molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: غضب العرب - سعيد بن محمد الغامدي السبت 12 نوفمبر - 9:47:19 | |
|
غضب العرب
سعيد بن محمد الغامدي
الخطبة الأولى
أما بعد: فإن من ضروريات الدين الخمس ومن مقاصد الشريعة السمحة الحنيفية حفظَ الدماء، فإن ديننا دينُ رحمة، وإن ديننا دينُ حلم وحكمة، أوجد الله الإنسان ليعمر الأرض، وليعبد الله ويسجد له، فسفك دمه وتعريضه للمهالك تفويت لهذه المصالح والمقاصد، وجريمة في حق المسلم، يقول الله عز وجل: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا. فالله سبحانه وتعالى يعظم دم المؤمن المسلم.
وقد أصل النبي ذلك وقعده في أعظم مجمع ومحفل، حيث خطب يوم الحج الأكبر في حجة الوداع فقال : ((إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا)) أخرجه الشيخان، وقال معظما دم المسلم: ((لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ)) أخرجه الشيخان.
ويقول عز وجل مبينا حرمة دم المسلم وأنه يوقف القتال على المشركين إذا كان بينهم مسلمين: وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا أي: أن الله تعالى حرم القتال ومنع قتال المسلمين للمشركين في مكة نظرا لوجود المسلمين والمسلمات بين المشركين في مكة، لو تزيل هؤلاء المؤمنون عن الكفار لعذب الكفار بقتالكم لهم؛ ولهذا فإن الرسول يبين حرمة دم المسلم وأن حرمته أعظم عند الله من زوال الدنيا قائلا: ((لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم)) أخرجه النسائي وصححه الألباني.
وإذا كانت الدماء كذلك فكذلك الأمن فإن تحقيقَ وجودِه واستمرارَ بقائه من مقاصد الشريعة السمحة؛ لأنه بالأمن تؤمن السبل وتحفظ الأعراض والأموال وأرواح الناس، وبه يحفظ دينهم وصلاتهم ومساجدهم، وقد بين الله سبحانه وتعالى عظم الأمن وذلك بذكر منته على قريش بأن أوجد الأمن بينهم، وأنه يجب عليهم مقابل هذه النعمة أن يشكروا الله تعالى وأن يعبدوه وحده لا شريك له: لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ، ويقول تعالى مبينا عظم الأمن وأنه من أعظم الجوائز والثمار التي يهديها الله للعباد إذا حققوا الإيمان والعمل الصالح والتوحيد: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا.
ولهذا كان من أعظم ما نهى عنه الدين بعد الشرك بالله ما يؤدي إلى خلخلة الأمن وإشاعة الفوضى بين المسلمين بأي حجة من الحجج، سواء بوجود الظلم أو بوجود الجوع أو باستئثار الحكام وحاشيتهم بالمال والمناصب، فالشارع الحكيم حرم الخروج على الحاكم ولو كان الحاكم جائرًا ظالما فاجرا، ليس لأجل الحاكم ولكن حفاظا على الدماء وحفظا للأمن الذي به تتحقق كل مقاصد الشريعة، أخرج البخاري من حديث عَبْدَ اللَّهِ بن مسعود قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ : ((إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً وَأُمُورًا تُنْكِرُونَهَا)) أي: سترون عند الحكام استئثارا بالدنيا والمناصب والأموال وأمورا ومعاصي تنكرونها، قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ((أَدُّوا إِلَيْهِمْ حَقَّهُمْ وَسَلُوا اللَّهَ حَقَّكُمْ)).
