molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: قتل النفس التي حرم الله بغير حق (2)- سعد بن عبد الله العجمة الغامدي الأربعاء 9 نوفمبر - 4:40:01 | |
|
قتل النفس التي حرم الله بغير حق (2)
سعد بن عبد الله العجمة الغامدي
الخطبة الأولى
أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
لقد خلق الله العباد ليعبدوه وحده لا شريك له، وحَدَّ لهم حدودًا ليقفوا عندها ولا ينتهكوها، ومنها إِزْهَاقُ الروح لأي نفس بشرية بغير حق، ومعنى بغير حق: أن قتل أيّ نفس قد يكون بحق وقد يكون بغير حق كما ذكر الله عز وجل في القرآن الكريم وذكر ذلك رسول الله في الحديث الشريف، إذًا قتل النفس التي حرم الله بغير حقّ كبيرة من كبائر الذنوب التي تُوبِقُ صاحبَها وتوجب له العذاب في نار جهنم، سواء أقدم الشخص على قتل غيره من بني آدم أو قتل نفسه. أما قتل النفس بحق فمنها قَتْلُ الكفار المحاربين في ساحات الجهاد دفعًا أو طلبًا، وقتل الصائل دفاعًا عن الأنفس والأعراض والأموال، وقتل النفس المسلمة حدًا أو قصاصًا أو تعزيرًا، وتنفيذ أنواع هذا القتل ليس فوضى ولكل أحدٍ من الناس، بل هو مرتبط بالقضاء وولاة أمر المسلمين، ويأتي تفصيل لهذا في خطبة مستقلة إن شاء الله تعالى.
أما الذي يعنينا هنا فهو قتل النفس التي حرم الله بغير حق، عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي قال: ((أكبر الكبائر الإشراك بالله وقتل النفس وعقوق الوالدين وقول الزور)) أو قال: ((شهادة الزور)) رواه البخاري ومسلم رحمهما الله واللفظ للبخاري. وفي الحديث التالي جاء القتل للنفس مُقَيَّدًا بالتي حرم الله، وجاء في آيات وأحاديث أخرى التَّقْيِيدُ بِالْحَقِّ، عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: إني لَمِنَ النُّقَبَاءِ الذين بايعوا رسول الله ، بايعناه على أن لاَّ نشركَ بالله شيئًا ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل النفس التي حرم الله ولا ننتهب ولا نعصي، فالجنة إن فعلنا ذلك. رواه البخاري ومسلم.
وهذا الإطلاق لأحاديث متعددة في قتل النفس وَرَدَ تَخْصِيصُهُ وتَقْيِيدُهُ في أحاديث أخرى وفي آيات محكمة من كتاب الله العزيز، قال الله تعالى في المحرمات التي حرمها الله على المسلمين: قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [الأنعام: 151]. إذًا مكان الشاهد في هذه الآية قوله عز وجل: وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ، وهذا يشمل أيَّ نفسٍ حرَّم اللهُ قتلَها بغير حق، وإن كان قد ورد في نفس الآية مما حرم الله قَتْلُ الأولاد لوجود الفقر كما هو منصوص عليه في هذه الآية أو خشية الفقر وخوفًا منه كما هو في سورة الإسراء التي جاء الضمير فيهما مناسبًا للسياق القرآني، فقال تعالى في سورة الأنعام: وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ [الأنعام: 151]، وفي سورة الإسراء: وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا [الإسراء: 31]، وقال تعالى: وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ [التكوير: 8، 9].عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رجل: يا رسول الله، أي الذنب أكبر عند الله؟ قال: ((أن تدعو لله ندًا وهو خلقك))، قال: ثم أي؟ قال: ((ثم أن تقتل ولدك خشيةَ أَنْ يَطْعَمَ معك)) الحديث. رواه البخاري ومسلم.
لذا أعود للقول بأن الإطلاق في الحديث السابق جاء مُقَيَّدًا ومُخَصَّصًا في الآية السابقة وفي قول الله تبارك وتعالى في سورة الإسراء: وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ [الإسراء: 33]، وفي قوله عز وجل: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا [الفرقان: 68]، وفي حديث رسول الله الذي جاء من رواية أبي هريرة رضي الله عنه بأن رسول الله قال: ((اجتنبوا السبع الموبقات))، قيل: يا رسول الله، وما هُنَّ؟ قال: ((الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات)) أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي رحمهم الله جميعًا.
