molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: وبالوالدين إحسانا - سعد بن عبد الله العجمة الغامدي الثلاثاء 8 نوفمبر - 8:06:26 | |
|
وبالوالدين إحسانا
سعد بن عبد الله العجمة الغامدي
الخطبة الأولى
أما بعد: فقد رأيت الحديث اليوم عن موضوع مُهِمٍّ في حياة المسلمين وإدخاله بين الخطب المتسلسلة والمتصلة ببعضها كالجملة الاعتراضية المفيدة بيانًا وتوضيحًا في حينها، ولعلنا نصل بذلك إلى الفائدة المرجوة بإذن الله عز وجل، والموضوع هو بِرُّ الوالدين والإحسان إليهما، وحيثيات الاختيار للموضوع في هذا الوقت متعددة الجوانب، ومن أهمها بعد أن تمّ في الخطبة السابقة ذكر موقف أبي الأنبياء إبراهيم عليه الصلاة والسلام من أبيه آزر هو كيفية تعامل الابن البارّ مع الأب المشرك بالله، وشفقته عليه الصلاة والسلام وعطفه وحنانه على أبيه وخوفه عليه من المصير المؤلم والعاقبة الأليمة في الآخرة، وكيفية المحاورة الهادئة وإلقاء السلام الموحي بالأمن والطمأنينة والشفقة والرحمة بعد أن ظل يدعوه إلى توحيد الله جل جلاله، ومع هذا فهو يدعو الله له بالهداية والمغفرة، ولكن بعدما تبيّنت عداوته لدينه وملته الحنيفية تبرأ منه، وتلك البراءة في الدين والمفارقة لم تمنعه من الرفق به وبرّه والإحسان إليه كما أوجب ذلك رب العزة والجلال على الأولاد نحو والِدِيهِمْ وإن كانوا مشركين بالله وكفارًا.
ولنستمع إلى هذه الآيات الكريمة، قال الله جل جلاله: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا إِذْ قَالَ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنْ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا يَا أَبَتِ لا تَعْبُدْ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنْ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلاَّ أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلاً جَعَلْنَا نَبِيًّا وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا [مريم: 41-50].
لقد كان أبو الأنبياء إبراهيم عليه الصلاة والسلام يستغفر لأبيه ويدعو الله له بالهداية، ووعده بالاستمرار في ذلك حتى تبيَّنَ موقفُه وإصرارُه على عدم اتباع ملة إبراهيم عليه السلام، عندها اتخذ موقف البراءة منه في هذا الجانب من ناحية الدين. أما بخصوص قيامه بواجبه الشرعي نحوه فلم يُقَصِّرْ فيه بل قام به أحسنَ قيام، وأوردت الآيات السابقة وكذلك اللاحقة نظرًا لما نسمعه ونلحظه من بعض الملتزمين الذين لم يأخذوا العلم الشرعي عن العلماء المخلصين الموثوق بعلمهم، وإنما اكتفوا بقراءتهم وفهمهم السقيم حول تعاليم الإسلام، وأخذوا يهجرون ويقاطعون الناس بدون وجه حق، ومنهم قراباتهم وأقرب الناس لهم ومن كان سببًا في وجودهم والحرص عليهم ورعايتهم وهم آباؤهم وأمهاتهم، يهجرونهم من أجل معصية من المعاصي هم واقعون فيها مع عدم انتفاء الإسلام والإيمان عنهم.
ولنتأمل الآيات التالية والسابق ذكرها أيضًا من سورة مريم والتي توضح إصرار آزر أبي إبراهيم على الشرك وعدم اتباع ملة ابنه إبراهيم عليه الصلاة والسلام، واستعمال إبراهيم مع أبيه الحوار الهادئ وأسلوب الشفقة والرحمة والخوف على أبيه من العاقبة الأليمة، وملازمته الاستغفار له والدعاء إلى آخر لحظة تبيّنت له بأنه لا فائدة من ذلك، ولكنه قام بالواجب نحوه من ناحية البر والإحسان، فقد قال له في ذلك الموقف كما جاء في القرآن الكريم في سورة مريم: سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا [مريم: 47]. واستمر على ذلك كما جاء في دعائه في سورة الشعراء: رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ وَاغْفِرْ لأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنْ الضَّالِّينَ وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء: 83-89]. وقد دعا لنفسه ولأبيه وأمه وللمؤمنين كما جاء ذلك في سورة إبراهيم: رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ [إبراهيم: 41].
