molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: النعم وشكرها - إحسان بن محمد شرف الحلواني الأحد 16 أكتوبر - 2:24:10 | |
|
النعم وشكرها
إ إحسان بن محمد شرف الحلواني
الخطبة الأولى
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
عباد الله، لقد سهل الله لعباده المتقين إلى مرضاته سبيلاً، وأوضح لهم طرق الهداية، وجعل اتباع الرسول عليها دليلاً، واتخذهم عبيدًا له، فأقروا له بالعبودية ولم يتخذوا من دونه وكيلاً، وكتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه لما رضوا بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد رسولاً، وهو الذي أقام في أزمنة الفترات من يكون ببيان سنة المرسلين كفيلاً.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة أشهد بها مع الشاهدين، وأتحملها عن الجاهدين، وأدخرها عند الله عدة ليوم الدين، وأشهد أن محمدًا عبده المصطفى ونبيه المرتضى ورسوله الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحيٌ يوحى، أرسله رحمةً للعالمين ومحجة للسالكين وحجة على العباد أجمعين، أرسله على حين فترة من الرسل، فيهدي به إلى أقوم الطرق وأوضح السبل، وافترض على العباد طاعته وتعظيمه وتوقيره وتبجيله والقيام بأوامره، فمن أطاعه دخل الجنة، ومن عصاه دخل النار وبئس القرار.
عباد الله، إن الذي يتأمل في حاله وحال المسلمين في هذا البلد الكريم يجد أننا نسبح ونرفل في نعم الله، نعم، نحن نتمتع بنعم الله في كل شيء، فقد أنعم الله علينا بالهدى وتيسير وسائل الخير وتوفر المساجد في كل مكان، ويستطيع الإنسان منا أن يعبد الله دون أن يمنعه أحد، قال تعالى: يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُواْ قُل لاَّ تَمُنُّواْ عَلَىَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلإيمَانِ إِنُ كُنتُمْ صَادِقِينَ [الحجرات:17]، قال الراغب: "يقال: مَنَّ فلان على فلان إذا أثقله بالنعمة".
فأنت ـ يا أخي الكريم ـ قد منّ الله عليك فجعلك في هذا المكان، لم يجعلك رقمًا في دول الغرب المادية الماجنة الكافرة، ولم يجعلك عجلةً مسنّنة تدور في دول الشرق المارقة الملحدة الشيوعية، ولم يجعلك إنسانًا مخدوعًا في فرقة من فرق البدع الضالة المضلة، وإنما حباك الله بالأمن والإيمان، وجعلك في بيتك أو خارج بيتك ليلاً أو نهارًا تحسّ بالطمأنينة وعدم الخوف إلا من الواحد الديان.
وحباك الله ـ أخي المسلم ـ من كل ما تشتهي من الطعام والشراب الطيب الحلال، ما طلب الإنسان صنفًا من الطعام إلا واستطاع إحضاره إلى بيته، ونجد أنه ما من فاكهة في العالم في الشرق أو في الغرب في الشمال أو في الجنوب إلا ووصلت إلى هذا البلد تحقيقًا لدعوة أبينا إبراهيم: وَإِذْ قَالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [البقرة:126].
هذه بعض النعم قد تكلمنا عنها، ونِعَم الله أكثر وأجلُّ من أن تعَدَّ أو تحصى، قال تعالى: وَأتَاكُم مّن كُلّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ [إبراهيم:34].
لكن ـ أيها الإخوة الأحبة ـ كيف نحافظ على هذه النعم من الزوال؟ وكيف نتّقي غضبَ الله وعذابه؟
إذا كنت ذا نعمة فارعها فإن المعاصي تزيل النعم
وداوم عليها بشكر الإله فإن الإلـه سريع النقم
وقال تعالى: لَئِن شَكَرْتُمْ لأزِيدَنَّكُمْ [إبراهيم:7]، وقال: وَسَنَجْزِى الشَّاكِرِينَ [آل عمران:145].
إذًا ـ أيها الأحباب ـ يجب علينا شكر النعمة، وإلا تحقق قول الله تعالى فينا: وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا [الإسراء:16]، فذهبت النعم واندثر الخير واختفى الأمن والأمان نتيجة تضييع منهج الله والتخلف عن ركب المؤمنين الصادقين العاملين.
وهنا يحتاج الأمر منا إلى وقفة ما دمنا قد عرفنا فضيلة شكر الله وأهميته، فيجب أن نعرف كيف نشكر الله على ما حبانا به، فالشكر يكون بالقلب واللسان والجوارح:
أما القلب فهو أن يقصد إلى الخير ويضمره للخلق كافة، ولا يكون في صدره حقد أو حسد أو بغضاء لأي إنسان.
وأما باللسان فهو إظهار الشكر لله بالتحميد، قال تعالى: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ [الضحى:11]، وقال الرسول : ((التحدث بالنعم شكر، وتركها كفر))، وروي أن رجلين من الأنصار التقيا فقال أحدهما لصاحبه: كيف حالك؟ قال: الحمد لله، فقال النبي : ((قولوا هكذا)).
