molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: الجرأة على محارم الله (1) - سلطان بن حمد العويد الأحد 13 نوفمبر - 6:09:29 | |
|
الجرأة على محارم الله (1)
سلطان بن حمد العويد
الخطبة الأولى
أما بعد, فيا عباد الله، أيها الإخوة المؤمنون، لا شك أن انتشار المنكرات وفشو المعاصي، ومجاهرة كثير من المسلمين بالخطايا والمحرمات وترك الواجبات، لا شكّ أن هذا كله من أبرز سمات المجتمعات الإسلامية اليوم، لقد استفحل الأمر لما ظهرت المجاهرة واضمحل الحياء، اضمحل الحياء من الناس فضلاً عن الحياء من الله، أقول: إن الحياء مطلوب من الخلق فضلاً عن الحياء من الله، وهذا والله يا عباد الله نذير خطر، فلنتق الله جميعًا في أنفسنا وفي مجتمعاتنا وفي بيوتنا، وفي من جعلنا الله جل وعلا أولياء عليهم من النساء والأطفال والبنات.
إننا أيها الإخوة المؤمنون يجب أن نعلم يقينًا أن هذا الانغماس في هذه المحرمات الكثيرة والذي صار معه المصلحون في حيرة، فهم لا يدرون أي منكر يزيلون، وأي خطر يواجهون، أقول: هذه الجرأة العظيمة على انتهاك المحارم من قبل الكثيرين لها والله أسبابها، ونحن اليوم نتحدث عن سبب واحد فقط ألا وهو عدم المبالاة بالحرام والوقوع فيه.
إنها الغيبوبة الكاملة عن منظر اليوم الآخر، غاب ذلك المنظر عن أذهان كثير من المستهينين بحدود الله ومحارمه، إن أعظم ما يزجر به كل مستهين بحرمات الله، إنما هو عذاب الله، الذي أعده الله للمخالفين المتمردين على عبوديتهم لله، الجاحدين لنعم الله الذين يحبون أن يبارزوا الجبار بمعاصيهم، فهل يعلم هؤلاء أن الناس إنما هم أسرى عند الله جل جلاله، محكوم عليهم بالنار والخسران إلا أن يعتقوا رقابهم بعملهم الصالح.
هل نتأله على الله؟! كلا، والذي نفسي بيده لا نتأله على الله، لكنه قال لنا: وَٱلْعَصْرِ إِنَّ ٱلإِنسَـٰنَ لَفِى خُسْرٍ إِلاَّ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْحَقّ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلصَّبْرِ [العصر:1-3]، إن أمامنا أيها المؤمنون عقبة عظيمة لا بد أن نحسب حسابها، وكيف سنتخطاها؟ قال الله تعالى: فَلاَ ٱقتَحَمَ ٱلْعَقَبَةَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا ٱلْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعَامٌ فِى يَوْمٍ ذِى مَسْغَبَةٍ [البلد:11-14].
إن أعظم الفوز والنجاح هو أن ننجو من نار الجبار فَمَن زُحْزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدْخِلَ ٱلْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا إِلاَّ مَتَـٰعُ ٱلْغُرُورِ [آل عمران:185].
وهذا محمد بن عبد الله صلوات ربي وسلامه عليه، ينادي وهو من؟ هو أرأف الناس، وأرحم الناس، يحب أمته، ويشفق عليها، ولكنه يبلغ فيقول ـ فيما رواه الشيخان ـ: ((يا معشر قريش، اشتروا أنفسكم من الله، لا أغني عنكم من الله شيئًا، يا بني عبد مناف، لا أغني عنكم من الله شيئًا، يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئًا، ويا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئًا، ويا فاطمة بنت محمد سليني ما شئت من مالي، لا أغني عنك من الله شيئًا)).
هذا هو محمد يضرب لنا أيضًا المثل لنفسه وللناس المعرضين عن شرع الله وهديه، الصادين عما أنزل الله وهو يحاول إنقاذهم، وهم يصرون على الهلاك والتردي في المهاوي، والاستمرار في المعاصي، تحت ظل تزيين شياطين الإنس والجن، فيقول : ((مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد نار فجعل الجنادب والفراش يقعن فيها، وهو يذبُّهن عنها، وأنا آخذ بحُج+م وأنتم تفلتون من يدي)) رواه مسلم.
إنه من المؤسف حقًا يا عباد الله أن يدعو الأنبياء وورثتهم من المصلحين، يدعون الناس إلى النجاة من عذاب لا يطاق، ويأبى أكثر الناس إلا أن يكونوا فحمًا للنار، فأين العقول؟! وأين فائدتها؟! يٰحَسْرَةً عَلَى ٱلْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءونَ [يس:30].
يا أمة القرآن، إن الحقيقة التي يجب أن نعترف بها وبسرعة ودون أي تأخير، هي أننا لم نعطي الآخرة حقها من الاهتمام، ولا من التفكير، لم نبحث في أمر المصير الذي ينتظرنا جميعًا، قال : ((لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيرًا، ولما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله تعالى بالدعاء)) رواه البخاري ومسلم.
