molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: الأحداث التونسية عظة وعبرة - عبد الإله بن عبد الله الخيبري الأربعاء 23 نوفمبر - 6:18:38 | |
|
الأحداث التونسية عظة وعبرة
عبد الإله بن عبد الله الخيبري
الخطبة الأولى
أما بعد: يقول الحبيب : ((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)) رواه مسلم.
من منطلق هذا التوجيه النبوي الكريم نسلط الضوء وإياكم على بعض من أمور المسلمين، نسلط الضوء على حديث الساعة، أعني الأحداث التُونسية الأخيرة، كل ذلك لنأخذ العبرة قبل أن نكون نحن العبرة، نتذاكر ذلك ليواسي العضو السليم منا العضو السقيم من الجسد، نحلل ذلك لنعلم سنن الله وقواعده في كونه وشرعه والتي لا تتخلف ولا تتبدل، ولن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا.
الوقفة الأولى: مع قوله تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسْلَامُ، إن الشرع الحكيم فطرة الله التي أودعها النفوس البشرية، قال : ((ما من مولود إلا ويولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه)) رواه البخاري. والاستسلام لله إما أن يكون طوعيا وذلك في حق من أسلم لشرعه، أو يكون قهريا اضطراريا؛ ألم تر أن الكفار والمشركين على عتوهم وشركهم بالله في حال الرخاء إلا أنهم حال الشدة والضرورة لا يجدون مفرا ولا محيصا من اللجوء لله: فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوْا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ، والشعب التونسي ومع كل سنوات القهر والتغييب للهوية الإسلامية ولكل ما هو إسلامي لم تنطفئ جذوة الدين في نفوس أبنائه رغم كل المحاولات الآثمة عبر السنين الطويلة، كل ذلك تأكيد لهذه الفطرة السوية فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله، فالناس بطبعهم مسلمون، والعقل السليم لا يسلم إلا لشرع الله، وما دونه سبحانه فهو مجال للأخذ والرد والصواب والخطأ، يدل على ذلك أن من أوائل ما فعله الشعب الإسلامي الأصيل من أعمال فور سقوط الظلم عنه أن أقام شعار الإسلام: "الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله حي الصلاة حي على الفلاح الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله".
والدرس المستفاد من هذه الوقفة هو أن نعلم أن مرد الناس في جميع أمورهم إلى شرع الله، وهي رسالة بليغة المعنى لكل من أراد شرا بالمسلمين مما يمس الدين، رسالة لكل من لم يرض بدين الله فدعا إلى سفور المرأة، لمن أراد تغييرا لبعض أحكام الله مما لا تتفق مع أهوائه، رسالة لكل من أراد بالناس والمجتمع انحلالا في أخلاقه وقيمه، نقول لهؤلاء جميعا: إن الدين عند الله الإسلام، فلا حاكمية إلا لله، ولا انقياد إلا لأمر الله، وأمر من ارتضى أمرهم ونهيهم من الأمراء والعلماء الربانيين في غير معصية الله، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ.
الوقفة الثانية: مع قوله فيما يرويه عن الله تبارك وتعالى أنه قال: ((يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا)) رواه مسلم. إن الظلم ظلمات يوم القيامة، ولا بد للظالم من عاقبة عاجلة في الدنيا قبل الآخرة إن لم يتب؛ ولذا حرمه الباري حتى لو وقع هذا الظلم على نفسك التي بين جنبيك، والمشاهد للحال التونسية عبر التاريخ المعاصر يجد صنوفا من الظلم على المستويين الديني والدنيوي، ومعلوم أن القِدر إذا فار طاش وأطفأ النار التي أوقدته، وسنة الله في ذلك أن يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، وسنته أيضا أن يُملي ويمكن للظلمة إلى أمد الإفساد والإعلان به حتى إذا تمادوا أخذهم أخذ عزيز مقتدر منتقم، وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا، فانتبه يا من ظلمت نفسك بالمعاصي والآثام، وانتبه يا من ظلمت من تحت يدك من الأولاد والذرية إن كنت أبا ومن تحت يدك من الخدم والمرؤوسين إن كنت رئيسا، كل بحسبه، ولكل هؤلاء نقول: تذكر فإن للمظلوم دعوة مستجابة لا ترد.
أتهـــــــــزأ بالدعـــــــاء وتزدريـــــــه وما تدري بما صنع الدعاء
سهام الليل لا تخطي ولكن لها أمد وللأمــــــد انقضـــــاء
فيمسكها إذا ما شــــاء ربي ويرسلهــــا إذا نفذ القضاء
الوقفة الثالثة: مع قوله : ((من أصبح منكم آمنا في سربه معافى في بدنه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها)) رواه الترمذي وصححه ابن حجر في تخريج مشكاة المصابيح.
الله أكبر، ما أجمع كَلِمك يا حبيب الله صلى الله عليك وسلم! لقد أوجز ولخص سعادة الدنيا في جمع وتحقيق أمور ثلاثة، وعلى رأسها الأمن في الأوطان والديار، قال تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ، فعلق تعالى حصول الأمن على من حقق الإيمان، فلا أمان بلا إيمان، وإذا أمن عديم الإيمان في الدنيا فمن يؤمّن خوفه يوم القيامة؟! ما قيمة المال الوفير بلا أمان؟! بل ما قيمة الطعام الشهي الوفير بلا أمان؟! وهل للقوة الجسمية والصحية قيمة إذا عدم الأمن؟!
