molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: عذاب القبر - سلطان بن حمد العويد الأحد 13 نوفمبر - 6:11:25 | |
|
عذاب القبر
سلطان بن حمد العويد
الخطبة الأولى
أما بعد:
أيها الإخوة في الله، كان الحديث في الجمعة الماضية عن عذاب القبر وفتنته، وما ورد من النصوص من الكتاب والسنة الدالة على ذلك، ونوضح اليوم شيئاً من أسباب عذاب القبر أعاذنا الله وإياكم منه، فنقول: روى البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (مر النبي على قبرين فقال: ((إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير)) ثم قال: بلى ((أما أحدهما فكان يسعى بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله)).
فعدم الاستتار من البول، والتساهل في أمر التطهر منه، من أسباب عذاب القبر، وكذلك النميمة، السعي بين الناس بالكلام للإفساد هي أيضًا من أسباب عذاب القبر.
وروى الدارقطني عن أنس عن نبينا أنه قال: ((تنزهوا من البول فإنّ عامة عذاب القبر منه)).
ومن أسباب عذاب القبر الغلول: فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنها أن رجلاً يقال له كركرة مات فقال رسول الله : ((هو في النار)) فوجدوا عباءة قد غلها. رواه البخاري. والغلول هو الأخذ من الغنائم بغير حق.
وقال ـ عن رجل غل شملة ـ: ((إنها لتشتعل عليه نارًا)) والحديث في الصحيحين.
ومن المعاصي التي يتساهل فيها بعض المسلمين، وهي من أسباب عذاب القبر، وقد حصل التساهل فيها بعامة نسأل الله العافية، وهي الكذب وهجر القرآن والزنا والربا، فكم عدد الناس من المجتمع الذين يَسْلَمُون من هذه المعاصي وأمثالها، فقد أرى الله جل جلاله رسوله أنواعًا من المعذبين يعذبون ببعض المعاصي.
ففي صحيح الإمام البخاري عن سمرة قال: كان النبي إذا صلى صلاة أقبل علينا بوجه فقال: ((من رأى منكم الليلة رؤيا)) قال: فإن رأى أحد قصها فيقول ما شاء الله، فسألنا يومًا فقال: ((هل رأى أحد منكم رؤيا)) قلنا: لا، قال: ((لكني رأيت الليلة)) ورؤيا النبي حق، وهي من الوحي الذي يؤتاه عليه الصلاة والسلام، قال: ((لكني رأيت الليلة رجلين أتياني فأخذا بيدي فأخرجاني إلى الأرض المقدسة فإذا رجل جالس، ورجل قائم بيده كلوب من حديد، يدخله في شدقه حتى يبلغ قفاه، ثم يفعل بشدقه الآخر مثل ذلك، ويلتئم شدقه هذا فيعود فيصنع مثله، قلت: ما هذا؟ قالا: انطلق، فانطلقنا حتى أتينا على رجل مضطجع على قفاه، ورجل قائم على رأسه بصخرة، فيشدخ بها رأسه فإذا ضربه تدهده الحجر فانطلق إليه ليأخذه، فلا يرجع إلى هذا حتى يلتئم رأسه، وعاد رأسه كما هو فعاد إليه فضربه، قلت: من هذا؟ قالا: انطلق، فانطلقنا إلى ثقب مثل التنور أعلاه ضيق وأسفله واسع يتوقد تحته نارًا ـ وفي رواية: فإذا فيه لغط وأصوات ـ فإذا اقترب ارتفعوا حتى كاد أن يخرجوا فإذا خمدت رجعوا فيها, وفيها رجال ونساء عراة, فقلت: من هذا؟ قالا: انطلق، فانطلقنا حتى أتينا على نهر من دم فيه رجل قائم على وسط النهر, وعلى شطّ النهر رجل بين يديه حجارة, فأقبل الرجل الذي في النهر فإذا أراد أن يخرج رمى الرجلُ بحجر في فيه فرده حيث كان, فجعل كلما جاء ليخرج رمى في فيه بحجر فيرجع كما كان, فقلت: ما هذا؟ قالا: انطلق، فانطلقنا حتى انتهينا إلى روضة خضراء فيها شجرة عظيمة وفي أصلها شيخ وصبيان وإذا رجل قريب من الشجرة بين يديه نار يوقدها فصعدا بي في الشجرة، وأدخلاني دارًا لم أرَ قط أحسن منها، فيها رجال شيوخ وشباب ونساء وصبيان ثم أخرجاني منها فصعدا بي الشجرة فأدخلاني دارًا هي أحسن وأفضل فيها شيوخ وشباب، قلت: طوفتماني الليلة فأخبراني عما رأيت, قالا: نعم.
