molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: غض البصر - زيد بن عبد الكريم الزيد الأحد 6 نوفمبر - 4:15:07 | |
|
غض البصر
زيد بن عبد الكريم الزيد
الخطبة الأولى
طلب مني أحد الإخوة، هنا ممن يصلون في هذا المسجد أن أتحدث عن غض البصر، وذلك لكون المطار ملتقى كل الجنسيات وهذا شأن المطارات، فيه النساء والأسر المسافرة في كل وقت، ومن هؤلاء النساء من لا تحتشم، تتكلم مع هذا وذاك، والأمر هنا يقتضي غض البصر عن النظر المحرم. وهي مشكلة يتعرض لها البعض، ولا شك يا عباد الله أن الشعور بالمشكلة أو بالمرض دلالة خير، ودلالة حياة قلب، إنما يأتي البلاء حينما يتعود الشخص على المعصية فلا يشعر بها، ولا يشعر أن ما يفعله معصية لله سبحانه، كما قال تعالى كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ [المطففين:14], فبسبب ذنوبه تنقلب عليه الحقائق فيرى الباطل حقاً والحق باطلاً. (تفسير السعدي) إننا حينما نجد من يبحث عن العلاج فهذا دلالة وعيه، وخوفه من ربه, ومراقبته لنفسه، وحسبك بها من دلالة على الخير والتوفيق بإذن الله لصاحبها.
أيها المسلمون, إن هذا الموقف الذي يتعرض له البعض في المطار، يتعرض له آخرون في أماكن مختلفة، في الأسواق، في المستشفيات، أو الحدائق العامة, أو أبواب المدارس, وأمثالها من أماكن التجمعات التي يكثر فيها التقاء الرجال بالنساء ورؤيتهم لهن عن قرب.
أيها المسلمون, إن هذه الحياة مواقف، وابتلاء للفرد ليتبين كيف إيمانه ومراقبته لله جل شأنه، ليس الإسلام بالصلاة فقط، ثم إذا جاءت المعاصي والشهوات نسي صلاته وإيمانه. إن هذه اللحظات يمر بها الفرد منا في موقف من هذه المواقف، ثم تنقضي، ويظهر بعدها جلياً هزيمته أو انتصاره, هزيمته أو انتصاره على من؟ على نفسه وعلى هواه.
إنها مقياس دقيق لما في داخله من إيمان ومراقبة.
خذوا مثالاً على ذلك خلده لنا القرآن الكريم عندما قال عن يوسف عليه السلام: وَرَاوَدَتْهُ ٱلَّتِى هُوَ فِى بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ ٱلاْبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ ٱللَّهِ إِنَّهُ رَبّى أَحْسَنَ مَثْوَاىَّ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّـٰلِمُونَ [يوسف:23], هذا يا عباد نموذج أشد وأخطر مما ذكرت، الأبواب مغلقة، والمرأة متزينة، والشاب أع+، وهي سيدته تأمره وتنهاه، هذا الموقف مر به يوسف عليه السلام، لكنه لم يغفل, ولم يضعف إيمانه، بل عبر عما في داخله من قوة إيمان، فوراً تذكر ربه وقال مَعَاذَ ٱللَّهِ.