فقد أخبر النبي أن الحكام قد يظلمون وقد يفعلون أمورًا منكرة، وأخبر بوقوع ذلك، ومع هذا أمرنا أن نؤدي الحق الذي لهم ونلجأَ إلى الله ونسأله الحق الذي لنا، ولم يأذن في أخذ الحق بالقتال أو بما يسبب سفك الدماء وإخلال الأمن ونهب الأموال، بل ولم يرخص في ترك الحق الذي لهم، ولما ذكر وأخبر بأنه سيأتي قوم يحكمون الناس ولا يهتدون بهديه ولا يستنون بسنته قال حذيفة عند ذلك: كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ؟ قَالَ: ((تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلْأَمِيرِ وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ وَأُخِذَ مَالُكَ، فَاسْمَعْ وَأَطِعْ)) رواه مسلم. فهذا أمر من نبي الرحمة بالطاعة مع ظلم الحاكم وأخذه لأموال الناس واستئثاره هو ومن حوله بالمال والمناصب.
وقال : ((أَلَا مَنْ وَلِيَ عَلَيْهِ وَالٍ –أي: حاكم- فَرَآهُ يَأْتِي شَيْئًا مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ فَلْيَكْرَهْ مَا يَأْتِي مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَلَا يَنْزِعَنَّ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ)) رواه مسلم. فهذا نهي عن الخروج على السلطان والحاكم وإن ظهر منه معصية لله سبحانه وتعالى ولرسوله . كل هذا -يا عباد الله- حفظا للأمن وللدماء المعصومة.
وأخرج الشيخان عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: دَعَانَا النَّبِيُّ فَبَايَعْنَاهُ، فَقَالَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا وَأَثَرَةً عَلَيْنَا وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنْ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ. فدل الحديث على وجوب استمرارية السمع والطاعة وتحريم الخروج حتى لو كثرت من الحاكم وحاشيته المعاصي والفجور واستئثارهم بالمال والدنيا.
وأخرج الإمام مسلم عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: ((سَتَكُونُ أُمَرَاءُ فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ، فَمَنْ عَرَفَ بَرِئَ، وَمَنْ أَنْكَرَ سَلِمَ، وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ))، قَالُوا: أَفَلَا نُقَاتِلُهُمْ؟ قَالَ: ((لَا مَا صَلَّوْا))، وفي رواية: ((ما أقاموا فيكم الصلاة)).
بل حتى لو حصل منهم كفر بواح عندنا فيه من الله برهان مؤكد على خروج هذا الحاكم من ملة الإسلام فإنه يشترط لإزالته والخروج عليه شرطان: أولهما أن يكون كافرا خارجا من ملة الإسلام، وثانيهما أن يكون عند المسلمين قدرة على إزالته من غير حصول سفك دماء. وقد سئل العلامة ابن باز غفر الله له عن حكم الخروج على السلطان فقال: "لا يجوز الخروج على السلطان إلا بشرطين: أحدهما: وجود كفر بواح عندهم من الله فيه برهان. والشرط الثاني: القدرة على إزالة الحاكم إزالة لا يترتب عليها شر أكبر منه, وبدون ذلك لا يجوز".
واسمعوا هذا الموقف العظيم الذي يدل على فقه علمائنا الربانيين وأنهم أهل خشية ورحمة بالعباد: فقد اجتمع فقهاء بغداد في ولاية الخليفة الواثق وكان يدعو الناس إلى أمر كفري وهو القول بخلق القرآن، اجتمعوا إلي الإمام أحمد وهو مسجون ويضرب على رد هذا القول ومنافحته عن معتقد أهل السنة والجماعة، وقالوا له: إن الأمر قد تفاقم وفشا -يعنون: إظهار القول بخلق القرآن وغير ذلك- ولا نرضى بإمارته ولا سلطانه، فناظرهم في ذلك وقال: عليكم بالإنكار في قلوبكم، ولا تخلعوا يدًا من طاعة، ولا تشقوا عصا المسلمين، ولا تسفكوا دماءكم ودماء المسلمين معكم، وانظروا في عاقبة أمركم، واصبروا حتى يستريح بر ويستراح من فاجر. وقال: ليس هذا -يعني نزع أيديهم من طاعته- صوابًا، هذا خلاف الآثار.
انظروا إلى رحمة علمائنا، وكيف ينكرون المنكر، وكيف يرون وجود الحاكم حفظا لدماء المسلمين، وأن الخروج عليه سفك للدماء وذهاب للأمن.
