molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: التبرك - عاصم بن لقمان يونس الحكيم الأربعاء 23 نوفمبر - 4:47:34 | |
|
التبرك
ععاصم بن لقمان يونس الحكيم
الخطبة الأولى
ما من مسلم إلا ويرجو البركة في أفعاله وأقواله وأهله وماله، فهو يدعو الله لنفسه فيقول: اللهم بارك لي فيما أعطيت، ويدعو لأخيه إن هو تزوّج بقوله: بارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكما في خير.
والبركة هي الزيادة والنماء، وأن تُبَرِّك لإنسان بمعنى أن تدعو له بالبركة والزيادة والنماء والخير، والبركة لا تكون إلا من الله تعالى، فهي من أفعاله ومن صفاته، فتبارك الله بمعنى: تعالى وتعظم وارتفع عز وجل، وإن البركة تُ+ب وتُنال بذكره وفضله، فالله تعالى هو المُبارِك، ورسوله مُبَارَك، وكذلك كتابه وبيته مُبارَكان.
ولقد جاءت نصوص الشرع بجواز التبرك بأمور محدودة معينة، ولا يجوز الزيادة عليها، فلقد كان أصحاب النبي يتبركون بجسده وعرقه وشعره وثيابه وأوانيه، وكل ذلك لأن الله تعالى جعل فيه من البركة ما يُستشفى به ويُرجى بسببه الفائدة في الدنيا والآخرة، مع الاعتقاد الجازم أن واهب البركة وخالقها هو الله تعالى لا النبي . وأما الآن بعد وفاته عليه الصلاة والسلام فإن ذلك انقطع وزال لعدم ثبوت نسبة شيء من الأمور الموجودة الآن إليه، كنسبة شعره أو ثوبه أو سيفه، فهذا كله غير ثابت ولا صحيح، فلا يُتبرك بشيء من ذلك.
ومن الأمور التي يُتبرك بها قراءة سورة البقرة، كما قال النبي : ((اقرؤوا سورة البقرة، فإن أخذها بركة، وتركها حَسْرَة، ولا تستطيعها البطلة)).
ومما يُتبرك به مجالس الذكر التي يَغفر الله تعالى فيها لجميع الحاضرين، كما جاء في الحديث أن الله تعالى يقول للملائكة بعد إخبارهم عن مجلس للذكر مروا به: فأُشهدكم أني قد غفرت لهم، فيقول ملك: فيهم فلانٌ ليس منهم إنما جاء لحاجة، فيقول أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين: هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم.
ولك ـ يا عبد الله ـ أن تسأل نفسك عن آخر مجلس من مجالس الذكر جلسته متى كان، فإن أكثر المسلمين اليوم يعرضون عن مجالس ذكر الرحمن ويقبلون على مجالس ذكر الشيطان والعياذ بالله.
عباد الله، لقد أخبر النبي أن الله تعالى يبارك الطعام، فمن أسباب مباركة الطعام الاجتماع عليه وأن لا يأكل القوم وهم متفرقون في المجلس، لقول النبي للصحابة حينما اشتكوا له أنهم يأكلون ولا يشبعون: ((فاجتمعوا على طعامكم واذكروا اسم الله يُبارك لكم فيه)). والسنة أن يأكل الإنسان من أمامه مما يليه لقول النبي : ((البركة تنزل وسط الطعام، فكلوا من حَافَتَيْهِ، ولا تأكلوا من وسطه))، ولقد أمر النبي بلعق الأصابع والصحفة فقال: ((إنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة))، وفي رواية أخرى: كان لا يمسح يده بالمنديل حتى يلعق أصابعه. وكم فرط المسلمون اليوم في هذه السُنَّةِ.
ومن الأماكن المباركة المساجد، وفي أولها الحرمان الشريفان والمسجد الأقصى ومسجد قباء، ولكن التبرك فيها وبها لا يكون بما يفعله الجهال من التمسح بجدرانها وأخذ شيء من ترابها، فإن ذلك كله بدعة وضلالة، أما التبرك المشروع فهو بالصلاة فيها والاعتكاف وحضور مجالس الذكر.
ومن الأماكن المباركة أيضا مكة والمدينة وبلاد الشام وعرفة ومزدلفة ومنى، لكثرة الخير الذي ينزل فيها على الناس.
وهنالك أيضا أوقات مباركة كشهر رمضان، وخاصة ليلة القدر التي وصفها تعالى بالبركة بقوله: إِنَّا أَنزَلْنَـٰهُ فِى لَيْلَةٍ مُّبَـٰرَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ [الدخان:3]. كذلك العشر الأول من ذي الحجة ويوم عرفة ويوم الجمعة والثلث الأخير من الليل وقت النزول الإلهي، فهذه كلها أزمنة مباركة يتعرض فيها العبد لنفحات ربه بالأعمال المشروعة رجاء البركة.
واعلموا ـ عباد الله ـ أن الأعمال الصالحة والأخلاق الحميدة وعلى رأس ذلك الصدق تؤدي إلى جلب البركة الدينية والدنيوية، قال النبي : ((البيعان بالخيار ما لم يتفرّقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا مُحقت بركة بيعهما))، فالكذب وهو من الذنوب مزيل للبركة، وكذلك الحلف في البيع والشراء، يقول النبي : ((الحَلِف منفقة للسلعة ممحقة للبركة)).
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
وبعد: إن من الأمور الشرعية التي أرشد النبي أمته لجلب البركة في الرزق التبكير في طلب الرزق، وهو مما يغفل عنه كثير من أهل السهر ونوم النهار، فعن صخر بن وداعة الغامدي أن النبي قال: ((اللهم بارك لأمتي في بكورها))، ولقد طبق الصحابي هذا الحديث رجاء البركة، فكان رضي الله عنه تاجرًا، وكان يبعث تجارته أول النهار فأثرى وكثر ماله.
ومن أسباب زيادة الرزق صلة الأرحام، وهذا من بركة الأعمال الصالحة، إذ يقول النبي : ((من أحب أن يُبسط له في رزقه وأن يُنسأ له في أثره فليصل رحمه)).
عباد الله، إن الناظر في أحوال المسلمين اليوم ليرى ضلالاً مبينًا وانحرافًا عن هدي الإسلام في مسألة التبرك، فالبركة كالرزق والعافية من الله، فطلبها من غيره شرك، والتبرك أمر شرعي لا يُدرك بالعقل، إنما يتوقف وجوده على نصوص الشرع، فما جاءت النصوص بجواز التبرك به تبركنا، وإلا توقفنا وامتنعنا.
وما يفعله الجهال اليوم عند مقام إبراهيم عليه السلام أو عند قبر النبي من التمسح والتقبيل وإلصاق البطن والوجه أو الظهر طلبا للشفاء والبركة كل هذا من البدع المنكرة المغلظة التي قد تصل إلى الشرك الأكبر إن اعتقد فاعلها أن النفع والضر لغير الله تعالى، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله مبينا حكم تقبيل الجمادات: "ليس في الدنيا من الجمادات ما يُشرع تقبيلها إلا الحجر الأسود، وقد ثبت في الصحيحين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال وهو يقبل الحجر الأسود: (والله، إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك)".
فاتقوا الله عباد الله، واتبعوا سنة الخليفة المهدي عمر ترشدوا، وتجنبوا البدع والضلالات تهتدوا، وإياكم والتبرك بالصالحين أحياءً كانوا أم أمواتًا، فإن ذلك من المحدثات، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة...
| |
|