molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: حقيقة السعادة - عبد الرحمن بن محمد عثمان الغامدي الأحد 4 ديسمبر - 3:42:24 | |
|
حقيقة السعادة
عبد الرحمن بن محمد عثمان الغامدي
الخطبة الأولى
أما بعد:
فيا عباد الله، عليكم بتقوى الله تعالى فإنها الزاد ليوم المعاد، واحمدوا الله على نعمة الإسلام وعلى نعمة الخلق والإيجاد والإمداد، واقنعوا بما آتاكم الله.
روى الإمام مسلم في صحيحه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((قد أفلح من أسلم، ورزق كفافا، وقنعه الله بما آتاه)) هذا الحديث قليلٌ في مبانيه، عظيم في معانيه.
فقد نسب النبي صلى الله عليه وسلم الفلاح لمن أسلم وكان رزقه كفافا له، ليس بالغنى المطغي ولا بالفقر المنسي، ولمن رزقه القناعة عما في أيدي الناس.
وإن هذه الأمور عباد الله: الإسلام والكفاف والقناعة من أعظم أسباب السعادة، وكل الناس يبحثون عن السعادة، وكل الناس يبحثون عن النجاح والفلاح كافرهم ومسلمهم.
ولذلك ـ عباد الله ـ اختلفت التوجهات وتباينت الآراء عند هؤلاء القوم، فمنهم من يبحث عن الفلاح والسعادة في المال وجمعه بأي طريق وأي وسيلة، فالحلال ما حل في يده، والحرام ما حُرِمَ من الوصول إليه.
ومنهم من أخذ يبحث عن الفلاح والسعادة في الشهرة، فهو لاعبٌ ماهر، أو هو فنان قدير، أو هو شاعر رقيق، أو هو مغنٍ صفيق، أو هو كاتب ساخرٌ مرغوبٌ في القراءة له. وكل ذلك من أجل أن يصدر اسمه بقولهم: النجم الساطع، والكوكب اللامع.
ومن الناس من أخذ يبحث عن السعادة والفلاح في الرئاسة، وحب الاستعلاء، تجده يحب أن يكون رئيسا لا مرؤوسا، مصدرا للأوامر ولو خالفها هو، المهم عنده أن يكون ذا وجاهة وصدارة في المجتمع، فلذلك يقدم كل ما يستطيع من أجل ذلك ولو على حساب الدين، ولهذا يقول صلى الله عليه وسلم: ((ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه))، وقال تعالى: تِلْكَ ٱلدَّارُ ٱلاْخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِى ٱلأرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَٱلْعَـٰقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [القصص:83].
ومن الناس من غدا يبحث عن السعادة في اللهو والعبث، فتراه تارةً في ملهى، وتارة في مقهى، وأخرى على شاطئ، وغيرها في سوق، لا يتردد لحظة في شراء مجلة ساقطة من أجل صورة فاتنة.
أيها الإخوة الكرام، نكتفي بعرض هذه الصور التي عرضت على مسامعكم وغيرها كثير ممن يبحثون عن السعادة في غير مضانها.
وقبل أن نتحدث عن السعادة الحقيقية التي أخبر عنها صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث معنا ووصفها بالفلاح، نقف مع بعض الصور الماضي ذكرها.
إن الاهتمامات والتوجهات السابقِ ذكرُها، دليلٌ واضحٌ على ما يحمله أصحابها من المبادئ والمفاهيم للسعادة، ولم تكن لتنتشر لولا أنها وجدت في المجتمع جمهورا عريضا من الناس يشجعها.
فمسكين ذلك الرجل الذي أتعب نفسه، وأسهر ليله، وأظمأ نهاره، ليجمع المال من الحل والحرام، لماذا؟ لأن الناس يجلون صاحب المال، ولأن الناس عندهم أن الذي معه ريال يساوي ريال، فإذا تقدم عندهم طالبٌ للزواج قُبِلَ أو رُد بحسب ما معه من المال، وهذا مفهومٌ خاطئ للسعادة ولا ريب.
فقد مر بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ذات مرة رجلان أحدهما من أهل الثراء، والآخر ممن يلتحفون الغبراء , فقال عن الفقير: ((والله لواحدٌ من هذا أحب إلى الله من ملء الأرض من ذلك)) أي: من الثري، لماذا عباد الله؟ هل لأنه ثري وعنده مال وجاه؟ لا، ولكن لأنه منافق، وذلك خير منه لأنه مؤمن.
