molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: أبو سفيان رضي الله عنه - عبد الرحمن بن الصادق القايدي الخميس 1 ديسمبر - 5:49:23 | |
|
أبو سفيان رضي الله عنه
عبد الرحمن بن الصادق القايدي
الخطبة الأولى
حديثنا اليوم عن صحابي وزعيم من زعماء مكة حمل لواء الشرك زمنًا طويلاً، وتأخر إسلامه إلى يوم الفتح، فلم يدخل في الإسلام إلا عندما فتحت مكة ودخل الناس في دين الله أفواجًا، كان شديد العداء للإسلام، وفي غزوة بدر كان هو قائد القافلة القادمة من الشام، وفي غزوة أحد كان في مقدّمة المحاربين للإسلام، وهو الحامل للواء الكفر يومذاك، وأشد الناس تأليبًا على المسلمين.
إنه أبو سفيان بن حرب، خرج بجيش عرمرم لغزو المدينة، يريدون استئصال دين محمد ، ولقد انتصر المسلمون في بداية المعركة، ثم ترك الرماة موقعهم على الجبل، وعصوا أمر رسول الله مجتهدين؛ لأنهم ظنوا أن الحرب قد انتهت، فطوّق خالد بن الوليد المسلمين من وراء الجبل، وقتل كثيرًا من المسلمين، فلما وضعت الحرب أوزارها أشرف أبو سفيان على الجبل وأخذ ينادي بأعلى صوته: أفيكم محمد؟ فلم يُجبه أحد، فقال: أفيكم ابن أبي قحافة؟ يعني: أبا بكر، فلم يُجبه أحد، فقال: أفيكم عمر بن الخطاب؟ فلم يُجبه أحد، وقد كان رسول الله منعهم من الإجابة، ولم يسأل إلا عن هؤلاء الثلاثة؛ لعلمه ويقينه أن الإسلام قائم بهم، فإذا قُضِيَ عليهم قُضِيَ على الإسلام، ولما لم يُجبه أحد نادى قومه قائلاً: أما هؤلاء فقد كُفيتموهم، ولم يتمالك عمر بن الخطاب رضي لله عنه نفسه وهو يسمع أبا سفيان، فقال: يا عدوَّ الله، إن هؤلاء أحياء، وقد أبقى الله عليك ما يسُوؤك، ثم رفع أبو سفيان صوته مفتخرًا ومباهيًا بمعبوده الوثن، وأخذ يردّد: أُعْلُ هُبَل أُعْلُ هُبَل، فقال النبيّ لأصحابه: ((أجيبوه))، فقالوا: ماذا نقول؟ قال: ((قولوا: الله أعلى وأجلّ))، فقال أبو سفيان: لنا العُزَّى ولا عُزَّى لكم، يريد أن له إلهًا وهو العُزَّى، فقال النبي لأصحابه: ((أجيبوه))، فقالوا: وماذا نقول؟ قال: ((قولوا الله مولانا، ولا مولى لكم))، ثم قال أبو سفيان شامتًا بالمسلمين: يومٌ بيوم بدر، الحرب سجِال، فأجابه عمر رضي لله عنه: لا سَوَاء، قتلانا في الجنّة وقتلاكم في النار، ثم خاطب أبو سفيان عمر فقال: أنشدك الله يا عمر، أقتلنا محمدًا؟ قال عمر: اللهم لا، وإنه ليسمع كلامك الآن، فقال: أنت أصدقُ عندي من ابن قمئة وأبرّ. وابن قمئة هذا هو الذي أشاع أن محمدًا قد قُتل في هذه المعركة.
إخوة الإسلام، أبو سفيان هذا له قصّة مع الروم، فيها عبرة، حيث أظهر الله الحقّ على لسانه لقيصر الروم، وملخص القصة كما رواها الإمام البخاري: كان رسول الله قد كتب كتبًا إلى ملوك وعظماء العالم يدعوهم إلى الإسلام، وهذا قبل فتح مكة، وقبل أن يتقوّى الإسلام ويكون له شوكه، فلما جاء كتاب رسول الله إلى قيصر الروم قرأه وقال لحاشيته: التمسوا إلي أحدًا من العرب المتواجدين في الشام، فوجدوا أبا سفيان وصحبه، فأدخلوهم على قيصر وهو جالس على عرش ملكه، وعليه تاج الملوك، وحوله عظماء الروم، ثم دعانا كما يقول أبو سفيان، ودعا بترجمان، وقال: أيهم أقرب نسبًا لهذا الرجل الذي يَزعُمُ أنه نبيّ؟ قال أبو سفيان: قلت: أنا أقربهم نسبًا، قال القيصر: أدنوهُ مني، وقربوا أصحابه فاجعلوهم خلف ظهره، وإني سائله، فإن كَذَبَ فكَذِّبوه، وسأل هرقل أبا سفيان أحد عشر سؤالاً مبتدئًا: كيف نسبه فيكم؟ ومنتهيًا: بماذا يأمركم؟ فأجاب عليها أبو إجابات صحيحة، وبعد أن انتهى من الإجابات تحدّث ملك الروم وعلّل أسباب أسئلته، ثم قال لأبي سفيان: فإن كان ما تقوله حقًا فَسَيملِك موضع قدَميَّ هاتين، أي: يملك الشام وتصبح ديارًا للمسلمين هي وما حولها، ثم قال هرقل: وقد كنت أعلم أنه خارج، ولكن لم أكن أظنّ أنه منكم، أي: من العرب، ولو أني أعلم أني أخلصُ إليه لتجثمتُ لقاءه، أي: تحملت عناء السفر حتى أصل إليه، ولو كنت عنده لغسْلتُ عن قدميه. ثم دعا بكتاب رسول الله فقرئ علينا، فإذا هو: ((بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد: فإني أدعوك بدعاية الإسلام ـ أي: الدخول في دين الإسلام ـ، أسلِم تَسْلَم يؤتك أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين ـ أي: العمال والفلاحين ـ، قال تعالى: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إلى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران: ٦٤])).