لقد جاء تحريم قتل النفس التي حرم الله بغير حق في آيات مختصرة، وكما جاء الوعيد الشديد أيضًا في آية عند سماعها أو قراءتها تقشعر الجلود من مصير قاتل المؤمن عمدًا كما هو الحال فيما ورد من إيضاحٍ وبيانٍ لهذا الأمر الخطير والكبيرة العظيمة، وسوف يأتي ذكر بعض هذه الآيات.
إذًا نبدأ بنفس المسلم التي لا يجوز إزهاقها والتعدي عليها بغير حق، قال رسول الله : ((كل المسلم على المسلم حرام؛ دمه وماله وعرضه)) أخرجه مسلم والترمذي، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي قال: ((أَبْغَضُ الناس إلى الله ثلاثة: مُلْحِدٌ في الحرم، ومُبْتَغٍ في الإسلام سنة الجاهلية، ومُطَّلِب دم امرئٍ بغير حق ليهريق دمه)) رواه البخاري رحمه الله، وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله قال: ((لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة)) أخرجه البخاري، فلو وقع من أي مسلم شيء من هذه الثلاث فليس لأي أحد من الناس أن يقتل ويقوم بتنفيذ وإقامة الحد في الدولة المسلمة على من ثبتت في حقه الجريمة التي توجب الحد الشرعي، وإنما ذلك إلى ولي أمر المسلمين بعد إقامة البينة والبراهين والدلائل الواضحة لدى القضاء، حتى لَوْ وَجَدَ رَجُلٌ رَجُلاً مع زوجته أو إحدى محارمه فإنه لا يجوز له الإقدام على إزهاق روح أيّ مسلم سواء الرجل أو المرأة مهما كانت الْغَيْرَةُ، هذا من الناحية الشرعية بعيدًا عن العصبيات والعادات القبلية والعشائرية الموجودة في بعض الدول المنتسبة للإسلام التي تُعْطِي حَقَّ القتل مطلقًا عند إقدام الرجال من المحارم على قتل المرأة فورًا دُونَ تَثَبُّتٍ وَرَوِيَّةٍ، وقد يكون الأمرُ وشاية وتخطيطًا ومكرًا للإيقاع بالطرفين وإزهاق الأرواح البريئة، وقد يكون الطرفان غير مُتَزَوِّجَيْنِ وليس هذا عقابهما، وليس هو عقابهما بعد الإحصان بل هو الرجم بعد الاعتراف وإقامة البينة التي يعجز عنها الطرف المتهم بالإتيان بالشهود الأربعة.
أرجع لأقول بأنه ليس من حق آحَادِ الناس الإقدام على القتل وإقامة الحدود، بل هي للدولة المسلمة ولِوُلاتِهَا الذين لهم صلاحية تنفيذ وإقامة الحدود بعد حكم قضاتها الذين يحكمون بالشريعة الإسلامية المبنية على البيّنات والدلائل الواضحات؛ لأنهم لا يحكمون بالشبهات، بل يَدْرَؤُونَ الحدودَ ولا يُقْدِمُون على الحكم بإقامتها مع وجود أيّ شُبْهَةٍ وما لم تكن الشواهد واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار. وفي بلاد الحرمين لا يتم الحكم في الحدود إلا من قبل ثلاثة من القضاة، ثم يكون تمييز الحكم من قبل خمسة من القضاة أرفع مرتبة ممن سبقهم ولهم خدمات طويلة في مجال القضاء، ثم إصدار الحكم الأخير من قبل خمسة قضاة في مجلس القضاء الأعلى إما بالتصديق على الحكم أو عدمه أو إبداء الملاحظات في أي إجراء لم يتم حسب المطلوب من النواحي الشرعية أو النظامية التي ليست أصلاً مخالفة للشرع، وفي كل مجموعة من المشائخ من البداية حتى النهاية لا يدرس أحدهم القضية بمفرده ويوقّع عليه الجميع إنما هو الاجتماع والإجماع على أي أمر من أمور الحدود، فالحكم في إقامة الحدِّ الشرعي على المحكوم عليه لا بُدَّ فيه من تصديق ثلاثة عشر قاضيًا ومرور وقت طويل.
