molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: خطورة سب الدين - سلطان بن حيدر الأهدل الأحد 13 نوفمبر - 6:13:25 | |
|
خطورة سب الدين
سلطان بن حيدر الأهدل
الخطبة الأولى
أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
فأوصيكم ـ أيها الناس ـ ونفسي بتقوى الله الذي لا فلاح ولا كرامة إلا بطاعته، ولا نجاة ولا فوز إلا بتقواه، وكونوا من أبناء الآخرة وطالبيها، ولا تغتروا بالدنيا وما فيها، وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ [الأنعام: 32].
معاشر المسلمين، إن المسلم ينظر إلى ما لله عليه من مننٍ لا تحصى ونعم لا تستقصى، فلقد اكتنفه سبحانه من ساعة علوقه في رحم أمه إلى أن يلقاه يوم القيامة، فينبغي لهذا المسلم أن يشكر الله تعالى على هذه النعم بلسانه بحمد الله والثناء عليه، وبجوارحه بتسخيرها في مرضاته وطاعته، فيكون هذا أدبًا منه مع الله سبحانه وتعالى وتقديرًا له؛ إذ ليس من الأدب في شيء كفران النعم وجحود المنعم والتنكر له ولإحسانه وإنعامه، والله سبحانه يقول: وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْ اللَّهِ [النحل: 53]، ويقول سبحانه: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا [إبراهيم: 34].
وإن من إجلال الله وتعظيمه واعترافًا بحقه أن نتفكر في آلائه ونخضع له سبحانه، فهو الكريم العظيم الذي هو أكبر من كل شيء وأعظم من كل شيء، إنه الله الجليل، هو وحده الخالق لهذا العالم، لا يقع شيء في الكون من حركةٍ أو سكون أو رفعٍ أو خفض أو عزٍ أو ذلٍ أو عطاءٍ أو منع إلا بإذنه سبحانه، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.
من تفكر في ذلك خاف الله تعالى لا محالة؛ لأن الفكر يوقعه على صفاتِ جلال الله وكبريائه، فهو سبحانه العزيز الكريم المتعال الواحد القهار الذي قهر كل شيء وغلبه، والذي لا يطاق انتقامه، مذلّ الجبابرة، القوي الذي تتصاغر كل قوة أمام قوته ويتضاءل كل عظيم أمام ذكر عظمته.
إن تعظيم الله عز وجل من أجلِّ العبادات القلبية وأهم أعمال القلوب التي يتعين ترسيخها وت+ية النفوس بها، فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [يس: 83].
أيها المسلمون، ولا شك أن أجلَّ نعمة أنعم الله بها على أهل الأرض عامة وعلى المسلمين خاصة بعد معرفته وتعظيمه سبحانه نعمة الإسلام وبعثة نبي الرحمة عليه أفضل الصلاة والسلام.
عباد الله، لقد كان أهل الأرض قبل مجيء الإسلام في ظلام دامس وضلال مبين، فأنقذهم الله بهذا الدين وأخرجهم من الظلمات إلى النور. هذا الدين الذي أرسل الله به محمدًا هو دين الله للبشرية كافة، ضمنه سبحانه نظامًا متكاملاً للحياة لتسعد به البشرية في هذه الدنيا وتنجوَ وتفوزَ في الآخرة. هذا الدين غايته الكبرى وهدفه الأسمى الإصلاح بشتى صوره وكافة أشكاله، دين الرحمة، دين يدعو إلى إيصال النفع وتحقيق المصالح للعباد، دين تقوم دعوته على الخير والهدى في الدنيا والآخرة، دين لا يرضى بالأذى ولا يقر الضرر لغير المعتدين الظالمين.
فيتبين مما سبق ـ يا عباد الله ـ أن المؤمن الحق هو من عظَّم الله تعالى وعظَّم رسوله وعظَّم دين الإسلام، فهكذا يكون المؤمن حقًا، ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ [الحج: 30].
ولكن أيها المسلمون، هل تصدقون أنه يوجد في أمتنا في مجتمعنا ومن يتكلم بألسنتنا من ينتهك هذا التعظيم ويدنّس هذه الحرمة ويقول كلمة الكفر والعياذ بالله؟! فينطلق لسانه بها دون هوادة، فيسب الذات الإلهية، يسب الله خالق الإنسان والأكوان، ويسب خير البشرية محمدًا عليه أفضل الصلاة والسلام، ويسب القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ويسبّ هذا الدين العظيم الذي أنقذ البشرية من الكفر إلى الإيمان ومن الضلالة إلى الهدى.
