molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: الطاعات - عبد الرحمن بن عبد العزيز السديس الجمعة 2 ديسمبر - 5:56:18 | |
|
الطاعات
عبد الرحمن بن عبد العزيز السديس
الخطبة الأولى
أما بعد:
فيا عباد الله: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً .
عباد الله لقد انقضى شهر الصيام فلله من المقبول منا فنهنيه, ومن المطرود المحروم منا فنعزيه, من المصطبغ منا بصبغ القرآن ومن أحسن من الله صبغة, ومن المستمع منا لهذا القول فالمتبع أحسنه, ومن التالي منا لهذا الذكر فالمقشعر منه جلده: الله نزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء , من المتدبر منا لهذا القرآن فالساكب دمعته: إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجداً ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولاً ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعاً , كم آية عقلناها: إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجداً وبكياً , كم سورة وعيناها: أفلم يدبروا القول أم جاءهم ما لم يأتي آبائهم الأولين أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها , كم دعوة لبيناها: ويا قوم ما لي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار يا قوم أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم , كم حكمة أوتيناها: ومن يؤتي الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً وما يذكر إلا أولوا الألباب , كم نعمة ذكرناها فشكرناها: اعملوا آل داود شكراً وقليل من عبادي الشكور لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار وما بكم من النعمة فمن الله , كم معصية حذرناها فتركناها: ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين ولا تجعلوا مع الله إله آخر إني لكم منه نذير مبين وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنين لعلكم تفلحون .
عباد الله: لقد تلونا القرآن في رمضان كثيراً فهل ترك فينا أثراً؟ أو قوم منا عوجاً؟ أو أصلح فينا منهجاً؟ أو قوى فينا مبدأ؟ أو رسخ فينا علماً؟ أو جدد فينا عزماً؟ تالله إن لم يكن أحدث فينا ذلك فما تلوناه حق تلاوته وإن قومنا حروفه وأحسنا نطق آياته, فإنما أنزل القرآن للتدبر والعمل لا للتغني به مع ال+ل , وتنغيمه مع ترك العمل: كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليذكر أولوا الألباب , فما أعظم هجران التالين له من المسلمين اليوم, يمرون على القوارع فيه فلا تهتز قلوبهم ولا تقشعر جلودهم ولا تدمع عيونهم ويسمعون أمره فلا يأتمرون وزاجره فلا ينتهون, فبالله متى يصدق من لم يصدق أحسن الحديث وأفضل القول؟ ومتى يكف من لم يكف عن غيه عند سماع زواجر القرآن؟ ومتى يمتثل لله في أمره من لم يمتثل لأمر القرآن؟ فالله تعالى يقول: فذكر بالقرآن من يخاف وعيد , ويقول: وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع لعلهم يتقون , ويقول: وجاهدهم به جهاداً كبيراً . من لم يلن قلبه للقرآن فما هو بلين, ومن لم يعتبر بالقرآن فما هو بمعتبر, ومن لم يصدق بالقرآن فما هو بمؤمن.
عباد الله: إن أول أمر في المصحف الكريم هو الأمر بعبادة الله وحده, وأول نهي هو النهي عن الشرك بالله: يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون الذي جعل لكم الأرض فراشاً والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقاً لكم فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون , فاعرفوا لله حقه واعبدوه واشكروه.
اجتنبوا الرجز من الأوثان واجتنبوا قول الزور حنفاء لله غير مشركين به: ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار , لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين ولئن أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون , فالحذر الحذر يا عباد الله من الشرك كبيره وصغيره, من سجد لصنم فقد أشرك ومن أحب غير الله كحب الله فقد أشرك, ومن رضي بغير الله حكماً فقد أشرك, ومن أطاع غير الله فيما يحاد شرع الله فقد أشرك: وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون .
عباد الله ((الصلاة الصلاة)) وصية رسول الله وهو في سكرات الموت[1], لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة, ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر))[2], ((بين الرجل والشرك ترك الصلاة))[3], قال الله سبحانه: فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً , يا تارك الصلاة عد إلى رشدك وأقلع عن غيك, يا تارك الصلاة تب مادامت الروح في الجسد قبل أن تغرغر, يا تارك الصلاة اعلم أن أول ما يحاسب عليه العبد من عمله الصلاة فإن صلحت صلح سائر عمله وإن فسدت فسد سائر عمله, يا مفرطاً في حقها يا مؤخراً لها عن وقتها اسمع خبر خالقك: فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون , يا مؤديها في بيتك مع النساء اسمع قول نبيك صلى الله عليه وسلم: ((من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر))[4], ثم تدبر رعاك الله لمن بنيت هذه المساجد إن صليت أنت في بيتك وأنا في بيتي ولزم كل منا منزله, فمن لبيوت الله التي أذن أن ترفع ويذكر فيها اسمه؟ في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء ال+اة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب .
إن من العار وأسباب دخول النار أن تبقى مساجدنا خاوية إلا من قلة قليلة ممن نور الله بصائرهم فلله كم حسنة ربحوها وخسرها المصلي في بيته, وكم سيئة محيت عنهم وبقيت في صحيفة المصلي في بيته, صح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((من توضأ فأحسن الوضوء ثم مشى إلى المسجد كتب له بكل خطوة يخطوها إلى المسجد حسنة ومحي عنه سيئة ورفع بها درجة))[5].
عباد الله أدوا زكاة أموالكم وطيبوا بها نفساً فقد صح عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا جاء بها يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمي بها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى إلى العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار))[6], قال الله سبحانه: والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون , أحصوا أموالكم وأخرجوا +اتها وتوبوا مما كان منكم من تفريط فما نقص مال من صدقة.
عباد الله بروا أباءكم وأمهاتكم, فقد صح عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه سئل: ((أي العمل أفضل قال الصلاة على وقتها, قال: ثم أي؟. قال: بر الوالدين. قال: ثم أي؟. قال: الجهاد في سبيل الله))[7], وسئل صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك. قيل: ثم من؟ قال: أمك. قيل: ثم من؟ قال: أمك. قيل: ثم من؟ قال: أبوك))[8], وقال الله سبحانه: حملته أمه وهناً على وهن وفصاله في عامين , وقال جل شأنه: حملته أمه كرهاً ووضعته كرهاً وحمله وفصاله ثلاثون شهراً .
ربنا أوزعنا أن نشكر نعمتك التي أنعمت علينا وعلى والدينا وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه, أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
[1] مسند أحمد (1/78) سنن أبي داود (5156).
[2] مسند أحمد (5/346) سنن الترمذي (2621) سنن النسائي (463) سنن ابن ماجة (1079).
[3] صحيح مسلم (82).
[4] سنن ابن ماجة (793).
[5] صحيح البخاري (2119).
[6] صحيح مسلم (987).
[7] صحيح البخاري (527)، صحيح مسلم (85).
[8] صحيح البخاري (5971) صحيح مسلم (85).
الخطبة الثانية
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله اللهم صلي وسلم عليه وعلى آله أجمعين.
أما بعد فيا عباد الله: فاحذروا أن تقطعوا الأرحام: فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم , صح عنه صلى الله عليه وسلم: ((لا يدخل الجنة قاطع رحم))[1], وصح عنه صلى الله عليه وسلم: ((الرحم معلقة بالعرش تقول من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله))[2].
عباد الله: ردوا الحقوق لأصحابها وأدوا الأمانات إلى أهلها فإن الظلم ظلمات يوم القيامة, ودعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب ويقول له الله: لأنصرنك ولو بعد حين[3]. والدين فاحذروا التهاون به, طهروا قلوبكم من الغل والحسد والبغضاء: ((ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تناجشوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخواناً , المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ولا يخذله))[4], ويل لكل همزة لمزة , إياكم والغيبة والنميمة: ولا تطع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم , ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم , احذروا الكذب وقول الزور فلعنة الله على الكاذبين: ((ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً))[5].