فليس الحكم بالقتل أو الحدود جميعها فوضى في الإسلام، وليس الأمر متروكًا لعامة الناس في الحكم أو التنفيذ، بل هناك سلطة تشريعية وأخرى تنفيذية، فليس الأمر متروكًا للفوضى التي تعصف بالأمة مهما بلغت الغيرة على المحارم أو على ارتكاب المنكرات وإرادة تخليص الناس منها، وهذا يأتي الكلام عنه إن شاء الله تعالى عندما يتمّ التطرق للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وارتكاب تلك الفئة الضالة المنحرفة عن منهج الكتاب والسنة وإقدامهم على تغيير المنكرات في كثير من الدول والنتائج المؤلمة التي أثرت على المسلمين عامة في جميع بقاع الأرض.
إذًا ليس للمؤمن أن يقتل مؤمنًا بأي وجه من الوجوه، ولا يقتل أي نفس بشرية بغير حق، حتى نفسه وذاته لا يجوز له أن يقتلها، فيجب أن لا يقع منه ذلك البتة إلا عن طريق الخطأ، وقد ورد في الآية القرآنية والأحاديث النبوية كفارة ذلك، ولو قتل مؤمنٌ مؤمنًا متعمدًا وقاصدًا قتله بأي طريقة وأسلوب فإن العقوبة تقع عليه في الدنيا والآخرة. وأيضًا لا يجوز قتل المستأمن والمعاهد والذِّمِّيِّ، وتفصيل هذا موجود في كتب أهل العلم.
وللقتل العمد أسباب ودوافع كثيرة تدفع الشخص للتخلص من الطرف الآخر سواء كان شخصًا واحدًا أو عشرات أو مئات أو الألوف وعشراتها ومئاتها أو أكثر من ذلك أو أقل كما يحصل من قادة الظلم والطغيان في أزمنة كثيرة، ومنها هذا الزمان الذي نعيش فيه نشاهد ونسمع كثيرًا من مآسي المجرمين الذين لا يبالون بما أقدموا عليه من إزهاقٍ للبشرية وتدميرٍ لمصالحها، ولكن بداية النهاية المؤلمة لهم في الدنيا يشاهدها العالم ليروا نتيجة الظلم والطغيان والتي انتهت بالمهانة وسكنى الجحور في الدنيا بعد الأبَّهَةِ والعظمة والتعالي والتفاخر والتنقل بين ردهات عشرات القصور، فعلى كلّ ذي لُبٍّ وبصيرة أن يدرك ويأخذ الْعِبَرَ والعظاتِ بمن أزهق مئات الآلاف بل الملايين من الأنفس البشرية بغير حق وما ينتظره من العقاب الأليم يوم الوقوف بين يدي رب العالمين، وقبل ذلك في الحياة البرزخية التي نؤمن بما ورد عنها في القرآن والسنة، قال تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَأً [النساء: 92]. وبعد تفصيل الكفارة في هذه الآية جاء قول الله عز وجل في الآية التي تليها: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء: 93]. قال رسول الله : ((إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار))، قالوا: يا رسول الله، هذا القاتل، فما بال المقتول؟! قال: ((إنه كان حريصًا على قتل صاحبه)) متفق عليه.
وهنا إشارة لا بد من إيضاحها في الحديث مع أنها واضحة من نفس الحديث في أوله وحيث أخطأ بعض الكتاب في فهمه، وفشا بين المسلمين بأن المقتول في النار بكل حال، وهذا خطأ فادح وتحميل النص النبوي ما لم يرد فيه وليس الأمر كذلك، ففي بداية الحديث قال رسول الله : ((إذا التقى المسلمان بسيفيهما)) أي: أن الاثنين يحمل كل منهما سيفًا ليقتل صاحبه، إذًا الالتقاء والمواجهة من قبل الاثنين كل منهما يحمل السيف وفي التقاء ومواجهة واضحة وإرادةٍ لدى كل منهما ليظفر بصاحبه ليقتله، القاتل والمقتول لديهما الحرص على الانتصار على الطرف الثاني، بع+ المقتول في كثير من الأحيان الذي ليس لديه أيّ نية وقصد لقتل الطرف الثاني، فليس كل مقتول يدخل تحت هذا الوعيد الوارد في الحديث، وهذا الفرق الموضَّح سابقًا يجب أن يعلمه كل من يستدل بهذا الحديث ليعرف من دقة الألفاظ المراد والمقصود لئلا يَخْلِطَ ويُدْخِل كُلَّ مقتولٍ في النار حسب فهمه العابر دون تدقيق في العبارة الأولى الواردة في بداية الحديث: ((إذا التقى المسلمان بسيفيهما)). وبهذا يزول الالتباس والفهم الخاطئ والتفسير والتأويل البعيد للمقصود من الحديث النبوي الشريف.