إنها والله لجريمة كبرى وعادة قبيحة رذيلة وبدعة دخيلة منكرة، تلك التي تنتشر في بلادنا ونسمعها من شبابنا وأبنائنا، سب الدين والرب، حتى نسمع الطفل الذي لا يتجاوز من العمر خمس سنوات يسبّ ويتلفظ بهذه الألفاظ، فمن أين وكيف تعلم ذلك يا ترى؟! لقد تعلم من البيئة التي يعيش فيها، تعلم من شر البقاع إلى الله تعالى الأسواق، تعلم ممن هم أكبر منه سنًا، تعلم من أبيه أو من أمه أو من جيرانه، ولا حول ولا قوة إلا بالله. يقول رسولنا الأكرم في حديث مطول: ((ومن سنّ في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء)). فالإثم يلاحق الشخص الذي أدخل هذه المسبّات إلى بيته، وأوصلها إلى جيرانه وأصدقائه حتى بعد وفاته.
أيها المسلمون، أيها المؤمنون، نقول لمن خرجت من فمه هذه الكلمات القبيحة وتفوّه بالكفر الصراح: مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا [نوح: 13]، قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة: 65، 66].
وتأمل ـ يا عبد الله ـ كيف شن الله تعالى حربًا على من ينسب الولد إليه في كتابه فقال سبحانه: تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا [مري: 90، 91]. ولا شك أن سب الله المباشر الذي يخرق صماخ آذان الموحدين على لسان بعض المنتسبين للإسلام أسوأ من نسبة الولد إليه سبحانه، وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ [الزمر: 67].
أيها المسلمون، إن الذين يسبون الذات الإلهية ويستهزئون بالرسول قد حكم الله عليهم باللعن والطرد من رحمته الواسعة، قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا [الأحزاب: 57، 58]. ففرَّق الله عز وجل في الآية الكريمة بين أذى الله ورسوله وبين أذى المؤمنين والمؤمنات، فجعل على هذا أنه قد احتمل بهتانًا وإثمًا مبينًا، وقد جعل على ذلك اللعنة في الدنيا والآخرة وأعد له العذاب المهين.
ومن هنا ـ يا عباد الله ـ نعلم خطورة الاستهزاء بالدين وأهله، سواءً عبر ما يعرض في المسلسلات والأفلام الهابطة التي تصوّر أهل العلم والفضل أو الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر أو شعائر الدين في صور لا تليق، بل وربما تعدّى أهل الدين والفضل. فهل يعي من يتجرأ على الدين وأهله خطورة ما أقدم عليه؟! وهل بعد هذا الجرم العظيم إلا الوقوع في الله ورسله وأنبيائه؟!
أيها المسلمون، عباد الله، إن المتأمل في مجتمعنا يجد أن الموازين قد انقلبت وتبدلت، فلو أن شخصًا سب دين شخص آخر فإنه لا يتأثّر ولا يتحرّك ولا تهتزّ له شعرة واحدة ولا يعتبرها إهانة لدين الله، أما إذا سُبَ أباه أو أمه أو أهله فإنه يثور ويغضب وتظهر الحماقات ونشاهد المشاجرات ومبادلة الشتائم بين الطرفين، وهذه ظاهرة من ظواهر الجاهلية الأولى، وهي معا+ة تمامًا لأخلاق رسولنا الأكرم الذي كان يغضب حينما تنتهك حرمات الله، ولم يكن يغضب لنفسه ، فتقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في وصف أخلاقه: وما انتقم رسول الله لنفسه في شيء قط، إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله تعالى.
فالواجب على المسلمين تقوى الله تعالى وإجلاله وتعظيم دينه ونبيه والعمل بسنته ونصيحة من زلّ لسانه بأمر يخالف الشرع وتحذيرهم من هذه المصيبة؛ فإن أعظم مصيبة هي مصيبة الدين؛ لأن من استهزأ بهذا الدين ولقي الله بغير توبةٍ يخشى عليه والعياذ بالله من عذاب الجبار.
نسأل الله لنا ولكم الثبات على الحق، وأن يحفظ ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأن يرينا الحق حقًا ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بهدي كتابه وسنة نبيه الكريم محمد ، والحمد لله رب العالمين.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إن ربي غفور رحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي هدانا للإسلام، ومنَّ علينا ببعثة سيد الأنام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك القدوس السلام، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله بدرُ التمام ومسك الختام، صلى الله عليه وعلى آله البررة الكرام، وصحبه الأئمة الأعلام، والتابعين ومن تبعهم بإحسان ما تعاقب النور والظلام.
عباد الله، اتقوا الله تعالى، خافوه وعظموه، قدسوه واقدروه حق قدره.
