molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: خطبة استسقاء 16/9/1423هـ - عبد الباري بن عوض الثبيتي الخميس 24 نوفمبر - 8:06:10 | |
|
خطبة استسقاء 16/9/1423هـ
عبد الباري بن عوض الثبيتي
الخطبة الأولى
أمّا بعد: فاتّقوا الله حقَّ التقوى، قال تعالى: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ [آل عمران:102].
عبادَ الله، قال الله تعالى: فَقُلْتُ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ ٱلسَّمَاء عَلَيْكُمْ مُّدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوٰلٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّـٰتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا [نوح:10-12].
بيّنت الآيات أنّ الاستغفارَ مِن الذنب سببٌ لنزول الغيث والإمداد بالأموال والبنين ونباتِ الأشجار وتوفّر المياه، ذلك أنّ الذنوب والمعاصيَ إذا انتشرت في أمّة سبّبت الشقاءَ والهلاك والقحط والجَدب، ولهذا أمرَ الله الناسَ عبر الأجيال بواسطةِ أنبيائه أن يقلِعوا عن المعاصي ويطلبوا الغفرانَ من الله على ما اقترفوه حتى ينالوا رحمتَه ويجتنِبوا غضبَه.
فها هو نبيّ الله هود يعِظ قومَه بما ذكره القرآن: وَيٰقَوْمِ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ ٱلسَّمَاء عَلَيْكُمْ مّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ [هود:52].
يذكر القرآن كيفَ وعَظ النبيّ صالح قومه: لَوْلاَ تَسْتَغْفِرُونَ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [النمل:46]، أي: هلاّ استغفرتم ربَّكم حتّى تنالوا رحمتَه.
الاستغفار ـ عبادَ الله ـ معناه طلبُ المغفرة من الله بمحوِ الذنوب وسترِ العيوب مع إقلاعٍ عن الذّنب وندم على فعلها، يقول الله تعالى: فَٱسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبّى قَرِيبٌ مُّجِيبٌ [هود:61]، أي أنّ الاستغفار وسيلة لاستجابة الدّعاء.
عن حاطب قال: سمعت رجلاً في السَّحر في ناحية المسجد وهو يقول: (يا ربّ، أمرتَني فأطعتُك، وهذا السّحر فاغفر لي)، فنظرتُ فإذا هو ابن مسعود رضي الله عنه[1]. وكان ابن عمر رضي الله عنهما يصلّي من اللّيل ثم يقول: يا نافع، هل جاء السّحر؟ فإذا قال: نعم، أقبل على الدّعاء والاستغفار حتّى يصبح[2].
لذا كان سلفنا الصّالح مع ما هم عليه من علمٍ وعمَل وزهد وورَع كانوا قليلاً ما ينامون، وكانوا بالأسحار يستغفرون، مع ما كانوا عليه من خيرٍ كثير، كان الواحد منهم يقول: "استغفارُنا يحتاج إلى استغفار"، كَانُواْ قَلِيلاً مّن ٱلَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِٱلأَسْحَـٰرِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الذاريات:17، 18]. فيا عجبًا، يقضون الليلَ في عبادة وصلاة، ثم يأتي السّحر فيستغفرون، كأنّهم لا زالوا يشعرون بالتّقصير.
وأوجبُ ما يكون الاستغفار عند الوقوع في مهاوي المعاصي وأرجاسِ الذنوب، ومن ذا الذي يسلم من ذلك؟! وهنا يجِد المسلم في الاستغفار أداةً يتعلّق بها لتقيمَه من عثرتِه، ومغسلةً يتطهَّر بها من أدران الذّنوب، فقد ذكر تعالى من أوصاف المتّقين في كتابه: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران:135].
المسلمُ ـ إخوةَ الإسلام ـ بحاجةٍ إلى الاستغفار، فهو لا يستغني عنه أبدًا، لا ليلاً ولا نهارًا، كما قال تعالى في الحديث القدسي: ((يا عبادي، إنّكم تخطئون باللّيل والنهار، وأنا أغفر الذنوبَ جميعًا، فاستغفروني أغفر لكم)) أخرجه مسلم من حديث أبي ذرّ رضي الله عنه[3].
الاستغفارُ ـ إخوةَ الإسلام ـ يدفع عن النفس الشعورَ بالكبر والزهوَّ بالنفس والعُجبَ بالأعمال، يورثها الإحساسَ بالتقصير، وهذا الإحساسُ بالتقصير يدفع المسلمَ للمزيد من العمل في طاعة الله، فتزداد حسناتُه ويثقل ميزانه.
وتدبّر أيضًا حكمةَ الاستغفار دُبُر كلّ صلاة كما علّمنا عليه الصلاة والسلام، حتى لا يُعجَب المسلم بصلاتِه وعبادته ويتألّى بها على الله كما تألّى بعض الأعرابِ على الله ومَنّوا على الرسول بإسلامهم، يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُواْ قُل لاَّ تَمُنُّواْ عَلَىَّ إِسْلَـٰمَكُمْ بَلِ ٱللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلإِيمَـٰنِ إِنُ كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ [الحجرات:17].
الاستغفار مع الإقلاع عن الذّنوب سببٌ للخَصب والنّماء وكثرة النّسل وزيادة العزّة والمنَعة، وفي دعوة نوحٍ قومَه ونصحِه لهم نسمَع الله عزّ وجلّ يقول: فَقُلْتُ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ ٱلسَّمَاء عَلَيْكُمْ مُّدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوٰلٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّـٰتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا [نوح:10-12].