إن الناظر بعين البصيرة قبل البصر للأحوال التي آلت في تلك البلاد الحبيبة من نهب وقتل وانفلات أمني كبير ليحمد الله، نعم ليحمد الله أشد الحمد وأجزله وأوفاه على ما أنعم علينا من نعمة الأمن والأمان، وما ذاك بفضل العباد بل بفضله أولا ثم ثمرة حتمية وسنية ربانية أن من حقق الإيمان منهجا ودستورا وحاكمية كان له الأمن الموعود في قوله تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا، وثمرة للأساس المتين الذي قامت عليه هذه البقعة الطيبة حينما تحالف الإمامان: سلطان الإمارة محمد بن سعود وسلطان العلم والإصلاح محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله جميعا.
الوقفة الرابعة: مع قوله : ((عنده قوت يومه))، إن الرضا والقناعة كنزان لا يفنيان، وهي شأن الصالحين، والدنيا متاع زائل فتعسا وتبا لمن أتعب ركابه في لحاق هذا السراب. إن الدنيا ليست غرضا يقصد لأجل أن يقعد المرء الأمور لأجلها ويقيمها لأجل لقمة عيش بالية أو مال زائل، والحبيب جعل ميزان هذا الرضا المحقق لسعادة الدنيا هو الحصول على قوت اليوم، ومع ذلك نجد من يملك الأموال الطائلة والحسابات ذات الأرقام الفلكية نجده غير راض عن حاله ورزقه، ولو تمعن وتأمل في أحوال أهل بلده فضلا عن أهل الديار المنكوبة من ديار المسلمين لخجل من نفسه وانقطع جشعه. إن الرضا بما قسم الله دليل طيب النفس وإيمانها، وإشاعته مطلب مهم بين الأفراد، وذلك لأجل ما يحققه من استقرار اجتماعي وسياسي وبقاء الألفة المنشودة بين الحاكم والمحكوم، وولله ثم والله إننا في نعمة نحسد عليها، ولكن من يعرف شكرها؟! طيبٌ في المأكل وأمنٌ في المسكن والمسرب والمروح والمغدى، وتمكين فريد لدين الله ومنهج أصيل ونموذج يحتذى على مستوى العالم أجمع، ولحمة اجتماعية نادرة بين الراعي والرعية، ولا يجعل المرء عقله صغيرا وعطنه ضيقا ويهز هذه العلاقة الوثيقة لأجل لقمة ناقصة أو مال زائل، فالعقد غليظ بتغليظ النبي له قال: ((من أطاع الأمير فقد أطاعني، ومن عصى الأمير فقد عصاني)) صححه الألباني في تخريج السنة.
نقول ذلك لأجل ما نراه ونسمعه من مشاهدات تظاهرية خاطئة تحدث واحدة تلو الأخرى في بلاد المسلمين كتعبير استيائي لسياسة الحاكمين فضلا عما فيها من حرمة من مثل إحراق المرء نفسه، قال تعالى: وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ.
بارك الله لنا ولكم في الوحيين، ورزقنا شفاعة سيد الثقلين، وأستغفر الله إنه كان غفارا.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين.
وبعد: لسائل أن يسأل وحُقَ له أن يسأل: ماذا يجب علي كفرد مسلم يتألم لألم إخوانه؟
فنقول جوابا لهذا السؤال:
أولا: الدعاء لإخوانك المنكوبين وسؤال الباري التمكين لهم وجمع الكلمة وأن يولي عليهم خيارهم.
ثانيا: شكر نعمة الله تعالى، قال عز من قائل عليم: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ، فالقرية الوارد ذكرها هي مكة خير بقاع الله في الأرض، لكن لما أحدث أهلها شركا وضلالا جاءت سنة الباري واقعة على من أحدث كائنا ما كان، فاشكر نعم الله التترى عليك في هذا المجتمع المبارك، نعمةً في إقامة الدين، ونعمةً في الأمن والأمان، ونعمةَ طيب العيش والاستقرار المعيشي العام.
ثالثا: مراجعة ومحاسبة النفس، فإن المحاسبة رأس المال الذي تربح به وتنطلق من خلاله للتجارة مع الله مع أكرم الأكرمين وأجود الأجودين، حاسب نفسك، ولو قام كل فرد بصلاح نفسه واجتهد في ذلك لصلح حاله، وإذا صلح حاله أصلح بإذن الله من تحت يده من الذرية، وبصلاحهم تصلح الأسر، وبصلاح الأسر تصلح المجتمعات ومن ثم البلدان.
اللهم أصلح شأن المسلمين في كل مكان، اللهم ردنا وإياهم إلى دينك ردا جميلا، اللهم اجمع شملهم على الكتاب والسنة، اللهم ول عليهم خيارهم واكفهم شرارهم يا قوي يا عزيز.
اللهم صل على محمد...
| |
|