molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: الأخوة الإسلامية - داود بن أحمد العلواني السبت 5 نوفمبر - 9:14:27 | |
|
الأخوة الإسلامية
داود بن أحمد العلواني
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي جعل المؤمنين إخوة في الإيمان، ورد أنساب الناس إلى أبوين اثنين ليجعل الأسباب قائمة لعقد هذه الصلات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله المبعوث إلى جميع الإنس والجان؛ ليتعبّدهم إلى الله الواحد الديان، اللهم صل على محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين وسلم تسليمًا.
أما بعد: أيها الإخوة في الله، اتقوا الله، واعلموا أن الله سبحانه وتعالى خلق البشر وجعل أساس العلائق بينهم تقوم على أساس التعارف والأخوة وتوثيق الصلات برابطة الدين، فإنها من أقوى الروابط وأسماها، لأنها لا تفرق بين إنسان وآخر إلا بميزان التقوى، والتقوى مركزها القلب، يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((التقوى ها هنا)) قالها ثلاثًا ويشير إلى صدره لعظَم شأنها، فقال الله جل شأنه: يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَـٰكُم مّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَـٰكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَـٰرَفُواْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ٱللَّهِ أَتْقَـٰكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [الحجرات:13]، وقال الله تعالى: إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10].
وهكذا أيها الناس، فالدين الخالص هو أساس أخوة وثيقة تؤلّف بين أتباعه في مشارق الأرض ومغاربها، وتجعل منهم على اختلاف الأمكنة والأزمنة وحدة متراسِخة سامقة البناء، حيث يعيش الناس في ظل هذه الأخوة الإيمانية وكأنهم أغصان انبثقت من دوحة واحدة، أو جسد واحد بأعضاء متعدّدة، وهو مصداق قول الرسول الكريم : ((مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى))[1]. إنه مثل رائع سامٍ كبيرُ القدر عظيم المعنى حقيق الواقع دقيق الوَصف جَمّ الفوائد، نسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يوفق ويجمع ويؤلف بين المسلمين حتى يصبحوا كالجسد الواحد.
فاتقوا الله عباد الله، وحققوا أخوة الإسلام بينكم بمحبة الخير لبعضكم البعض، وإفشاء السلام فيما بينكم، والتعاون والتواصي والحرص على فعل كل الأسباب التي تقوي ذلك وتنميه، واجتنبوا كل الأسباب التي تضعف ذلك وتباعد بين المسلم وأخيه وتوهن أو تنقص وتضعف من رابطة الإخاء الكريمة التي أمر الله تبارك ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم بها.
واعلموا ـ أيها الإخوة ـ أن لهذه الأخوة الإيمانية علامات لا بد أن تظهر في السلوك والمشاعر والإحساس والكتاب والكلام:
فمن علامات الأخوة أن يعرف حقوق إخوَتِه ومصالحهم عنده، ويبادر إلى تأديتها، وأن يشعر بالألم والحزن لأيّ مصيبة تقع بهم، ويندفع إلى كشف ذلك عنهم بحدود طاقته، قال رسول الله : ((المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرّج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة))[2]. والستر خلاف التستّر أو قلب الحقائق أو المداهنة أو المحاباة أو الدفاع بالباطل أو السكوت عن الحق أو المجاملة فيه.
ومن حق الأخوة وعلاماتها أن يشعر المسلم بأن إخوانه ظهير له في السراء والضراء، وأن قوته لا تتحرك في الحياة وحدها إلا إذا تساندت مع قوى إخوانه المؤمنين، لذا كان من الواجب أن يعمل من أجل هذا التساند ليشدّ من أزر نفسه وإخوانه لقوله : ((المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا))[3]، وفي بعض الروايات: وشبك بين أصابعه صلى الله عليه وآله وسلم.
ومن مظاهر الأخوة وجود التناصر بين المسلمين من أجل إحقاق الحقّ وإزهاق الباطل وردع المعتدي وإجارة المهضوم ونصرة المظلوم، فلا يجوز خذلان المسلم وتركه وحده في المعترك، بل لا بد من الوقوف بجانبه على أيّ حال لإرشاده إن ضلّ، وحجزه إن تطاول، والدفاع عنه إن هوجم واستبيح، وهذا معنى قوله : ((انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا))[4]، ونصرته إذا كان ظالمًا ردعُه عن ظلمه بأن تردَعه عن الظلم فلا تتركه يتمادى فيه وحتى يثوب إلى رشده ويقلع عن غيه.