إن مثل هذا الموقف هو حقيقة الانتصار على النفس، هو البرهان الحقيقي على قوة الإيمان وصدقه، ليس البرهان على قوة الإيمان هنا بالأقوال بل حتى ولا بالعبادات كالصلاة والصيام فقط، التُّقَى هو الأساس، إنه البرهان الحقيقي على صدق المراقبة لله جل شأنه، حينما يبرز الوازع الداخلي الذي يجعله ينتصر على نفسه, فيمتنع ذاتياً عن النظر، لأنه يعلم أن هذا العمل لا يجوز له، وأن الله مطلع على سريرته ولو لم يطلع عليه الناس, يوقن بقول الله جل شأنه يَعْلَمُ خَائِنَةَ ٱلاْعْيُنِ وَمَا تُخْفِى ٱلصُّدُورُ [الزمر:19] يقول الشيخ السعدي رحمه الله تعالى (خائنة الأعين هو النظر الذي يخفيه العبد من جليسه ومقارنه, وهو نظر المسارقة) وهذا الذي نشتكي منه، ذلك النظر الذي يستحي الموظف من زميله وهو ينظر، ولا يستحي من الله جل شأنه، وقد قال جل شأنه عمّن يخشى الناس ولا يخشى الله في السر: يَسْتَخْفُونَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ ٱللَّهِ [النساء:108] أي أن مخافة الخلق عندهم أعظم من مخافة الخالق، فيحرصون على عدم الفضيحة عند الناس ولم يبالوا بنظر الله جل شأنه إليهم, وهذا من ضعف الإيمان ونقص اليقين. (تفسير السعدي) ولذلك نجد يا عباد الله أن موقفاً إيمانياً صادقاً تبين فيه صدق صاحبه وقوة إيمانه رفع صاحبه ليكون من الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، أليس هذا يا عباد الله أمنية يتمنى كل مؤمن أن يفوز بها. إن من عباد الله من يفوز بمثل هذا الوعد الكريم العظيم من الله جل شأنه في لحظة انتصار على النفس قصيرة يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله)) ثم ذكر منهم ((ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله)). كم يستغرق هذا الأمر من الوقت؟ كم يستغرق من الجهد؟ كم يحتاج من المال؟ لا يحتاج إلى شيء سوى أن يكون صاحبه ذا إيمان وتقى، ينتصر على نفسه، فلا تسبق منه نظرة عاجلة عامدة ـ لأمراة- مسقطة له في الامتحان حارمة له من أجر عظيم، وفضل لا يناله إلا الصادقون حقا! هذا الموقف يحتاج فقط مراقبة لله جل شأنه.
تلك للحظة الحاسمة تتطلب رجلاً يعرف الطاعة والمعصية يعرف معنى حقيقة الانتصار! وإن شخصاً لم ينتصر في هذا الموقف ليس حرياً بأن ينتصر ولا أن يُنصر في مواقف أخر.
إن من لا يملك القدرة على عينه وطرفه فيصرفه، وهو أطوع جوارحه له، ماذا سيكون موقفه في مواقف أشد وأعظم حرجاً، إن من لا يستطيع أن يصرف بصره عن امرأة عابرة أو امرأة متحدثة، وغُلب في تلك اللحظة, ما الذي يملك هذا من مقومات النصر؟ وفي أي درجة هو من درجات التقى والإيمان؟
يقول الله جل شأنه قُلْ لّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَـٰرِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ ذٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ [النور:30], يقول الشيخ السعدي رحمه الله تعالى: "ذلك الحفظ للأبصار والفروج أزكى لهم, أطهر وأطيب, وأنمى للأعمال, فإن من حفظ فرجه وبصره طهر من الخبث الذي يتدنس به أهل الفواحش, و+ت أعماله بسبب ترك الحرام .. ومن غض بصره عن الحرام أنار الله بصيرته".
واسمعوا ـ يا عباد الله ـ هذا الحديث أخرجه الدارمي رحمه الله تعالى (2/123 رقم 2405) وأخرجه الحاكم في المستدرك (ج:2/83)، وصححه ووافقه الذهبي, عن أبي ريحانة رضي الله تعالى أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة فسمعه ذات ليلة يقول: ((حُرمت النار على عين دمعت من خشية الله، حرمت النار على عين سهرت في سبيل الله)), قال ونسيت الثالثة قال أبو شريح وسمعت بعد أنه قال: ((حرمت النار على عين غضت عن محارم الله, أو عين فقئت في سبيل الله)).
يا عباد الله, بسبب غض البصر عن محارم الله قد يكتب لك الله بها البراءة من النار، فكما هي لحظة ابتلاء لك, اجعلها يا أخي لحظة انتصار ولحظة إثبات براءة من النار واستحقاق للجنة.
فإذا وقفت أمامك امرأة والتقى بصرك ببصرها، أو حدثتك امرأة فتذكر أنك في هذه اللحظة، قد تنال بهذا الموقف البراءة من النار فقط عندما تخفض بصرك وتغضه عن هذا النظر وأنك بذلك ت+و وترتفع.
بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول هذا القول وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
لم ترد.
| |
|