وقد وضّح الله جل جلاله سبب استغفار إبراهيم لأبيه بأنه الوعد والالتزام منه بملازمة الدعاء له بالمغفرة كما جاء في الآية السابقة: سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي، وفي سورة الممتحنة: إِلاَّ قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ [الممتحنة: 4].
وقد جاء هذا السبب وملابساته في القرآن الكريم حتى لا يتخذه حجة أولئك الذين يتعلقون بمن مات على الكفر والشرك مهما كانت صلتهم وقراباتهم، وقد اتخذهم فعلاً في هذا الزمان بعض الفرق المنتسبة للإسلام وتركوا كلام الله عز وجل وراء ظهورهم مع الوضوح الكامل للاستفسارات التي ترد على أذهانهم وقلوبهم، وقد جاء ذلك في سورة التوبة في قول الله جل جلاله: مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يُحْيِ وَيُمِيتُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ [التوبة: 113-116]. وقد ذكرتُ الآيتين الأخيرتين مع أن مكان الشاهد في الآيتين السابقتين لهما ولكن لنرى ترابط القرآن الكريم في الآيات المتعلقة بالهداية وما يتعلق بها، ولولا ضيق المقام لذكرت الآيات السابقة واللاحقة وهي متعلقة بها أيضًا في التوبة وصفات التائبين الصادقين.
وأخيرًا أذكِّر بهذه الآية في سورة الممتحنة مع أنه ينبغي لكل مسلم أن يقرأ السورة كاملة ويطلع على تفسيرها، ففيها الجواب الكافي الشافي لكثير من الأسئلة التي يثيرها شياطين الإنس والجن مع الذين لا يستطيعون الجمع بين النصوص القرآنية والأحاديث النبوية، قال تعالى: قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلاَّ قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنْ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ [الممتحنة: 4].
وإلى الآن لم أدخل في موضوع البِرِّ والآيات والأحاديث المتعلقة بذلك لأني أردت التقديم والتوطئة بهذا لما رأيته من عقوق أولاد المسلمين بنين وبنات لآبائهم وأمهاتهم وإن كان من الأبناء أكثر، وإن كانت هناك ـ ولله الحمد والمنة ـ نماذج طيبة للأبناء والبنات البارّين بوالِدِيهِمْ، ولكن المؤمل أن نسعى للالتزام بتعاليم الإسلام في هذا وغيره لننال سعادة الدارين بإذن الله عز وجل، ولو أردنا ضرب الأمثلة من الواقع لهذه الأصناف لطال بنا المقام ولكن الأمثلة الحية أمامنا كافية.
فيجب على المسلم أن يبرَّ والِدَيْهِ وإن كانا مُشْرِكَيْنِ أو يَدْعُوَانِهِ إلى الشرك، ويصاحبهما بالمعروف، ويقوم بواجبه نحوهما، فضلاً عما إذا كانا مسلميْن ولكنهما يرتكبان بعض الآثام والمعاصي، فيجب عليه القيام بالواجب عليه وشكرهما والإحسان إليهما إلى جانب الاشتراك في الدين الإسلامي الذي لم يَخْرُجَا منه بسبب ذنب أو معصية، وهذا هو المنصوص عليه في القرآن الكريم والمأمور به في آيات القرآن الكريم، فالله يأمرنا ويوصينا بالإحسان إلى الوالدين مع الشكر لهما المقرون بشكر الله حتى ولو أَمَرَاهُ بالإشراك بالله جل جلاله وبَذَلا كل ما في وسعهما لئلا يُسلم لله رب العالمين، فالواجب عليه أن لا يطيعهما في هذه المعصية ولا في غيرها من المعاصي؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ولكنَّ الواجب عليه أن يصاحبهما بالمعروف في هذه الدنيا، قال تعالى: وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [العنكبوت: 8]، وقال تعالى: وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [لقمان: 14، 15].
