molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: أمراض القلوب 1 - سعيد بن يوسف شعلان الأحد 13 نوفمبر - 4:33:23 | |
|
أمراض القلوب 1
سعيد بن يوسف شعلان
الخطبة الأولى
أما بعد:
إخوة الإسلام في خضم مشغلات الحياة وتزاحم مغريات الدنيا وطغيان الماديات وغلبة الأهواء يغفل كثير من الناس عن الأخذ بأسباب السعادة والفلاح في الدنيا والفوز والنجاة في الآخرة. وإن هذه الأسباب منوطة بأمر واحد هو قطب الرحى في هذه القضية. يفصح عنه حديث المصطفى عند البخاري ومسلم عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما: ((ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب)) ففي هذا الحديث العظيم إشارة إلى أن صلاح حركات العبد بجوارحه بحسب صلاح حركة قلبه، فإن كان القلب سليماً ليس فيه إلا توحيد الله وخشيته ومتابعة رسول الله ومحبته سلمت حركات الجوارح ونشأ من ذلك اجتناب المحرمات والمحدثات.
وإن كان القلب مريضاً فاسداً قد استولى عليه اتباع الهوى وغلبة حب الشهوات فسدت حركات الجوارح وانبعثت إلى كل معصية، ونشطت في كل ضلالة ولهذا يقال: القلب ملك الأعضاء، وبقية الأعضاء جنوده، فإن كان القلب صالحاً كانت جنوده صالحة، وإن كان فاسداً كانت جنوده فاسدة.
قال الإمام العلامة ابن القيم – رحمه الله – في انقسام القلوب إلى صحيح وسقيم وميت ما خلاصته: لما كان القلب يوصف بالحياة وضدها انقسم بحسب ذلك إلى هذه الأحوال الثلاثة، فالقلب الصحيح هو القلب السليم الذي لا ينجو يوم القيامة إلا من أتى الله به، كما قال تعالى في سورة الشعراء: يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم فهو الذي قد سلم من كل شهوة تخالف أمر الله ونهيه، ومن كل شبهة تعارض خبره، فسلم من عبودية ما سواه، وسلم من تحكيم غير رسوله ، وسلم من أن يكون لغير الله فيه شرك بوجه ما.
بل قد خلصت عبوديته وعمله لله تعالى، فإن أحب أحب في الله، وإن أبغض أبغض في الله، وإن أعطى ومنع فلله وحده، ولا يكفيه هذا حتى يسلم من الانقياد والتحاكم لكل من عادى رسوله وينعقد قلبه عقداً محكماً على الائتمام والاقتداء به وحده دون أي أحد في الأقوال والأفعال، فيكون الحاكم عليه في ذلك كله دقه وجله ما جاء به الرسول ، فلا يتقدم بين يديه بعقيدة ولا قول ولا عمل امتثالاً لقوله سبحانه: يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله لا تفتوا حتى يفتي هو –، ولا تقولوا حتى يقول هو –، ولا تتقدموا بين يدي أمر حتى تسمعوا فيه كلامه هو .
فالذي يقف عند هذا الأمر هو صاحب قلب سليم.
والقلب الثاني هو: ضد هذا، وهو القلب الميت الذي لا يعرف ربه، ولا يعبده بأمره، فالهوى إمامه والشهوة قائده والجهل سائقه والغفلة مركبه، فمخالطة صاحب هذا القلب سقم، ومعاشرته سُم، ومجالسته هلاك.
والقلب الثالث: قلب له حياة وبه علة، ففيه من محبة الله والإيمان به ما هو مادة حياته، وفيه محبة الشهوات وإيثارها ما هو مادة هلاكه وعطبه، وهو ممتحن بينهما.
فالقلب الأول حيٌ مخبت لين، والثاني يابس ميت، والثالث مريض فإما إلى السلامة أدنى وإما إلى العطب أدنى.
روى الإمام مسلم عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله : ((تعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عوداً عوداً، فأي قلب أُشربها نكتت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نُكتت فيه نكتة بيضاء حتى تعود القلوب على قلبين، قل أسود مربّاداً كالكوز مجخياً لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً إلا ما أشرب من هواه، وقلب أبيض فلا تضره فتنة ما دامت السموات والأرض)).
وصح عن حذيفة بن اليمان قوله: (القلوب أربعة: قلب أجرد [أي متجرد من كل ما سوى الله ورسوله ] فيه سراج مزهر، فذلك قلب المؤمن. وقلب أغلف، فذلك قلب الكافر، وقلب منكوس، فذلك قلب المنافق عرف ثم أنكر وأبصر ثم عمي، وقلب تمده مادتان مادة إيمان ومادة نفاق فهو لما غلب عليه منهما.
