molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: نعمة الدين وفساد الحضارة الغربية - حمزة بن فايع الفتحي الخميس 3 نوفمبر - 7:07:21 | |
|
نعمة الدين وفساد الحضارة الغربية
حمزة بن فايع الفتحي
الخطبة الأولى
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب: 70 ، 71].
إخوة الإسلام، هل تأمل أحدكم حال الناس بغير دين؟ وكيف اجتاحتهم الظلمات ومزقتهم النعرات؟! لقد هلكت الأمم بإعراضها عن منهج الله تعالى، ولقد شقيت شقاءً قطع أسباب الفوز والفلاح والسعادة. لقد بلغ الغرب الكافر أَوجَ الحضارة وقمة المدنية، وحاول صناعة الحياة والسعادة، ولكنه قتل الإنسان؛ إذ جعله يسير بغير دين، وإن تلبس بدين تلبس بخرافات وتفاهات وشهوات، وادَّعوا أنهم أمنَة الإنسان ومصدر حياته وحريته، ومع علومهم الحضارية المتسعة إلا أنها لم تبلِّغهم سر الحياة، وما هدَتهم إلى درب النجاة، فالأمر كما قال تعالى: يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ [الروم: 7].
أدهـى من الجهل علمٌ يطمئن إلَى أنصاف أناسٍ طغَوا بالعلم واغتصبوا
قالـوا هم البشرُ الأرقى وما أكلوا شيئًا كما أكلوا الإنسانَ أو شربـوا
لقد أكلوا الإنسان وقتلوا فطرته ودمروا إنسانيته؛ بحرمانه من الدين القويم والصراط المستقيم، فها هو الإنسان الغربي يعيش في رياض الحضارة وقد هدّته آثار التعاسة وحفته أركان الشقاء والكآبة ظن الحياة السعيدة في التحرّر من القيود وامتلاك زمام الحرية والانفتاح، فصار يأكل الشهوات أكلاً، ويلتهم اللذات التهامًا، معتقدًا تحقيق الارتياح والظفر بحياة الرخاء والفلاح، فكان من جراء هذا المسلك اشتداد الظلمة وتضخم الحسرة وازدياد البلايا والأنكاد.
فغير خافٍ على عقلاء المسلمين ما تعُجّ به الحياة الغربية من التعاسة المطبقة والشهوة القتالة والفساد المدمر والانتحارات الدائمة مع ما حصل لهم من حضارة زاخرة وازدهار دنيوي، ولكن كما قال الله تعالى: لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الغَافِلُونَ [الأعراف: 179]. لقد اجتاحوا العالم بحضارتهم المذهلة، واجتاحتهم الغفلة لما حاربوا الدين وأعرضوا من منهج الله وركنوا إلى الحياة الدنيا، أولئك هم الغافلون.
لم تكن غفلتهم هينة لما بغَوا في الأرض وكذبوا بدين الله، ولم تكن الغفلة يسيرة لما سلبوا الإنسان حقوقه، ولم تكن الغفلة يسيرة لما نزلوا أحط من البهائم وصاروا بمنزلة من لا يفقه ولا يسمع، إنها لغفلة شديدة، قال تعالى: وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ [الملك: 10].
معاشر المسلمين، لقد كانت بعثة رسولنا رحمةً للناس، لمت شملهم، وأحيَت قلوبهم، وجمعَت حطامهم، فأ+بتهم السعادة والنضرة والحياة الطيبة، وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ [الأنبياء: 107].
لقد كانت الحياة قبل المبعث ضلالاً مبينًا وجحيمًا قاتمًا لا يوصف، عُبدت الأهواء، وتسلطت الشهوات، وتاهت العقول، وديست كرامة الإنسان، فكانت هذه الرسالة للناس ميلادًا جديدًا وحياةً بهيجة، أشرقت لها الدنيا وأضاء الكون واخضرَّ الوجود، قال تعالى: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى المُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ [آل عمران: 164].
قد كـانت الأيـامُ قبل وجودنـا روضًـا وأزهـارًا بغيْر شَميـمِ
بل كـانت الأيـامُ قبل وجودنـا ليـلاً لـظـالمهـا وللمظلـومِ
لَمـا أطـلَّ محمـدٌ +ـتِ الرُّبى واخضرَّ فِي البستـان كلُّ هشيمِ
وأذاعت الفردوس مكنـونَ الشذا فإذا الـورى في نضـرةٍ ونعيـمِ
ولكي تدركوا عظمة الدين على الشعوب تأملوا ما حلَّ في ديار الإسلام من أمن وأمان وسلامة ورخاء، وانظروا إلى أمم الكفر عندما عاشوا بغير دين، صاروا مثل البهائم بل أحط، ومثل الجمادات بل أشد، ومثل التائهين بل أضل.
قال تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ [محمد: 12]. هذه حقيقة قرآنية تكشف أن الكفار في حياتهم كالبهائم والأنعام، ليس لهم أهداف، ولا تحوطهم غايات نبيلة، وإنما يسعون للأكل واللذة والشهوة، سمت عقولهم لتحصيل المال وزجّه لمطالب النفوس والبطون، والعياذ بالله.
أيها المسلمون، لا ننكر تقدم الغرب مدنيا، ولكننا نثبت إفلاسه روحيًا وتدهوره عقائديًا، فلقد حارب الدين ليعبد الشهوة، وشُغف بحب المال، وانحرف من النصرانية المحرفة إلى المادية الجامحة بكل معانيها، ونظروا للكون على أنه لا خالق له ولا مدبر.
