molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: النعم وشكرها - عبد الرحمن بن الصادق القايدي الأربعاء 30 نوفمبر - 9:52:42 | |
|
النعم وشكرها
عبد الرحمن بن الصادق القايدي
الخطبة الأولى
أما بعد: فإن الله سبحانه وتعالى أنعم علينا بنعم كبيرة وخيرات عظمى، أنعم علينا بالإسلام نستظل بظله في الدنيا وننعم بآثاره في الآخرة، أنعم علينا بعقل نميز به الطيب من الخبيث والنافع من الضار، وبنعم لا تحصى، قال تعالى: وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ [إبراهيم: 34]، فإن الإنسان منا لو أحسن إليه أحد من الناس فأخرجه من ضائقة أو قضى له حاجة أو عاونه في أمر فإنه لا يعرف كيف يشكره ويرد جميله، بل يقول له: إني عاجز عن الشكر، هذا مع عبد من العباد وفي أمر يحصل على قلة وقد لا يتكرر مرة أخرى، فكيف يكون موقفنا مع رب الأرباب ذي الطول والحول العزيز الوهاب والذي يقول: وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ [الذاريات: 21]، ويقول: وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً [لقمان: 20]، ويقول: وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الجاثية: 13].
يخبرنا الله سبحانه وتعالى أنه لا سبيل لعدّ وحصر نعمه، فهي كثيرة متتابعة، لكننا سنعيش مع بعض منها لنشكره جل وعلا حيث يقول: وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ [آل عمران: 145]، والشكر طريق الزيادة، لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ [إبراهيم: 8].
ومن أعظم النعم نعمة الإسلام وإكمال الدين إذ بها صلاح الدارين، ويمتن المولى علينا فيقول: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِينًا [المائدة: 3]. ومن النعم الكبرى علينا أيضًا نعمتا الأمن من الخوف والإطعام من الجوع، ولا يعرف قدر هذا إلا من فقدها، فانظروا حولكم فكم من حروب دمرت ونسفت، وكم من مجاعات أكلت وأبادت، والعالم يغلي من حولكم بكل أنواع الخوف والقلق والجوع، فاحمدوا الله على ذلك. ومن النعم التي يجب أن نستشعرها دائمًا اكتمال حواسنا من سمع وبصر وأفئدة، قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ [الملك: 23]. ومن نعمه الظاهرة سعة ذات اليد، فالنبي يقول: ((من أصبح منكم آمنا في سرية معافًى في جسده عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا))، فليس منا اليوم من عنده قوت يومه فقط، بل قد يكون قوت أسبوعه أو شهره، بل قل: سنته أو سنواته. ولا ننسى نعمة الزوج والذرية إن صلحت... إلى آخر النعم الكثيرة.
فاتقوا الله أيها الإخوة المؤمنون، واشكروا نعم الله إجمالاً وتفصيلاً، فإنه لا زوال لها أبدًا إذا شكرت، بل ولا بقاء لها إذا جحدت، اشكروها فكلما شكرت نعمه تجدد بشكرها أعظم منها، اشكروها فخير ما تحلى به أنبياء الله شكرهم لنعم الله عليهم، يقول سبحانه وتعالى عن نبيه نوح عليه السلام: إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا [الإسراء: 3]، وعن نبيه سليمان عليه السلام: وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ [النمل: 19]، ويقول نبينا محمد حينما قيل له بعد أن تفطرت قدماه من قيام الليل: لماذا تجهد نفسك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟! فقال : ((أفلا أكون عبدًا شكورًا؟!)).
وإن من شكر النعم ـ أيها الإخوة ـ التحدث بها على وجه الاعتراف بها لله، لا تطاولاً وفخرًا على من حُرِمَها، وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ [الضحى: 11]. إن من شكرها أن يرى أثرها على الإنسان في إنفاقه وصلته وبره. وإن من شكرها تذكرها، فليتذكر كل منا ـ أيها الأحبة ـ ما به من نعمه قد حرمها غيره، ليتذكر من كان معافى من يتقلب على ظهره وبطنه من شدة الألم، ليتذكر صاحب السمع مثلاً من فقد سمعه وصاحب البصر من فقد بصره وصاحب المال والغنى من لا مال عنده لينفقه، يقول أحد الصحابة: أتيت رسول الله وأنا قشف الهيئة ـ أي: رث ـ قال: ((هل لك من مال؟)) قلت: نعم، قال: ((من أي المال؟)) قلت: من كل من الإبل والخيل والرقيق والغنم، قال: ((فإذا آتاك الله مالاً فلير عليك؛ فالله سبحانه وتعالى يحب أن يرى أثر نعمته على عبده دون عجب ولا غرور أو كِبْر)).
وليحذر كل صاحب نعمة كل الحذر أن يغترَّ بها وأن ينسبها إلى غير المنعم بها، فإنها وإن كانت في حد ذاتها نعمة إلا أنها ابتلاء واختبار يختبر بها مدى تقبل هذا الإنسان لهذه النعمة وشكره عليها، وإلا تصبح هذه النعمة نقمة وبلية، فشكر النعمة الحقيقي لا بد أن تتوفر فيه ثلاثة شروط لينمو ويزداد: أولاً: الإقرار بالنعمة للمنعم سبحانه وتعالى، ثانيًا: نسبتها إليه وحده، ثالثًا: بذلها وإنفاقها فيما يحب.
أما من ينسب النعمة التي حصل عليها إلى نفسه وإلى ذكائه وحسن تدبيره وتصرفه سواء كانت مالاً أو غيره فقد كفر هذه النعمة، قال تعالى: فَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [الزمر: 49-52].
