molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: أم الخبائث - داود بن أحمد العلواني السبت 5 نوفمبر - 8:55:59 | |
|
أم الخبائث
داود بن أحمد العلواني
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي كرّم بني آدم وميزه بالعقل على سائر المخلوقات، وأرشده إلى ما فيه صلاح دينه ودنياه، وحرم عليه كل ما يضره، فزجره عنه ونهاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، الموصوف في القرآن ومن قبل في التوراة والإنجيل بأنه يحل لأمته الطيبات ويحرم عليهم الخبائث، فصلِّ اللهم على محمد عبدك ورسولك وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فيا عباد الله، إنه غير خاف عليكم ما أصاب المسلمين من ن+ة وانحطاط بسبب المسكرات وغزو الكفار لديار المسلمين بصب المسكرات عليهم، ما وصل إليه المسلمون من الحالة السيئة من الانحلال الخلقي والتحلل من قيود الدين، حتى تهاونوا بالصلوات والصيام وال+اة وفشت فيهم المنكرات.
وإن من أقبح هذه المنكرات وأخبثها شرب الخمور وسائر المسكرات، فإنها أم الخبائث وأصل الفواحش ومنبع الرذائل، ولهذا شدد الله في تحريمها فأمر بتجنبها على الإطلاق، وبين لنا أنها سلاح الشيطان لغوايتنا، وبين لنا أنها مصدر العداوة والوقيعة والبغضاء والصد عن ذكر الله جل وعلا وعن الصلاة، فقال الله تعالى: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلاْنصَابُ وَٱلاْزْلاَمُ رِجْسٌ مّنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَـٰنِ فَٱجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱلشَّيْطَـٰنُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَاء فِى ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَعَنِ ٱلصَّلَوٰةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ [المائدة:90، 91].
وكذلك فإن نبينا ومعلمنا ومرشدنا قد بين لنا تحريم شربها واستعمالها وعصرها أو مجالسة شاربيها أو مسايرتهم في ذلك، واعتبرها كبيرة من الكبائر المهلكة حيث وضع لنا فيها حدًا لمرتكبها واستحقاقه اللعن والطرد من رحمة الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((لعن الله الخمر وشاربها وساقيها ومبتاعها وبائعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه))[1]، وقد جاء عن رسول الله أنه قال: ((إن على الله عهدًا لمن يشرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال))، قالوا: يا رسول الله، وما طينة الخبال؟ قال: ((عرق أهل النار ـ أو ـ عصارة أهل النار))[2].
فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن الله سبحانه وتعالى لم يحرم علينا الخمر إلا لما فيها من الضرر البالغ على الدين والعقل والنفس والمال والأهل، وإن كان يجب علينا ـ أيها الإخوة المسلمون ـ الانقياد لطاعة أمر الله ورسوله سواء عرفنا الحكمة من ذلك أم لم نعرف، ولكننا بمعرفة بعض الحِكم من ذلك نزداد يقينًا بعظمة هذا الدين الحنيف ومحاسنه التي بهرت العالم وسدّت ذرائع الشرور والفساد وكل طريق يوصل إلى الهلاك والدمار.
فالخمرة ـ أيها المسلمون ـ تفسد المعدة، وتسبب أمراضًا خطيرة في الكبد والكلى، وتؤدي غالبًا إلى تصلب الشرايين، إلى جانب ضررها البالغ في العقل، وهذا ملموس لكل إنسان، إذ إن الخمر تفسد التصور والإدراك وتؤدي بالمدمنين عليها إلى الجنون وتورث الأمراض المستعصية التي لم يسبق لها مثيل.
وإلى جانب ضرر الخمرة في الصحة فهي تؤدي إلى جرائم اجتماعية خطيرة كالزنا والقتل والعداوة والبغضاء في المجتمع، ومن أجل هذا سميت: أم الخبائث، فهي تفقد الرجل الغيرة والرجولة والشهامة والنخوة والالتزام بالدين، فيتردى في حمأة الرذيلة وذنب المعصية.
والأخطر من هذا كله ـ أيها الناس ـ أن الخمر تفسد الدين، إذ هي تبعد شاربها عما افترض عليه من سائر العبادات، وبالأخص ذكر الله والصلوات التي هي عماد الدين والفيصل بين الكفر والإيمان، كما قال تعالى: وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَعَنِ ٱلصَّلَوٰةِ [المائدة:91].
