molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: الخمر - عاصم بن لقمان يونس الحكيم الأربعاء 23 نوفمبر - 5:46:54 | |
|
الخمر
ععاصم بن لقمان يونس الحكيم
الخطبة الأولى
لقد جاءت الشريعة بحفظ الضروريات الخمس، وهي النفس والعقل والمال والنسل والدين، وكل ما يتعدى على تلك الضروريات الخمس فهو من الكبائر، وحديثنا اليوم عن العقل، ذلك الذي فضل الله تعالى به البشر على الحيوانات والجمادات.
فالعقل جوهرة ثمينة يحافظ عليها العقلاء، إذ بدونه هم كالعجماوات والبهائم، بل إن من البشر من هم أدنى مرتبةً من تلك البهائم لأنهم فقدوا نعمة العقل كما قال الله تعالى عن الكفار: أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَٱلاْنْعَـٰمِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً [الفرقان:44]. فهم لم ينتفعوا بأسماعهم ولا بعقولهم التي خلقها الله لهم، فصاروا كالأنعام: لا هَمَّ لهم إلا الأكل والشرب، فكان ذلك سبب دخولهم النار كما قال تعالى حاكياً عنهم: وَقَالُواْ لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِى أَصْحَـٰبِ ٱلسَّعِيرِ [الملك:10].
ومنذ قديم الزمان، تفطن إبليس إلى حيلة قذرة يُفقد بها الناس عقولهم ويجعلهم يتردون في أودية التيه والضلال، فزين لهم شرب الخمر وحببها إلى قلوبهم، كي يحول بينهم وبين دخول جنة ربهم، كما قال تعالى: إِنَّمَا يُرِيدُ ٱلشَّيْطَـٰنُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَاء فِى ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَعَنِ ٱلصَّلَوٰةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ [المائدة:91].
والخمر سُميت خمراً لأنها تَخْمُر العقل وتغطيه، كما تُغطي المرأة وجهها بخمارها، لذا كان المشركون في الجاهلية يعاقرون الخمر ويشربونها شرب المُغْرَمِ بها حتى الموت، لأنها تنسيهم الواقع المرير وتجعلهم في غفلة دائمة.
فهذا أبو محجن الثقفي رضي الله عنه، كان يشرب الخمر في الجاهلية، وكان يقول:
إذا مت فادفني إلى جنب كَرْمَةٍ تروي عظامي بعد موتي عروقُها
ولا تـدفننـي بالفـلاة فإننـي أخاف إذا مـا مـت ألا أذوقهـا
وقد كان من المشركين من يمتنع عن شربها لما ظهر له من أبين الأدلة وأوضحها أنه ضارة خبيثة، فهذا قيس بن عاصم المنقري رضي الله عنه، كان شراباً للخمر مولعاً بها، ثم حرمها على نفسه وامتنع عن شربها، والسبب في ذلك أنه سكر ذات يوم في الجاهلية، فغمز عكنة ابنته وهو سكران، وشتم والديه وأعطى الخمار مالاً كثيراً، فلما أفاق وأخبروه بما فعل حرمها على نفسه وقال:
رأيت الخمر صالحة وفيها خصال تفسد الرجل الحليما
فلا والله أشربها صحيحـاً ولا أشـفـي بـهـا سقيماً
ولا أعطي بها ثمناً حياتي ولا أدعـو لها أبـداً نديماً
فإن الخمر تفضح شاربيها وتجنيهم بها الأمر العظيماً
والخمر محرمة بالقرآن والسنة والإجماع والعقل الصحيح، فلقد جاء تحريم القرآن للخمر تدريجياً وعلى ثلاثة مراحل، جاء في آخرها: فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ [المائدة:91]. فقال الصحابة انتهينا انتهينا، وجاء في صحيح مسلم عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كل مسكر خمر وكل خمر حرام))، وقد أجمع المسلمون على تحريمها وعلى أن شاربها يُحد ثمانين جلدة وإن لم يسكر، سواءً شرب قليلاً أو كثيراً.
وأما العقل الصحيح فنحن نرى أن عقلاء العالم يمتنعون عن شربها كما فعل قيس بن عاصم المِنْقَري رضي الله عنه، وكيف لا يمتنع عنها العقلاء وهي تجعل منهم أضحوكة للناس؟ روى القرطبي في تفسيره أن رجلاً شرب الخمر فسكر فبال، فجعل يأخذ بوله ويغسل به وجهه ويقول: اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين، ويقول الحسن البصري رحمه الله: لو كان العقل يُشترى لتغالى الناس في ثمنه، فالعجب كل العجب فيمن يشتري بماله ما يفسده.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.
