molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: الأمانة - زيد بن عبد الكريم الزيد الأحد 6 نوفمبر - 4:11:45 | |
|
الأمانة
زيد بن عبد الكريم الزيد
الخطبة الأولى
أما بعد:
يقول الله جل شأنه: إِنَّا عَرَضْنَا ٱلاْمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأرْضِ وَٱلْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا ٱلإِنْسَـٰنُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً لّيُعَذّبَ ٱللَّهُ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ وَٱلْمُنَـٰفِقَـٰتِ وَٱلْمُشْرِكِينَ وَٱلْمُشْرِكَـٰتِ وَيَتُوبَ ٱللَّهُ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً [الأحزاب:72-73].
ما هي هذه الأمانة التي أشفقت السموات والأرض والجبال، وخفن من عواقب حملها؟ وحملها الإنسان فكان بسبب ذلك ظلوماً جهولاً .
ماهي هذه الأمانة التي أمر الله بها من فوق سبع سموات إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ ٱلامَـٰنَـٰتِ إِلَى أَهْلِهَا [النساء,58]؟
ما هي هذه الأمانة التي أثنى الله على القائمين بها، المحافظين عليها، التي عد الله جل شأنه المحافظة عليها من خصال الأخيار الصالحين، فقال في كتابه المبين وهو يُثني على عباده المفلحين: وَٱلَّذِينَ هُمْ لأَِمَـٰنَـٰتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رٰعُونَ [المؤمنون:8, المعارج:32]؟
ما هي هذه الأمانة التي أخبر النبي أن أداءها والقيام بها إيمان، وأن تضييعَها والتهاون بها وخيانتها نفاق وعصيان, قال: ((لا إيمان لمن لا أمانة له))؟ صحيح الجامع ( 7056).
فمن حرم الأمانة فقد حرم كمَال الإيمان ومن تلبس بالخيانة فإن فيه خصلة من خصال المنافقين قال: ((آية المنافق ثلاث, إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان)).
ما هي هذه الأمانة التي كل الناس موقوفون على الصراط حتى يثبت أداؤهم لهذه الأمانة؟
فقد أخبر النبي أنه يؤتى يوم القيامة بجهنم والناس في عرصاتها ـ أي في عرصات يوم القيامة ـ حفاة عراة غرلاً في ذلك الموقف العظيم يؤتى بجهنم تقاد بسبعين ألف زمام, مع كل زمام سبعون ألف ملك, فلا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا جثا على ركبتيه، ثم يضرب الصراط على متن جهنم, وينادي الله جل جلاله بأن يسير العبادُ عليه, وعندها تكون دعوة الأنبياء: ((اللهم سلم سلم)). فإذا ضُرب الصراط على متن جهنم قال كما في الصحيح: [قامت الأمانة والرحم على جنبتي الصراط]، أما الأمانة فإنها تكبكب في نار جهنم كل من خانها، وأما الرحم فإنها تزل قدم من قطعها وظلمها.
إنا يا عباد الله نقرأ هذه الآيات التي تتحدث عن الأمانة، ونسمع الأوامر بالمحافظة على الأمانة، والوعيد الشديد لِمن ضيعها، ولكن المشكلة أن كثيراً من الناس لا يدري ما هي هذه الأمانة؟! ولذلك يضيع الأمانة وهو يظن أنه قائم بها، ينطبق عليه الوعيد وهو آمن مطمئن يظن أنه من الناجين !
إن الأمانة التي يتحدث عنها القرآن ليست هي الودائع كما يظن كثير من الناس. إن من أهم أمانة تلك التي ائتمنك الله عليها وجعلك أهلاً لأن يوثق بك وأن تتولى أنت محاسبة نفسك.
فالوضوء أمانة. فبإمكانك أن تصلي وتقول للناس إنك على وضوء.
