molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: الغضب - عاصم بن لقمان يونس الحكيم الأربعاء 23 نوفمبر - 4:45:03 | |
|
الغضب
ععاصم بن لقمان يونس الحكيم
الخطبة الأولى
عن أبي هريرة قال: قال رجل للنبي : أوصني، فقال له: ((لا تغضب))، فردد مرارًا: ((لا تغضب)).
عباد الله، هذه وصيّة النبيّ لرجل أتاه سائلاً مستنصحًا، فأوصاه بعدم الغضب وكررها عليه، وما ذلك إلا لأن الغضب يجمع الشر كله، والغضب ع+ الرضا، وهو في حق البشر خُلُقٌ يداخل قلوبهم، كما يقول الإمام الغزالي: "إن الغضب شعلةُ نارٍ مستكنةٌ في طيّ الفؤاد استكنانَ الجمر تحت الرماد، ويستخرجها الكبر الدفين في قلب كل جبار عنيد".
والغضب منه محمود ومنه مذموم، فالمحمود الذي يكون في الحق وانتصارًا لله، وأما المذموم فهو الذي يكون للنفس أو الجماعة والقبيلة، يقول تعالى: إِذْ جَعَلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِى قُلُوبِهِمُ ٱلْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ ٱلْجَـٰهِلِيَّةِ [الفتح:26].
وقد مدح الله تعالى المتقين ووصفهم بالحِلم وعدم الغضب فقال: وَٱلْكَـٰظِمِينَ ٱلْغَيْظَ وَٱلْعَـٰفِينَ عَنِ ٱلنَّاسِ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ [آل عمران:134]، ويقول أيضا: وَإِذَا مَا غَضِبُواْ هُمْ يَغْفِرُونَ [الشورى:37]، وقد قال النبي لأشج بن عبد القيس: ((إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة))، ولقد وصفت عائشة النبي فقالت: وما انتقم النبي لنفسه قط، إلا أن تنتهك حرمة الله، فينتقم لله تعالى.
والغضب عادة ما يجلب على صاحبه ما يندم عليه إن لم يتحكم فيه، هذا إن لم يكن غضبًا لله ولدينه، واقتلاع الغضب من جذوره أمر يكاد أن يكون مستحيلاً؛ لأن الغضب شيء فطري طبيعي، أما الممكن فهو أن يكبح الإنسان آثار غضبه القولية والفعلية، فيتحكم في مشاعره، فيوقفها عند حدود الله، وذلك بالتفكّر في عواقب الغضب في الدنيا والآخرة، وبالترغيب والترهيب، وبالإكثار من مجالسة الصالحين والحلماء الذين ينصحونه ويعينونه على مقاومة أسباب الغضب.
ولقد أرشد نبينا الغضبان بقوله: ((إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع))، والإنسان إذا غضب فإن الشيطان يستحوذ عليه ويلعب به كما يلعب الأطفال بالكرة، جاء في الصحيحين أن رجلين استبا عند النبي ، فجعل أحدهما يغضب ويحمر وجهه وتنتفخ أوداجه، فقال النبي : ((إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ذا: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم))، فقام رجل فقال للغضبان ما قال النبي ، فقال له: أمجنون تراني؟!
فهذا الرجل لم يقبل نصيحة النبي لاستحواذ الشيطان عليه، وكم من الناس من إذا غضب شتم وتشاجر وتعارك مع الناس، وربما طلق امرأته، ثم بعد ذلك يطرق أبواب العلماء بحثًا عمن يعيدها إليه، بل وربما قال كلمة الكفر في لحظة الغضب، فكفر بالله تعالى والعياذ بالله، وهذا كله غضب مذموم، يأثم صاحبه عليه.
أما الغضب المحمود فهو الذي يكون لله تعالى، فهذا نبينا عندما سمع رجلا يقول: إني لأتأخر عن صلاة الصبح من أجل فلان مما يطيل بنا، يقول ابن مسعود: فما رأيت النبي غضب في موعظة قط أشد مما غضب يومئذ، فقال: ((يا أيها الناس، إن منكم منفرين، فأيكم أمّ الناس فليوجز، فإن من ورائه الكبير والصغير وذا الحاجة))، كذلك عن عائشة أن النبي غضب وتلون وجهُهُ عندما رأى ستارًا معلقًا في بيته وعليه تصاوير، فهتك الستار وقال: ((يا عائشة، إن أشد الناس عذابا عند الله يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله))، ولا يخفى علينا حديث المخزومية التي سرقت، فطلبوا من أسامة بن زيد أن يكلم النبي في شأنها، وأن يتوسط عنده كي لا تُقطعَ يدُها، ولكن النبي لم يكن يقبل الواسطة التي تضر بالدين أو تؤثر على المجتمع، فغضب منه، وقال: ((أتشفع في حد من حدود الله؟! إنما أهلك من كان قبلكم أنهم إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد. وايم الله، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها)).
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
وبعد: عباد الله، كلنا يغضب، ولكن يجب علينا أن نصنف غضبنا، هل هو مما يُرضي الله أم مما يغضبه؟ وبحسب ذلك التصنيف يتحدد إيمان العبد ومكانته عند الله، فمن الطبيعي جدًا أن يغضب الإنسان إذا ما صُدمت سيارته أو فقد محفظة نقوده أو رسب ابنه في مادة من المواد، ولكن هل يعادل ذلك غضبَه على فوات فريضة مع الجماعة، أو على رؤيته ابنه وقد شابه الكفار في كل شيء تقريبًا حتى في ترك الصلاة، أو على رؤيته أهل بيته يذهبون إلى أماكن السوء كالكبائن والأسواق الموبوءة في نهاية الأسبوع؟!
يا عبد الله، إن كان غضبُك لله أعظم من غضبك للدنيا فأنت مؤمن، وإن كان غضبك لله مساويًا لغضبك للدنيا فأنت على خطر عظيم، وأما إن كنت تغضب للدنيا وتحزن على فقدانها وفواتها أكثر من غضبك رؤية محارم الله وهي تُنتهك فأنت منافق مغموس في النفاق.
وإن من النفاق أن يغضب الرجل من صلاح إخوانه وأبنائه، ويكره التزامهم وما هم عليه من اتباع لسنة النبي الظاهر منها على وجوههم وثيابهم والباطن كالذي في تعاملاتهم وأخلاقهم.
فاتقوا الله عباد الله، واسعوا في ابتغاء مرضاته، واغضبوا الغضب الذي يرضاه الله لعباده المؤمنين، واكبحوا جماح الغضب الذي لا يُرضي الله تعالى، وكونوا في أمور الدنيا من أهل وَإِذَا مَا غَضِبُواْ هُمْ يَغْفِرُونَ [الشورى:37].
اللهم كملنا بأحب الأخلاق إليك، وأجرنا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا...
| |
|