انظروا -يا عباد الله- إلى رحمة الإسلام وحفظه لدماء الناس وأموالهم حينما دعا إلى الصبر وإن أخذ مال الإنسان وضرب ظهره، وهذا والله هو العقل وهي الحكمة، أما الخروج والمظاهرات لأجل لقمة العيش أو لطمع في الكراسي والحكم فهذا لا يقره الشرع ولا تقره العقول السليمة.
أقول ما تسمعون...
الخطبة الثانية
أما بعد: إن ما يقوم به أصحاب الأحزاب السياسية وأهل المطامع الدنيوية من زج المسلمين في مظاهرات يترتب عليه عدد من المفاسد والشرور منها:
• أنها من صنع أهل الكتاب من اليهود والنصارى، والملل الكافرة المنحلة، والفرق البدعية كالخوارج حينما خرجوا على الخليفة الراشد عثمانَ بنِ عفان .
• أنها تخالف كتاب الله وسنة نبيه وعمل سلف الأمة الصالح من إسداء النصيحة سرًا لولي الأمر، فيما يظهر من منكرات ومخالفات.
• أنها تشعل صدور الرعية من المسلمين، وتحرضهم على ولي الأمر، وتزيد الأحقاد والشقاق، وتبعد العلاقة بين ولي الأمر ورعيته.
• أنها تتسبب في اختلال الأمن والأمان، وإفساد الممتلكات العامة والخاصة؛ من حرق السيارات والدور وسيارات الدولة، وت+ير النوافذ والمحلات، وسبيل في سفك دماء المسلمين من العسكر والرعية دون أدنى سبب.
قال العلامة ابن باز غفر الله له: "والأسلوب السيئ العنيف من أخطر الوسائل في رد الحق وعدم قبوله وإثارة القلاقل والظلم والعدوان والمضاربات".
ويلحق بهذا الباب ما قد يفعله بعض الناس من المظاهرات التي قد تسبب شرا عظيما على الدعاة، فالمسيرات في الشوارع والهتافات والمظاهرات ليست هي الطريق للإصلاح والدعوة، فالطريق الصحيح بالزيارة والمكاتبة بالتي هي أحسن، فتنصح الرئيس والأمير وشيخ القبيلة بهذا الطريق لا بالعنف والمظاهرة، فالنبي مكث في مكة ثلاث عشرة سنة لم يستعمل المظاهرات ولا المسيرات ولم يهدد الناس بتخريب أموالهم واغتيالهم.
قال الحسن رحمه الله: "والله، لو أن الناس إذا ابتلوا من قِبَلِ سلطانهم صبروا ما لبثوا أن يرفع الله ذلك عنهم، وذلك أنهم يفزعون إلى السيف فيوكلوا إليه، ووالله ما جاؤوا بيوم خير قط"، ثم تلا: وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ. وكان رحمه الله إذا قيل له: ألا تخرج تغير؟! يقول: "إن الله إنما يغير بالتوبة ولا يغير بالسيف". وانطلق نفر يشكون إليه الحجاج ويقولون: ما تقول في هذا الطاغية الذي سفك الدم الحرام وأخذ المال الحرام وترك الصلاة وفعل وفعل؟! فقال: "أرى أن لا تقاتلوه؛ فإنها إن تكن عقوبة من الله فما أنتم برادي عقوبة الله بأسيافكم، وإن يكن بلاء فاصبروا حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين". وكان ينهى عن الخروج مع ابن الأشعث ويأمر الناس بالكف ويقول: "يا أيها الناس، إنه والله ما سلط الله الحجاج عليكم إلا عقوبة، فلا تعارضوا عقوبة الله بالسيف، ولكن عليكم السكينة والتضرع".
وإن المؤمن البصير يعرف أن هذه الفعال خروج عن الطريقة الشرعية وانشقاق عن السبل السوية.
ألا فاتقوا الله عباد الله، واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا.
| |
|