وقد يعجب البعض إنْ عَلِمَ أن نعم الله لا تنفك عنا حتى في المصائب والنكبات إذا صبرنا واحتسبنا، فإن النعمة في المصيبة تكون في رفع الأجر ووضع الوزر وكونها ليست في الدين وكونها يدفع بها بلاء أعظم منها وكونها مقدرة ومكتوبة عليك وقد وقعت وانتهت.
إنها نعم كثيرة عظيمة، فكيف السبيل إلى حفظها؟ إنه ـ يا عباد الله ـ الشكر، فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ [البقرة: 152]، والشكر يكون بالجنان واللسان وبالجوارح، بالجنان بإسناد النعمة إلى منعمها وبقصد الخير وإضماره لكافة الخلق، عن عائشة قالت: (ما أنعم الله على عبد نعمة فعلم أنها من عند الله إلا كتب الله له شكرها قبل أن يحمده عليها، وما أذنب عبدًا ذنبًا فندم عليه إلا كتب الله له مغفرة قبل أن يستغفره، وما اشترى عبدًا ثوبًا بدينار أو نصف دينار فلبسه فحمد الله عليه إلا لم يبلغ ركبتيه حتى غفر له) أخرجه الحاكم، وشكرٌ باللسان بقوله: الحمد لله في مبدأ أمرنا، فكل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد فهو أقطع أي: ناقص، وفي آخر أمرنا إذ يقول المصطفى : ((إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، أو يشرب الشربة فيحمده عليه)) رواه مسلم، ونشكره في سائر أحوالنا، وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِي الشَّكُورُ [سبأ: 13]، ويكون شكر الله بجوارحنا بعبادته كما أمر ابتعادا عن المنهيات وفعلاً للأوامر.
إنه لا يمكن أن نؤدي شكر الله، ولكن لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، وهذه نعمة أخرى لنا، فهو سبحانه أنعم علينا بما هو من قدْرته، ويقبل شكرنا على قدر طاقتنا وقدرتنا، فلنرِ الله من أنفسنا خيرًا.
لك اللهم الحمد أولاً وآخرًا، ونشكرك اللهم ولا نكفرك.
وأقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله ذي الجلال والإكرام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تفرد بالربوبية على الدوام، وأشهد أن نبينا محمدًا عبد الله ورسوله قام بشكر ربه حقّ القيام، صلوات ربي عليه وأ+ى تحية وسلام.
أما بعد: فإننا لما عرفنا مقام الحمد والشكر وأهميته نتعرض لمقام ـ أعيذ نفسي وإياكم منه ـ وهو مقام كفران النعم، فبقدر عظم فضل الشكر يكون عظم جرم الكفر، وأعني بالكفر هنا كفران النعم.
إن من كفر النعم ازدراء نعمة الله علينا وانتقاصها، وهذا من خصال النفس الدنيئة الطماعة التي لا تشبع ولا تقتنع، بل تحب أن تجمع وتجمع، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : ((إذا أحب أحدكم أن يعلم قدر نعمة الله عليه فلينظر إلى من هو تحته، ولا ينظر إلى من فوقه)) أخرجه ابن المبارك، وعنه كذلك قال: قال رسول الله : ((انظروا إلى من أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من فوقكم؛ فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله)) أخرجه مسلم.
فينبغي أن ننظر إلى من هو أسفل منا وذلك في أمور الدنيا، أما في أمور الدين فننظر إلى من هو أعلى منا؛ لأن الدنيا ضيقة والآخرة فسيحة وتحتاج إلى تنافس كما قال الله تعالى: وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسْ الْمُتَنَافِسُونَ [المطففين: 26].
ومن مظاهر كفران النعم من يعطيه الله مالاً فلا يخرج حقه و+اته، والذي يعطيه الله جاهًا ومنصبًا فيستغله في أغراضه الخاصة وفي إذلال الناس، والذي يسرف في مأكله ومشربه فيلقي بفضولها في الطرقات والشوارع، كل واحد من هؤلاء يمارس نوعًا من كفران النّعم، عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل النبي البيت فرأى +رة ملقاة، فمسحها فأخذها ثم أكلها وقال: ((يا عائشة، أكرمي كريمًا، فإنها ما نفرت عن قوم قط فعادت إليهم))، بمعنى أن هذه النعم تحتاج للإكرام وعدم رميها في المزابل أو الطرقات، وإلا نحرم منها ونفقدها.
وقد يظن الجاهل أن تقلبه في نعم ربه دليل رضاه عليه وإن أسرف وعصاه، وهذا غير صحيح، يقول سبحانه وتعالى: سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ [الأعراف: 182]، قال بعض المفسرين في معنى هذه الآية: "أي: نُسبغ عليهم النعم ونمنع عنهم الشكر"، وقال مفسر آخر: "كلما أحدثوا ذنبًا أحدثت لهم نعمة فينسون الشكر"، وعن عقبة بن عامر : ((إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب فإنما هو استدراج))، ثم تلا رسول الله فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ [الأنعام: 44].
فنسأل الله بأسمائه الحسنى أن يجعلنا وإياكم شاكرين لنعمه، مثنين بها عليه، إنه حسبنا ونعم الوكيل.
ثم صلوا وسلموا على خاتم الأنبياء وسيد المرسلين كما أمركم بذلك رب العالمين حيث قال: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56].
لبيك اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وانصر من نصر الدين، وألف بين قلوب المسلمين، ووحد صفوفهم، وأصلح قادتهم، واجمع كلمتهم على الحق يا رب العالمين...
| |
|