ومن علامات الإخاء الصحيح مراعاة هذا الإخاء حتى لا يعدو عليه ما يكدره، فلا يجوز لمسلم أن يسبب لأخيه قلقًا أو تخويفًا أو هلعًا أو فزعًا أو كل ما يؤدّي إلى إيذاء أخيه والاعتداء عليه، ولهذا قال رسول الله : ((من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه، حتى وإن كان أخاه لأبيه وأمه))[5]. فحذار ـ أخي المسلم ـ من الاعتداء على أخيك، فكما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((كل المسلم على المسلم حرام؛ دمه وماله وعرضه)) الحديث.
وبهذا الإخاء الصحيح الخالص إخاء العقيدة السلفية الصافية الصادقة الخالصة لوجه الله تعالى لا إخاء المنافع والغايات الدنيا قامت أواصر وروابط الأخوة في الله أوّل مرة، وبها قامت دولة الإسلام دون تفريق في الجنسيات والإقليميات والعلاقات بين القاطنين والوافدين، ودون تفريق بين الأنساب والأحساب والأجناس، وإنما على التباذل في ذات الله تعالى والإيثار والسماحة والمساواة وتبادل الاحترام والحب وإسداء المعروف، وكما ورد عن رسول الله : ((سبعة يظلهم الله تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله)) وذكر من السبعة: ((رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه)). والمحبة في الله من أوثق عرى الإيمان، نسأل الله تعالى أن يرزقنا ذلك.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وَٱلَّذِينَ تَبَوَّءوا ٱلدَّارَ وَٱلإيمَـٰنَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِى صُدُورِهِمْ حَاجَةً مّمَّا أُوتُواْ وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ [الحشر:9].
نفعني الله وإياكم بالقرآن الكريم، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
[1] رواه البخاري في الأدب، باب: رحمة الناس والبهائم (7/77)، ومسلم في البر والصلة، باب: تراحم المؤمنين وتعاطفهم (2586).
[2] رواه البخاري في المظالم، باب: لا يظلم المسلم ولا يسلمه (3/98)، ومسلم في البر والصلة، باب: تحريم الظلم (2580).
[3] رواه البخاري في المظالم، باب: نصر المظلوم، وفي الأدب، باب: تعاون المؤمنين بعضهم بعضًا (3/98)، ومسلم في البر والصلة، باب: تراحم المؤمنين وتعاطفهم (2585).
[4] رواه البخاري في المظالم، باب: انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا (3/98).
[5] رواه مسلم في البر والصلة (2616).
الخطبة الثانية
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين وسلم تسليمًا.
أما بعد: فيا عباد الله، لقد صحّ عن رسول الله من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: ((إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسّسوا، ولا تجسّسوا، ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانًا، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره، التقوى ها هنا، التقوى ها هنا، التقوى ها هنا ـ ويشير إلى صدره ـ بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام: دمه، وعرضه وماله، إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم))[1]، إنه وصف دقيق بالغ الأهمية وعظيم المعنى. وقال أيضًا صلى الله عليه وآله وسلم: ((حق المسلم على المسلم ست))، قيل: ما هن يا رسول الله؟ قال: ((إذا لقيتَه فسلِّم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشمّته، وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتبعه))[2]. إنها حقوق عظيمة القدر كثيرة الأجر، اللهم وفقنا إلى أداء حقوق إخواننا المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم آمين.
وهكذا أيها الإخوة المؤمنون، قد حذّرنا رسول الله من الرذائل التي تناقض آداب الأخوة وشرائطها، وتؤدّي إلى صدع القلوب وجفاف عواطف الود منها، كما بين عليه أفضل الصلاة والسلام حقوق الأخ على أخيه في المجتمع المتحابّ في الله والملتقي على شعائر الإسلام الذي تقوم فيه رابطة إخاء العقيدة مقام إخاء النسب، محبة لله تعالى، في الله، ومن أجله.
فاتقوا الله عباد الله، اتقوا الله أيها الإخوة المؤمنون، وأدّوا ما أوجب الله عليكم من حقوقِه وحقوق إخوانكم من المسلمين ومن المؤمنين، وتخلّقوا بآدابِ الإسلام، فإنّ التخلّقَ بها سبب الخيرِ والفلاح والفوز والنّجاح والبركات، والإعراضُ عنها سبَبٌ للشرور والمهلكات عياذًا بالله تعالى.
ألا وصلوا ـ عباد الله ـ على معلم البشرية الخير، فقد أمركم الله بذلك حيث قال: إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].
اللهم صلّ وسلّم على عبدك ورسولك محمد نبيّ الرحمة والهدى، وارض اللّهمّ عن أصحابه أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين...
[1] رواه البخاري في الأدب، باب: ما ينهى عن التحاسد والتدابر (7/88)، ومسلم في البر والصلة، باب: تحريم الظن التجسس والتنافس (563).
[2] رواه مسلم في السلام، باب: من حق المسلم على المسلم رد السلام (2162).
| |
|