ومسكين ذلك اللاعب، وذلك المغني، وذلك الممثل، ينظر أمامه، وينظر خلفه، وعن يمينه، وعن شماله، فإذا الآلاف من الناس يصفقون له ويشجعونه، وربما حملوه على الأعناق، وربما يُسِرت له المعاملات، وربما التقطت معه الصور، أي تغريرٍ له أعظم من هذا التغرير عباد الله؟! هل سيتفطن إلى أن بحثه عن الشهرة ربما كان سبب هلاكه؟! وهل سيتفطن إلى أن هؤلاء الذين يصفقون له ويطبلون سينسونه يوم يوارى في التراب.
كل هؤلاء ـ عباد الله ـ كانت نظرتهم للسعادة قاصرة، لا تجاوز مواطئ أقدامهم.
إن السعادة والفلاح ـ عباد الله ـ في الإسلام الذي هو الاستسلام الكامل لله جل وعلا، والخضوع له، والخلوص له من الشرك والأنداد، والخروج عن داعية الهوى إلى داعية الرحمن، قال تعالى: مَنْ عَمِلَ صَـٰلِحاً مّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَوٰةً طَيّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [النحل:97].
إن الحياة الحقيقية هي في الاستجابة لأمر الله ورسوله: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ ٱلْمَرْء وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ [الأنفال:24].
إن الأمن بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى أمن الأرواح، وأمن الأرزاق، وأمن الصحة والعافية، وأمن الاستقرار والتوفيق والهداية، كل هذه من السعادة، ولا تتحقق إلا بالإيمان وتعاطي أسباب الإيمان، قال الله تعالى: ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَـٰنَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ ٱلاْمْنُ وَهُمْ مُّهْتَدُونَ [الأنعام:82].
إن الطمأنينة والسعادة كلها في ذكر الله، والبعد عن مواطن الغفلة، ولا تستقر قلوب المؤمنين ولا تطمئن إلا بذكر الله: ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ ٱللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ ٱللَّهِ تَطْمَئِنُّ ٱلْقُلُوبُ [الرعد:28].
إن الذين يبحثون عن السعادة في غير الإسلام الكامل لله تعالى قلوبهم فارغة مضطربة، لا يسدُ حاجتها ما يبحثون عنه مما يظنون السعادة فيه، وإن كانوا يجدون نوعا من اللذة أحيانا ولكن القلق الدائم هو الغالب، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى ثالثا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب)) أخرجه البخاري.
فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن السعادة كل السعادة والفلاح كل الفلاح في الإسلام والهداية له، وقد جاء في حديث آخر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((طوبى لمن هُدي للإسلام))، فأسلموا ـ عباد الله ـ تسلموا وآمنوا تأمنوا، قال شيخ الإسلام رحمه الله: "إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة"، إنها جنة الأنس بالله وذكره.
فاتقوا الله عباد الله، واعرضوا كل ما تسمعون وتشاهدون على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن وافقها فاقبلوه، وإن خالفها فردوه، ذلك هو معنى الإسلام الحقيقي.
وفقني الله وإياكم لما يحب ويرضى، وأستغفر الله العلي العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله ولي الصالحين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
وبعد:
فيا عباد الله، اتقوا الله تعالى، واعلموا أن الله تعالى له الحكمة البالغة في الخلق والتقدير، والتضييق على عباده والتيسير، فهو بحمده ومنه وسع في العطاء، وبسط فيه لمن شاء ليبتليهم بالغنى، وقدر وضيق على من يشاء ليبتليهم بالفقر، وكل ذلك لحكم عظيمة، ليعلم العباد أن المدبر لجميع الأمور هو الله: يَبْسُطُ ٱلرّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلّ شَىْء عَلِيمٌ [الشورى:12].
وكما أن هذا التفاوت بين الناس في الدنيا، فمنهم من يسكن القصور المشيدة، ويركب المراكب الفارهة، ويتقلب في ماله وأهله وبنيه، ومنهم من لا مأوى له ولا أهل ولا مال، ومهم ما بين ذلك على درجات مختلفة، فإن التفاوت في درجات الآخرة أعظم وأكبر وأجل وأبقى قال تعالى: ٱنظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَلَلاْخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَـٰتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً [الإسراء:21].