الخطبة الثانية
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد، تقدم معنا أن عقوبة شارب الخمر في الدنيا أن يجلد ثمانين جلدة، وأما عقوبته في الآخرة فهي أعظم وأشد، فمنها اللعن والطرد من رحمة الله تعالى، فعن ابن عمر والحديث متفق على صحته أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها، حُرمها في الآخرة)).
ومن العقوبات دخول النار، جاء في سنن ابن ماجه عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ وِسَكِرَ، لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صلاةٌ أَرْبَعِينَ صَبَاحاً. وَإِنْ مَاتَ دَخَلَ النَّارَ. فَإِنْ تَابَ تَابَ اللهُ عَلَيْهِ. وَإِنْ عَادِ فَشَرِبَ فَسَكِرَ، لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صلاةٌ أَرْبَعِينَ صَبَاحاً. فَإِنْ مَاتَ دَخَلَ النَّارَ. فَإِنْ تَابَ تَابَ اللهُ عَلَيْهِ. وَإِنْ عَادَ فَشَرِبَ فَسَكِرَ، لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صلاةٌ أَرْبَعِينَ صَبَاحاً. فَإِنْ مَاتَ دَخَلَ النَّارَ. فَإِنْ تَابَ تَابَ اللهُ عَلَيْهِ. وَإِنْ عَادِ كَانَ حَقّاً عَلَى اللهِ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ رَدْغَةِ الْخَبَالِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)) قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! وَمَا رَدْغَةُ الْخَبَالِ؟ قَال: ((عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ))، ومن ذا الذي يضمن أن لا يتوفاه الله وهو سكران والعياذ بالله؟
عباد الله، لقد مر علينا في بلادنا هذه زمان كان الذي يشرب فيه الدخان يُقاطع ويُهجر ويُرمى بالفسق ولا تُقبل إمامته للناس، ثم أدخل أعداء الله أنواعاً وأشكالاً من المسكرات والخمور، فوقع فيها الغافلون البعيدون عن رب العالمين، فأصبح الناس يحذرون من الخمور وتساهلوا في الدخان حتى ترك المسلمون الإنكار على شاربيه، والآن تسلط أعداء الله على كل البلاد الإسلامية بلا استثناء، بمختلف أنواع السموم البيضاء من مخدرات ونحوها، حتى تساهل الناس في الخمر وشربها، فلم نعد نسمع من ينكر على شارب الخمر كما كنا نسمع من قبل، ولا شك أن المعاصي يرقق بعضها بعضاً.
والمخدرات كالخمر في التحريم إن لم تكن أعظم، يقول شيخ الإسلام: "إن الحشيشة حرام، يُحد متناولها كما يُحد شارب الخمر، وهي أخبث من الخمر من جهة أنها تُفسد العقل والمزاج، حتى يصير في الرجل تخنث ودياثة وغير ذلك من الفساد".
ولقد أمر الله تعالى باجتناب الخمر، واجتنابها أعظم من النهي عن شربها لأن الاجتناب يشمل النهي عن الشرب ويشمل أيضاً مخالطة من يشرب، وقد جاء في سنن الترمذي عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يُدار عليها الخمر))، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم لعن كل من يتعامل مع الخمر فقال كما في سنن أبي داود من طريق ابن عمر: ((لعن الله الخمر وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه وآكل ثمنها))، فهل بعد هذا كله يشرب عاقل الخمر أو يتعاطى المخدرات؟
فاتقوا الله عباد الله وابتعدوا عن هذه القاذورات والنجاسات، وامروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، بلغوا عن من يتعاطى أو يروج لشيء منها، تفقدوا أغراض أولادكم بين الفينة والأخرى، تفقدوا رفاقهم وأحوالهم، فإن تعاطي تلك الأمور لا يكون إلا عن طريق رفاق السوء، تجنبوا إعطاءهم أموالاً فوق حاجتهم لأن الترف وكثرة المال الزائد يؤدي بالشاب الذي لا يعرف خوف الله ولا يصلي في المسجد إلى الانحراف والعياذ بالله.
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم.
| |
|