وقد جاء الأمر بالإحسان إليهما والوصية بهما من الله جل جلاله في عدد من الآيات، قال تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا [الإسراء: 23، 24]، وقال تعالى: وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنْ الْمُسْلِمِينَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتْ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمْ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [الأحقاف: 15-19].
وقد ذكرت الآيات كاملة ولم أقتصر على مكان الشاهد من أجل الاستفادة والعمل بما ورد فيها، أما في الآيات التالية فأذكر بدايتها إلى مكان الشاهد لمعرفة وجوب الإحسان إلى الوالدين، قال الله عز وجل: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [النساء: 36]، وقال عز وجل: قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [الأنعام: 151].
فعلى كل مؤمن بالله واليوم الآخر أن يبر والديه ليبره أولاده، وعلينا أن نعلم بأن سخط الله في سخط الوالدين ورضاه سبحانه في رضا الوالدين ما داما على قيد الحياة وما لم يأمرا بما يسخط الله تبارك وتعالى، قال رسول الله : ((رضا الرب في رضا الوالد، وسخط الرب في سخط الوالد)) رواه الحاكم والترمذي وصححه الألباني، وفي رواية البزار: ((رضا الرب تبارك وتعالى في رضا الوالدين، وسخط الله في سخط الوالدين)). ولا شيء يزيد في العمر ويبارك فيه وفي الرزق مثل برّ الوالدين وصلة الأرحام، قال رسول الله : ((من سرّه أن يُمَدَّ له في عمره ويُزَادَ في رزقه فلْيبرَّ والديه وليصل رحمه)) رواه أحمد.
لقد أمرنا الله تبارك وتعالى بما تخلّق به كل نبي بالنسبة لبر الوالدين كما ورد ذلك في القرآن الكريم، قال الله عزّ وجل: يَا يَحْيَى خُذْ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا وَحَنَانًَا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا [مريم: 12-14]، وكما ورد في القرآن الكريم حين قال عيسى ابن مريم عليه السلام لقومه: إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِي الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا [مريم: 30، 32]، وقال إبراهيم الخليل عليه السلام لأبيه: سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا [مريم: 47]. وجاء في دعائه في سورة الشعراء: وَاغْفِرْ لأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنْ الضَّالِّينَ [الشعراء: 86]، وطلب المغفرة له ولوالديه وللمؤمنين كما جاء في سورة إبراهيم: رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ [إبراهيم: 41]، وقال نوح عليه السلام: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِي مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [نوح: 28]، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى نبي الله فاستأذنه في الجهاد، فقال: ((أحيٌّ والداك؟)) قال: نعم، قال: ((ففيهما فجاهد))، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((أربعة نفر حق على الله أن لا يدخلهم الجنة ولا يذيقهم نعيمها: مدمن الخمر، وآكل الربا، وآكل مال اليتيم ظلمًا، والعاق لوالديه، إلا أن يتوبوا)) رواه الحاكم. فمن عقَّ أحدَ والديه عقَّه أولادُه، وكما تدين تُدَان، ولا تُجازى على الشرّ إلا بمثله.
