molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: التأني والغضب - زيد بن عبد الكريم الزيد الأحد 6 نوفمبر - 4:12:56 | |
|
التأني والغضب
زيد بن عبد الكريم الزيد
الخطبة الأولى
جاء الإسلام ليكفكف النزوات، ويمنع العجلة في التصرفات، ويقطع دابر الندم، وليقيم أركان المجتمع على الفضل وجودة الخلق، وحسن العواقب، و يهيئ سبل الاستقرار، ولن تتحقق هذه الغاية إلا عندما يهيمن العلم النافع، والعقل الراشد، والتدين الصحيح على غريزة الجهل والغضب .
إن من أشد ما يدفع الشخص إلى التصرفات الطائشة، ويجره إلى الندم السريع، ويوقعه في الحرج والضيق هو التصرف عن عجلة وغضب .
فكم من شخص بسبب لحظة غضب وتعجل هدم أسرته وشتت شملها بطلاق أم أولاده؟! كم من شخص بسبب تلك اللحظة الغضبية التي فقد فيها السيطرة على أعصابه هدم كل عناصر الود والصداقة مع زميل قديم وصديق وفي؟!
كم من شخص بسبب الغضب لعن والديه وتلفظ عليهما بأشنع عبارة تخرج من لسانه؟! كم من شخص بسبب لحظة الغضب تنكر لمن أسدى إليه معروفاً وصنع له جميلاً؟! كم من شخص جر على نفسه بل وعلى مجتمعه ـ بسبب الغضب والعجلة ـ مآسي وأحزان .. إلى آخر تلك التصرفات التي يفقد فيها الشخص رشده وصوابه وسيطرته على نفسه, فيسب ويشتم ويتهم ويتبرم ويتصرف تصرفات خاطئة بل قد تكون مميتة.
في مثل هذه المواقف نتذكر أدب الإسلام وموقفه الذي ضبط العواطف، وحكم العقل، ودعا إلى الأناة والتبصر.
إن أول ما يدعو إليه الإسلام هو الرفق وعدم العجلة في التصرف واتخاذ القرار. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه)) رواه مسلم. فالرفق محبوب من الله والرفق يحقق الله به الغايات مالا يحققها بالعنف.
وبين الإسلام أن المسلم بريء من السب واللعن والشتم والطعن يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((ليس المسلم بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء)) رواه الترمذي وقال حديث حسن.
إن من الناس من يرى البذاءة وطول اللسان أقوى سلاح له في مناقشة خصمه وإقناعه بوجهة نظرة أباً كان أو أمّاً أو أخاً أو صديقاً أو مراجعاً في العمل أو مفنداً لحجة أو رادّاً على قاضي في محكمة، وينسى براءة الإسلام من تلك البذاءة والفحش في القول، ولو كان صاحبها خارجاً لِتَوِّه من المسجد .
إن الأمة الإسلامية بحاجة إلى الفرد الذي يضبط مشاعره، ويتحكم بتصرفاته ويتعقل في أقواله، ويتبصر في خطواته، ويحجم عن العجلة التي تجر عليه الدواهي، أما صلاته فأي قيمة لها وهي لم تنهه عن فحشائه وبذاءته ومنكراته .
إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ((سباب المسلمِ فسوق, وقتاله كفر)) رواه البخاري ومسلم.
إذا كان هذا الحكم مع المسلم فكيف يكون مع الوالدين أو الزوجة أو مع الأقارب أو مع الجيران أو مع المراجع لموظف أو كل من له حق خاص، فإذا به يبادر إلى السباب والشتائم وفقد السيطرة على النفس لأمر من الأمور لم يعجبه.
لو نظرت في كثير من مشكلات المجتمع، وقضايا المحاكم لوجدت الكثير منها نتيجة الطيش والغضب، والذي امتد ليصبح سباباً أو ضرباً أو طلاقاً أو انتقاماً وكلها نتائجها معروفة، والرجوع عنها قد فات أوانه. وقد مدح الرسول صلى الله عليه وسلم رجلاً جاءه فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: ((إن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله الحلم والأناة)) رواه مسلم .
تلك الخصلتان يحبهما الله ورسوله ويحبهما الناس ويحمد أصحابها عواقبها, فلا تكاد تجد حليماً متأنياً نادماً. وحدث ولا حرج عن كثرة النادمين من أصحاب الغضب والعجلة .
أيها الأخ المسلم هل أنت ممن يغضب عند أدنى تصرف لا يعجبك ولا يروق؟ لك هل أنت ممن يغضب عند إشارة المرور لمضايقة شخص؟ أو هل تفور أعصابك لاستفزاز مراجع لك في عملك؟ أو لتأخر موعد غدائك أو عشائك لدقائق؟ أو ترى مشهداً يشدك ويثير مشاعرك، ويقلق فكرك؟ نقول عندها: عد إلى رشدك وتأنَّ في تصرفك، لا تنس وقارك وتخرج عن طورك وتفقد السيطرة على أعصابك وألفاظك.هنا أيها المسلمون تظهر مواطن الضعف والقوة، ليست القوة قوة البدن ولكن القوة قوة العقل, يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((ليس الشديد بالصرعة, ولكن الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب)) رواه البخاري ومسلم .
وعند انتصارك على نفسك وامتلاكك لزمام عباراتك فأنت موعود بالخير على لسان المصطفى صلى الله عليه وسلم حيث قال: ((من كتم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله على رؤوس الخلائق، حتى يخيره من الحور العين يزوجه منها ما شاء)) رواه أحمد وغيره بسند صحيح.
أيها الأخ المسلم إن كثرة الفتن وتتابع المصائب، لا تجر العاقل إلى التهور، ولا تُهوِّن خطر العجلة، ولا تُنسي الحلم والأناة، وربما العواقب خير من المنظور.
فمهما حل بالشخص من المصائب أو الفتن فلا بد من التأني ولا بد من إبعاد أي أثر للغضب والتهور .
إن المطلوب من المسلم عندما يرى ما يغضبه أن يلجأ إلى الله أولاً وقبل كل شيء، ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم, فإن تلك اللحظة للشيطان, له فيها نصيب وصولة وجولة. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم وقد استب عنده رجلان فاحمر وجه أحدهما غضبا فقال صلى الله عليه وسلم: ((إني لأعلم لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم لذهب عنه ما يجد)) رواه البخاري ومسلم. وفي وصية أخرى من وصايا المصطفى صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا غضب أحدكم فليسكت)) رواه أحمد. وذلك ليقطع دابر المشاتمة والمساببة واستمرار المزيد من البذاءة .
إن الذي ندعو إليه ونذكر به هو الحلم والأناة والبعد عن التصرف أثناء الغضب.
وكم بسبب الغضب هدمت بيوت وتفرقت أسر وتقطعت أرحام وتعادى أحباب، وكان فيها للندم مرتع، وللشيطان صولة .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
الخطبة الثانية
لم ترد.
| |
|