أما الذي رأيته يشق شدقه فكذاب، يحدث بالكذبة فتحمل عنه حتى تبلغ الآفاق، فيصنع به ما رأيت إلى يوم القيامة.
والذي رأيته يشدخ رأسه، فرجل علمه الله القرآن فنام عنه بالليل ولم يعمل فيه بالنهار، يفعل به إلى يوم القيامة.
والذي رأيته في الثقب فهم الزناة، والذي رأيته في النهر آكل الربا، والشيخ في أصل الشجرة إبراهيم عليه السلام، والصبيان حوله فأولاد الناس، والذي يوقد النار مالك خازن النار، والدار الأولى التي دخلت دار عامة المؤمنين، وأما هذه الدار فدار الشهداء، وأنا جبريل وهذا ميكائيل فارفع رأسك, فرفعت رأسي فإذا فوقي مثل السحاب، قالا: ذلك منزلك، قلت: دعاني أدخل منزلي، قالا: إنه بقي لك عمر لم تستكمله فلو استكملت أتيت منزلك)) رواه الإمام البخاري في صحيحه.
ومما يضر الميت في قبره ما عليه من دين، فقد روى سمرة أن النبي صلى على جنازة، فلما انصرف قال: ((أهاهنا من آل فلان أحد؟)) فسكت القوم، وكان إذا ابتدأهم بشيء سكتوا، فقال ذلك مرارًا، فقام رجل من مؤخر الناس، فقال له النبي : ((إن فلانًا ـ يعني قريبه الميت ـ مأسور بدينه عن الجنة، فإن شئتم فافدوه، وإن شئتم فأسلموه إلى عذاب الله)) قال سمرة: فلو رأيت أهله ومن يتحرون أمره قاموا فقضوا عنه حتى ما أحد يطلبه بشيء. رواه أبو داود.
وفي حديث آخر أن أحد الأنصار مات فدعا النبي أصحابه لسداد دينه، وبين عليه الصلاة والسلام أن روحه معلقة بدينه، ـ فلما قام أحد الأنصار فقال: أنا أتكفل بدينه ـ قال : ((الآن بردت عليه جلده)) كم من الناس اليوم ربما مر عليهم اليوم والشهر والسنة والسنون وهم عليهم ديون كثيرة وهم لا يبالون، فأين هم من هذا العذاب الذي أخبر عنه .
وقد ورد أيضًا أن الميت يعذب ببعض بكاء أهله عليه، كما في الصحيحين، واختلف العلماء رحمهم في فهم هذا الحديث, فبعضهم قال: إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه إذا كان يعلم أنهم سيبكون بكاءً محرمًا يصل إلى النياحة، ومع ذلك لم ينههم في حياته.
وقيل: إذا كان هو يأمر بذلك في حياته والنياحة من سنته، وإلا فلا.
وقيل: إذا كان قد أوصى بذلك.
أما عائشة رضي الله عنها فقد حملت الحديث على الميت الكافر، أما المسلم فإنه وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ [فاطر:18]. أما أكثر العلماء من الصحابة ومن بعدهم فقد حملوه على المسلم أيضًا، ولكن اختلفوا في تفسير هذا التعذيب، لماذا يعذب هذا الإنسان وهو لم يأمر بهذه النياحة، وقد حملوا الحديث على ما سمعتم.
واختار شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله تعالى ـ اختيارًا جيدًا، فقال: "إن معنى العذاب في الحديث ليس من باب العقوبة، والعذاب أعم من العقاب؛ فإن العذاب هو الألم" يعني: إن الميت يتألم من هذا البكاء، وقال رحمه الله: "إن النبي قال: ((السفر قطعة من العذاب)) فسمى السفر عذابًا, وليس هو عقابًا، ويجب أن يلحظ في قوله : ((ببعض بكاء أهله عليه)) كلمة بعض لأن البكاء نوعان: نوع فيه دمع العين لتذكر الميت والحزن عليه، ونوع يكون مصحوبًا بما يجعله محرم من عمل الجاهلية كشق الجيوب وقطع الشعر ورفع الصوت بالبكاء".
نسأل الله عز وجل أن يعيذنا وجميع المسلمين من عذاب القبر, إنه على كل شيء قدير، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد, فإن ما يصيب المؤمن في قبره من الفتنة والضغطة إنما يكون مكفِّرًا له قبل الحشر، ولكن السعيد هو الذي يسلم من هذا التكفير، فيكون مستعدًا للموت مشمرًا له حتى إذا ما جاء الموت وفجأه لم يعض أصابع الندم.
