molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: الخوف - سالم بن عبد الكريم الغميز الأحد 6 نوفمبر - 7:51:47 | |
|
الخوف
سالم بن عبد الكريم الغميز
الخطبة الأولى
عباد الله، اتقوا الله حق التقوى واعلموا أن حسن الظن والرجاء بمغفرة الله ومثوبته ينبغي أن يكون لعبد أخلص النية وأحسن العمل واجتهد في العبادة.
أما العصاة المقصرون المصرون على الذنوب المستهترون بفعلها والمقيمون على الفواحش فأي عمل صالح يرجونه ويحسنون الظن به يا عبد الله، فلو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل.
أيها الأحبة في الله، إن كثيراً من شبابنا هداهم الله يتساهلون بالذنوب والمعاصي إلى حد الإصرار الدائم والعمل المقيم على المعاصي والذنوب دون تفكير أن يتوبوا أو أن يقلعوا أو أن ينيبوا إلى الله منها، فأولئك لو ناصحتهم وهم مقيمون على معاصي الله لقالوا: إنا نحسن الظن بالله، والله لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل.
إن المقيم على الذنب والمصر على المعصية لفي أشد الحاجة إلى ما يخوفه ويزجره ويردعه عن التمادي في معصية الله ويردعه عن الوقوع في الشهوات المحرمة، ومن خاف ربه وخشي الله حق خشيته ما تجرأ على معصيته، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم أشد الأمة خشية لله، يقول صلى الله عليه وسلم: ((أنا أعرفكم بالله وأشدكم خشية له)).
ويقول سبحانه: إِنَّمَا يَخْشَى ٱللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ ٱلْعُلَمَاء [فاطر:28]، فمن كملت معرفته بربه ظهر خوفه من الله وفاض أثر ذلك على قلبه، ثم انع+ على جوارحه يكفها عن المعاصي ويلزمها بالطاعات تكفيراً لما سلف واستعداداً لما يأتي.
قال صلى الله عليه وسلم: ((من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل)) ولكن اعلموا يا عباد الله أن البكاء وحده ليس دليلاً على الخوف من الله، لكن حقيقة الخوف ترك العبد ما حرم ربه مع قدرته عليه، إذا بلغ الخوف بالمؤمن هذه الدرجة انقمعت شهوته وتكدرت لذته فتصير المعصية المحبوبة للنفس مكروهة يبغضها القلب وتكف عنها الجوارح، وكلما تمكن الخوف من الله في قلب المؤمن زادت مراقبة العبد و محاسبته لنفسه.
عباد الله، إن كثيراً من المسلمين اليوم لا يخافون الله حق خوفه ولا يخشونه حق خشيته، أيغرهم إمهاله لهم أم يظنون أن الله غافل عما يعملون.
وبعضهم لا يخشى ولا يخاف عاقبته السيئة وما اقترف من الخطيئة والبعض يتقلب في لهوه وغفلته كأنما ضمنت له الجنة وقدّمت بين يديه الرحمة والمغفرة، فأين هو من جيل الصحابة والسلف الصالحين الذين بلغوا أعلى مراتب الخوف والخشية من ربهم، وما ذاك إلا لكمال معرفتهم بربهم.
معاشر المؤمنين، تأملوا كتاب الله ترون كيف كان الملائكة المقربون يخافون من الله. قال تعالى: يَخَـٰفُونَ رَبَّهُمْ مّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [النحل:50]، أما نبينا صلى الله عليه وسلم وهو الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر تقول عائشة رضي الله عنها: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قط مستجمعاً ضاحكاً حتى أرى لهواته، إنما كان يبتسم، وكان إذا رأى غيماً وريحاً عرف ذلك في وجهه فقلت: يا رسول الله الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن يكون منه المطر وأراك إذا رأيته عرفت الكراهة في وجهك؟ فقال: ((يا عائشة ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب، قد عذب قوم بالريح، وقد رأى قوم العذاب فقالوا: هذا عارض ممطرنا)).
أما الصحابة رضوان الله عليهم ومنهم من شهد له الرسول بالجنة فخوفهم من جلال ربهم العظيم، فقد كان أبو بكر الصديق يقول: يا ليتني كنت شجرة تعضد ثم تؤكل.
وكان عمر بن الخطاب يسأل حذيفة أمين سرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل عدني رسول الله من المنافقين. وكان عمر يسمع الآية فيمرض فيعاد أياماً، والأمثلة على خوف الصحابة من الله كثيرة.
أما التابعون لهم بإحسان والسلف الصالح فلهم من خشية الله وخوف عقابه ما تهتز له الأفئدة، كان عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه إذا تذكر الموت انتفض انتفاض الطير ويبكي حتى تجري دموعه على لحيته، وبكى ليلة وأبكى أهل الدار، فكلما تجلت العبرة سألته زوجته فاطمة: بأبي أنت وأمي يا أمير المؤمنين ما يبكيك؟ قال عمر: ذكرت منصرف القوم بين يدي الله فريق في الجنة وفريق في السعير ثم صرخ وغشي عليه.
وبكى الحسن البصري بكاءً شديداً فسألوه ما يبكيك فتلا عليهم قول الحق تبارك وتعالى: وَبَدَا لَهُمْ سَيّئَـٰتُ مَا عَمِلُواْ [الجاثية:33]، وتلا أيضاً: وَبَدَا لَهُمْ مّنَ ٱللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُواْ يَحْتَسِبُونَ [الزمر:47].
