molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: الجهاد وإصلاح الفرد - عاصم بن لقمان يونس الحكيم الأربعاء 23 نوفمبر - 4:52:25 | |
|
الجهاد وإصلاح الفرد
ععاصم بن لقمان يونس الحكيم
الخطبة الأولى
أما بعد: أخرج الإمام أحمد في مسنده عن عبد الله بن عمر بن الخطاب أن رسول الله قال: ((بُعِثْتُ بين يدي الساعة بالسيف حتى يُعبد الله وحده لا شريك له، وجُعل رزقي تحت ظلِّ رمحي، وجُعل الذل والصَغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم)).
عباد الله، لقد اشتمل حديث النبي على فوائد عدة، فمن ذلك سبب بعثته ، وأنه ما بُعث إلا لكي يأمر الناس بعبادة الله تعالى وتوحيده، وليطهر الأرض من الأوثان والأصنام وكل ما يتخذه الناس أربابا من دون الله تعالى، وقتال من يأبى ويعاند. والدعوة إلى التوحيد وقتال الناس عليه هي دعوة الرسل والأنبياء جميعا، إلا أن الله تعالى أباح لنبينا ولأمته من بعده الغنائم، وجعلها الله سبيل رزق لهم؛ ذلك لأن الأمم السابقة كانوا يجمعون الغنائم في صعيد واحد فتأتي نار من السماء فتأكلها، أما أمة محمد فكما جاء في الحديث: ((وأُحلت لي الغنائم ولم تُحل لأحد من قبلي)).
فالجهاد إذاً هو قدَر هذه الأمة ومصيرُها، وليس الأمر باختيار المسلم؛ لأن النبي يقول: ((من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق)). والجهاد طريق الجنة والنعيم المقيم، فعن أبي موسى أن النبي قال: ((إن أبوابَ الجنةِ تحت ظلال السيوف)).
ولقد أخبرنا نبينا أن من خالف أمره أصابه الله بالذل والهوان والصغار، وهذا يشمل الكفار الذين يجاهدهم المسلمون، ويشمل أيضا المسلمين الذين يتلبسون بالذنوب والمعاصي ومخالفة النبي ، فهل يستوي أصحاب الحفلات والأفلام والغناء مع أصحاب المحاضرات والدروس؟! وهل يستوي شباب الأسواق والملاعب والمعا+ات مع شباب حلق حفظ القرآن وأهل العمرة والاعتكاف؟! وهل تستوي المتحجبة العفيفة مع التي أبرزت مفاتنها وكشفت عن وجهها لكل ناظر؟! وهل يستوي من أقام سنة النبي في مظهره ومخبره ومعاملاته وأخلاقه مع من يُنَفِّر الناس من الإسلام بتعامله وأخلاقه ولا يتشبه بالنبي في مظهره بل يتشبه بالكفار والفساق؟! أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لا يَسْتَوُونَ [السجدة:18]، أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ [القلم:35، 36].
يقول الحسن البصري رحمه الله متحدثا عن العصاة من أمة محمد : "لئن هملجت بهم البراذين وطقطقت بهم البغال فإن ذل المعصية في وجوههم، يأبى الله إلا أن يذل من عصاه". يقول الحسن رحمه الله: إنه مهما سارت بهم بغالهم وبراذينهم بطريقة جميلة ومشية فارهة، لا يقدر عليها إلا عِلية القوم، فإنهم على غناهم وثروتهم وجاههم إلا أن الذل ظاهر على وجوههم وسواد المعصية لا يخفى على عين، ولا شك أن عز الطاعة يظهر واضحًا وجليًا على الوجوه، كما قال الله تعالى: سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ [محمد:29]، وكذلك ذل المعصية يظهر جليًا وواضحًا للذين أنار الله بصائرهم، كما قال تعالى: إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ [الحجر:75].
