molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: حفظ اللسان والتحذير من خطورة الكلام - داود بن أحمد العلواني السبت 5 نوفمبر - 8:59:16 | |
|
حفظ اللسان والتحذير من خطورة الكلام
داود بن أحمد العلواني
الخطبة الأولى
أما بعد: أيها الناس، اتقوا الله، واحفظوا ألسنتكم، فمن أراد أن يتكلم فليقل خيرًا أو ليصمت، لا يستهوينه الشيطان فيغويه ويوقعه في حمأة الرذيلة بكلمة نابية تصدر منه، فإن عثرات اللسان وسقطاته تورد المرء موارد الهلاك، ولذا كان اهتمام الإسلام بموضوع الكلام وأسلوب أدائه عظيمًا، فقال الله تعالى: لاَّ خَيْرَ فِى كَثِيرٍ مّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَـٰحٍ بَيْنَ ٱلنَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ ٱبْتَغَاء مَرْضَـٰتِ ٱللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء:114]، وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه يرفعه عن النبي أنه قال: ((إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفّر اللسان، فتقول: اتق الله فينا، فإنما نحن بك، إن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا))[1].
فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أنكم محاسبون عن كل كلمة تخرج من أفواهكم، فإذا أردتم الكلام في شيء فتذكروا دومًا قول الله تبارك وتعالى: مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18]، وتذكروا أيضًا وصية معلم البشرية لمعاذ بن جبل رضي الله عنه في الحديث الطويل حيث أخذ رسول الله بلسانه وقال: ((كف عليك هذا))، قال: يا نبي الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟! قال: ((ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم؟!))[2].
أيها المسلمون، إن عثرات اللسان لا تنحصر في حدّ معين، وإنما هي أنواع كثيرة، فمنها ما يؤدي إلى الكفر كالاستهزاء بدين الله وكتبه ورسله أو شيء من شرعه، ومنها ما هو دون ذلك كالغيبة والنميمة والكذب وشهادة الزور وما شابه ذلك، وكلها من كبائر الذنوب.
وإنه لمن المؤسف جدًا أن الكثير من الناس يرسلون ألسنتهم ويتكلمون الكلام على عواهنه ليضحكوا به الناس، فيستهزئون بالمسلمين وأصحاب اللّحى وذي اللباس القصير، ويتقوّلون النوادر الكاذبة، فيستهزئون بالمصلين وبالدين ليدخلوا السرور على الناس المتعاظمين، فيقعون في غضب رب العالمين، سواء كانوا في ذلك جادين أو هازلين، فيكذب نسأل الله السلامة والعافية، وتخرج من فيه كلمة كبيرة تورده العطب والهلاك كما قال تعالى: كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِبًا [الكهف:5]، كما أنه جل وعلا أخبرنا عن مصير مثل هؤلاء الذين يطلقون ألسنتهم باللغو واللغط ويعتذرون قائلين: إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِٱللَّهِ وَءايَـٰتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءونَ لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَـٰنِكُمْ [التوبة:65، 66].
عباد الله، إن البعد عن اللغو من أركان السلامة ودلائل الاكتمال، ولذلك ذكره الله في القرآن الكريم بين فريضتين من فرائض الإسلام المحكمة، وهما الصلاة وال+اة، فقال سبحانه وتعالى: قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ هُمْ فِى صَلاَتِهِمْ خَـٰشِعُونَ وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنِ ٱللَّغْوِ مُّعْرِضُونَ وَٱلَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَـوٰةِ فَـٰعِلُونَ [المؤمنون:1-4].
وفي آية أخرى اعتبر الله سبحانه وتعالى البعد عن اللغو وعدم الاشتباك مع السفهاء والعمل على مداراتهم من أوائل الصفات التي يتحلى بها عباد الرحمن فقال: وَعِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَىٰ ٱلأرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَـٰهِلُونَ قَالُواْ سَلاَمًا [الفرقان:63]، وقال أيضًا: وَإِذَا سَمِعُواْ ٱللَّغْوَ أَعْرَضُواْ عَنْهُ وَقَالُواْ لَنَا أَعْمَـٰلُنَا وَلَكُمْ أَعْمَـٰلُكُمْ سَلَـٰمٌ عَلَيْكُمْ لاَ نَبْتَغِى ٱلْجَـٰهِلِينَ [القصص:55].
ومن أجل هذا كان رسول الله يحاسن السفيه بالكلام ويداريه إن لم يكن من ذلك بد، حتى لا تسمع أذناه ما يتنزه عنه من الكلام الفاحش البذيء، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: استأذن رجل على رسول الله ، فلما رآه قال: ((بئس أخو العشيرة، وبئس ابن العشيرة))، فلما جلس تطلق النبي في وجهه، وانبسط إليه، فلما انطلق قلت: يا رسول الله، حين رأيت الرجل قلت له: كذا وكذا، ثم تطلقت في وجهه وانبسطت إليه! فقال: ((يا عائشة، متى عهدتيني فحاشًا؟! إن من شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة من تركه الناس اتقاء شره))، وفي رواية: ((اتقاء فحشه))، وفي وراية ثالثة: ((إن من شرار الناس الذين يُكرَمون اتقاء ألسنتهم))[3].