فهذا خوف الملائكة، وذلك خوف الأنبياء، وهذا خوف الصحابة والتابعين ومنهم المعصوم، ومنهم من شٌهد له بالجنة، فنحن أجدر بالخوف منهم فاخشوا الله حق خشيته وتذكروا سطوته وأليم عقابه واصحبوا عباد الله من يخوفونكم حتى تأمنوا ولا تصبحوا من يؤمنونكم حتى تخافوا.
عباد الله، إن منزلة الخوف من الله قد تقهقرت في النفوس وتراجعت في الأفئدة إلى حد عجيب جداً . ترى كثيراً من الناس يدفنون موتاهم بأيديهم ثم يخرجون من أبواب المقابر ضاحكين، وترى كثيراً من الناس يرى ما حل بالخلائق من حولهم وتراهم في أكلهم وشربهم لاهين غافلين، أفأمنوا مكر الله؟ أفأمنوا عقوبة الله؟ أفأمنوا سخط الله؟.
إن أمة من الأمم التي سلفت قد عذبت بذنب واحد من الذنوب فكيف بهذه الأمة التي فيها أناس قد جمعوا ذنوباً كثيرة استجمعوا أكل الربا والسكوت عن المنكرات وبيع آلات اللهو والطرب والتجارة بإفساد العقول والأفئدة والتهاون بخروج المحارم والسكوت عن كلمة الحق وأمور كثيرة. نسأل الله جل وعلا أن لا يعذبنا بذنوبنا وأن لا يؤاخذنا بما فعل السفهاء منا . بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله.
عباد الله، اتقوا الله حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدى هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة، واعلموا أن ملك الموت قد تخطاكم إلى غيركم وسيتخطى غيركم إليكم، فخذوا حذركم.
عباد الله، اعلموا أن المؤمن كما أن خوفه من الله عظيم فله رجاء بالله كبير، فالرجاء والخوف جناحان يطير بهما عباد الله إلى منازل الخلود في الآخرة، والرجاء هو اطمئنان وراحة في انتظار ما يحبه العبد ويشتاق إليه مع قيام العبد بتحصيل أسبابه، والمعنى أن المؤمن يرجو النعيم في قبره والأمن في محشره والجنة داراً مقامة له برحمة ربه مع بذله أسباب الفوز والفلاح وتجنب ما يسخطه، لأن الرجاء مرتبط بالعمل، أما الرجاء الذي لا يصحبه عمل صالح ولا يقترن به عبادة مخلصة فهو تمني مجرد، وما ظنكم عباد الله برجل يقول: أرجو أن يوهب لي ولد صالح ولم يتزوج أو يقول: أرجو أن تنبت هذه الأرض عنباً ورماناً وهو لم يحرثها ولم يبذرها ولم يبذل أي سبب في إصلاحها، فلا شك أنكم ستقولون: هذا مجنون فلا عقل له.
إذاً فماذا تقولون برجال لا يشهدون الصلاة مع الجماعة، غافلين عن ذكر ربهم وعبادة خالقهم في ملهاة في الغناء والطرب وجمع المال من غير حله والمعاصي واللهو، مشغولون بذلك عن كل خير ومعروف مجترئون بذلك على حدود الله ومحرماته ثم ناصحهم ناصح قال لأحدهم: أي عمل قدمت بين يديك؟ فرد عليه قائلاً: إني أرجو الجنة وأرجو رحمة ربي وهو مصر على المعصية مقيم على الفاحشة فهل يسمي قوله هذا رجاء؟ لا والله، بل هذا هو التمني رأس أموال المفلسين الذي يصدر من العاجزين، والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني، وعلى ذلك فالرجاء الصادق ينطبق على انتظار الجزاء والثواب بعد تمهيد أسبابه المرتبطة بفعل الطاعة وتجنب المعصية، وبعد ذلك ينتظر العبد التوفيق والهداية والقبول من الله سبحانه وتعالى، لقد ذم الله هذا شأنهم أقواماً يرجون بلا عمل فقال سبحانه: فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُواْ ٱلْكِتَـٰبَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَـٰذَا ٱلاْدْنَىٰ وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا [الأعراف:169].
وتأملوا قول الله تعالى في وصف عباده الراجين رحمته بصدق إِنَّ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَـٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أُوْلـئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [البقرة:218]، فجعل الرجاء بعد الإيمان وبعد الهجر والجهاد، فاتقوا الله عبد الله وأحسنوا العمل واجتهدوا في طاعة الله، واعلموا أن الواجب على كل مسلم مهما كثرت ذنوبه ومهما كثرت معاصيه أن يتوب إلى الله توبة صادقة نصوحاً ثم يكثر من الحسنات الماحية للسيئات ثم يعظم رجاؤه بربه ويحسن ظنه بخالقه وليتذكر قول الحق تبارك وتعالى: قُلْ يٰعِبَادِىَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً [الزمر:53]، وليذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((إن الله خلق مائة رحمة أنزل رحمة واحدة في الأرض، فيها يتراحم الناس والوحش والسباع والطير والبهائم وادخر تسعة وتسعين رحمة لعباده يوم القيامة)) فأقبلوا على الله.
يا عباد الله، أبشروا بمغفرة الله إن صدقتم العزم والعهد والوعد مع الله، أقبلوا إلى الله وجددوا التوبة واستغفروا الله كثيراً وأنيبوا إلى ربكم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله.
بادروا بالتوبة قبل أن تبلغ الروح الحلقوم، عودوا إلى الله يا شباب الإسلام، يا شباب مضى ما مضى، عودوا إلى الله واعلموا أن ربكم رحيم كريم، وهنيئاً لعبد تاب إلى الله.
ألا وصلوا عباد الله على خير خلق الله..
| |
|