فيا أيها المؤمنون بالله المصدقّون بثوابه وفضله وعقابه وعدله، هلا فكرنا في طول عناء الأمهات من الحمل والوضع والرضاع والحضانة والسهر مع العناية في كل ذلك وغيره، وهلا امتثلنا أمر ربنا تبارك وتعالى بالوالدين حيث، قال عز وجل: وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا [الأحقاف: 15]، وكذلك قول رسول الله : ((إن الله حرّم عليكم عقوق الأمهات ووَأْدَ البنات ومنعًا وهات، وكَرِهَ لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال)) رواه البخاري وغيره. وكيف يعامل المسلم أمه بالعقوق وقد حملته تسعة أشهر حملاً ثقيلاً، وحين ولادتها قاست بوضعه ألمًا شديدًا وعذابًا وبيلاً؟! فكيف يعاملها بالعقوق وقد أرضعته حولين كاملين وكان صبرها عليه صبرًا جميلاً؟! فهي تجوعُ لِيَشْبَعَ ولدُها ذكرًا كان أو أنثى، وتسهر لينام، وتتعب ليستريح ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً، وطعامُه درُّها من لبنها الخالص الذي أعده الله له دافئًا وقت البرد، باردًا وقت الحرّ في درجة حرارة مناسبة لحاله، وتضمّه إلى صدرها وإلى حجرها ليكون بيتًا له يَأنس ويَطمئن بضمّ أمّه له، وظهرها مركب له، تتأَلَّم لبكائه وتَحِنّ إليه وتهواه وتحيطه وترعاه بحنانها وعطفها، وإذا غاب عنها تكره ما عداه وتشغل قلبها به وتجعل الله عليه حافظًا ووكيلاً، وذلك منها لجميع أولادها مهما كَبِروا لأن الحنان والعطف والشفقة من الوالد تبقى مدة الحياة ولا تنقضي عند حدٍّ معين إلا أنها تزيد من شخص لآخر، ولذلك فإن الله تعالى لم يُوصِ الوالدين بالأولاد نظرًا لما أودعه في قلوبهما وفي فطرتهما وغريزتهما نحو الأولاد، ولكنه أوصى سبحانه وتعالى الأولاد بالوالدين نظرًا لما يتشاغلون به عنهما من الزوجات والأولاد والأموال وينسون أو يتناسون فضلهما.
فيا أيها المسلمون، علينا أن لاَّ نَعُقَّ أمهاتنا ونضيّع حقوقهن فنكون من الخاسرين في الحياة الدنيا ويوم توفى كل نفس ما +بت، قال تعالى: وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ [لقمان: 14].
ألا وإن من أشراط الساعة وعلاماتها التي أخبر بها الرسول محمد أنْ يطيعَ الرجلُ زوجتَه ويعقَّ أمَّه، ويبرَّ صديقه ويجفوَ أباه. ومما نسمعه بين حين وآخر عقوق الأبناء لآبائهم وأمهاتهم، وأقول: الأبناء لا البنات لأن البنات مطيعات في الغالب، ونادرًا مَنْ تكون منهن عاقة لوالديها. ومما يقع في بعض البيوت تهديد الابن لأبيه وأمه بالضرب فضلاً عن الشتم والكلام القبيح الذي لا يليق بأبناء المسلمين، وما ذلك إلا من الشقاوة التي تكون سببًا للعنة وغضب الرب وسخطه على هذا الصنف من الأشقياء، ولا غرابة في حصول ذلك وأمثاله مما نسمعه أو نراه فإنه مصداق حديث رسول الله حين أخبر عن علامات القيامة: ((يأتي على الناس زمان لأن يربي أحدكم جِرْوَ كلبٍ أحبّ إليه من أنْ يربِّيَ ولدًا لِصُلْبِهِ)). فحين نرى ونسمع ما هو حاصل من عقوق بعض الأبناء لآبائهم وأمهاتهم وتهجمهم عليهم وطغيانهم الزائد وعدم طاعتهم وسماعهم لما يؤمرون به من الوالدين، وحين لا يجد الوالدُ بُدًّا أمام هؤلاء الأشقياء من أبنائهم إلا أن يستسلموا ويبقوا أَذِلَّةً حائرين في أمرهم.
