُ القلب، ويصرِفُهُ عَنِ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ ذلك أن الخشوع هو أول ما يُرفَعُ من هذه الأمة؛ كما ثبت ذلك في مسند الإمام أحمد عن عوف بن مالك رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُ.
عباد الله، إن الصلاة لها حرمتُها، ولها قَدْرُهَا، رتَّب الشارع عليها فضائلَ كثيرة؛ فهي كفارةٌ للذنوب، وهي نور للعبد في دينه ودنياه، وهي صِلَةٌ بين العبد وبين ربه يُنْزِلُ حاجته لِلَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عن طريقها. وإن هذه الفضائل لا تحصل لكثير من الناس؛ لأنهم يُفَرِّطُون في الخشوع فيها.
وقد ثبت في صحيح مسلم عن عثمانَ بنِ عفان أن النبيَّ قال: ((مَا مِنْ مُسْلِمٍ تَحْضُرُهُ صَلاَةٌ مَكْتُوبَةٌ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهَا وَخُشُوعَهَا وَرُكُوعَهَا إِلاَ كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا بَيْنَهَا، مَا لَمْ تُؤْتَ كَبِيرَةٌ، وَذَلِكَ الدَّهْرَ كُلَّهُ)). وكثيرٌ من الناس يُؤَدُّونَ الصلاةَ، ولكنْ لا تنهاهم صلاتُهم عن الفحشاء والمنكر؛ ذلك بأنهم ضَيَّعُوا الخُشُوعَ فيها.
ولقد حَثَّ الله جَلَّ وَعَلاَ على الخشوع في الصلاة، وأمَر به، ورتَّب على فعله أجرًا كبيرًا؛ كما قال جَلَّ وَعَلاَ: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون: 12]، فبدأ بأول صفة وهي الخشوع في الصلاة؛ لِعِظَمِها وَلِكَبِيرِ قَدْرِها.
وانظر ـ يا عبد الله ـ في صلاة رسول الله ؛ لترى كمالَ الهَدْيِ فِيها؛ فإنَّ عبدَ الله بن الشخير يقول: جئت إلى رسول الله وهو يُصَلِّي، ولِجوفه أزيزٌ كأزيز الْمِرْجَلِ مِنَ البكاءِ. ولَمَّا مَرِضَ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ قال: ((مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ))، فقالت عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُا: يا رسول الله، إن أبا بكر رجل رقيق؛ إذا قام مقامك لم يُسْمِعِ الناسَ من البكاء. قال: ((مُرُوهُ فَلْيُصَلِّ)). وثبت أن عمر كان يُسْمَع نشيجُه مِن بين الصفوف وهو يقرأ سورة يوسُف.
ذلك هو الذي جعلهم يَتَلَذَّذُون بالصلاة، ويركضون إليها إذا حَزَبَتْهُمُ الأمورُ، ذلك هو الذي جعلهم يُحِبُّون الصلاة حبًّا جمًّا؛ فيرونها أسعدَ لحظاتِ حياتِهم، يقول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ كما في المسند بإسناد حَسَن: ((يَا بِلاَلُ، أَرِحْنَا بِالصَّلاَةِ))، ويقول كما في السنن والمسند بإسناد جيد: ((وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلاَةِ)).
فإلى أولئك الذين يجعلون من صلاتِهم أوديةً للخطرات والوساوس والتفكيرات والنظر في أمور الدنيا والملذوذات، إلى أولئك نقول: رويدًا على أنفُسِكُم؛ فلقد خَسِرْتُم كثيرًا، وفَرَّطْتُم في أجرٍ كَبِير. يقول ابنُ عباس رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا: (ما لك مِن صلاتِك إلى ما عَقَلْتَ)، ومِصداق ذلك في سنة الرسول ؛ يقول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ كما في سنن أبي داود وغيره بإسناد لا بأس به: ((إِنَّ الرَّجُلَ لَيَنْصَرِفُ وَمَا كُتِبَ لَهُ مِنْ صَلاَتِهِ إِلاَ عُشْرُهَا، إِلاَ تُسْعُهَا، إِلاَ ثُمْنُهَا، إِلاَ سُبْعُهَا، إِلاَ سُدْسُهَا، إِلاَ رُبْعُهَا، إِلاَ ثُلُثُهَا، إِلاَ نِصْفُهَا)).