ومن الاستعداد للموت الإكثار من ذكره والإسراع في التوبة، والمبادرة إلى قضاء الحقوق بجميع أنواعها، والإكثار من الأعمال الصالحة.
أيها الإخوة في الله، لما كانت فتنة القبر وعذابه من الأهوال الكبار والشدائد العظيمة فإن الرسول كان يستعيذ من ذلك في صلاته، وفي غير الصلاة أيضًا، وكان يأمر أصحابه بذلك، فقد روى مسلم في صحيحه أن النبي كان يقول لأصحابه: ((تعوذوا بالله من عذاب القبر)) فيقولون: نعوذ بالله من عذاب القبر.
وكان لا يترك في صلاته التعوذ من أربع في آخر الصلاة، وكان منها التعوذ من عذاب القبر.
وقد ورد عن نبينا أمور تعصم بإذن من فتنة القبر وعذابه فمن ذلك:
الشهادة في سبيل الله، شهادة المعركة، ذاك الرجل الذي علم أنه ربما يرجع وربما لا يرجع، ومع ذلك خرج يقاتل في سبيل الله، هذا الإنسان الذي سماه الله شهيدًا، هو بإذن الله ممن يقيه الله تبارك وتعالى من عذاب القبر، ففي سنن الترمذي وابن ماجه عن المقدام قال: قال رسول الله : ((للشهيد عند الله ست خصال: يغفر له في أول دفعة، ويرى مقعده في الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار، الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها، ويزوج ثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويشفع في سبعين من أقربائه)).
وروى النسائي عن رجل من أصحاب النبي أن رجلاً قال: يا رسول الله، ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلا الشهيد؟ ما الذي خصه؟ قال : ((كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة)) نعم، إنه ضحى بكل شيء، ترك الدنيا وما وراءها من أجل الله تبارك وتعالى.
وكذلك الذي يموت مرابطًا في سبيل الله، فقد روى فضالة بين عبيد عن رسولنا أنه قال: ((كل ميت يختم على عمله ـ يعني الذي مات عليه ـ إلا الذي مات مرابطًا في سبيل الله؛ فإنه ينمى له عمله إلى يوم القيامة، ويأمن فتنة القبر)) رواه أبو داود والترمذي.
ومن الذين يرجى لهم الوقاية بإذن الله من فتنة القبر المؤمن الذي يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة، فقد ثبت في سنن الترمذي ذلك عن رسول الله ، وكذلك الذي يموت بداء في بطنه، فقد ثبت عنه أنه قال ـ كما في سنن الترمذي والنسائي ـ : ((من يقتله بطنه فلن يعذب في قبره)).
وعلى كل حال أيها الأحباب، فإن الخاتمة الحسنة يرجى أيضًا لصاحبها أن يكون من الناجين؛ لقوله ـ في صحيح البخاري ـ: ((إنما الأعمال بالخواتيم)).
أيها الإخوة في الله، سمعنا أن عذاب القبر قد تُوعِد به أنواع من العصاة، منهم الزناة، ومنهم آكل الربا، ومنهم الذين لا يعملون بالقرآن، ومنهم الذين يتساهلون في أمر الطهارة، ومنهم الذي ينام عن الصلاة المكتوبة، كل هؤلاء قد توعد في الأحاديث الصحاح عن نبينا ، فأسألهم بربهم سبحانه وتعالى: هل هذه الأحاديث قالها ليقطع بها الأوقات؟ هل قالها ليسلينا أم قالها محذرًا منذرًا عليه الصلاة والسلام؟ والله ما قالها عليه الصلاة والسلام إلا أنها حق وصدق وتنتظر أصحابها.
إن هذه المعاصي التي يتساهل بها كثير من الناس، إنما يحصل التساهل بأسباب كثيرة، منها الغفلة، ومنها المغالطة للنفس، ومنها تسويف التوبة، وتسويف التوبة لا ينفع, لأن الموت لا يستشير أحدًا إذا نزل بساحة الإنسان أجله الذي كتبه الله عز وجل عليه، عند ذلك والله لا ينفعه إلا عمله الصالح.
فاسألوا الله جل جلاله دائمًا أن يحسن لنا ولكم الخاتمة، اللهم اختم بالصالحات أعمالنا وبالسعادة آجالنا، اللهم اجعل الحياة زيادة لنا من كل خير، والموت راحة لنا من كل شر.
رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَـٰسِرِينَ [الأعراف:23].
| |
|