وهذه بلية عظيمة يُصَابُ بها الوالد في هذا الزمن الذي كثرت فيه الفتن والمحن؛ لهذا لا نملك إلا أن نقول: إنا لله وإنا إليه راجعون. ونجد صدق خبر الرسول الذي لا ينطق عن الهوى بأن تربية الكلاب خير وأحب من تربية هؤلاء الأشقياء العاقين لهم عند بعض الناس، مع أن الحديث له تفسير أيضًا وواقع في حياة الناس اليوم خاصة من الكفار من تربية بعضهم للكلاب وتوريثهم لها من ممتلكاتهم بعد موتهم وسَرَتْ عاداتُ الكفار إلى بلاد المسلمين وديارهم حتى تخلَّق بعض المسلمين بأخلاقهم وقلَّدوهم فيما هَبَّ ودَبَّ، ومنها تربية الكلاب والإنفاق عليها، ونجدها في مدننا وأحيائنا الراقية بين الفلل والعمارات، ولو وقف على أحدهم فقيرٌ لما مَدَّ له بريال واحد فقط أو خمسة أو عشرة ريالات، لا أقول ذلك جزافًا بل هو واقع نعيشه هذه الأيام.
ألا وإن من شقاوة المرء أن يحسن إلى أعدائه ويسيء إلى من يحبه ويهواه، ولا منّة لأحدٍ كمنّة الوالد على الولد الذي كان سببًا في وجوده وتربيته، فبعطفه وحنانه عليه ربّاه وأطعمه وأسقاه، فإذا ترعرع الطفل وشبّ تمنّى لوالديه الموت وهما يتمنّيان له الحياة، ولم يتذكر أنهما كانا يحملان أذاه في صغره راجين له الحياة وخاصة الأم، وهو إن حمل أذاهما في الكبر وعند المرض يتمنى لهما الموت، وقليل من يحمل ويفعل ذلك، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، أحمده سبحانه وأشكره يوفق من يشاء لطاعته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.
أما بعد: فقد قال : ((كل الذنوب يؤخّر الله منها ما شاء إلى يوم القيامة إلا عقوق الوالدين، فإن الله يعجله لصاحبه في الحياة قبل الممات)) رواه الحاكم وقال: "صحيح الإسناد". يعني: العقوبة في الحياة الدنيا قبل يوم القيامة.
وكثير من الآباء والأمهات في هذا الزمن يرضون من البرّ بكفّ الأذى عنهم، ويسألون ربهم كل خير لأولادهم الذين لا يُرضونهم بشيء غير السكوت والابتسام إنْ وُجِدَ ذلك. ورُبَّ أمٍّ صابرة على قلة ذات يدها وموت زوجها وكفالة الأيتام أو قد يكون حيًا كما هو حاصل الآن بين ظهرانينا من وجود الخادمات حيث يعشن بعيدًا عن أولادهن الصغار وأزواجهن وعن أوطانهن ساعيات في تحصيل المعيشة وطلب الرزق وما يحتاجون إليه من الطعام والشراب والملابس، نسأل الله تعالى أن يديم علينا هذه النعمة ولا يغير علينا ما نحن فيه من نعم متتالية، ونسأله سبحانه ألا يُلجئَنا إلى ما هم فيه من حال مشتتة وأسرٍ مفككة تذوب لها القلوب حين يتذكرها المؤمن، ونسأله تعالى أن يرزقنا الإحسان إليهم؛ لذلك نجد الأمهات منهن من قد رضيت أن تعيش خادمة لغسل الثياب وطيِّ الفراش وكنس المرافق والحمامات، فإذا بلغ الولد من أولادها أَشُدَّهُ واستوى ماذا يكون حاله؟ إنه التكبر عليها والإعراض عنها والتنكر لصنيعها، ثم يذهب بزوجته بعيدًا عنها في السكن لئلا تعكّر عليه الحياة مع زوجته، ويا ليته سافر لطلب الرزق فيُعذر في ذلك، ولكنه قريب في مسكنه بعيدٌ في برّه وإحسانه ولم يتذكر ماضيه وما قامت به ولاقته منه عندما كان صغيرًا. فعلى المسلم أن يعلم أن والديه سَعَيَا عليه وعَالاه صغيرًا وكبيرًا، فيجب عليه أن لا يهينهما ولا يهملهما لأنهما يأملان برّه وينتظران منه الجزاء الحسن، فعليه أن لا يتركهما وشأنهما وينشغل بالأموال والأولاد والزوجات عنهما وبعدم المبالاة بحقهما.