أيها المسلمون، إن علماء التوحيد من المذاهب الأربعة من الأحناف والمالكية والشافعية والحنابلة وغيرهم قد نصوا على كفر السّابّ للدين أو للنبيّ الكريم أو لربّ العالمين، بل وحكوا على ذلك إجماعات أهل العلم، وأن من فعل ذلك يعتبر مرتدًّا ويخرج من ربقة الإسلام.
قال الإمام إسحاق بن راهويه وهو من أئمة الشافعية: "أجمع المسلمون على أن من سبّ الله ورسوله أو دفع شيئًا مما أنزل الله عز وجل أو قتل نبيًا من أنبياء الله عز وجل أنه كافر بذلك وإن كان مقرًّا بكل ما أنزل الله"، وقال القاضي عياض رحمه الله: "لا خلاف أن سابّ الله تعالى من المسلمين كافر حلال الدم"، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "إن من سبّ الله تعالى أو سب رسوله كفر كفرًا ظاهرًا وباطنًا، سواءً كان السابّ يعتقد أن ذلك محرم، أو كان مستحلاً له، أو كان ذاهلاً عن اعتقاده"، وقال أبو بكر بن المنذر: "أجمع عوام أهل العلم على أن من سبّ النبي يقتل، وممن قال ذلك مالك بن أنس والليث وأحمد وإسحاق، وهو مذهب الشافعي" اهـ.
أيها المسلمون، أيها المؤمنون، أما آن للمجتمعات المسلمة أن تعلم لماذا تنزل علينا المصائب تترى؟! لماذا يسلط الله علينا أعداء الإسلام؟! إن ذلك بما +بت أيدي الناس، يقول عز وجل في سورة الشورى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ [الشورى: 30]، ويقول سبحانه وتعالى في سورة الروم: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الروم: 41]، أي: لعلهم يتوبون ولعلهم يرتدعون، ولو أن الله رب العالمين يحاسب الناس في الدنيا ويؤاخذهم على أعمالهم ما ترك على ظهرها من دابة، فيقول عز وجل في سورة النحل: وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى [النحل: 61].
فأحفظ ـ أيها المسلم ـ دينك أن لا يذهب عليك بكلمات يستزلّك بها الشيطان مسايرة لرفقاء الشر والغيّ، فإن الموت مصير كل حي، ولا يعلم الإنسان متى يحلّ، ومن نزل به لم ينفعه إلا عمله بعد توفيق الله، أما يعلم هؤلاء أنهم إذا ارتدّوا عن الإسلام فإنّ هناك أحكامًا شرعية تطبّق عليهم؟! فلا تجوز الصلاة خلفهم، ولا تحلّ ذبيحتهم، ويجب أن يفرّق بينه وبين زوجته فلا تحل له، وغيرها من الأحكام التي تجري على الكافر في الدنيا. ثم إذا لم يتوبوا وماتوا على مثل هذه المقولات الشنيعة فإنهم لا يغسّلون ولا يكفنون ولا يصلى عليهم ولا يدفنون في مقابر المسلمين، ولا يجوز لمسلم أن يترحّم عليهم أو يدعو لهم؛ لأنهم كفار مرتدّون لوقوعهم في هذا الإثم الذي هو أعظم الآثام.
فوا عجبًا لهذا الإنسان! ما العمل الذي يبقى له عند ربه الذي هو مفتقر إليه وفي حاجة لرحمته بعد سبّه له أو لدين الإسلام أو لرسوله ؟! بل إن هذه الثلاث هي أول ما يسأل عنها العبد في قبره، فماذا بقي له من هذه الدنيا؟!
فيا لله! ما هذه الحال التي بلغها المسلمون حتى إنهم لم يسلم منهم أحد حتى ربُّهم الذي يعبدون ودينه الذي يعتقدون ونبيه الذي يعظمون؟!
إذا جلجلت الله أكبر فِي الوغـى تخاذلت الأصوات عن ذاك النِدا
ومن خاصم الرحمن خابت جهوده وضاعت مساعيه وأتعابه سدى
فعلينا ـ أيها المؤمنون ـ جميعًا أن نتوجه إلى الله خالق الإنسان والأكوان تائبين منيبين إليه مستغفرين، علينا أن نتكاتف جميعًا على محاربة هذه البدعة المحرمة وهذا الجرم العظيم على الآباء والأمهات، على المعلمين والمعلمات، على العلماء والوعاظ وعلى الدعاة وكل مسلم غيور على ربه ورسوله ودينه أن يعالجوا هذا الموضوع ويقفوا سدًا منيعًا لمنع هذه الظاهرة السيئة في المجتمع، ورسول الله يقول: ((ألا كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته)).
اللهم أحينا على الإسلام سعداء، وتوفَّنا على التوحيدِ شهداء، واحشرنا في زمرة الأنبياء، ولا تشمت بنا الحاسدين و الأعداء.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين...
| |
|