فإذا كانت الآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا، فينبغي أن يكون التنافس والتسابق إلى درجاتها العالية، وحياتها الباقية، ذلك خير وأحسن تأويلا.
قال صلى الله عليه وسلم: ((قد أفلح من أسلم، ورزق كفافا، وقنعه الله بما آتاه)).
إن من أسباب الفلاح والسعادة أن يرزق الله العبد ما يسد حاجته، وأن يقنعه الله بما آتاه من الدنيا .ولو كان كثرة المال من علامات السعادة والفلاح لآتاها الله عز وجل لمن هو أكرم الخلق عليه، إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال: (( لو كان لي مثل أحد ذهبا لسرني أن لا تمر علي ثلاث ليال وعندي منه شيء إلا شيء أرصده لدين)) متفق عليه.
إنه هو الذي ما كان يجد صلى الله عليه وسلم من الدقل ما يملأ بطنه، والدقل هو التمر الرديء، وقالت عائشة رضي الله عنها: ما شبع آل محمد من خبز شعير يومين متتابعين حتى قبض، وكان صلى الله عليه وسلم يقول: ((اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا)).
هذا ـ عباد الله ـ رسول الله كان رزقه كفافا، فيا من كان رزقك كفافا تأس برسول الله، يا من قُدِرَ عليه رزقه انظر إلى نبيك الذي لو طلب من الله أن يجعل له جبال تهامة ذهبا لجعلها له ذهبا، ومع ذلك لا يوقد في بيته صلى الله عليه وسلم نار بالشهر والاثنين.
عباد الله، قال صلى الله عليه وسلم: ((إذا نظر أحدكم إلى من فُضِّلَ عليه في المال والخلْقِ فلينظر إلى من هو أسفل منه))، وقال: ((انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم)).
وإذا رأيت ـ يا عبد الله ـ عند أخيك مالا ونعمة آتاه الله إياها فادع له بالبركة فيه، وقل: اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة.
واعلموا أن هذه الدنيا يعطيها الله لمن يحب ولمن لا يحب، ولا يعطي الدين والهداية والتوفيق إلا لمن أحب، قال تعالى: كُلاًّ نُّمِدُّ هَـؤُلاء وَهَـؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبّكَ مَحْظُورًا [الإسراء:20].
واعلم كذلك أنه ((من يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله، ومن يتصبر يصبره الله، وما أوتي عبد عطاء أوسع من الصبر)).
وإياك وسؤال الناس أكثر من حاجتك، فإن سؤال الناس ما ليس بحق لا يجوز، بل قال صلى الله عليه وسلم: ((لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله تعالى وليس في وجهه مزعة لحم)) متفق عليه، وقال: ((من سأل الناس تكثرا فإنما يسأل جمرا، فليستقل أو ليستكثر)) مسلم، وقال: ((من أصابته فاقة فأنزلها بالناس لم تسد فاقته، ومن أنزلها بالله فيوشك الله له برزق عاجل أو آجل)).
والإسلام لا يدعو إلى البطالة والعطالة، بل يدعو إلى العمل وال+ب، وقد روى البخاري رحمه الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لأن يأخذ أحدكم أحبُلَه ثم يأتي الجبل، فيأتي بحزمة من حطب على ظهره فيبيعها، فيكف الله بها وجهه، خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه)).
وعملُ الرجل وت+به شرف له، ولا يلام على كفاف بعد ذلك، وقد جاء عن عمر رضي الله عنه: (إني لأرى الرجل فيعجبني فإذا قيل: ليس له عمل سقط من عيني).
وقد كان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أجمعين، كانوا يعملون ويأكلون من كدهم، ففي الحديث: ((كان داود عليه السلام لا يأكل إلا من عمل يده))، وحديث آخر: ((كان +ريا عليه السلام نجارا)).
فعليكم ـ عباد الله ـ بالجد والقناعة بما آتاكم، وأن تتحققوا من الإسلام لله، لتفلحوا وتسعدوا.
وإن مما رغب إليه الشارع الكريم في هذه الأيام صيام ستة من شوال، فإنها مع صيام رمضان تعدل صيام الدهر لما صح في الخبر عن سيد البشر.
| |
|