molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: خطبة استسقاء 30/8/1422هـ - عبد الباري بن عوض الثبيتي الخميس 24 نوفمبر - 8:02:17 | |
|
خطبة استسقاء 30/8/1422هـ
عبد الباري بن عوض الثبيتي
الخطبة الأولى
الحمد رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، والحمد لله مغيث المستغيثين، ومجيب المضطرين، ومسبغ النعمة على العباد أجمعين. لا إله إلا الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، لا إله إلا الله الولي الحميد، لا إله إلا الله الواسع المجيد، لا إله إلا الله الذي عمّ بفضله وإحسانه جميع العبيد، وشمل بخلقه ورحمته ورزقه القريب والبعيد، وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي ٱلأرْضِ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِى كِتَابٍ مُّبِينٍ [هود:6]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، أفضل النبيين، المؤيد بالآيات البينات، والحجج الواضحات والبراهين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه.
أما بعد:
فاتقوا الله حق التقوى، وراقبوه في السر والنجوى.
عباد الله، في نزول الأمطار حكمة بالغة، حين يتقاطر على الأرض من علوٍّ ليعم بسقيه وهادها وتلولها وضرابها وآكامها، ومنخفضها ومرتفعها، اقتضت حكمته، أن يحصي الأرض فوقها، فينشئ سبحانه السحاب، ثم يرسل الرياح فتلقّحها، ثم ينزل منه على الأرض بقدر الحاجة حتى إذا أخذت الأرض حاجتها، وكان تتابعه عليها بعد ذلك يضرها، أقلع عنها وأعقبه بالصحو ، قال تعالى: وَجَعَلْنَا مِنَ ٱلْمَاء كُلَّ شَىْء حَىّ [الأنبياء:30].
الماء من نعم الله وإحسانه على عباده، لا يُستغنى عنه، وإذا تأخر نزول الأمطار ضجّ العباد، وسقمت المواشي، واصفرّت الأشجار، وهلك الزرع، وجفّت الآبار والعيون، قُلْ أَرَءيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَن يَأْتِيكُمْ بِمَاء مَّعِينٍ [الملك:30].
البلاء أثر انحرافٍ عن منهج الله، وآثامٍ تراكمت فحجبت رحمة الله، وَمَا أَصَـٰبَكُمْ مّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ [الشورى:30]. نعم، إن رحمة الله ومغفرته، أوسع من ذنوب العباد، ولكن إذا استفحل الشر وطغى، كان من حكمة الله أن يطهّر قلوب عباده بما ينزل عليهم من مصائب، إذ النعم ودوامها كثيراً ما تبطر الإنسان، قال تعالى: وَلَوْ رَحِمْنَـٰهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مّن ضُرّ لَّلَجُّواْ فِى طُغْيَـٰنِهِمْ يَعْمَهُونَ [المؤمنون:75].
لا تعرف النعم إلا بفقدها، حين يُبتلى العباد بالقحط والجدب واحتباس المطر، وانقطاع الغيث فيتيقظ الغافلون، وينتبه التائهون قال تعالى: وَلَقَدْ صَرَّفْنَـٰهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُواْ [الفرقان:50]. فيظهر العباد افتقارهم وحاجتهم إلى خالقهم، فيلجؤون إليه مستغفرين تائبين، يلجؤون إلى من يرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته، إلى من ينزل المطر بقدر معلوم، عندها ينشر الله رحمته، وينزل الغيث، فتحيا الأرض، وينبت الزرع، ويعم الخير، قال تعالى: وَهُوَ ٱلَّذِى يُنَزّلُ ٱلْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُواْ وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ ٱلْوَلِىُّ ٱلْحَمِيدُ [الشورى:28]. فما أعظم فضله، وما أكثر نعمه.
صلاة الاستسقاء – عباد الله – ليست مجرد ركعات نؤديها، وأدعية نرتلها، لقد خرجت هذه الجموع سائلةً ربها أن يحوّل الله حالها من قحط وجدب إلى غيث وأمطار، ولا يتحقق ذلك حتى يحوِّل العباد حالهم من معصية إلى طاعة، من ذنب إلى توبة وندم، إلى عبادة وخشية لرب العالمين.
