molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: من صور الفتن - عبد الرحمن بن عبد العزيز السديس الجمعة 2 ديسمبر - 5:49:29 | |
|
من صور الفتن
عبد الرحمن بن عبد العزيز السديس
الخطبة الأولى
أما بعد:
اللهم إنا نسألك السداد في القول والعمل اللهم اهدنا وسددنا اللهم إنا نعوذ بك من فتنة القول اللهم اهدنا لأرشد الأقوال والأفعال لا يهدي لأرشدها إلا أنت واصرف عنا سيء الأقوال والأفعال والأهواء والأدواء لا يصرف عنا سيئها إلا أنت عباد الله استميحكم عذرا في الإطالة بعض الشيء لأنني سأتحدث عن موضوع طالما زلت في الحديث عنه الأقدام بين غالي وجافي ومفرط ومفرط ومنافق ومتزمت وعلماني متربص وجاهل يهرف بما لا يعرف فضاعت معالم الحق فيه وصار منطلق الحديث ليس الحق وتحريه بل تناوش كل متحدث القضية ليحقق أهدافه ومراميه ويروي غليل صدره ويشفيه فما جمع متحدث أطراف القضية وبواعثها وقال بالحق في كل ملابساتها وأسبابها فخيارهم من عرف بعضاً وأعرض عن بعض شرارهم من قلب الحقائق وكال التهم بغير ما بينة أو برهان ناسيا أو متناسيا ما جاء في القرآن من كلام الرحيم الرحمن: والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا فاللهم إنا نعوذ بك من أن يؤذى مؤمن بسببنا وهو بريء ونسألك اللهم أن تجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر قوالين بالحق أينما كنا يا رب العالمين اللهم إنه قد صح عن نبيك صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((من أعان على خصومة بظلم لم يزل في سخط الله حتى ينزع))[1]، فنعوذ بك اللهم من أسباب سخطك وعقوبتك يا رب العالمين اللهم إنه قد صح عن نبيك صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((من أعان ظالما ليدحض بباطله حقا فقد برأت منه ذمه الله وذمة رسوله))[2]، فنعوذ بك اللهم من الحور بعد الكور ومن الضلالة بعد الهدى عباد الله إن حديثا هو حول هذه التفجيرات التي وقعت والتي نسأل الله أن يقي البلاد شرها وأن يحمي المسلمين من أذاها ولست بالذي أزعم أنني سأجمع أطراف القضية وأتحدث عنها فليس المقام يتسع لذلك وما مثلي بقادر على ذلك غير أني أقف مع الحدث وقفات أسأل الله السداد فيها أولها أن هيئة كبار العلماء قد بينت أن هذا التفجير عمل محرم شرعا لما فيه من هتك لحرمة الأنفس المعصومة وهتك لحرمة الأموال وهتك لحرمة الأمن والاستقرار وحياة الناس الآمنين المطمئنين في مساكنهم ومعايشهم وغدوهم ورواحهم ولما فيه من ترويع المسلمين ثانيا أنني وإن كنت أستبعد كل الاستبعاد أن يكون مخططو هذا التفجير أو منفذوه من أبناء السنة إلا أني أناقش معهم أمور فأقول: لقد كان في وسع محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه أن يحرقوا بيت أبي لهب أو بيت أبي جهل وهو نائم فيستريحوا من أئمة الكفر في زمانهم لكنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يفعل كيف وهو القائل صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((لا غدر في الإسلام)) كيف وهو القائل صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة عند أسته يقال هذه غدرة فلان بن فلان))[3] كيف وقد قال له ربه: وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء . أي فانبذ عليهم عهدهم حتى تكون أنت وهم في العلم بنقض العهد على حد سواء فلا تأخذهم على غرة لقد كان في وسع محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه أن يميلوا على أهل منى من مشركي قريش ليلة العقبة وهم نيام فيقتلوهم وقد استأذنه أصحابه صلى الله عليه وعلى آله وسلم في ذلك قائلين : لو شئت لنميلن على أهل منى غدا