يقول الشيخ أبو الحسن الندوي رحمه الله في كتابه الفذ: (ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين): "فمما لا شك فيه أن دين أوروبا اليوم الذي يملك عليها القلب والمشاعر ويحكم على الروح هو المادية لا النصرانية، كما يعلم ذلك كل من عرف النفسية الأوروبية واتصل بالأوروبيين عن كثب لا عن كتب، بل وعن كتب أيضًا، ولم ينخدع بالمظاهر الدينية التي تزيد في أبهة الدولة، والتي يجد منها الشعب ترويحًا للنفس وتنوعًا، لم ينخدع بزيارتهم للكنائس وحضورهم في تقليدها".
أيها الإخوة، لا حياة للبشرية بغير الإسلام، ولا مستقبل لها في ظل عبادة المادة والشهوة والمال. لقد فشلت كل الأنظمة الكافرة في توفير السعادة للإنسان واستنقاذه من براثن التيه والظلم والضياع، فلقد تطورت وتقدمت في شتى مجالات الحياة، ولكنها خسرت خسارة عظيمة ببعدها عن الدين واستنكافها عن الإسلام.
أيها الإخوة، إن خسارة العالم ليست في تدهور الاقتصاد، وليست في شحّ المياه، وليست في كثرة متطلباته، إن خسارته في ابتعاده عن الدين وحرمانه من نعمة الإسلام. لقد حَرم المسلمون بانحطاطهم العالمَ من نعمة الإيمان ومن أنوار السعادة، وتركوا مسرح القيادة لمن سوّد الحياة وأفسد العقول ووأد الإنسان.
قالوا: همُ البشر الأرقى وما أكلوا شيئًا كما أكلوا الإنسان أو شربوا
لقد انحط العالم بانحطاط الأمة المسلمة وتدهوَر بتدهورها، وبات ينقاد لأهواء البشر لمّا هان المسلمون وتباعدوا عن شريعة ربهم، قال تعالى: وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ [الحج: 40].
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين...
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
عباد الله، لقد اغتر كثير من أبنائنا وشبابنا بالحضارة الغربية، وذهبوا يغوصون فيها، جاعلينها قبلتهم، ومتخذينها قدوتهم، يعظمون مفاخرها، ويبرزون أمجادها، ويتعلقون بجمالها، متناسين إفلاس هذه الحضارة دينيًا وأخلاقيًا، وهل يفلح الجمال بلا دين؟! وهل تستقيم الحضارة بلا أخلاق؟!
تأملوا ما هم فيه من ويلات؛ ذهابُ الدين، وفقدان الأمن، والحيرة المستديمة، والطبقية العابثة، والتمزق الاجتماعي، والانحراف الأخلاقي، وحوادث القلق والظلم والاعتداء، ودوامة لا تنتهي لأنهم عبدة الرقيِّ المادي، الجاحدون للرب وللدار الآخرة، وَقَالُوا مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ وَمَا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ [الجاثية: 24].
أخزى الله حضارة لا تؤمن بربها، ولا تهتدي بهداه، ولا تعرف سبيله، إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً [الفرقان: 44].
إخوة الإسلام، اشكروا ربكم على نعمة الإسلام وعلى حلاوة الإيمان، فإنكم على الهدي المبين والطريق المستقيم، إنكم على جادة الطريق ولو حصل الضعف، إنكم الناجون ولو دبّت الهزيمة، إنكم الفائزون ولو عظم الباطل، وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ [آل عمران: 139].
ما دمتم على الإيمان فليس ثمة حزن، وما دمتم مع الله تُهرَعون إليه فليس ثمة هوان، الله مع+م وناصركم، قال تعالى: فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ المُؤْمِنِينَ [الروم: 47].
لقد أصلح النبي اعوجاج الحياة بطائفة مؤمنة قليلة، صحَّ إيمانهم، وصدق توكلهم، وتم استعدادهم، ولم تكن لهم قوة ساحقة كقوة الإيمان الذي رسّخ جذور هذا الدين، ومد ظلاله في كل مكان، وتسلط على كل ظالم باغ. ولتدركوا ذلك طالعوا أحداث السيرة النبوية ومدارج النصر والظهور التي مرت بها هذه الفئة المؤمنة لإقامة دين الله، واستمعوا لهذه المقولة التي فاه بها رجل في غزوة بدر، وكان من فرسان المشركين، وهو عمير بن وهب، فلقد أرسلته قريش للتعرف على مدى قوة جيش المدينة، فدار عمير بفرسه حول العسكر، ثم رجع إليهم فقال: "ثلاثمائة رجل يزيدون قليلا أو ينقصون، ولكن أمهلوني، أنظر أللقوم كمين أو مدد؟"، فضرب في الوادي حتى أبعد فلم يرَ شيئًا، فرجع إليهم فقال: "ما وجدتُ شيئا، ولكن قد رأيت ـ يا معشر قريش ـ البلايا تحمل المنايا، نواضح يثرب تحمل الموت الناقع، قوم ليس معهم منَعة ولا ملجأ إلا سيوفهم، والله ما أرى أن يُقتل رجل منهم حتى يقتل رجلا منكم، فإذا أصابوا منكم أعدادكم فما خير العيش بعد ذلك؟! فَرُوا رأيكم".
أيها الإخوة، هكذا وصف صحابة رسول الله الفئة المؤمنة القليلة، يصفها بهذه القوة رجل مشرك، وكان عددهم ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً.
شهد الأنـام بفضلـه حتى العِـدا والفضلُ مـا شهدت به الأعداءُ
اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من +اها، أنت وليها ومولاها.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد...
| |
|