molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: الوصية بالنساء - داود بن أحمد العلواني السبت 5 نوفمبر - 8:55:19 | |
|
الوصية بالنساء
داود بن أحمد العلواني
الخطبة الأولى
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
عباد الله، لقد عني الإسلام ـ في جملة ما عني به من تشريعات ومبادئ ـ بتنظيم الحياة الزوجية وما يترتب عليها من الحقوق والواجبات بين الزوجين مما تقتضيه فطرة الرجل وفطرة المرأة بما يحقق الانسجام في الحياة الزوجية، فقال تعالى: وَلَهُنَّ مِثْلُ ٱلَّذِى عَلَيْهِنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ [البقرة:228]، هذا التوجيه الرباني من الحق تبارك وتعالى الذي خلقنا من عدم وأبرزنا إلى حيز الوجود المشاهد وجعل لنا أزواجًا نسكن إليها، وجعلهن لباسًا لنا ونحن لباس لهن.
والحقوق والواجبات ـ أيها الناس ـ كثيرة ومتنوعة، سنوجز منها في خطبتنا هذه بعض الحقوق الواجبة للزوجة على زوجها مع الإشارة إلى الطاعة الملزمة لها المقدَّمة حتى على والديها.
وأول هذه الحقوق المهر، وهو رمز لإعزاز المرأة ورفعة شأنها ومكانتها وقدرها، وإشعار لها بأنها موضع رغبته وبره ورعايته وعطفه وشموله ومسؤوليته وحنانه وقوامته، قال الله تعالى: وَءاتُواْ ٱلنّسَاء صَدُقَـٰتِهِنَّ نِحْلَةً [النساء:4].
وقد أرشد الإسلام إلى عدم التغالي في المهور وإن لم يرد دليل من الشرع على تحديده بحدّ أعلى، فقال : ((خير الصداق أيسره))[1]. فإن المغالاة في المهور وتكاليف الزواج الباهظة تقف حائلاً أمام الزواج وعائقًا للزواج وسببًا في عنوسة النساء وتكدّسهن في المنازل وتعطيل لكثرة الحرث والنسل وتفويت وضياع للنساء ومخالفة لما أرشدنا إليه المشرع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
ومن الحقوق الواجبة للزوجة على زوجها النفقة، وهي حق يترتب على عقد الزواج، ويشمل كل ما تحتاج إليه الزوجة من الطعام وال+وة والسكنى، وهو أمر يختلف باختلاف حالة الزوج يسارًا وفقرًا، فقال تعالى: لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا ءاتَاهُ ٱللَّهُ لاَ يُكَلّفُ ٱللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا ءاتَاهَا [الطلاق:7]، ولا يمنع أن تساعده هي إذا كان لها مورد من مال أو راتب.
ومن الحقوق أيضًا العدل والمعاشرة الحسنة، فعلى الزوج أن يراعي العدل في معاملة زوجته، وأن يحسن عشرتها في أقواله وأفعاله وتصرفاته، فيغمرها بحسن خلقه وجميل أدبه وكريم رعايته لقول الله تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ [النساء:19]، وقوله : ((خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي))[2]، فلا يحق له أن يسمعها البذيء والفحش والتقبيح والتبرم وتعمد الإساءة إليها بالكلام بما يجرح كرامتها، وأن لا يكون معها غليظًا، ولا ي+ر نفسها بالحط من منزلتها وإهانة كرامتها وتحطيم معنويتها أو العبوس في وجهها أو التكدير عليها أو ضربها في غير مبرر منصوص عليه.
وإذا تزوج أكثر من واحدة فعليه العدل والتسوية بينهن فيما لهن من حقوق النفقة وحسن الكلام وطيب المعاملة ولطف العشرة، أما الميل القلبي فهذا مما لا طاقة له به ولا يؤاخذ عليه، فقد كان رسول الله يقسم بين زوجاته فيعدل ويقول: ((اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك))[3]، يعني بذلك ميل القلب في الحبّ والمودة، فهو أمر بيد الله جل وعلا، ولا حرج فيه إن شاء الله تعالى.
فاتقوا الله عباد الله، واحفظوا حقوق النساء عليكم، وتلطفوا معهن، واذكروا دومًا وصية رسول الله بالنساء حيث قال: ((إنما النساء عندكم عوان ـ أي: أسيرات ـ أخذتموهن بأمانةِ الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، فاتقوا الله في النساء، واستوصوا بهن خيرًا))[4]، فالله الله في العض بالنواجذ على هذه الوصية.
وإياكم والحيف وعدم العدل بين النساء، فإن ذلك يؤدي إلى الندامة في الدنيا والآخرة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله قال: ((من كانت له امرأتان فلم يعدل بينهما جاء يوم القيامة وشقه ساقط))، وفي رواية: ((جاء يوم القيامة أحد شقيه مائل))[5]، اللهم إنا نسألك السلامة والعافية.
فبئس الرجل يظلم أهله ويتخلق بأخلاق الجاهلية باحتقار المرأة وظلمها، ونعم الرجل يسير على السياسة الحكيمة التي رسمها الإسلام، فبها تستقيم البيوت والأسر، ويسود الوئام والتفاهم، وتعم البركة، ويتربى الأولاد تربية صالحة، وتصلح البيت، وتتّسم بالرفق واللين والسماحة والمحبة والمودة والخير.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وَمِنْ ءايَـٰتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوٰجًا لّتَسْكُنُواْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً [الروم:21].
