molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: حقوق الفرد في الإسلام - عاصم بن لقمان يونس الحكيم الأربعاء 23 نوفمبر - 5:44:17 | |
|
حقوق الفرد في الإسلام
ععاصم بن لقمان يونس الحكيم
الخطبة الأولى
لقد أولى الإسلامُ الفردَ عناية خاصة لا يكاد يوجد لها مثيل في أي نظام أو دين آخر، ذلك لأن الفرد هو اللبنة الأساسية للمجتمع، فإن صلح الفرد صلح بصلاحه المجتمع، وهذا مشاهد على نطاق الأسرة، فكم من أب مهتد كان سبباً في صلاح أهل بيته كلهم، وكم من أسرة عادت إلى الله والتزمت بشرعه تعالى بسبب ابن لها في حلقات تحفيظ القرآن الكريم، أو بنت شرح الله صدرها للإسلام فارتدت الحجاب ونبذت حياة الغفلة والعصيان.
ومن عناية الإسلام بالفرد قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((كل المسلم على المسلم حرام:دمه وماله وعرضه))، وهذا الحديث أصل في منع أذية المسلم أو التعرض له، فلا يجوز أن يسفك دمه ولا أن يُؤخذ ماله ولا أن يُتعرض له في عرضه بالأذى لا بالقول ولا بالفعل، إلا إذا أتى بمخالفة شرعية كأن يقتل أو يسرق، فإن للإمام آنذاك أن يطبق شرع الله تعالى فيه ويقيم عليه الحد، ومن الحقوق التي كفلها الإسلام للمسلم أن يدافع عن هذه الأساسيات الثلاث، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من قُتل دون ماله فهو شهيد، ومن قُتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد))، فيشرع للإنسان أن يقاتل دفاعاً عن ماله ونفسه ودينه وأهله.
ولقد سن لنا نبينا صلى الله عليه وسلم الدفاع عن العرض وذلك عندما رآه ذات ليلة رجلان من الأنصار يمشي مع أم المؤمنين صفية، فما إن رأياه مع امرأة حتى أسرعا في طريقهما، فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: ((على رسلكما، إنها صفية))، فأخبرهما صلى الله عليه وسلم أنها زوجه لكي لا يلقي الشيطان في نفوسهما شيئاً، وبذلك برأ النبي صلى الله عليه وسلم عرضه عن التهمة؟
وهكذا ينبغي على كل مسلم أن ينفي التهمة عن نفسه وأن لا يرتاد أماكن الشبهات أو يفعل ما قد يؤدي إلى إساءة الظن به.
ولقد جعل الإسلام أفراده متساوين، فلا فرق بين عربي وعجمي ولا بين أبيض وأسود إلا بالتقوى، كما قال الله تعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ٱللَّهِ أَتْقَـٰكُمْ [الحجرات:13]. جاء في صحيح مسلم أن أبا سفيان مر يوماً على بلال وصهيب وسلمان، وذلك قبل أن يسلم فقالوا: والله ما أخذت سيوفُ الله من عنق عدو الله مأخذها، فقال أبو بكر: أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم؟ فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: ((يا أبا بكر لعلك أغضبتهم؟ لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك))، فأتاهم يهرول قائلاً: يا أخوتاه، أغضبتكم؟ فقالوا: لا، يغفر الله لك يا أُخي، لقد أخبر نبينا صلى الله عليه وسلم أبا بكر صراحة أنه بإغضابه لهم قد أغضب ربه عز وجل، وهنا لم يشفع لأبي بكر أنه عربي قبلي قرشي شريف، وأنه خير هذه الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يشفع له أنه كان يخاطب فارسياً ورومياً وحبشياً، وكم أدت هذه النعرات الجاهلية إلى التفريق بين الأخوة وأفراد الأمة الواحدة، وكل من يذكي نار هذه الفتنة بين المسلمين فلا شك أنه من جند إبليس.
ومن اعتناء الإسلام بالفرد أنه شدد على اختيار المرأة الصالحة وعلى قبول الرجل الصالح ذي الأخلاق الحسنة، لأنهما نواة المجتمع، ومنهما تأتي الذرية الصالحة بإذن الله تعالى، أما إن تزوجت الصالحة بفاسق أو الصالح بفاسقة، فإن هذا الزواج في الغالب لن ينتج إلا المشاكل، وكم من أب قضى على ابنته ومستقبلها عندما قبل أن يزوجها بفاسق لا يحافظ على الصلاة ولا يمتنع عن المحرمات، قد ملأ بيته بالمنكرات ويريد من امرأته أن تخلع حجابها لتسافر معه ولتجالس أصحابه والعياذ بالله، وهذا موجود ومنتشر بين المسلمين للأسف الشديد، وهم يزعمون أن الإيمان في القلب فقط، وهذا ضلال مبين، أن يخالف المرء شرع الله تعالى ثم يزعم أنه مؤمن كامل الإيمان.
عباد الله: إن الإيمان في القلب وتظهر آثاره على الجوارح، وهؤلاء لم يأتوا بالإيمان القلبي أيضاً، فأي إيمان هذا وهم لا يخشون الله، مع أن الخشية من أعمال القلوب؟ وأي إيمان هذا وهم قد تركوا التوكل على الله وتوكلوا على الدرهم والدينار وتعلقت قلوبهم بالمادة والدنيا؟ أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله والصلاة السلام على رسول الله وبعد، عباد الله، إن الله تعالى قد وضع في الإنسان طاقات وقدرات خارقة، لو استغلت لكانت النتائج باهرة مدهشة، ولا شك أن الفرد لو تربى على القرآن والسنة المطهرة ومنهج السلف الصالح، لكان بإمكانه ودون مبالغة أن يغير الدنيا، إذ أن ذلك ما حصل مع الصحابة ومن تبعهم، ولقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم من قبل: ((لن يُغلب اثنا عشر ألفاً من قلة))، فالخلل عباد الله ليس في أعداد المسلمين، وليس في نقص الموارد المادية والمالية، إنما مكمن الخلل في تربيتهم ونظمهم وإيمانهم، فإن كنا نريد فلاح أمتنا فإنه يجب علينا أن نعتني بالفرد وأن نرد له كرامته وأن نحسن تنشأته.
وصلاح الفرد لا يكون بإرسالهم إلى بلاد الكفار لينبهروا بهم، ولا يكون باحترافهم كرة القدم أو بتعليمهم التمثيل والموسيقى وما شابه ذلك من الأمور التافهة، إنما يكون صلاح الفرد بإنشاء جيل كجيل الصحابة التابعين، وهذا أمر صعب إن لم يكن مستحيلاً، ولكن ما لا يدرك كله لا يترك جله، فينبغي علينا أن نبذل وسعنا وجهدنا في تنشئة أبنائنا وطلابنا على الإسلام الحق، وأن نجعل لهم أنموذجاً يقتدون به، أما ذلك الذي يركض خلف الغرب الكافر وخلف سراب الحضارة الزائفة تاركاً حضارته وتراثه ودينه وراءه، فلا شك أنه قد خسر الدنيا والآخرة.
فاتقوا الله عباد الله، وأصلحوا بيوتكم تصلح مجتمعاتكم، وتصلح لكم دنياكم وآخرتكم، نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم.
| |
|