وأما الجوارح فهو بأن تعبد الله حق العبادة، وتتوكل عليه حق التوكل، ولا تكون ممن يعبد الله في رمضان فقط، وينطبق عليهم قول قائلهم:
رمضان ولّى هاتها يا ساقي مشتاقة تسعى إلى مشتاق
بل ينبغي أن تكون مثل صحابة رسول الله ؛ يدعون الله بعد رمضان ستة أشهر أن يتقبل منهم رمضان، ثم يدعون ستة أشهر أن يبلغهم رمضان حتى يحصلوا فضل رمضان.
وعليك ـ أخي المسلم ـ أن تجتهد في العبادة وتخلص فيها لله وحده، لا رياء ولا سمعة، وتحاول أن تخشع في صلاتك وتصحّح ما تقع فيه من أخطاء.
وعليك ـ أيها الأخ المسلم ـ الحرص على قراءة القرآن بشكل دائم، وللأسف نجد أن كثيرًا ممن يرضى عن نفسه ويعتبر أنه أدى حق الله لا يحسن قراءة القرآن ويلحن فيه، وهذا مما لا ينبغي، فكيف تعتبر نفسك مسلمًا عبدًا لله يا من لا تعرف أن تقرأ كتاب ربك الذي تتعبّد به، فترفع المكسور وتنصب المرفوع وتع+ معاني الآيات؟!
وينبغي عليك ـ أخي المسلم ـ حتى تشكر الله بأن تتعلم العلم الشرعي الذي هو فرض عين عليك، فتتعلم العبادة والطهارة وتحسينها ولا تخطئ فيها، ثم تأتي بعد ذلك العلوم الدنيوية التي هي فرض كفاية، إن قام بها البعض وتخصَّص فيها سقطت عن الآخرين.
وعليك ـ أيها المسلم يا من رضيت بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد نبيًا ـ أن تربي أولادك التربية الصحيحة، وأن تخصص من وقتك جزءًا كبيرًا للسؤال عنهم وتوجيههم ونصحهم. وللأسف أعرف كثيرًا من الناس لا يدري ولده في أي سنة دراسية هو فضلاً من أن يعرف هل هو مجتهد أم +لان، أو أنه يداوم على الذهاب إلى المدرسة أم الذهاب إلى المقهى.
فعلى كل أب أن يراقب ولده ويراقب تصرفاته، ويحاسبه على ما يصدر من لسانه، وأن لا يترك ولده مهملاً أمام الفيديو والتلفزيون يشاهد الغث والسمين، وربَّ شريط فيديو يتناوله الصغار والشباب فيما بينهم يقلب كيان الولد ويفسده، وينقله من الإيمان إلى الكفر والعصيان.
وليعلم كلٌّ أن الله لن يحاسبه: لِمَ لَم يعمل حتى يجعل أبناءه وأهله في غاية الرفاهية والنعيم؟! ولكنه سيسأله سؤالاً شديدًا عن ابنه: هل علّمه القرآن أم تركه مع أهل المعاصي وأعوان الشيطان؟!
أقول هذا خاصة وأن الإجازة الصيفية قد بدأت، وبدأ معها التفلّت والضياع، فلذا كان من الواجب على الآباء توجيه أبنائهم نحو الأنشطة المفيدة، ومنها المراكز الصيفية التي ترعى فلذات الأكباد وتوجههم التوجيه الصحيح.
نسأل الله أن يعصمنا من الزلل والعصيان، وأن يتوب علينا، إنه هو التواب الرحيم.
أقول هذا القول، وأستغفر الله فاستغفروه.
الخطبة الثانية
أما بعد: فإنه ليس من شكر النعمة أن تترك هذا الأمن والأمان، وتترك مصايف المملكة ثم تذهب إلى الخارج لقضاء العطلة الصيفية حيث المعاصي والفجور مُتاح لكلّ طالب بعيدًا عن رقابة الناس، وكأن الله لا يراك، تنظر النظرة الحرام، وتجرد أهلك من الحجاب، وتجعلهم يمشون خلفك كالقطيع الهائم على وجهه لا يهتدي إلى سبيل ولا يستطيع قائده وراعيه أن يهديه سبيلاً قويمًا.
ولنعلم ـ أيها الإخوة ـ أنه من قبيل شكر الله أن نعرف من أعداؤنا، ونتعرف على مؤامراتهم وتخطيطهم وهجمتهم الفكرية من أجل مسخ الشخصية الإسلامية، حتى يسهل القضاء علينا والفتك بنا بعد أن تكون قيمنا ومبادئنا الإسلامية قد ولت أدراج الرياح.
وإنه لمن المشين والعيب والعار أن لا يعرف كل مسلم فينا صغيرًا أو كبيرًا ما هي الماسونية، وما هي اليهودية، وما هو التنصير الذي يسمّي نفسه: التبشير، ولا يعرف ما هي الشيوعية ولا الرأسمالية، ولا يعرف من هم الشيعة الرافضة أو القاديانية أو المار+ية أو الصوفية أو العلمانية، ولا يعرف ما هي مخططاتهم، ولا يعرف كيف يتوقى شرورهم، ثم يريد أن تدوم النعم ولا يقع عذاب الله وسخطه.
نسأل الله أن ينفعنا بما علمنا، وأن يعلمنا ما ينفعنا، وأن يهدينا سواء السبيل، وأن يخرجنا من الظلمات إلى النور.
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا...
| |
|