فاتقوا الله عباد الله، واستجيبوا لداعي الهدى، وترّفعوا عن كل ما يشوبكم ويستنقص من دينكم، واسموا بأنفسكم عن التدني والهبوط في هذه الرذيلة التي جعل الإسلام عقوبة شاربها أن يضرب بالنعال احتقارًا له وتقليلاً من شأنه وإهانة له، وكفى بها من ضعة وخيبة وهوان وضياع حياة وحسرة وندامة، كما روى البخاري عن السائب بن يزيد رضي الله عنه قال: كنا نؤتى بالشارب على عهد رسول الله وإمرة أبي بكر وصدر من خلافة عمر فنقوم إليه بأيدينا ونعالنا وأرديتنا، حتى كان آخر إمرة عمر فجلد أربعين، حتى إذا عتوا وفسقوا جلد ثمانين[3]، نسأل الله السلامة والعافية. هذا في الحياة الدنيا، وأما في الآخرة فقد قال : ((ثلاثة لا يدخلون الجنة: العاق لوالديه، والمدمن الخمر، والمنان بما أعطى))[4]، نعوذ بالله من سوء الخاتمة.
جعلني الله وإياكم ممن يستمع القول فيتبع أحسنه، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
[1] رواه أبو داود في الأشربة، باب: العنب يعصر للخمر (3674)، وابن ماجه في الأشربة، باب: لعنت الخمر على عشرة أوجه (3380) من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما.
[2] رواه مسلم في الأشربة، باب: بيان أن كل مسكر خمر (2002).
[3] رواه البخاري في الحدود، باب: الضرب بالجريد والنعال (8/13).
[4] جزء من حديث رواه النسائي في ال+اة، باب: المنان بما أعطى (5/80).
الخطبة الثانية
الحمد لله الكريم الوهاب، غافر الذنب قابل التوب شديد العقاب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه.
أما بعد: فيا عباد الله، اتقوا الله، واعلموا أنه صح موقوفًا عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه قال: (اجتنبوا الخمر؛ فإنها أم الخبائث، إنه كان رجل ممن خلا قبلكم تعبّد فعلقته امرأة غوية، فأرسلت إليه جاريتها فقالت له: إنا ندعوك للشهادة، فانطلق مع جاريتها فطفقت كلما دخل بابا أغلقته دونه، حتى أفضى إلى امرأة وضيئة عندها غلام وباطية خمر، فقالت: إني ـ والله ـ ما دعوتك للشهادة، ولكن دعوتك لتقع عليَّ أو تشرب من هذه الخمرة كأسًا أو تقتل هذا الغلام، قال: فاسقيني من هذا الخمر كأسًا، فسقته كأسا قال: زيدوني، فلم يرم حتى وقع عليها وقتل النفس، فاجتنبوا الخمر، فإنها ـ والله ـ لا يجتمع الإيمان وإدمان الخمر إلا ليوشك أن يخرج أحدهما صاحبه)[1].
فاتقوا الله عباد الله، وتيقنوا أن الخمر وسيلة وسلاح عدوكم الشيطان لإخراجكم من دينكم، واعلموا أن من شربها فقد شرب في بطنه الخبث والرجس، فإياكم ـ عباد الله ـ من الخمر، ألا فاجتنبوها، وتوبوا إلى الله ـ أيها المؤمنون ـ لعلكم تفلحون، فإن الخمر خبيثة نتنة قذرة ومستقذرة مفحشة وفاحشة، فكم داست من كرامة وأهانت من معنويات وحطّمت من رجولة وأفقدت من فضيلة، كم فرّقت من أسر وخرّبت من بيوت وشتّت من شمل وضيّعت من مال وانتهكت من عرض وأوقعت من فتن وسببت من عقوق وشرّدت من أصناف الناس ما الله به عليم.
فكفى بها أنها أم الخبائث، حرمها الله جل وعلا وحرمها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لضررها الخطير وشرها المستطير، وهي كبيرة من الكبائر، موبقة من الموبقات، فالله الله ـ يا عباد الله ـ في البعد عنها وعن متعاطيها، وليتّق الله امرؤ خالط الإيمان بشاشة قلبه مقارفتها أو مجالسة أهلها، والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
[1] رواه النسائي في سننه في الأشربة، باب: ذكر الآثام المتولدة عن شرب الخمر من ترك الصلوات (8/315).
| |
|