قال أبو سفيان: فلما قضى مقالته علت أصوات الذين حوله من عظماء الروم، وأُمِر بنا فأُخرِجنا ولا نعلم ماذا حدث، فلما خرجت مع أصحابي قلت لهم: لقد عَظُم أمر ابن أبي كبشة، يعني: بذلك رسول الله ؛ لأن المشركين كانوا يقولون عن رسول الله: إنه ابن أبي كبشة انتقاصًا وبغضًا له ، وأبو كبشة هذا هو زوج مرضعة الرسول حليمة السعدية، فنسبوه إليه انتقاصًا لقدره؛ ولهذا قال أبو سفيان: عَظُم أمر ابن أبي كبشة، فكان أبو سفيان بعدما خرج من عند ملك الروم يقول: فوالله، ما زلت موقنًا بأن أمر رسول الله سيظهر حتى أدخل الله عليّ الإسلام. رواه البخاري.
ومع ذلك كان يعاند ويُصر على الاستكبار والغطرسة، أما ابنته رَمْلَة فقد أسلمت قبل أبيها، وهاجرت مع زوجها إلى الحبشة خوفًا من أذى أبيها، وهناك تنصّر زوجها ومات وتركها وحيدة لا زوج لها ولا نصير، وتقول أم حبيبة وهذه كنيتها: ما إن انقضَت عدّتي من وفاة زوجي فما شعرت إلا بجارية الملك تستأذن عليّ، فأذنت لها، فقالت: إن الملك يقول لك: إن رسول الله كتب إليه أنه يرغب أن يتزوّج بك، وأن أكون أنا الواسطة في الزواج، ويقول لك: وكِّلي من يزوجك، ففرحتُ فرحًا عظيمًا لا يعلم قدره إلا الله، وقلت لها: بشرك الله بالخير، وأعطيتها سوارَين من فضّة وخواتم كانت بيدي؛ سرورًا بما بشّرتني به، ثم أرسلت إلى الصحابي خالد بن سعيد، فوكلته أن يزوجني، فتمّ كل شيء، وأصدقني رسول الله أربعمائة دينار دُفعت بواسطة النجاشيّ، فلما وصل المال إليّ أرسلت إلى الجارية التي بشرتني خمسين دينارًا، فقالت لي: عزم علَّي الملك أن لا آخذ مما أعطاك شيئًا، وقد أمر الملك نساءه أن يبعثن بكلّ ما عندهن من عطور وطيب، وقدمت بكل ذلك على رسول الله .
أيها الإخوة، أم حبيبة هذه لها موقف مشرّف ضدّ أبيها أبو سفيان، حينما نقضت قريش العهد في صلح الحديبية وجاء أبو سفيان ليجدّد العهد، ورفض النبي أن يجدّد العقد له، ذهب إلى ابنته لتتوسّط عند رسول الله فأبت، وذهب ليجلس على فراش رسول الله فأسرعت فطوَته عنه، فقال لها: ما لكِ يا ابنتي؟! أرغبتِ به عني أم رغبتِ بي عنه؟! فقالت له: إنك رجل مشركٌ نجسٌ، وهذا فراش رسول الله، ما كان لك أن تجلس عليه، فغضبَ وقال لها: لقد أصابك بعدي شرّ وبيل، وخرج من عندها.