عليكم بمعالي الأخلاق واجتنبوا سفاسفها, اسعوا في قضاء حوائج إخوانكم فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم: ((أحب الناس لله أنفعهم))[6], وصح عنه صلى الله عليه وسلم: ((أحب الأعمال لله عز وجل سرور تدخله على مسلم أو تكشف عنه كربة أو تقضي عنه ديناً أو تطرد عنه جوعاً))[7], وصح عنه صلى الله عليه وسلم: ((من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة))[8], يا أصحاب الديون انظروا المعسرين إلى ميسرة فقد دخل رجل الجنة بإنظاره المعسرين[9], قال الله تعالى: وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة .
عباد الله مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر وتناصحوا فيما بينكم ولينوا لبعضكم وتسامحوا وأصلحوا ذات بينكم فلن تعدموا من ذلك خيراً , فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم: كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ، ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون . ((كلكم راعي وكلكم مسئول عن رعيته))[10].
عباد الله هذا يوم عيد من الله به علينا بعد صيام رمضان وقيامه كما نفرح بالأضحى بعد الوقوف بعرفات وصيامه وإن من سنن نبيكم صلى الله عليه وسلم التوسعة على الأهل والعيال بالتسامح في المباحات وجلب أنواع المسرات إليهم , وما أكثر ما يدخل السرور مما أباح الله: قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة ، وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين , وتذكروا وأنتم تفرحون بالعيد إخوان لكم في بقاع كثيرة من بلاد الله شردوا وطردوا وأوذوا واضطهدوا وقتلوا تقتيلاً, فلا تنسوهم من صالح دعائكم وتبرعاتكم في البوسنة والصومال والفلبين وكشمير وفلسطين وبقاع كثيرة من أرض الله.
عباد الله: اعلموا أن دينكم منصور وعدوكم مدحور بنص الكتاب والسنة: وما كيد الكافرين إلا في تباب ، وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون ، وكان حقاً علينا نصر المؤمنين ولينصرن الله من ينصره إن الله قوي عزيز ، إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد , ولئن علا الباطل فإن علوه في سفول ونجمه في أفول وقوته زائلة: كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما ال+د فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال , اعتبروا بفرعون وجنوده كيف أهلكهم الله وهم في قوة سطوتهم وكثرة ناسهم وقلة عدوهم وكثرة نصيرهم: فأخذهم الله بذنوبهم وما لهم من الله من واق .
دعوا المظاهر وانظروا للجواهر فقد غر قارون كثرة ماله وخدمه وحشمه فخسف الله به الأرض وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس يقولون: ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر لولا أن من الله علينا لخسف بنا ويكأنه لا يفلح الكافرون .
يا نساء المسلمين اتقين الله في نفوسكن وأزواجكن وأولادكن, سألت امرأة النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: ((يا رسول الله إنكم يا معاشر الرجال تجاهدون ولا نجاهد. فقال صلى الله عليه وسلم: إن حسن تبعل إحداكن لزوجها يعدل ذلك كله)), تحرين الحلال في أفعالكن وأقوالكن واحذرن أن تفتن أو تُفتن, والزمن الحجاب الذي شرعه الله لكن حماية وصوناً لأعراضكن, وربين أولادكن التربية الصالحة ونشئوهن على حب المساجد ومجالسة الصالحين ومجالسة الأخيار, وربين بناتكن على الحشمة والعفاف ولبس الساتر من اللباس.
[1] صحيح مسلم (2556).
[2] صحيح مسلم (2555).
[3] مسند أحمد (2/305)، سنن الترمذي (2525)، سنن ابن ماجة (1752).
[4] صحيح مسلم (2564).
[5] صحيح البخاري (6094)، صحيح (2607).
[6] المعجم الكبير للطبراني (13646).
[7] الموضع السابعة ، الحديث نفسه.
[8] صحيح مسلم (2699).
[9] صحيح البخاري (2078).
[10] صحيح البخاري (893)، صحيح مسلم (1829).
| |
|