أيها الإخوة المؤمنون، نداء إلى المستهينين بالمحارم من المسلمين، الذين بارزوا الله بالمعصية، فاستهانوا بترك الصلوات، واستهانوا بوضع الدشوش في بيوتهم، إلى هؤلاء الذين يظنون أن لا يحول بينهم وبين شهواتهم المحرمة إلا رجل هيئة أو رقيب شرطة، نقول لهم: والله لا يردعكم عن قبيح فعالكم وسيئ خصالكم، وتضييعكم لمسئولياتكم إلا أن تتصوروا خطورة مخالفة الجبار جل جلاله، الذي له الحمد في الأولى والآخرة، وله الحكم وإليه ترجعون، نعم إلا أن تتصوروا عذاب النار، وهول يوم القيامة.
نعم, المعاصي والاستهانة بها له آثار سيئة في الدنيا، وهذا والله لا يعد شيئاً أبدًا بالنسبة لعذاب الآخرة، كيف يطاق عذاب الله؟ قد يعلم الذي وضع الدش في بيته، يعلم أثر هذا البلاء على خُلُقه هو أولاً, وعلى خلق أهله، وعلى خلق أولاده وبناته، ولكن هذا ـ والله ـ لا يردعه عما هو فيه، لأنه يرى فيه موافقة للذته وشهوته العاجلة التي تنتهي بسرعة، ويحصل بعدها ما يحصل من الندم، قد يعتذر لنفسه أحيانًا بعذر أهل سقر كُنَّا نَخُوضُ مَعَ ٱلُخَائِضِينَ [المدثر:45]. ولكن كيف لا يرتدع وهو يسمع ويقرأ آيات العذاب؟! فلمن أُعد هذا العذاب؟ إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ وَمَا هوَ بِٱلْهَزْلِ [الطارق:13-14] إن كثيرًا من المسلمين مع الأسف الشديد يغرهم إسلامهم، ويظنون أن ذلك يدفع عنهم دخول النار، ويمنون أنفسهم بشفاعة الشافعين، وبرحمة أرحم الراحمين، فيدفعهم ذلك إلى الاستهانة بالمعاصي والموبقات، ويتجرؤون على حدود الله، ويضيعون ما يضيعون من المسئوليات، ويصنفون معاصيهم أنها من الصغائر على حسب أهوائهم, كأن الأمر بيدهم، ولكن الأمر ليس كما يزين لهم الشيطان، بل الأمر كما قال جل جلاله: وَتَحْسَبُونَهُ هَيّناً وَهُوَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيمٌ [النور:15].
أيها الإخوة المؤمنون، إن الصغائر وإن كانت صغائر, فإنه بالاستمرار عليها والإصرار أيضًا تجتمع على الإنسان حتى تكون كالجبال، قال : ((إياكم ومحقرات الذنوب؛ فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه, كمثل قومٍ نزلوا أرضَ فلاةٍ, فحضر صنيعُ القومِ، فجعل الرجل ينطلق فيجيء بالعود, والرجل يجيء بالعود حتى جمعوا سوادًا، وأججوا نارًا فأنضجوا ما قذفوا فيها)) رواه أحمد وهو حديث صحيح.
كما أن المرء إذا اعتاد المعاصي وألفها زالت من نفسه الوحشة منها، ثم إن الشيطان لسياسته اللعينة ينقله من خطوة إلى أخرى، فيهون المعصية في عينه تارة، ويمنيه مرة أخرى بأنها تمحى بالتوبة، ويغره أخرى بكثرة حسناته وصدقاته، وقد يُسَلَط عليه رفاق السوء الذين يشجعونه على المعصية فيتسلى المسكين بصنيعهم، ثم يبغته الموت، يبغته الموت وهو على معصيته، وهنا تحصل المصيبة.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم كَمَثَلِ ٱلشَّيْطَـٰنِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَـٰنِ ٱكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنّى بَرِىء مّنكَ إِنّى أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلْعَـٰلَمِينَ فَكَانَ عَـٰقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِى ٱلنَّارِ خَـٰلِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء ٱلظَّـٰلِمِينَ [الحشر:17,16].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من المواعظ والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد, فيا عباد الله، فإن الذي ينظر في كتاب الله تعالى، سيلاحظ أن أكثر موضوع في القرآن، وهو الذي له النصيب الأكبر من الذكر فيه، إنما هو موضوع الآخرة، والحشر والحساب والجزاء والجنة والنار؛ لأن هذا الأمر هو سر النجاة، وهو سر الخسران أيضًا.
كيف يا عباد الله لا ينزجر تُرَّاكُ الصلاة في المساجد، والواقعون في المنكرات، والمستهينون بأوامر الله تعالى ونواهيه؟ وهم يقرؤون عن أصناف العذاب الأليم كقوله تعالى: إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـئَايَـٰتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَـٰهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ [النساء:56].