نفعني الله وإياكم بالقرآن والسنة، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العلي العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي جعل الدنيا معبرًا إلى الآخرة، أحمد سبحانه يضاعف الحسنة ويغفر السيئة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أرسله الله للعباد رحمة، اللهم صلّ وسلم على عبدك ورسولك سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها المسلمون، وهكذا توالت المواقف على أبي سفيان وهو لا يزال مصرًا ومعاندًا، ولم يدخل الإسلام إلا بعد أن انتشر الإسلام وفتحت مكة، وأسلم مكرهًا وإلا ضُربت عنقه، ففي رواية ابن إسحاق في إسلام أبي سفيان قال: وركب العباس بغلة رسول الله البيضاء، وخرج يلتمس بعض الرعاة أو الحطابة ليخبر قريشًا ليخرجوا يستأمنون رسول الله قبل أن يدخل مكة فاتحًا، قال العباس: والله، إني لأسير على بغلةِ رسول الله إذ سمعت كلام أبي سفيان مع بُدَيل بن وَرقَاء، وهو يقول: ما رأيت كالليلة نيرانًا قطّ ولا عسكرًا! فعرفتُ صوتهُ فقلتُ: أبا حنظلة؟ فعرف صوتي فقال: أبا الفضل؟ قلت: نعم، قال: ما لك؟ قلت: هذا رسول الله في الناس، وَا صَبَاحَ قريش والله، قال: فما الحيلةُ فِداَكَ أبي وأمِّي؟ قلت: والله، لو ظفر بك ليضربَنَّ عُنقَكَ، فاركب معي على البغلة حتى آتي بك رسول الله فأستأمِنَه لك، فركب معي فكلما مررت على نارٍ من نيران المسلمين قالوا: من هذا؟ فإذا رأوا بغلة رسول الله وأنا عليها قالوا: هذا عمُّ رسول الله على بغلته، حتى مررت بنار عمر بن الخطاب، فلما رأى أبا سفيان ورائي على البغلة قال: أبو سفيان عدوّ الله؟ الحمد لله الذي أمكن منك، ثم خرج يشتدّ نحو رسول الله ليخبره بأمر أبي سفيان لعله يأذن له بقتله، فسبقته، وقلت: يا رسول الله، إني قد أجرته، أي: دخل في حمايتي، فقال رسول الله: اذهب به يا عباس إلى رَحْلك، ولما كان الصباح غدوتُ به إلى رسول الله، فلما رآه رسول الله قال: ((ويحك يا أبا سفيان! ألم يأن لك أن تعلم أنه لا إله إلا الله؟!))، قال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، ما أحلمكَ وأكرمكَ وأوصَلَكَ! والله، لقد ظننتُ أن لو كان مع الله إلَهٌ غيره لكان قد أغنى عني شيئا، فقال رسول الله: ((ويحك يا أبا سفيان! ألم يأنِ لك أن تعلم أني رسولُ الله؟!))، فقال أبو سفيان: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، ما أحلمكَ وأكرمكَ وأوصَلَكَ! فأمَّا هذه ففي النفس منها شيء، كأنه يقول: في نفسي منها شكّ، فقال له العباس: ويحك يا أبا سفيان! أسلم قبل أن تُضرَبَ عُنقَك، قال: فشهد شهادة الحقّ، فأسلم بواسطة ابن عباس مرغَمًا خوفًا من الموت، ثم بدأ يعرف حلاوةَ الإسلام ويترقّى في عبوديّته لله، وطلب من رسول الله بقوله: تؤمِّرَني حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين؟ فقال النبي: ((نعم)).
وفي معركة اليرموك يقف أبو سفيان واعظًا بعدما امتلأ قلبه إيمانًا وثقةً بالله وبرسوله، يمر بابنه يزيد فيقول: يا بنيّ، عليك بتقوى الله والصبر، فإنه ليس رجل بهذا الوادي من المسلمين إلا محفوفًا بالقتل، فكيف بك وبأشباهك الذين وُلُّوا أمور المسلمين؟! فاتق الله يا بني، ولا يكونن أحد من أصحابك بأرغب في الأجر والصبر في الحرب ولا أجرأ على عدو الإسلام منك، فقال: أفعل إن شاء الله.
وقال سعيد بن المسيب عن أبيه قال: هدأت الأصوات يوم اليرموك، فسمعنا صوتًا يكاد يملأ المعسكر يقول: يا نصر الله اقترب، الثبات الثبات يا معشر المسلمين، قال: فنظرنا فإذا هو أبو سفيان تحت راية ابنه يزيد.
فهكذا ـ أيها الأحبة ـ يفعل الإيمان إذا رسخ في شغاف القلب، لا بد أن ينع+ على الجوارح، ونقدّم الروح فداءً للدين؛ لأن الحفاظ على الدين مقدّم على الحفاظ على الأرواح والأنفس كما قال : ((لا يؤمن أحدكم حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما))، وفي رواية أخرى: ((لا يدرك أحدكم حقيقة الإيمان حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما))، فإن لم يقدم حب الله ورسوله على النفس والروح فعلى المسلم أن يراجع إيمانه ويبحث عن الخلل.
ثم صلوا وسلموا على كامل الإيمان نبينا وقدوتنا محمد بن عبد الله .
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وانصر من نصر الدين، اللهم عليك باليهود والنصارى ومن شايعهم من الكفرة والملحدين وأعداء الدين، اللهم انصر إخواننا المسلمين المجاهدين والمستضعفين في كل مكان، اللهم انصرهم في بيت المقدس وفي فلسطين...
| |
|