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
أما بعد: إن ترك الجهاد يصيب المسلمين بالذل والصغار كما قال نبينا : ((إذا ضن الناس بالدينار والدرهم وتبايعوا بالعينة وتبعوا أذناب البقر وتركوا الجهاد في سبيل الله أدخل الله عليهم ذلاً لا يرفعه عنهم حتى يُراجعوا دينهم)).
فالمسلمون اليوم قد بخلوا بأموالهم عن إنفاقها في سبيل الله، ترى المسلم منا يتنعم بملذات الحياة ويأبى أن ينفق نزرًا يسيرًا من ماله في سبيل الله تعالى، والمسلمون قد تبايعوا بالعينة وتحايلوا على الربا، بل إن من المسلمين من يتعامل بالربا جهارا نهارا، وهم قد رضوا بالزرع والدنيا وانشغلوا بها عن الآخرة، جاء في سنن الترمذي وأبي داود عن أسلم أبي عمران قال: غزونا من المدينة نريد القسطنطينيّة وعلى الجماعة عبد الرّحمن بن خالدٍ بن الوليد، والرّوم ملصقو ظهورهم بحائط المدينة، فحمل رجلٌ على العدوّ فقال النّاس: مه مه، لا إله إلاّ الله يلقي بيديه إلى التّهلكة، فقال أبو أيّوب: إنّما أنزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار، لمّا نصر الله نبيّه وأظهر الإسلام قلنا: هلمّ نقيم في أموالنا ونصلحها، فأنزل الله عزّ وجلّ: وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة:195]، فالإلقاء بأيدينا إلى التّهلكة أن نقيم في أموالنا ونصلحها وندع الجهاد. قال أبو عمران: فلم يزل أبو أيّوب يجاهد في سبيل الله عزّ وجلّ حتّى دفن بالقسطنطينيّة. لقد كان أبو أيوب الأنصاري في ذلك الوقت شيخًا كبيرًا قد عمي بصره، فقيل له: إن الله قد جعل لك رخصة، فأجاب: إني أحب أن أُكثِّر من سواد المسلمين.
هم نصروا دين الله وجاهدوا في سبيله فأعزهم الله ونصرهم على عدوهم، أما نحن فخذلنا دين الله وخذلنا جنده، لذا كانت النتيجة ـ عباد الله ـ أن سلط الله علينا ذلاً لا يُرفع إلا بالرجوع إلى الدين وإحياء فريضة الجهاد، وهذا يُفهم من قول النبي : ((وجُعل الذل والصغار على من خالف أمري)). فالعزة والنصر يكونان لمن أطاع أمر النبي ، وأي ذل أعظم من رؤية المسلمين يُقتلون ويُضطهدون ويُشردون، ومساجد الله تُهدم وتُدنس، بينما الأوثان والأصنام تُقدس ويُدافع عنها؟!
لقد دخل نبينا الحرم يوم الفتح وجعل يهدم الأصنام حول الكعبة قائلا: جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا [الإسراء:81]، وبعث سراياه لهدم اللات والعزى، ولقد قال علي بن أبي طالب لأبي الهياج الأسدي: أَلا أَبْعَثُكَ عَلَىَ مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ ؟ أَنْ لاَ تَدَعَ تِمثْالاً إِلاّ طَمَسْتَهُ، وَلاَ قَبْرًا مُشْرِفًا إِلاّ سَوّيْتَهُ.
فهذه هي سنة النبي التي بعث عليها عليا: أن لا يدع تمثالا إلا طمسه، فأين المسلمون اليوم من أمر النبي ؟! اليوم نجد ممن ينتسب إلى الإسلام من يُطالب بحماية الأصنام وصيانتها، فهل بعد هذا الذل ذل؟!
فاتقوا الله عباد الله، وارجعوا إلى دينكم، واستقيموا على شرع الله، وادعوا الناس إلى التوحيد الذي بعث به رسول الله وأُمر بقتال الناس من أجله، فإنكم إن فعلتم ذلك حقيقة أعاد الله عليكم العز والنصر، ورفع عنكم الذل والصغار.
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم...
| |
|