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال: ((رغم أنفه ثم رغم أنفه ثم رغم أنفه))، قيل: من يا رسول الله؟ قال: ((من أدرك والديه عند الكبر أو أحدَهما ثم لم يدخل الجنة)) رواه الإمام مسلم، وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: صعد النبي المنبر فقال: ((آمين، آمين، آمين))، قال: ((أتاني جبريل عليه الصلاة والسلام فقال: يا محمد، من أدرك أحد أبويه فمات فدخل النار فأبعده الله، قل: آمين، فقلت: آمين)) إلى آخر الحديث الذي رواه الطبراني بإسناد حسن، كما رواه ابن حبان في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه إلا أنه قال فيه: ((ومن أدرك أبويه أو أحدهما فلم يبرّهما فمات فدخل النار فأبعده الله، قل: آمين، فقلت: آمين)) الحديث، أي: بسبب عدم برّهما ورعايتهما والقيام بحقوقهما. وقال رسول الله : ((الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، واليمين الغموس)) رواه البخاري، وفي الحديث الآخر: ((وإن أكبر الكبائر عند الله يوم القيامة الإشراك بالله، وقتل النفس المؤمنة بغير الحق، والفرار يوم الزحف، وعقوق الوالدين، ورمي المحصنة، وتعلم السحر، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم)) رواه ابن حبان في صحيحه.
فيجب علينا أن لا نتناسى ونتغافل عن حقوق الوالدين وبرهما والإحسان إليهما، ونتذكر تَحَمُّلَ أمهاتنا لنا تسعة أشهر ومكابدتَهن عند الوضع الذي يُذِيبُ المُهَجَ، وإرضاعَهن وجميعَ إحسانهن إلينا، وكذلك الأب الذي يكدح ويمشي في مناكب الأرض يلتمس الرزق لإطعام و+وة أولاده وجميع من يعول، فيجب علينا أن نقابلَ هذه الأياديَ بالإحسان وعدم النسيان والتأفف، بل المعاملة الحسنة والعطف والشفقة والحنان وخفض الجناح لننال من الله أعلى الدرجات والرضوان، قال تعالى: رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا [الإسراء: 25].
إن برّ الوالدين شأنه عظيم، فهو مقدم على الجهاد في سبيل الله، ويُترك الجهاد لبر الوالدين وصحبتهما، ومقدم كذلك على رضا الزوجة. إنَّ الأولاد بنين وبنات من الأعمال الصالحة وال+ب الطيب ومن خير ما يخلف الإنسان بعده إذا صلحوا، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سألت رسول الله : أي العمل أحب إلى الله؟ قال: ((الصلاة على وقتها))، قلت: ثم أي؟ قال: ((بِرُّ الوالدين))، قلت: ثم أي؟ قال: ((الجهاد في سبيل الله)) رواه البخاري ومسلم، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى نبي الله يستأذنه في الجهاد، فقال: ((أحَيٌّ والداك؟)) قال: نعم، قال: ((ففيهما فجاهد)) رواه مسلم وأبو داود وغيرهما.