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وسيرة نبيه ، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
[1] أخرجه الحاكم في المستدرك (2/182) وقال: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي.
[2] رواه الترمذي في المناقب، باب: فضل أزواج النبي (3892)، والدارمي (ص292)، وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح".
[3] رواه أبو داود في النكاح، باب: في القسم بين النساء (2134)، والترمذي في النكاح، باب: ما جاء في التسوية بين الضرائر (1140)، والنسائي في عشرة النساء (7/64)، وصححه الحاكم (2/187)، ووافقه الذهبي.
[4] جزء من حديث في وصية رسول الله في حجة الوداع, رواه الترمذي في التفسير، باب: ومن سورة التوبة (3087).
[5] رواه أبو داود في النكاح، باب: القسمة بين النساء (2132)، والترمذي في النكاح، باب: ما جاء في التسوية بين الضرائر (1141)، والنسائي في عشرة النساء (7/64)، وصححه الحاكم (2/187)، ووافقه الذهبي.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي أتم علينا نعمه وأكمل لنا الدين، وشرع لنا من الحقوق والواجبات ما تستقيم به حياة الأسر والزوجات والبيوت والجماعات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله خير البرية وأهداها، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن سار على هديهم واتبع نهجهم إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا.
أما بعد: عباد الله، اتقوا الله تعالى، واعلموا أن الإسلام لم يقف عند بيان الحقوق والواجبات فقط، بل يدفع بالإنسان لاستجاشة مشاعر الصدق والمحبة والودّ والإلفة في نفسه، وطلب منه أن يرد مقابلة السيئة بالحسنة مهما كان الحال والأمر، حتى يعيش البيت في جو من السعادة والطمأنينة، فقال الله تعالى: ٱدْفَعْ بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ [فصلت:34]، إنه لتوجيه سام رفيع عظيم وحكيم.
بل جعل الإسلام العشرة بالمعروف فريضة على الرجال حتى في حالة كراهية الزوج لزوجته ما لم تصبح العشرة متعذرة، فقال الله تعالى في كتابه العزيز الكريم: وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ ٱللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا [النساء:19].
وكل ذلك حتى لا تكون العلاقة الزوجية ريشة في مهبّ الرياح تتأثر بأدنى النزوات وأقل التصرفات وأصغر الكلمات، ولذلك قال معلم البشرية وهاديها عليه الصلاة والسلام: ((لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقًا رضي منها آخر))[1].
إنه لحق ورب الكعبة، وعلى الزوجة فهم ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: ((لو أمرت أحدًا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها))، وما أعظم قول الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه لرجل أراد أن يطلّق زوجته لأنه لا يحبها، فقال له: (ويحك، وهل كل البيوت تبنى على الحب؟! فأين الرعاية؟! وأين الذمم؟!).
ألا فاتقوا الله عباد الله، واحذروا الكلام الرخيص الذي ينعق به المتحذلقون باسم الحب، واستمسكوا بعقيدتكم الإسلامية التي فيها مصالح العباد في الدنيا والآخرة ورابطة المودة والمحبة بين الزوجين الواردة في كتاب الله جل وعلا، وليحسن الرجل قيادته لمن استرعاه الله فيهم، وليتق الله في ذلك، وليعلم أنه موقوف ومسؤول أمام الله جل وعلا وبين يديه عن هذه الرعية، وعمن ولاه الله عليهم، فليحسن التربية والتوجيه والإرشاد ومعاشرة زوجته بالمعاشرة التي أمره الله بها، وفي مقدمة ذلك تعليمهم القرآن والسنة وتخصيص جزء من وقته من ليل أو نهار لذلك.
وتعليمهم أمور دينهم ومتابعتهم وحثهم ومراقبتهم حتى يستقيموا على دين الله أمر مهمّ واجب عليه ومتحتّم، ذلك براءة لذمته يوم الوقوف بين يدي الله جل وعلا كما قال الله تعالى عن ذلك اليوم العظيم: يَوْمَ يَفِرُّ ٱلْمَرْء مِنْ أَخِيهِ وَأُمّهِ وَأَبِيهِ وَصَـٰحِبَتِهُ وَبَنِيهِ لِكُلّ ٱمْرِىء مّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ [عبس:34-37]، وكما قال الله تبارك وتعالى عن ذلك اليوم: وَلاَ يَسْـئَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ ٱلْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ وَصَـٰحِبَتِهِ وَأَخِيهِ وَفَصِيلَتِهِ ٱلَّتِى تُـوِيهِ وَمَن فِى ٱلأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنجِيهِ [المعارج:10-14]، فليربِ كل واحد منا زوجته وأولاده على طاعة الله تعالى وتذكيرهم وتخويفهم بالله جل وعلا والخوف من الله والرجاء فيما عنده والله المستعان، ثم الدعاء لهم بالهداية والتوفيق والصبر على ذلك حتى يلقى الله جل وعلا، نسأل الله للجميع الهداية والتوفيق.
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله الطيبين، وارض اللهم عن خلفائه الأربعة، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
[1] رواه مسلم في الرضاع، باب: الوصية بالنساء (1469).
| |
|