عباد الله، ونزهوا ألسنتكم عن كل ما يغضب الله، ولا تقولوا إلا الكلام الحسن الطيب، فإنه يحفظ مودة الأصدقاء ويستديم محبتهم وصداقتهم، كما أنه يطفئ من خصومات الأعداء وي+ر حدتهم ويوقف عوامل الشر عندهم، والكلام الطيب الحسن يعود على صاحبه بالنفع والأجر والمثوبة.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وَقُل لّعِبَادِى يَقُولُواْ ٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ إِنَّ ٱلشَّيْطَـٰنَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ ٱلشَّيْطَـٰنَ كَانَ لِلإِنْسَـٰنِ عَدُوّا مُّبِينًا [الإسراء:53]، وقال تعالى: ٱدْفَعْ بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِى بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِىٌّ حَمِيمٌ [فصلت:34].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وأقول هذا، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
[1] أخرجه الترمذي في الزهد، باب: ما جاء في حفظ اللسان (2409)، وهو في صحيح الجامع (348).
[2] رواه أحمد (5/237)، والترمذي في الإيمان، باب: ما جاء في حرمة الصلاة (2619)، وقال: "هذا حديث حسن صحيح".
[3] رواه البخاري في الأدب، باب: لم يكن النبي فاحشًا ولا متفحشًا (7/80)، ومسلم في البر والصلة، باب: مداراة من يتقي فحشه (2591)، والرواية الثانية والثالثة عند أبي داود في الأدب، باب: في حسن العشرة (791، 792).
الخطبة الثانية
الحمد لله الجليل الشأن، الواسع السلطان، الآمر عباده بحفظ اللسان، القائل: ٱلرَّحْمَـٰنُ عَلَّمَ ٱلْقُرْءانَ خَلَقَ ٱلإِنسَـٰنَ عَلَّمَهُ ٱلبَيَانَ [الرحمن:1-4]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أدى الأمانة، وبلغ الرسالة، ونصح للأمة، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه والتابعين، وجعلنا الله منهم ومعهم أجمعين.
أما بعد: فيا عباد الله، لقد ورد في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله يقول: ((إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالاً يرفعه الله بها في الجنة، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم))، وفي رواية: ((إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب))[1].
عباد الله، إذا كانت الكلمة التي لا يلقي لها الإنسان بالاً قد ترفعه إلى الجنة أو تهوي به في نار جهنم فما بالكم بالكلمة المقصودة التي يتكلم بها في أمور وهمية وظنون كاذبة؟! أعاذنا الله وإياكم من ذلك.
فالحذر الحذر ـ عباد الله ـ من خطر الكلمة وزلات اللسان، فعلى الإنسان أن يكبح جماح نفسه عن الكلام، ويسائل نفسه قبل التفوه بالكلمة: هل هي مما يرضي الله أم مما يسخطه؟ فإن كانت من رضوان الله تعالى كذكر الله وقراءة القرآن وبذل النصيحة أو أمر بالمعروف ونهي عن المنكر وغير ذلك من أبواب الخير فليتكلم، وإلا فالصمت أولى، والله عز وجل يقول: لاَّ خَيْرَ فِى كَثِيرٍ مّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَـٰحٍ بَيْنَ ٱلنَّاسِ الآية [النساء:114]، ورسول الله قال: ((كل كلام ابن آدم عليه لا له إلا أمر بمعروف أو نهي عن منكر أو ذكر الله))[2]، وقال: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت))[3].
عباد الله، إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإْحْسَانِ وَإِيتَآء ذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَاء وَٱلْمُنْكَرِ وَٱلْبَغْى يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [النحل:90].
فاذكروا الله على نعمه، واشكروه على آلائه، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
والمسلم يلتزم الصدق قولاً باللسان وعملاً بالأركان، ويعلم يقينًا أنه مسؤول ومحاسب عن كل ما يصدر عنه، يروى عن بعض السلف الصالح أنه كان حتى إذا خاطب بعض الحيوانات وهي لا تعرف الكلام تكلم عليها بقوله: أصلحك الله، فلما سئل عن ذلك قال: أريد أن أعوِّد لساني على الكلام الطيّب، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده))، وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الصفات الذميمة التي ليست من صفات المسلم فقال: ((ليس المسلم باللعان ولا بالصخاب ولا بالفاحش البذيء))، كما أخبر الله جل وعلا عن عباده حيث قال تبارك وتعالى: وَعِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَىٰ ٱلأرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَـٰهِلُونَ قَالُواْ سَلاَمًا [الفرقان:63]، وصلّى الله على نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
[1] رواه البخاري في الرقاق، باب: حفظ اللسان (7/184)، ومسلم في الزهد، باب: التكلم بالكلمة يهوي بها في النار (2988).
[2] رواه الترمذي في الزهد (2414).
[3] رواه البخاري في الرقاق، باب: حفظ اللسان (7/184)، ومسلم في اللقطة، باب: الضيافة ونحوها (48) عن أبي شريح الخزاعي رضي اله عنه.
| |
|