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي قال: ((لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم)) رواه الإمام مسلم رحمه الله والنسائي والترمذي رحمهما الله، وعن البراء بن عا+ رضي الله عنه أن رسول الله قال: ((لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق)) رواه ابن ماجة والبيهقي رحمهما الله، وعن معاوية رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول: ((كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يموت كافرًا ـ أو قال: مشركًا ـ أو الرجل يقتل مؤمنًا متعمدًا)) رواه النسائي وأبو داود والحاكم وابن حبان، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : ((من قتل معاهدًا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عامًا)) رواه البخاري والنسائي، وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : ((لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دمًا حرامًا))، وقال ابن عمر رضي الله عنهما: (إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله) رواه البخاري والحاكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدًا عبد الله ورسوله، اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وآله.
أما بعد: فإن من أهم الأسباب والدوافع التي بسببها يقدم الشخص على القتل الغضبَ والاستعجالَ بعد استفزاز الشيطان للشخص انتقامًا من الطرف الآخر، وقد يكون ظلمًا وعدوانًا وطغيانًا وحسدًا وعداوة وبغضاء وغير ذلك من الأسباب، أما الطرق والوسائل فكثيرة جدًا، والشديد القوي حقيقة هو الذي يملك نفسه عند الغضب كما ورد بذلك الخبر عن سيد البشر محمد حيث قال: ((ليس الشديد بالصُّرَعَة، وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب)) رواه البخاري وأحمد رحمهما الله تعالى.
وقد ورد النهي عن الإشارة إلى أي مسلم بأي حديدة فضلاً عن السلاح المعدِّ للقتل، فالملائكة تلعنه حتى يضع حديدته أو سلاحه وعدم إشهاره في وجه أخيه المسلم، قال رسول الله : ((من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى ينتهي، وإن كان أخاه لأبيه وأمه)) رواه مسلم، وقال : ((لا يُشِرْ أحدكم إلى أخيه بالسلاح؛ فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزغ في يديه فيقع في حفرة من النار)) رواه البخاري ومسلم، وقال : ((لا يحل لمسلم أن يُرَوِّعَ مسلمًا)) رواه أحمد وأبو داود، وفي الحديث الذي تقدم ذكره قال رسول الله : ((لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دمًا حرامًا)) رواه البخاري والحاكم وأحمد.
فالدم الحرام ليس لقتل المسلم لمسلم آخر بعيدٍ عنه، بل يشمل المسلمين عمومًا ويدخل في ذلك نفس الشخص، فليس من حقه التخلّص من نفسه والإقدام على إزهاقها بأي طريقة من طرق الانتحار المعروفة الآن. ولا يجوز أن يقدم المسلم أيضًا على قتل أولاده للفقر أو خشيته والخوف منه ولا قتل أي معاهد ومستأمن ولا أي كافر غير محارب، والمحارب أيضًا له شروط وضوابط تأتي عند الكلام عن الجهاد، والنهي عن قتل الأولاد من أجل الفقر أو الخوف منه قد ورد في بداية الخطبة.
