molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: سيول جدة - سعيد بن محمد الغامدي السبت 12 نوفمبر - 9:48:31 | |
|
سيول جدة
سعيد بن محمد الغامدي
الخطبة الأولى
أما بعد: فاتقوا من بتقواه تهتدوا، واخشوا من بخشيته تربحوا.
عباد الله، في الأسبوع المنصرم أذن الله للسماء أن تمطر، وللأرض أن تسيل، فحدثت أمور عظام، لم تدر بخلد أحد من الأنام، سيول جارفة تهلك الحرث والنسل، وتجرف الشجر والحجر، وتغرق البشر، إنها سيول عاتية لم يكن أحد عنها بمعزل، لقد أوى قوم وتسلقوا المرتفعات، وآخرون صعدوا المنازل والشرفات، لكنه لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم. ولقد حال السيل بين الزوج وزوجته والأب وأولاده فكانوا من المهلكين.
دقائق معدودة كانت حصيلتها عشرات القتلى وآلاف المفقودين، ناهيك عن المشردين. فلا إله إلا الله العظيم الحليم!
أيها المسلمون، ليس بيننا وبين الله نسب، فهل أنتم عائدون؟! وهل أنتم تائبون توبة نصوحا؟! وإلا فإن الله له جنود السماوات والأرض، فمِن جنوده سبحانه الزلازل والرياح والفيضانات والبراكين وانتشار الأوبئة وقلة الثمرات وذهاب المال والبركات.
أيها المسلمون، اعتبروا واعلموا أنه لا يختلف اثنان بأن السيول التي دهمتنا مهولة بكل المقاييس، ولقد تجلت قدرة الله ذي الجبروت.
يا من أسرف على نفسه بالمعاصي والذنوب، انظر في عواقب الأمور، وارجع إلى علام الغيوب، فالله تعالى يفرح بتوبة العبد، ولا مفر من الله إلا إليه، وهل استطاع أحد من البشر أن يدفع هذه الكوارث رغم وجود التطور في التقنيات الحديثة؟! وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ.
إن في المشاهدة والمعاينة لعبرة للمعتبرين وذكرى للذاكرين، إن مشاهدة ومعاينة آيات الله الكونية العظيمة المخيفة لتغني عن وعظ الواعظين وتذكير المذكرين ونصح الناصحين، إنها لأكبر زاجر، وأبلغ واعظ، وأفصح ناصح.
إن هذه الآيات الكونية العظيمة المهولة رسول من رب العالمين، يحذّر الناس من غضب الله تعالى، وينذرهم بسخطه، إنها تنبئ بغضب الرب، وتنادي بسخطه، نسأل الله السلامة والعافية.
إن الله سبحانه توعد الذين لا يتعظون بالمصائب ولا تؤثر فيهم النوازل فيتوبوا من ذنوبهم، توعدهم بأن يستدرجهم بالنعم ثم يأخذهم على غرة ويقطع دابرهم، كما قال تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
إنه والله يُخشى علينا اليوم الوقوع في مثل هذا، معاصينا تزيد، ونعم الله تتكاثر علينا. فاتقوا الله عباد الله، واحذروا نقمة الله التي حلت بمن قبلكم ومن حولكم أن تحل بكم.
وقد سمعنا من يقول: إن هذه السيول كوارث طبيعية، لها أسباب معروفة لا علاقة لها بأفعال الناس ومعاصيهم، كما قال أشباههم من قبل عندما أصابهم الكوارث والنكبات: قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ، فيعتبرون ذلك حالة طبيعية وليست عقوبات لهم، فيستمروا على غيهم وبغيهم، ولا يتوبوا من ذنوبهم.
قال ابن سعدي عند تفسيره تلك الآيات: "يقول تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ يدعوهم إلى عبادة اللّه، وينهاهم عما هم فيه من الشر، فلم ينقادوا له إلا ابتلاهم الله بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ أي: بالفقر والمرض وأنواع البلايا لَعَلَّهُمْ إذا أصابتهم أخضعت نفوسهم فتضرعوا إلى الله واستكانوا للحق. ثُمَّ إذا لم يفد فيهم، واستمر استكبارهم، وازداد طغيانهم، بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ فَأدَرَّ عليهم الأرزاق، وعافى أبدانهم، ورفع عنهم البلاء، حَتَّى عَفَوْا أي: كثروا، وكثرت أرزاقهم وانبسطوا في نعمة اللّه وفضله، ونسوا ما مر عليهم من البلاء، وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ أي: هذه عادة جارية لم تزل موجودة في الأولين واللاحقين، تارة يكونون في سراء وتارة في ضراء، وتارة في فرح ومرة في ترح، على حسب تقلبات الزمان وتداول الأيام، وحسبوا أنها ليست للموعظة والتذكير، ولا للاستدراج والنكير، حتى إذا اغتبطوا وفرحوا بما أوتوا وكانت الدنيا أسر ما كانت إليهم أخذناهم بالعذاب بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ أي: لا يخطر لهم الهلاك على بال".