والأم مقدمة على الأب، وحقها أعظم، جاء رجل إلى رسول الله فقال: يا رسول الله، مَنْ أحقّ الناس بحسن صحابتي؟ قال: ((أمك))، قال: ثم من؟ قال: ((أمك))، قال: ثم من؟ قال: ((أمك))، قال: ثم من؟ قال: ((أبوك)) رواه البخاري ومسلم، وعن معاوية بن جاهمة أن جاهمة جاء إلى النبي فقال: يا رسول الله، أردت أن أغزو وقد جئت أستشيرك، فقال: ((هل لك من أمٍّ؟)) قال: نعم، قال: ((فالزمها، فإن الجنة عند رجلها)) رواه ابن ماجة والنسائي واللفظ له والحاكم وقال: "صحيح الإسناد"، ورواه الطبراني بإسناد جيد ولفظه: قال: أتيت النبي أستشيره في الجهاد، فقال النبي : ((ألك والدان؟)) قلت: نعم، قال: ((الزمهما، فإن الجنة تحت أرجلهما))، وقال رسول الله : ((بروا آباءكم تبركم أبناؤكم، وعفُّوا تعفُّ نساؤُكم)) رواه الطبراني والحاكم.
ودعوة الوالدين على الولد أو له مستجابة، فليحذر الأولاد من التعرض للدعاء عليهم من الوالدين أو أحدهما، وليحذر الآباء والأمهات من الدعاء على أولادهم بنين وبنات أو أحدهم لئلا توافق ساعة استجابة فيندم الجميع على ذلك، وعليهم عدم التسرع في الدعاء عليهم عند الغضب، بل عليهم الدعاء لأولادهم بدلاً من الدعاء عليهم، قال رسول الله : ((ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة الوالد على ولده، ودعوة المسافر، ودعوة المظلوم))، وقال أيضًا عليه الصلاة والسلام: ((ثلاث دعوات لا تردّ: دعوة الوالد لولده، ودعوة الصائم، ودعوة المسافر))، وزاد في الحديث الآخر: ((ودعوة المظلوم)).
ولضيق المقام أورد أحاديث متعلقة بالبر وكذلك العقوق، قال رسول الله : ((لا يجزي ولدٌ والدًا إلا أن يجده مملوكًا فيشتريه فيعتقه)) رواه مسلم، وقال : ((إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه))، قيل: يا رسول الله، وكيف يلعن الرجل والديه؟! قال: ((يسبّ أبا الرجل فيسبّ أباه، ويسبّ أمّه فيسبّ أمّه)) رواه البخاري ومسلم. وورد أن أعرابيًا أتى النبي فقال: إن لي مالاً وولدًا وإن أبي يريد أن يجتاح مالي، قال: ((أنت ومالك لأبيك، إن أولادكم من أطيب كسبكم فكلوا من +ب أولادكم)) رواه أبو داود وابن ماجة، وعن أبي بردة قال: قدمت المدينة فأتاني عبد الله بن عمر فقال: أتدري لم أتيتك؟ قال: قلت: لا، قال: سمعت رسول الله يقول: ((من أحب أن يصل أباه في قبره فليصل إخوان أبيه بعده))، وإنه كان بين أبي عمر وأبيك إِخَاءٌ وَوُدٌّ فأحببتُ أنْ أَصِلَ ذاك. رواه ابن حبان في صحيحه. إخوان أبيه أي: أصحابه. وفي حديث آخر أن رجلاً لقي عبد الله بن عمر بطريق في مكة فسلّم عليه عبد الله بن عمر وحمله على حمار كان يركبه وأعطاه عمامة كانت على رأسه، فقال ابن دينار: فقلنا له: أصلحك الله إنهم الأعراب وإنهم يرضون باليسير! فقال عبد الله بن عمر: إن أبا هذا كان وُدًّا لعمر بن الخطاب، وإني سمعت رسول الله يقول: ((إنَّ أبَرَّ البرَّ أنْ يصلَ الولدُ أهلَ وُدَّ أبيه)) رواه مسلم، وعن أبي أسيد الساعدي رضي الله عنه قال: فيما نحن عند رسول الله إذ جاءه رجل من بني سلمة فقال: يا رسول الله، هل بقي من برّ أبويّ شيء أبرّهما به بعد موتهما؟ قال: ((نعم، الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وإكرام صديقهما)) رواه أبو داود وابن ماجة وأحمد والحاكم رحمهم الله تعالى. ومعنى الصلاة عليهما أي: الدعاء لهما، وقال : ((إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)).
وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله محمد وآله وصحبه.
| |
|