molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: أر كان مهجورة - عاصم بن لقمان يونس الحكيم الأربعاء 23 نوفمبر - 5:19:38 | |
|
أر كان مهجورة
ععاصم بن لقمان يونس الحكيم
الخطبة الأولى
إن رحلة الإسلام رحلة طويلة وذات شجون، إذ كان الناس على الإسلام منذ بدأ الخليقة مدة عشرة قرون، ما بين آدم ونوح عليهما السلام، قال تعالى: كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وٰحِدَةً فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيّينَ مُبَشّرِينَ وَمُنذِرِينَ [البقرة:213]. ثم بدأ الشرك يتسلل إلى القلوب والأقوال والأفعال، ولم يدخر رسل الله وسعاً ومن معهم من الصالحين في الدعوة إلى الله ومحاربة الشرك، حتى كان العصر الجاهلي الذي بعث الله فيه نبينا صلى الله عليه وسلم، فمن جاهليتهم أنهم كانوا يصنعون معبودهم بأيديهم، فإذا جاعوا أكلوه، وكانوا يقتلون أولادهم ويئدونهم خشية العار وخشية الفقر وأن يطعموا معهم.
ولقد كانت رسالة نبينا صلى الله عليه وسلم واضحة لا لبس فيها، وهي إخراج الناس من الظلمات إلى النور، فجاهد المشركين ودعا الناس إلى الله رب العالمين حتى استقر الدين وأتاه اليقين، فصلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً.
ولقد فارق نبينا صلى الله الدنيا وقد خلف رجالاً حملوا هذا الدين إلى الدنيا وقاموا بحقه خير قيام، فكانوا رهباناً بالليل فرساناً بالنهار، يضع أحدهم روحه على كفه يطلب الموت أينما كان هنالك جهاد في سبيل الله، فكانوا أطول الناس أعماراً وأبقاهم ذكراً، كما قال الصديق رضي الله عنه: احرص على الموت توهب لك الحياة.
وما هي إلا سنوات معدودة حتى كانت كنوز +رى وقيصر تملأ خزائن المسلمين، غنموها وغنموا أرضهم وديارهم لأنهم قاموا بحق الله، وهذه هي سنة الله تعالى القائل: إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد:7]. والناظر في تاريخ المسلمين يجد فيه صفحاتٍ ناصعةً مضيئةً، كما يجد فيه بعض صفحات سوداء قاتمة، تدل على ذلهم وضعفهم وهزيمتهم، فتاريخ الإسلام على مر العصور بين مد وجزر، يعلو تارة ويهبط أخرى، حتى إنه في فترة من فترات الضعف والذل هجم بعض الكفار على مكة أثناء الحج فقتلوا الحجيج وردموا بئر زمزم بجثثهم واقتلعوا الحجر الأسود من الكعبة وأخذوه معهم فمكث عندهم قرابة العشرين عاماً حتى أفلح المسلمون في إقناعهم سلمياً بإرجاعه، فأي ذل كان فيه المسلمون في ذلك الوقت؟
لقد مر على المسلمين زمان كان التتري يلقى المسلم فيقول له: مكانك حتى أعود لأقتلك، فيمكث المسلم في مكانه يرتجف خوفاً، فيذهب التتري ليحضر سيفه، والمسلم واقف ينتظر موته ذليلاً خاضعاً.
عباد الله: لقد كان الكفار يحاربون المسلمين بالسيف والرمح، أما اليوم فتعددت أساليبهم وتنوعت طرقهم وكثرت بين المسلمين أعوانهم، وما أشبه الليلة بالبارحة، فالمسلمون أذلة لا يأبه العالم بما يقولون ولا يستشيرهم أحد، كما يقول الشاعر:
ويقضى الأمر حين تغيب تَيْمٌ ولاَ يستأمرون وهم شهود
كل هذا لأننا أصبحنا بلا هدف ولا غاية، إذ أفلح المستعمر في استعمارنا ثقافياً واقتصادياً وإعلامياً، وزرعت فينا فئاماً من بني جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا، نفوسهم ضعيفة ترعرعت في كنف الكفار وتربت تحت عينه حتى صارت أبواقاً رخيصة وأقلاماً مأجورة، تبث سمومها كل يوم لتفتّ في عضد الإسلام وأهله، وجعلوا أكبر همهم هدم ثلاثة من أركان الإسلام الشامخة، فهم يهاجمونها ليل نهار، وهذه الأركان هي فريضة الجهاد وفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعقيدة الولاء والبراء، ولا شك عند أحد من العقلاء أن الأمة، أي أمة كانت: تموت إن لم يكن لها هدف أو غاية في الحياة، فكيف وأمة الإسلام قد نُزِعت هذه الأركان العظيمة من قلوب شعوبها، ومن أجل ماذا يعيش المسلم وأي إسلام يبقى في قلبه بعد هدم هذه الأركان؟
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد، لقد بَعُدَ العهد بيننا وبين الجهاد في سبيل الله، فكانت العقوبة أن أذلنا الله بعد عز، وأفقرنا بعد غنى، يقول نبينا صلى الله عليه وسلم: ((إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلاً، لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم)).