بأسيافنا فقال: ((لم أومر بذلك))[4] ونحن نقول اليوم لو كان خيرا لأمر به صلى الله عليه وعلى آله وسلم فكونه لم يأمر به مع قيام المقتضي وهو حرب قريش له ولأصحابه دل على أن هذا ليس طريقاً صحيحاً وأن الصحيح هو كف اليد حتى يأتي الله بالفتح أو أمر من عنده لقد كفرت قريش وحاربت محمداً صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه حربا ضروسا وآذتهم أذى شديداً فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا بل صبروا وكفوا أيديهم لما في هذا الكف من المصالح العظيمة في ثاني حال وما أثر أن واحدا منهم انتقم لنفسه قتلت سمية وياسر وعذب عمار ابنهما عذاباً شديدا ولم يزد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم على أن يقول لهم وهم في التعذيب: ((صبراً آل ياسر إن موعدكم الجنة))[5] وعذب بلال وخباب فلما شكى شدة العذاب قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم وكان متكئاً فجلس: ((لقد كان من قبلكم يؤتى بالرجل فينشر بالمنشار حتى يقع شقاه ما يصده ذلك عن دينه ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه ما يصده ذلك عن دينه والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون))[6]وضرب أبو بكر لما حجزهم عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وحال بينهم وبين الوصول إليه وهو يقول لهم: أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم وضرب ابن مسعود لإسلامه وأبو ذر لإسلامه وغيرهم كثير فما كان منهم إلا كف اليد والصبر حتى جاءهم الفرج وأقول أيضا لقد كفرت قريش وصدت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه عن المسجد الحرام وهم معتمرون وصدوا هديهم أن يبلغ محله وهو الحرم ومع ذلك لم يقاتلهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في تلك الغزوة مع أن عنده قوة وسلاحا والسبب في ذلك هو ما ذكره الله بقوله: ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطؤهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ليدخل الله في رحمته من يشاء لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذاباً أليماً فالمانع من قتالهم هو اختلاط المسلمين بالكافرين فلا يدري القاتل أيقتل مسلماً مع الكافر أم لا فجعل المزايلة أي التمايز شرطا في قتال الكفار بقوله سبحانه: لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذاباً أليماً وهكذا رعيت حرمة الدم المسلم مع أن هذا المسلم مرتكب كبيرة من الكبائر وهي ترك الهجرة كما قال سبحانه: إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفواً غفوراً ومع أن الولاية الإيمانية مقطوعة بسبب عدم هجرتهم كما قال سبحانه: والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا ومع أن العهود والمواثيق مع الكفار مقدمة على ولايتهم حتى يهاجروا كما قال سبحانه: وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق مع كل هذا الإهدار لولايتهم إلا أن حرمة الدم المسلم حالت دون قتال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه لقريش بسبب وجود هؤلاء المسلمين بينهم وعدم تزيلهم وتمايزهم: لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما لقد قال الله لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولأتباعه من بعده: ولتستبين سبيل المجرمين – بفتح اللام - أي ولتعرف سبيل المجرمين وتتبينها فلا تكون ملتبسة عليك وعلى من معك وفي القراءة الأخرى: ولتستبين سبيل المجرمين – بضم اللام – أي ولتتضح سبيلهم فاستبانه سبيل المجرمين وتبينها مطلب شرعي يسعى إلى تحقيقه وكفى به