إخوة الإسلام: والفتن التي تعرض على القلوب هي أسباب مرضها، وهي فتن الشبهات وفتن الشهوات. فتن الغي والضلال. فتن المعاصي والبدع، فتن الظلم والجهل. ومدار اعتلال القلوب وأسقامها على أصلين:
فساد العلم وفساد القصد: ويترتب عليهما داءان قاتلان: الغضب والضلال، وهذان المرضان ملاك أمراض القلوب جميعها وشفاء ذلك بالهداية العلمية بتحقق التوحيد لله تبارك وتعالى وتجريد المتابعة لرسوله .
إخوة الإسلام: باتباع النبي بالفهم الصائب لما سبق والنظر الثاقب فيما وقع ويقع في حياتنا المعاصرة ندرك أن ما أصاب الأمة من شر وضلال وفتنة إنما هو بسبب أمراض القلوب وعللها، وإذا حدث فساد القلب فحدث ولا جناح عن العواقب السيئة التي تعود على الأفراد والأمم، فما حلت الضلالة وانتشرت الجهالة في أمر العقيدة والاتباع إلا بسبب أمراض القلوب وإلا بسبب أسقام القلوب التي أصبحت أوكاراً للشيطان وبؤراً للأهواء. وما عمت المنكرات في الأفعال والأخلاق والأقوال وكثر القتل والوقوع في الزنا والجرائم والتعامل بالربا وسائر المحرمات إلا بسبب إقفار القلوب من طاعة الله وفتنتها بحب العاجلة، وبالجملة فكل فساد حلّ بالأمة مرده إلى أمراض القلوب وما ران عليها من ظلمات المعاصي، وما شيوع الأمراض النفسية والتوترات العصبية والأسقام الاجتماعية وانتشار القلق والهموم والوساوس إلا بسبب الوقوع في المعاصي والذنوب على اختلاف أنواعها وتعدد مصادرها واختلاف وسائلها التي تقضي على القلب وتميت الشعور الإيماني والحس الإسلامي فيه، وتزرع فيه الفسق والضلال والفساد، ولله در عبد الله بن المبارك حيث قال:
رأيت الذنوب تميت القلوب وقد يورث الذل إدمانها
وترك الذنوب حياة القلوب وخير لنفسك عصيانها
ومن الغريب حقاً إعراض الناس عن الاهتمام بعلاج القلوب وانصرافهم الكلي إلى اهتمامهم بصورهم وأجسادهم، فلو أصيب أحدهم بأدنى مرض في جسده لأقام الدنيا بحثاً عن أمهر طبيب وأفخم مستشفى بينما الأمراض المعنوية أمراض القلوب والأرواح قد أهملت فعاد الأمر كما نرى يسّر العدو ويحزن الصديق.
ولعل ما سبق من وضع لمسات على هذا الموضوع الخطير من حيث الأهمية والأسباب والعلاج ونظرة السلف له وواقع الناس فيه كافٍ بأن يهتم كل واحدٍ بفحص قلبه ومحاسبة نفسه في هذا الأمر، ليعلم أنه بقدر مواقعته المعاصي فإنما يجلب الفساد لقلبه، والناسُ في ذلك بين مستِقلِّ ومستكثر.
وبفحش القلب ومحاسبة النفس يعم الصلاح والخير والفلاح نسأل الله أن يصلح فساد قلوبنا. اللهم يا مصلح الصالحين أصلح فساد قلوبنا واغفر لنا ذنوبنا إنك جواد كريم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وليّ الصالحين، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله خاتم الأنبياء وإمام المرسلين، اللهم صلّ وسلم وبارك على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله، وخذوا بأسباب إصلاح القلوب، واتقوا مولاكم علاّم الغيوب، واعلموا أن حياة القلب وصحته وشفاءه من كل درن لا يحصل إلا بإقبال صاحبه على كتاب الله تلاوةً وتدبراً، ففيه الشفاء والنور، قال الله تعالى في الآية السابعة والخمسين من سورة يونس: يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين والإكثار من ذكر الله تبارك وتعالى سبب لحياة القلوب فإن الله تعالى قال في الآية الثامنة والعشرين من سورة الرعد: ألا بذكر الله تطمئن القلوب وكثرة استغفاره والتوبة إليه والاستعاذة به من الشيطان الرجيم والعبد عن مصائده وحبائله من الملاهي وسائر المعاصي التي تصد عن ذكر الله.
بهذا وغيره يتحقق صلاح القلب وحياته وشفاؤه من كل درن.
فاتقوا الله عباد الله و+وا قلوبكم وطهروها من كل ما يغضب الله من الغل والحقد والحسد والعجب وعداوة المسلمين، واجتنبوا كل أسباب فساد القلوب وقسوتها تكونوا من المفلحين.
ألا وصلوا وسلموا رحمكم الله على من أمركم الله بالصلاة ولسلام عليه بقوله: إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
| |
|