بإمكانك أن تتوضأ على عجل لا يحقق الطهارة, وأنت مؤتمن على ذلك، وأنت محاسب على هذه الأمانة هل تتوضأ كما أمرك الله؟
وصلاتك أيها المسلم أمانة وكلها الله إليك، فهل تأتي مقبلا على الصلاة أم تأتي متثاقلاً متضايقاً متأففاً، أنت في منزلك كيف تؤدي هذه الأمانة ـ أمانة الصلاة ـ؟ هل لك نوافل؟ هل لك من قيام الليل نصيب؟
والصيام أمانة, والصدقة أمانة, كلها أمانات وكلها الله إليك وأنت المسؤول عنها, لا أحد يعلم بسريرتك, إنها أمانة تامة موكولة لك, والموعد هو الصراط المنصوب على جهنم.
أيضاً أداؤك لعملك الوظيفي، هو جزء كبير من الأمانة التي وكلت إليك، تتصرف بموجب الصلاحيات الموكولة إليك، وهي وإن كان في ظاهرها منفعة فهي في باطنها حسرة وندامة لمن خان هذه الأمانة التي وكلها إليه ولي الأمر ووثق فيه، وإذا به يحابي فلاناً ويقدم فلاناً ويؤخر علاناً! يقدم هذا لمكانته أو قرابته، ويؤخر هذا ـ رغم استحقاقه ـ لخلاف شخصي.
أين الأمانة؟ ليس لك إلا أن تقول: الموعد هو الصراط, يوم لا يكون خصمك الشخص, بل خصمك الأمانة نفسها تقف تحاجك فهل من حجة؟
في هذا المكان العظيم بحضور هذا الجمع الكبير، بين يدي رب العالمين في موقف عاقبة من خاب فيه النار والعياذ بالله.
إحسان التعامل مع المراجعين أمانة! لست صاحب فضل عندما تؤدي حق مراجع، بل قد أخذت على هذا أجراً، هذه أمانة وكَلَها لك ولي الأمر،وأنت ممثله أمام أصحاب الحقوق، فهل تؤدي هذه الأمانة؟ أم تنسى الأمانة والثقة! وما أكثر خصوم من لم يبال بهذا؟ والموعد أخطر الأماكن, يوم الصراط يوم لا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا جثا على ركبتيه، من شدة الموقف، وأنت تتعلق بك الأمانة فهل تنجو أم تسقط والعياذ بالله من ذاك السقوط؟
تربيتك لأولادك أمانة، هل علمتهم دينهم، هل وجهتهم إلى طاعة إلى الله؟ أم تيسر لهم الفساد؟ تلك أمانات والأب مسؤول عنها .
حياتك مع زوجتك أمانة، ومن الخيانة أن تتحدث عن أسرارها .
أصدقاؤك وما يخبرونك به من أسرارهم أمانة .
عباد الله, أيها المسلم الكريم, إذا رأيت الرجل يحفظ الأمانة، ورأيته يؤديها مراقباً الله في ذلك فاعلم أن وراء ذلك قلبًا سليماً، يخاف الله جل جلاله ويتقيه, وأن هذا العبد يعلمُ عِلمَ اليقين أن الله محاسبُهُ وسائِلُه ومجازيه، وأنه يتذكر وقفة الصراط, نسأل الله النجاة, فاعمل لذاك اليوم ولا تغفل عنه.
إنها الأمانة ـ عباد الله ـ التي أقضّت مضاجع الصالحين، وهان على الإنسان أن يُسفك دمه ولا يخون أمانتهُ, وهان على العبد الصالح أن يَلقى شدائد الدنيا ولا يخون الأمانة.
أيها المسلمون, إن الناس في الأمانات ثلاثة أقسام: مؤمن قام بها، ومنافق يتظاهر بالقيام بها وهو خائن لها، وكافر لا يهتم بها. وعن هؤلاء الثلاثة ـ بعد أن ذكر الأمانة ـ قال تعالى: لّيُعَذّبَ ٱللَّهُ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ وَٱلْمُنَـٰفِقَـٰتِ وَٱلْمُشْرِكِينَ وَٱلْمُشْرِكَـٰتِ وَيَتُوبَ ٱللَّهُ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً [الأحزاب:73]
فيا أيها المسلمون أدوا آماناتكم, يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَخُونُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَـٰنَـٰتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ [الأنفال:27].
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
لم ترد.
| |
|