للمصلحين شغلا عن هذه الأعمال التخريبية التي أجزم وأنا مطمئن أن ضررها أكثر من نفعها وإن سلمت أرواح المسلمين فيها مرة ومرة فما كل مرة تسلم الجرة كما قيل فلابد من البيان والدعوة وإبانة سبيل المجرمين وسبيل الصالحين ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيي عن بينة إن كثيرا من حقائق الدين ومسلماته تحتاج اليوم إلى بيان وتأكيد وتعاهد المرة بعد المرة ومن لي بقوم يزعمون أن الحجة قد قامت والمجحة قد اتضحت وسبل الدعوة قد استنفذت فلم يبق إلا القوة وأسبابها والتخريب وأساليبه فحذار حذار من جر البلاد إلى فتن لا يفرح بها صديق ولا يستفيد منها أحد إن من علامات الفتن أن يقتل المرء لا يدري فيم قتل ولا القاتل فيم قتل وقد قال الإمام البخاري في صحيحه: قال ابن عيينة عن خلف بن حوشب كانوا يحبون أن يتمثلوا بهذه الأبيات عند الفتن قال امرؤ القيس:
الحرب أول ما تكون فتية تسعى بزينتها لكل جهول
حتى إذا اشتعلت وشب ضرامها ولت عجوزا غير ذات حليل
شمطاء ينكر لونها وتغيرت مكروهة للشـم والتقبيـل[7]
قال ابن حجر: والمحفوظ أنها لعمر بن كعب ال+يدي ثم قال والمراد بالتمثيل بهذه الأبيات استحضار ما شاهدوه وسمعوه من حال الفتنة إنهم يتذكرون بإنشاد هذه الأبيات ذلك فيصدهم عن الدخول فيها حتى لا يغتروا بظاهر أمرها أولا ولقد صدق الشاعر في قوله: تسعى بزينتها لكل جهول لكل جهول أي لا علم عنده ولا حلم أما من كان مزموما بزمام العلم الشرعي وبزمام الحلم والعقل البعيد عن الطيش والتهور فما كان له أن يقع في شيء من هذا وما كان له أن يقره أو يرضى به فلنلزم السنن يا عباد الله ونحذر الفتن ولنحذر الفتن أن نسعى إلى إبرامها بكلمة أو ببسمة أو بفرحة ولنصدع بما ندين الله به حيالها وقديما قال الحكماء: حاكم غشوم خير من فتنة تدوم فحذار من السعي في الفتن وأسبابها دونكم العلم الشرعي فاطلبوه وما حصلتم منه فانشروه واعملوا به.
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
[1] سنن ابن ماجة (320).
[2] مستدرك الحاكم (4/100) بلفظ "من أعان باطلاً. . ".
[3] ابن ماجة (2872) دون قوله "عند إسته" واخرج بعضه البخاري (7111).
[4] مسند أحمد (3/461).
[5] سيرة ابن هشام (1/342)،ومستدرك الحاكم (3/383).
[6] صحيح البخاري (3612).
[7] صحيح البخاري – كتاب الفتن – باب في الفتنة التي تموج كموج البحر.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشانه وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى غفرانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فيا عباد الله: قد نص بيان هيئة كبار العلماء على أن هذا العمل لا يحتسب على المسلمين المهتدين بهدي الإسلام المعتصمين بالكتاب والسنة المستمسكين بحبل الله المتين وبذلك يكونون قد قطعوا الطريق على العلمانيين وأذنابهم الذين استغلوا الحدث الأول والثاني للوقيعة بالمصلحين والنيل من أهل الاستقامة والدين فكشروا عن أنيابهم وأظهروا ما تكنه صدورهم والله سبحانه وتعالى يقول: أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول والله يعلم أعمالكم ويقول سبحانه: وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم فما كان لعلماني حاقد أن يتكلم في قضايا الأمة مع وجود الذين يستنبطونه من أهل العلم والإيمان وأختم حديثي خشية الإطالة المملة مؤكدا أنني لم أحط بالقضية من جميع جوانبها ولم أتناول المسألة بكل معطياتها إنما هي وقفات ونصائح عرفت بها بعضا وأعرضت عن بعض.
أسأل الله أن يجعلنا من قوم يسمعون القول فيتبعون أحسنه اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
[right] | |
|