هذا شعَيب عليه السلام يرى قومَه على أسوَأ الأخلاقِ مع الشّرك والإلحاد، فيلحّ في نصحهم للإقلاع عمّا هم فيه من ضلال، ويبشّرهم بأنّ ربّهم رحيمٌ بعباده وَدود، يرضى عن عباده الصّالحين، يكفِّر عنهم ما مضى من سيّئاتهم إذا أخلصوا النيّة والتوجّه إليه، ولنتدبّر قولَ شعيب لقومِه: وَٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبّى رَحِيمٌ وَدُودٌ [هود:90]. هذه خزائنُ رحمة الله بين يدَيك أيها المسلم، ومفاتيحها الاستغفار.
الاستغفارُ سببٌ لمغفرةِ الذّنوب وتكفير السيّئات، الاستغفار سبَب لتفريج الهُموم وجَلب الأرزاق والخروج من المضائق، الاستغفارُ سببٌ لتكفير السيّئات ورفعِ الدّرجات.
مِن فوائد الاستغفار أنّه سبب لصفاءِ القلبِ ونقائه، فالذّنوب تترك أثرًا سيّئًا وسوادًا على القلبِ كما ورد عن النبيّ أنّه قال: ((إنّ المؤمنَ إذا أذنب كانت نكتة سوداء في قلبِه، فإن تاب ونزع واستغفر صُقل قلبه، فإن زاد زادت، فذلك الرّان الذي ذكره الله في كتابه: كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ [المطففين:14])) أخرجه ابن ماجة من حديث أبي هريرة رضي الله عنه[4].
عبادَ الله، أكثِروا من الصّلاة والسّلام على رسول الهدى محمّد بن عبد الله، فقد أمركم الله بذلك. اللهمّ صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمّد وعلى آله وأصحابه وأزواجه.
ربّنا ظلمنا أنفسنا، وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننّ من الخاسرين.
اللهمّ أنت الله لا إلهَ إلا أنت، أنت الغنيّ ونحن الفقراء، اللهمّ أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغنيّ ونحن الفقراء، اللهمّ أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغنيّ ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيثَ ولا تجعلنا من القانطين، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من الآيسين، أنزل علينا الغيث ولا تهلِكنا بالسّنين.
اللهمّ أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغنيّ ونحن الفقراء، اللهمّ أغثنا، اللهمّ أغثنا، اللهمّ أغِثنا، اللهمّ أغثنا غيثًا مغيثًا مريئًا مجلِّلاً عامًّا نافعًا غيرَ ضارّ عاجلاً غيرَ آجل، اللهمّ تحيي به البلاد، وتغيث به العباد، وتجعله بلاغًا للحاضر والباد. اللهمّ سقيا رحمة، لا سقيَا عذاب ولا بلاء ولا هدمٍ ولا غرق.
اللهمّ اسق عبادَك وبلادك، وأحي بلدَك الميت، اللهمّ اسق عبادَك وبلادك وبهائمك، وانشر رحمتك على العباد، وأحي بلدَك الميّت.
اللهمّ أنزل علينا الغيثَ يا ربّ العالمين، واجعل ما أنزلته علينا قوّة لنا وبلاغًا إلى حين.
اللهمّ إنّا خلق من خلقك، فلا تمنع عنّا بذنوبنا فضلَك، اللهم إنّا خلق من خلقك، فلا تمنَع عنّا بذنوبنا فضلك. اللهمّ ارحم الأطفالَ الرُّضَّع والشّيوخ الركَّع والبهائم الرُّتَّع، وارحم الخلائق أجمعين يا أرحمَ الراحمين، يا ربّ العالمين.
اللهمّ إنّا نستغفرك إنّك كنت غفّارًا، اللهم إنّا نستغفرك إنّك كنت غفارا، اللهمّ إنا نستغفرك إنّك كنت غفّارًا، فأرسل السماءَ علينا مدرارًا، برحمتك يا أرحمَ الراحمين.
ربّنا ظلمنا أنفسنا، وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننّ من الخاسرين. ربّنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا، ربَّنا ولا تحمل علينا إصرًا كما حملته على الذين من قبلنا، ربَّنا ولا تحمّلنا ما لا طاقة لنا به، واعف عنّا واغفر لنا وارحمنا، يا أرحم الراحمين.
اللهمَّ أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلِح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلِح لنا آخرتَنا التي إليها معادنا، واجعل الحياةَ زيادة لنا في كلّ خير، والموتَ راحةً لنا من كلّ شرّ يا ربّ العالمين.
اللهمّ ادفع عنّا الغلا والوبا والرِّبا والزِّنا والزلازلَ والمِحن وسوءَ الفتن ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصّة وعن سائر بلاد المسلمين عامّة يا ربَّ العالمين.
اللهمّ وفّق إمامَنا لما تحبّ وترضى، اللهمّ وفّقه لهُداك واجعل عملَه في رضاك يا ربَّ العالمين.
ربّنا آتنا في الدّنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.
عبادَ الله، اقلبوا أرديتَكم تأسِّيا بنبيّنا ونبيّكم محمّد [5]. اتّجهوا إلى الله بالدّعاء، وألحّوا في المسألة، ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.
[1] أخرجه ابن جرير في تفسيره (3/208).
[2] رواه ابن أبي حاتم في تفسيره كما في تفسير ابن كثير (1/354).
[3] صحيح مسلم: كتاب البر والصلة (2577).
[4] سنن ابن ماجه: كتاب الزهد (4244)، وأخرجه أيضا أحمد (2/297)، والترمذي في التفسير (3334) وقال: "هذا حديث حسن صحيح"، وصححه ابن حبان (930، 2787)، والحاكم (6، 3908)، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (2469، 3422).
[5] سنة قلب الرداء أخرجها البخاري في الجمعة (1011)، ومسلم في الاستسقاء (894) من حديث عبد الله بن زيد رضي الله.
الخطبة الثانية
| |
|