لما اشتكى المسلمون في المدينة إلى الرسول قحوط المطر، خرج فصلى بهم، ثم دعا الله تعالى فأنشأ الله سحابة فرعدت وبرقت، ثم أمطرت بإذن الله، فلم يأت مسجده حتى سالت السيول، فلما رأى سرعتهم إلى الكنّ ضحك حتى بدت نواجذه فقال: ((أشهد أن الله على كل شيء قدير، وأني عبد الله ورسوله)) [1].
إن هذه الألسن التي لهجت ليست كاذبة، والقلوب التي خشعت ليست غافلة، أغاثوا قلوبهم، وأصلحوا أحوالهم، فأغاث الله أرضهم وبلادهم. إن الله قريب مجيب، يستجيب لعباده إذا دعوه، إذا دعوه وقد غيروا أحوالهم، وزيّنوا بواطنهم، وطهّروا قلوبهم.
كان السلف الصالح إذا أجدبت الأرض وقحطت خرج المسلمون إلى الصلاة، شيوخاً وشباناً، تسمع التسبيح والتهليل، والاستغفار بأعين باكية، وجوارح ذليلة، وصدقات كثيرة، وخضوع وتواضع وسكينة، فيستجيب الله لهم، وقلَّ أن يعيدوا الصلاة في السنة الواحدة لكي يتفضل الله عليهم بالغيث، أما إذا استسقى العباد فلم يُسقوا، وسألوا فلم يعطوا، فإن ذلك يظهر حقيقة المجتمع بعدم امتثاله لأوامر ربه، وكان أمارة على هبوط الإيمان، وخلل في الأعمال، وإصابتهم بموانع إجابة الدعاء؛ أكل الحرام، الربا، الرشوة،...، عقوق الوالدين، قطع الأرحام، ناهيك عن أعمال القلوب السيئة من عجب ورياء، وحسد وبغضاء، وهل في الدنيا والآخرة شرور وبلايا إلا بسبب الذنوب والمعاصي، إن للمعاصي شؤمها وللذنوب آثارها، كم أهلكت من أمة، وكم دمّرت من شعوب، وكم قصمت من قرية، وبالمعاصي تزول النعم، ويحبس المطر، بسببها تتوالى المحن، وتتداعى الفتن، إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ [الرعد:11].
المعاصي توجب في الأرض الخسف والزلازل، وتظهر [في المجتمع] الآفات، وتمحق الرزق والبركات، قال : ((وإن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه)) أخرجه أحمد وابن ماجه[2].
تنشر المعاصي الأمراض الفتاكة، والآفات القاتلة، والحوادث المروّعة، قال تعالى: ظَهَرَ ٱلْفَسَادُ فِى ٱلْبَرّ وَٱلْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى ٱلنَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ ٱلَّذِى عَمِلُواْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الروم:41].
المعاصي تُصيِّر النعمة نقمة، والرحمة عذاباً، ألا ترون الأمطار تهدم أحياناً بفيضانات مهلِكة، وسيول عارمة، تدمّر القرى والمدن، فتذهب بكثير من الأرواح والمساكن والمزارع، بل لتُغيِّر معالم الأرض، وتحدث شراً مستطيراً، ٱللَّهُ ٱلَّذِى يُرْسِلُ ٱلرّيَـٰحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً [الروم:48].
حتى البهائم تئنّ من ويلات المعاصي، ويدركها شؤمها، قال عكرمة رضي الله عنه: "دواب الأرض وهوامها، حتى الخنافس والعقارب يقولون: مُنعنا القطر بذنوب بني آدم"[3].
إذا أردنا أن يغيِّر الله حالنا من قحط إلى غيث، ومن جدب إلى أمطار، فعلينا أن نغيّر حالنا، فنصلح ما فسد، ونطهِّر قلوبنا من الغل والحقد والحسد، نقيم الصلاة، نؤتي ال+اة، نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، جدير بنا أن نغيث قلوبنا ليحل الغيث بأرضنا وبلادنا، ذلكم هو مفتاح القطر من السماء، وسبب رفع البلاء، ووعد الله لا يُخلف، قال تعالى: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰ ءامَنُواْ وَٱتَّقَوْاْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَـٰتٍ مّنَ ٱلسَّمَاء وَٱلأرْضِ [الأعراف:96].