إن عذاب الآخرة لا يطاق؛ فهو مذل لصاحبه، ملازم له، لا يفتر ولا يهدأ، ولا يتوقف ولا ينقطع، أرأيت أخي المسلم لو أصابك اليوم شيء من الصداع هل تجد راحة إلا بعد أخذ شيء من الدواء؟
إن عذاب الآخرة يختلف تمامًا؛ إنه لا يتوقف ولا ينقطع، لا مجال للخلاص منه، والموت يصير أمنية المعذبين وَنَادَوْاْ يٰمَـٰلِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَّـٰكِثُونَ [الزخرف:77]، إن الذي يتولى مهمة التعذيب ليس آدميًا يفتر ذراعه من السوط، كلا، ولكنهم مَلَـئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَّ يَعْصُونَ ٱللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6].
وأما حرارة نار الآخرة فيخبرنا بذلك رسول الله فيقول: ((ناركم هذه جزء من سبعين جزءًا من نار جهنم)) قيل: يا رسول الله، إن كانت لكافية! قال: ((فإنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءًا كلهن مثل حرها)) رواه الشيخان.
عباد الله، إن للعصاة أن يتصوروا عظمة النار التي تلقى فيها الشمس الملتهبة فتضيع فيها، ثبت في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة أن الرسول قال: ((الشمس والقمر كوران مكوران في النار يوم القيامة)) ما هذه النار؟! ما أعظمها؟!
أيها الإخوة المسلمون، إن الذين لا يصبرون عن أكل الحرام، ولا عن شرب الحرام أين هم عن طعام أهل النار، وأين هم عن شراب أهل النار، لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِن ضَرِيعٍ [الغاشية:6]، فَلَيْسَ لَهُ ٱلْيَوْمَ هَـٰهُنَا حَمِيمٌ وَلاَ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ [الحاقة:36,35]، الغسلين يشربه أهل النار، وهو عصارة أهل النار من الدم والقيح والصديد، قال جل جلاله: وَٱسْتَفْتَحُواْ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ مِّن وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَىٰ مِن مَّاء صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ ٱلْمَوْتُ مِن كُلّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيّتٍ وَمِن وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ [إبراهيم:15-17]، قال الله تبارك وتعالى: وَإِن يَسْتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَاء كَٱلْمُهْلِ يَشْوِى ٱلْوجُوهَ [الكهف:29] إن كان يشوي الوجوه فماذا الله صانع بالأمعاء؟ وَسُقُواْ مَاء حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ [محمد:15].
عباد الله، إن الذين يسخرون إذا وعظوا وذكروا، وقيل لهم: اتركوا الإسبال ـ مثلاً ـ قالوا: إن الإسبال ليس من الدين، ما لكم تتحدثون عن أمر سهل؟! كيف يكون سهلاً والنبي قد أمر برفع الإزار، لا أقصد أيها الإخوة أن مشكلة المسلمين اليوم هي من الإزار، لكنه جزء مما نهى عنه ، فالوقوع فيه يدل على أنه هناك استهانة عظيمة بقول رسول الله .
أين الذين يسبلون ولا يبالون, ويلبسون ما يشاءون من المحرمات؟ أين النساء اللاتي كشفن ما أمر الله بستره؟ برضا أوليائهن وأمام آبائهن وأزواجهن، وكل سنة يزيد الكشف عن شيء من الجسد، أين هؤلاء كلهم من وصف الله لثياب أهل النار، المخالفين لشرع العزيز الجبار، قال الله تبارك وتعالى: فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ قُطّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مّن نَّارِ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءوسِهِمُ ٱلْحَمِيمُ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِى بُطُونِهِمْ وَٱلْجُلُودُ وَلَهُمْ مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ [الحج:19-21]، وقال تعالى: وَتَرَى ٱلْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِى ٱلاْصْفَادِ سَرَابِيلُهُم مّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَىٰ وُجُوهَهُمْ ٱلنَّارُ لِيَجْزِىَ ٱللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ [إبراهيم:49-51].
والله إن الله ليس بظلام للعبيد، أين نحن يا عباد الله من عمق النار، وقد بين لنا رسول الله ذلك في قوله : ((لو أن حجرًا مثل سبع خلفات ـ أي بحجم سبع نوق حوامل ـ ألقي عن شفير جهنم، هوى بها سبعين خريفًا لا يبلغ قعرها)) رواه الحاكم، وهو حديث صحيح.
أيها الإخوة المؤمنون، إن أي عاقل لا بد أن يفكر في مصيره المحتوم، ثم ليختر لنفسه ما يشاء، نعم، ليختر لنفسه ما يشاء، وأعيذك أخي المسلم بالله أن تكون ممن هانت عليه نفسه، فلا يلقي بالاً لما يذكر ويتلى عليه من النصوص، إِنَّ فِى ذٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى ٱلسَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ [ق:37].
| |
|