وشؤم هذه الذنوب والمعاصي لا يصيب المباشرين لها فقط، بل يصل حتى للصالحين والمؤمنين، فقد قالت أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها: سألت رسول الله : أنهلك وفينا الصالحون؟! قال: ((نعم، إذا كثر الخبث)) متفق عليه. والخبث: كل معصية عُصي الله تعالى بها في البر أو البحر أو في الليل أو النهارح لذلك كان من الواجب علينا جميعًا أن نحذر من ذلك، وأن لا نأمن مكر الله خاصة مع ارتكاب المعاصي، قال الله تعالى: أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللَّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ.
وتأملوا هذا الحديث عباد الله: ((إذا كثر الخبث))، إنه وعد وسنة لن تتخلف لأنه قد أخبر عنها من لا ينطق عن الهوى عليه الصلاة والسلام. تأملوا وانظروا إلى أحوال مجتمعاتنا فهل كثر الخبث فيها أم لا؟! إن المعاصي قد كثرت بشكل ينذر بخطر عظيم.
واعلموا أن الله لن يؤخّر عنكم العقوبة والعذاب وقد عجِلتم إليه بالذنوب والمعاصي، أم تظنّون أن لكم براءةً في ال+ر؟!
كيف يرضى الله على قوم أشركوا معه غيره في عبادته فاستغاثوا بالأموات في القبور؟! أم كيف يرضى عن من ابتدع في دين الله ما لم يأذن به الله؟! وكيف يرضى عن قوم جاهروا بالسوء والفجور، وتفاخروا بشرب المسكرات والخمور، وتنافسوا في التبرّج والسفور؟! عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله : ((ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها، يعزف على رؤوسهم بالمعازف والمغنيات، يخسف الله بهم الأرض ويجعل منهم القردة والخنازير)) أخرجه ابن ماجه وصححه الألباني، وقال : ((ليكونن في هذه الأمة خسف وقذف ومسخ، وذلك إذا شربوا الخمور، واتخذوا القينات، وضربوا بالمعازف)) صححه الألباني.
كيف يرضى الله على قوم تركوا سنّة نبيه وأتباعه من المؤمنين، واتبعوا سنن أعداء الدين، من اليهود والنصارى والمشركين، اتبعوها ذراعًا بذراع، وشبرًا بشبر، وحذو القذة بالقذة، حتى وجد في شباب المسلمين اليوم من يوفّر لحيته على صورة معيّنة، لا لأمر إلا لأن فلانًا من المغنين أو الممثلين أو اللاعبين ممن لا خلاق لهم في الآخرة وفّرها على ذلك الشكل، فيا للهوان ويا للانهزام.
إن انتشار المعاصي والأخلاق الفاسدة والمظاهر الخليعة والانحراف في السلوك وانتشار الربا وفشوّ الزنا، ينذر بخراب ودمار.
وإن من الناس من توغّل في الشهوات وانهمك فيها، وصار بطنه وفرجه غاية ما يهتم به، ولم يدر المسكين أن الله أهلك من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا، ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون.
الخطبة الثانية
في دقائق معدودة فقد كثير من الناس أرواحهم، وذهبت أموالهم، وبارت سلعهم، وفقدوا أولادهم وأسرهم، وأُخرِجوا من بيوتهم وديارهم، فبعد القوة ضعف، وبعد الحياة موت، وبعد الغنى فقر، وبعد الضحك بكاء، وبعد الآمال آلام، وبعد الطموح أحزان.
فاعتبروا يا أولي الأبصار، اعتبروا يا أولي الألباب، ومن لم يتّعظ بالموت فلا واعظ له، واعلموا أن الدنيا دار بلاء وفناء، وأن الآخرة دار جزاء وبقاء، وأن الله تعالى لن يجمع لعبد أمنين ولا خوفين، فمن خافه في الدنيا أمّنه في الآخرة، ومن أمنه في الدنيا أخافه في الآخرة، نسأل الله تعالى الأمن التام والهداية.
عباد الله، ارجعوا إلى دينكم، تعرّفوا على الله في الرخاء يعرفكم في الشدة، اصدقوا الله يصدقكم، واذكروه يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، وأدّوا إليه حقّه يوفّكم حقكم، فإن الله أكرم الأكرمين، وأرحم الراحمين، وأجود الأجودين.
| |
|