أما عن قتل الشخص لنفسه فقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا [النساء: 29، 30]، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها بطنه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومن شرب سمًّا فقتل نفسه فهو يتحسّاه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومن تردّى من جبل فقتل نفسه فهو يتردّى في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا)) رواه البخاري ومسلم والترمذي رحمهم الله بتقديم وتأخير في الألفاظ، وروى الإمام البخاري رحمه الله من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله : ((الذي يخنق نفسه يخنقها في النار، والذي يطعن نفسه يطعنها في النار، والذي يقتحم يقتحم في النار))، وعن جندب رضي الله عنه أن النبي قال: ((كان برجل جراح فقتل نفسه فقال الله: بدرني عبدي بنفسه، فحرّمت عليه الجنة)) رواه الإمامان الجليلان البخاري ومسلم رحمهما الله واللفظ لمسلم. وذلك الذي كان في ساحة القتال مع رسول الله ولم يترك شاذّة ولا فاذّة إلا اتبعها يضربها بسيفه وجُرِح جرحًا شديدًا فاستعجل الموت ووضع سيفه على الأرض وذبابه بين ثدييه وتحامل على سيفه وقتل نفسه وأخبر رسولُ الله بأنه من أهل النار، جاء بهذا المعنى من حديث مطول رواه البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى. ومن ضمن الحديث المروي عن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه من قول رسول الله الذي جاء فيه: ((ومن قتل نفسه بشيء عُذّب به يوم القيامة)) رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي رحمهم الله جميعًا.
وعن قتل المعاهد والمستأمن والذميِّ ورد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي قال: ((من قتل معاهدًا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عامًا)) رواه البخاري واللفظ له والنسائي إلا أنه قال: ((من قتل قتيلاً من أهل الذمة))، وقال رسول الله : ((أَيُّمَا رجلٍ أََمَّنَ رجلاً على دمه ثم قتله فأنا من القاتل بريءٌ وإن كان المقتول كافرًا)) رواه ابن حبان في صحيحه واللفظ له وابن ماجة إلا أنه قال: ((فإنه يحمل لواء غدر يوم القيامة)) وفي الزوائد: "إسناده صحيح ورجاله ثقات"، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي قال: ((ألا من قتل نفسًا مُعَاهَدَةً له ذِمَّةُ الله وذمة رسوله فقد أخفر بذمة الله، فلا يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين خريفًا)) رواه ابن ماجة والترمذي واللفظ له وقال: "حديث حسن صحيح".
فليحذر كل مسلم من الإقدام على قتل غيره أو الإسهام في ذلك ولو بشطر كلمة فضلاً عن المساعدة الفعلية والاشتراك في الجريمة أو تسهيل المهام أو الفتوى ونشرها وترويجها وتوزيعها بأي أسلوب كان، وإذا كان ابن آدم الأوّل يتحمّل جزءًا من كل نفس تُقتل ظلمًا لأنه أول من سنّ القتل فإن الأدلة من الكتاب والسنة واضحة جلية فيمن يشترك في قتل الأنفس المعصومة بأي مساهمة ولو بشطر كلمة، ولا يتسع المقام لذكرها.
والتوبة من كل الذنوب واجبة على كل مؤمن وإن كان قاتلاً لغيره عمدًا أو خطأ، وتُقْبل التوبة بإذن الله عز وجل بشروطها، ولأن الحقوق في القتل ثلاثة: حق متعلّق بالله عز وجل فتجب التوبة منه، وحق لأولياء المقتول ففيه القصاص أو العفو، وقتل الخطأ فيه الكفارة والدية على تفصيل في ذلك. وأما حق المقتول فلا يسقط بتوبة القاتل، بل هو حق للمقتول يُحَاكَمُ به القاتلُ ويُقْتَصُّ منه يوم القيامة بين يدي رب العالمين، وهناك حق عام للمجتمع يتعلق بولي الأمر.
وأول ما يقضى فيه بين الناس يوم القيامة هو الدماء، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء)) رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة رحمهم الله، وللنسائي رواية توضح بجلاء واضح اللبس في أول ما يحاسب عليه العبد من أعماله وأول ما يحاسب عليه مما يتعلق بحقوق الخلق، قال رسول الله : ((وأول ما يحاسب عليه العبد الصلاة، وأول ما يقضى بين الناس في الدماء)) رواه النسائي.
وفي خطب قادمة إن شاء الله تعالى يكون الكلام عن القصاص وإقامة الحدود التي هي من عدالة الإسلام والتفصيل عن التوبة التي التبس أمرها على كثير من المسلمين في القتل والجرائم المتعددة وغيرها وما يتعلق بالأحداث الراهنة من مواضيع أخرى.
وصلى الله وسلم على عبد ورسوله محمد وآله...
| |
|