وأي ذل أعظم مما المسلمون واقعون فيه؟ انظر حولك من البوسنة وكوسوفا غرباً إلى كشمير شرقاً، وبين ظهرانينا شرذمة من يهود احتلت المسجد الأقصى وتفعل بأمة الإسلام الأفاعيل، فتغتصب الحقوق وتحتل الأراضي وتقتل الأبرياء، والعالم بعد ذلك كله ينادينا بضبط النفس واللجوء إلى الحوار، أما من ينادي إلى الجهاد فهو إرهابي متطرف عدو للسلام.
وجراحات الإسلام ما زالت تنزف الدم ولسان حالها يقول:
ما كنت جرحاً جديداً فألف جرح إزائي لست الأخيرة لكن أخرى وأخرى ورائي
عباد الله: إنا ندعو الله وندعو، ولا نستعجل الإجابة ولكن لا شك أن هنالك موانع تحول بين دعواتنا المرفوعة واستجابة الله لنا، لقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم: ((والذي نفسي بيده، لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً من عنده ثم لتدعنه فلا يستجيب لكم))، وسنة الله في خلقه أنه متى قلّ الإنكار زادت المنكرات وانتشرت، وكم نسمع ونقرأ من يندد بمن ينكر المنكرات بحجة أن في ذلك تعرضاً للحريات الشخصية، فجعلوا التعري والتفسخ الخلقي والفواحش من الحريات الشخصية، فكانت العقوبة عامة على الجميع، فالناس يستسقون ويدعون فلا يستجيب الله لهم.
وأما الركن الثالث من الأركان التي هجرها المسلمون فهي عقيدة الولاء والبراء، الولاء للمؤمنين والصالحين والبراءة من الكافرين والفاسقين، وهذا الركن الركين من لوازم شهادة التوحيد، قال تعالى: لاَّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلاْخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُواْ ءابَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوٰنَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ [المجادلة:22]. ونحن اليوم نسمع عن مؤتمراتٍ، الهدف منها المطالبة بزمالة الأديان، والدعوة إلى العالمية والتطبيع مع الكفار، والغرض منها توسيع دائرة الولاء بحيث يدخل فيها جميع الأوطان والأديان والأقوام، فلا يشعر المسلم بالفارق بين ملة الإسلام الحق وبين ملل الكفر الأخرى، ولا يخفى علينا الحفاوة البالغة التي يلقاها كبير النصارى وإمام الضلالة في البلاد الإسلامية التي يزورها في هذه الأيام، والترخيص له بإقامة قداسه الكافر ليجذب ما استطاع من أبناء المسلمين المضللين، ولقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم والحديث في صحيح مسلم: ((والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة، لا يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار))، وما أزياء المسلمين اليوم من شباب وفتيات وقصات الشعر واحتفالهم بأعياد الكفار وتشبههم بهم في ما يسمعون وما يشاهدون وولعهم بكل ما يُصَدِّرُونَه إلينا من عادات وتقاليد إلا أكبر دليل على ضعف عقيدة الولاء والبراء في صدور المسلمين.
فاتقوا الله عباد الله، وعودوا إلى هذه الأركان المهجورة، أحيوا ما اندثر منها ولو بتذكير الناس بها وبفضلها عند الله تعالى، لا تنسوا الجهاد ولا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتعاهدوا عقيدة الولاء والبراء في صدوركم وصدور أبنائكم، وأقل القليل أن لا تعينوهم بالمال والمصروف على التشبه بالكفار لئلا تكونوا سبباً في دخولهم النار، نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم.
| |
|