التوبة الصادقة تغفر الذنوب مهما عظمت، فمن ظن أن ذنباً لا يسعه عفو الله فقد ظنّ بربه ظن السوء، إلا أن المذنب مع ذنبه يكون ذليلاً خائفاً مشفقاً، يخشى على نفسه من شؤمها، يلتهب فؤاده ندماً وحسرة، ويرفع يديه إلى مولاه تائباً مستغفراً، وإذا سمع واعظاً ارتجف فؤاده، وبدت معصيته بين عينيه، ويظل بعد ذلك يسأل: ما المخرج؟
نعم، باب التوبة مفتوح، مهما تعاظمت الذنوب وتكاثرت المعاصي، واستحكمت الغفلات، فلا قنوط من رحمة الله، ولا بُعد عن الله، فالله سبحانه يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها.
فهلمّ – أخي المسلم – إلى رحمة الله وعفوه، هلّم إلى التوبة قبل أن يفوت الأوان، واذكر نداء الله عز وجل: قُلْ يٰعِبَادِىَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ [الزمر:53].
استكينوا إلى ربكم، ارفعوا أكف الضراعة، ابتهلوا وادعوا وتضرعوا واستغفروا، فالاستغفار مربوط بما في السماء من استدرار، فَقُلْتُ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ ٱلسَّمَاء عَلَيْكُمْ مُّدْرَاراً [نوح:10، 11].
أكثروا من الصلاة والسلام على المصطفى الهادي البشير كما جاء في الأثر، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأزواجه وأصحابه.
ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل عليا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً مريئاً مريعاً مجللاً عاماً، نافعاً غير ضار، عاجلاً غير آجل، اللهم تحيي به البلاء، وتغيث به العباد، وتجعله بلاغاً للحاضر والباد، اللهم سقيا رحمة لا سيقا عذاب ولا بلاء ولا هدم ولا غرق.
اللهم أنبت لنا الزرع، وأدرَّ لنا الضرع، وأنزل علينا من بركاتك، واجعل ما أنزلته علينا قوة لنا على طاعتك وبلاغاً إلى حين.
اللهم إنا خلق من خلقك، فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك، اللهم اسقنا الغيث، وآمنا من الجوع، ولا تجعلنا آيسين، ولا تهلكنا بالسنين.
اللهم ارحم الأطفال الرضع، والشيوخ الركع، والبهائم الرتع، وارحم الخلائق أجمعين.
رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَٱعْفُ عَنَّا وَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَا أَنتَ مَوْلَـٰنَا فَٱنْصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَـٰفِرِينَ [البقرة:186].
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، والموت راحة لنا من كل شر يا رب العالمين.
اللهم ارحمنا رحمة تغنينا بها عن رحمة من سواك.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات.
اللهم ألف بين قلوب المسلمين ووحد صفوفهم، واجمع كلمتهم على الحق يا رب العالمين.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.
ربنا ظلمنا أنفسنا، وإن لم تغفر لنا وترحمنا، لنكونن من الخاسرين.
عباد الله، اقلبوا أرديتكم تأسياً برسولكم [4]، وألحوا في الدعاء، واستقبلوا القبلة، وادعوا وأنتم موقنون بالإجابة.
[1] أخرجه أبو داود في الصلاة [1173] من حديث عائشة رضي الله عنها، وقال: "هذا حديث غريب، وإسناده جيد"، وصححه ابن حبان [991]، والحاكم (1/328)، ووافقه الذهبي، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود [1040].
[2] أخرجه أحمد [22386]، وابن ماجه في المقدمة [90]، من حديث ثوبان رضي الله عنه، وصححه ابن حبان [872]، والحاكـم (1/493)، ووافقه الذهبي، وقال البوصيري في الزوائد: "سألت شيخنا أبا الفضل العراقي عن هذا الحديث فقال: حسن"، إلا أن في إسناده رجلاً مجهولاً، ولذا ضعفه الألباني، انظر: السلسلة الصحيحة (1/236-238).
[3] أخرجه ابن جرير عند تفسير قوله تعالى:أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون [البقرة:159] (3/255).
[4] قلبه للرداء أخرجه البخاري في الجمعة [969]، ومسلم في الاستسقاء [1489] من حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه.
الخطبة الثانية
| |
|