فما حالك ـ يا عبدَ الله ـ إذا كان الله جَلَّ وَعَلاَ قد كتب لك من ثواب هذه الصلاة العُشْر؟! لا شك أنك مغبون، وأنك مُفَرِّط.
عباد الله، تعلمون مَن تقابلون في هذه الصلاة؟ إنكم تقابلون الله تَعَالَى، إنكم تقابلون ملك الملوك؛ فبئس من رجل يقابِلُ الله جَلَّ وَعَلاَ ثم ينصرف عن الله يمينًا وشمالاً؛ ألا تعلمون أن ربَّنا جَلَّ وَعَلاَ إذا كَبَّر أحدُنا تكبيرة الإحرام نَصَب وجْهَهُ لِوَجْهِ عَبدِهِ، حتَّى يلتفت العبدُ من صلاته، عندئذ ينصرف الله عنه، وإذا كان كذلك خلَّى الله جَلَّ وَعَلاَ بينه وبين الشيطان؛ فأفسد صلاتَه.
إن كثيرًا من الناس إذا دخل على الملوك أو الأمراء أو على مديره في دائرته عَظَّمه، وأصغى إليه، وخَشَع في حَضرتِه؛ فلا تَمَايُل، ولا انصراف، ولا خطرات؛ بل يُظْهِرُ لِهذا المسؤول أنه مُهْتَمٌّ بأمرِهِ، مُعْتَنٍ بما يقوله. فكيف لا يفعل المسلم ذلك مع ربِّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وهو مَلِك الملوك المطلع على ما تخفيه الضَّمائِرُ والصُّدُور؟!
فيا عباد الله، اتقوا الله جَلَّ وَعَلاَ في صلاتِكم، وارعوُا الخشوعَ فيها، واجلبوا ما يُرَقِّقُ قلوبكم في التَّفَكُّر فيما يُتلى عليكم مِن كتاب الله، وفيما تتلفظون من أذكار في الصلاة؛ فإذا قال المسلم: (الله أكبر) تأمَّلَ معناها قليلاً؛ فوجد أن الله أكبر من كل شيء، أكبر من هذه الدنيا وما فيها من زخارفَ وشهوات؛ عندئذ يوحي إليه ذلك أن لا يلتفت عن هذا الكبير الذي هو أكبر من كل شيء. يتأمل المسلم في قراءة القرآن وما فيه من العبر والعظات، هذا القرآن الذي لو أنزل على جبل لتصدَّع وتلاشى مِن عِظَم هذا القرآن، فما بالُ قلوبِنا ـ يا عباد الله ـ أصبحت كالحجارة أو أشد قسوة؟!
إن الواجبَ علينا مراجعةُ أنفُسِنا، والنظرُ في حالِ صلاتنا؛ كم مِنْ مُصَلٍّ لا تنفَعُه صلاتُه نفعًا كبيرًا! كم من مصل لا تكون صلاته نورًا له في هذه الدنيا وفي الآخرة! كم من مصل لا تنهاه صلاته عن الفحشاء والمنكر!
الخطبة الثانية
فإلى أولئك المصابين بداء فَقدِ الخشوع نقول: إن هذا الداء له شفاءٌ في كتاب الله وسنة رسوله .
ومن أعظم الشفاء ما ثبت في صحيح مسلم عن عثمان بن أبي العاص أنه جاء إلى النبي فقال: يا رسول الله، إن الشيطان قد حال دوني ودون صلاتي؛ فلا أعلم ما قراءتي ما صلاتي، فقال عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: ((ذَاكَ شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ: خِنْزَبٌ؛ فَإِذَا أَحْسَسْتَهُ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهِ، وَانْفُثْ عَنْ يَسَارِكَ ثَلاَثًا؛ فَإِنَّهُ لاَ يَأْتِيكَ))، قال عثمان بن أبي العاص: ففعلتُ ذلك فأذهبه الله جَلَّ وَعَلاَ عَنِّي.
فما عليك ـ يا عبد الله ـ إذا تسلَّط عليك الشيطان وأراد أن يصرفك عن لذة المناجاة مع ربك في هذه الصلاة إلا أن تلتجئ وتحتمي، بمِنَ؟ بملك الملوك، مِمَّن؟ من أحقر عباده وأذلهم، من الشيطان الرجيم؛ فتقول: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) استعاذةً صادرة من القلب؛ لِيَتَقَبَّلَهَا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
| |
|