molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: أكل الربا- حمزة بن فايع الفتحي الخميس 3 نوفمبر - 7:07:56 | |
|
أكل الربا
حمزة بن فايع الفتحي
الخطبة الأولى
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب: 70 ، 71].
أيها الناس، تأمل رجل من المسلمين نفسه، فألفاها محرومة التوفيق ممنوعة البركة كثيرة الهموم والمنغصات، لم تزده كثرة المال إلا همًا، ولا سعة البيت إلا تعاسة، ولا زهرة الحياة إلا ضنكًا! تفكر وتعجب، فالمال غير منقوص، والبيت زاهٍ، والسيارة فارهة، فما الذي دبَّ في حياته ليحصل من سعادته شقاوة ومن فرحة أحزان متتابعة؟!
وفي ساعة من الساعات وعند صفائه وتوجهه إلى الله ذكر غضب الحياة وطريق السعادة، مادة العيش والمعنى، تذكر أنّ ماله قد مالَ للحرام، وأن تجارته قد تجر فيها الوباء والفساد، فراجع نفسه وحاسبها، فإذا المال يسير بلا تقوى وصيانة، ويُجمع بلا مراقبة، ويحرز على التواء وانحراف. وجد أن ماله قد غصَّ بالربا وتوابعه، وحُشي بالحرام ومشبهاته، ولم يكن يحسب أنه جارٍ في الحرام، وهو يرى الناس يجمعون بطرق ملتوية وسبل منحرفة، وقد أخلدوا للمعاملات الربوية والمكاسب الغوية والأموال المشبوهة، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ [النساء: 29].
أيها الإخوة الكرام، لقد تفشّت المعاملات المحرمة في أهل الإسلام، وبات الربا كبيرها وسيدها، وأصبح المسلم يأكل ولا يسأل، ويجمع ولا يتثبّت، وبتاجر ولا يتوقى؛ أعماه حبُّ المال، وأصمه طغيان الحياة، وأنساه تهالك الناس أمامه.
روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال: ((ليأتينَّ على الناس زمان لا يبالي المرء بما أخذ من المال، أمن الحلال أم من الحرام))، وعن جابر رضي الله عنه قال: لعن رسول الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال: ((هم سواء)).
أيها الإخوة، إن الله تعالى لم يجعل رزقكم فيما حرَّم عليكم، ولم يجعل سعادتكم فيما يسوؤكم، ولا غِناكم فيما يُرديكم، فلِم الانحراف في الحرام وقد أتتكم البينات؟! ولماذا الوقوع في المهالك وقد سمعتم المواعظ؟!
هل علمتم ما أعد الله لآكل الربا من عذاب شديد ونكال عسير؟! إن الله تعالى ليبعثهم من قبورهم صرعى مجانين، قال عز وجل: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ المَسِّ [البقرة: 275]. قال ابن عباس رضي الله عنهما: (آكل الربا يبعث يوم القيامة مجنونًا يُخنَق). وقد عدَّ النبي أكل الربا من الكبائر والموبقات التي تهلك الإنسان وتدمره في الدنيا والآخرة.
وهاكم صورة مفزعة لنوع من عذاب آكل الربا، ثبت في صحيح البخاري من حديث سمرة بن جندب في حديث الرؤيا أنه قال: ((إنه أتاني الليل آتيان)) وذكر الحديث، إلى أن قال: ((فانطلقنا فأتينا على نهر ـ حسبت أنه كان يقول: أحمر مثل الدم ـ، وإذا ذلك السابح يسبح ما يسبح، ثم يأتي ذلك الذي قد جمع عنده الحجارة فيفغر له فاه، فيلقمه حجرًا، فينطلق يسبح ثم يرجع إليه، كلما رجع إليه فغرَ له فاه فألقمه حجرًا))، وقيل له في تفسير ذلك: ((وأما الرجل الذي أتيت عليه يسبح في النهر ويُلقم الحجر فإنه آكل الربا)).
فهل تأمّل أكلة الربا هذا العذاب؟! لقد أحاطوا أنفسهم بلعنة الله وغضبه، وحصروها في نقمته وعذابه، فأصابهم الخسار والدمار، وحُرموا البركة وسُلبوا التوفيق، وصاروا في شقاء عريض ووحشة دائمة.
أيها الإخوة، إن أكل الربا من أعظم الكبائر وأبشعها، والتي تقضي على الإنسان وتدمّر الأمم وتفسد الحياة الاجتماعية، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [البقرة: 278 ، 279]، قال ابن عباس رضي الله عنه: (يقال يوم القيامة لآكل الربا: خذ سلاحك للحرب). وأخرج أحمد والطبري بسند صحيح عن عبد الله بن حنظله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : ((درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد من ست وثلاثين زنية)).
أيها الإخوة، إن استفحال الربا وغلبته في أموال الناس لعلامة شر ودنو عذاب مقدّر، جاء في الحديث بسند جيد عن أبي مسعود رضي الله عنه أن النبي قال: ((ما ظهر في قوم الزنا والربا إلا أحلوا بأنفسهم عذاب الله)). ومن العذاب محق البركة وحرمان التوفيق وفقدان السعادة وكثرة البلايا وفساد الاقتصاد وخراب البيوت، فالحذر الحذرَ يا عباد الله. قال قتادة رحمة الله: "إن آكل الربا يبعث يوم القيامة مجنونًا، وذلك علَم ـ أي: علامة ـ لأكَلَة الربا، يعرفهم به أهل الموقف".
معاشر المسلمين، لقد غصت حياة المسلمين المعاصرة بألوان من الربويات التي أفسدت الحياة وخرقت الأواصر وأجّجت الطمع وشحنت القلوب، ومن تلك المعاملات الاقتراض من المؤسسات بفائدة صريحة، كأن يقول له: نقرضك عشرين ألفًا على أن تسدّد اثنين وعشرين ألفًا، أو يقرضه مبلغًا من المال ويجعل له أجلاً، فإن حضر الأجل ولم يسدّد زاد عليه، وهكذا حتى يتضاعف، وذلك هو ربا الجاهلية المحرم بإجماع المسلمين.
ومن ذلك بيع العينة؛ وهو أن يشترى أو يبيع التاجر سلعته مؤجلة على شخص ثم يشتريها منه نقدًا بأقل مما باع. وقد ورد في تحريمها حديث رواه أحمد في مسنده بسند صحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي قال: ((إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم بأذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه منكم حتى ترجعوا إلى دينكم)).
ومن المعاملات المنتشرة بيع السلعة قبل حيازتها، والنبي قد قال لحكيم بن حزام: ((لا تبع ما ليس عندك))، ونهى أن يبيع التجار السلع حتى يحوزوها إلى رحالهم، وقد اعتبر بعض العلماء هذه المعاملة نوعًا من العينة المحرمة.
فاتقوا الله عباد الله، وكلوا من الطيبات، وخذوا حذركم، واحفظوا أموالكم من الخيانة والموبقات، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك وبفضلك عن سواك.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم به، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها المسلمون، هل تذكرتم مصادر أموالكم وسلامتها من الربا والمحرمات؟! وهل سعيتم في طلب الطيبات؛ لتدوم لكم السعادة وتشع فيكم البركة وتصيبون مرضاة الله ومحبته؟!
إن طلبكم للطيبات سبب لمحبة الله ورضائه عنكم، وطريق لفلاحكم وإجابة دعائكم. إن كثيرًا من المسلمين يدعو ويدعو ويرفع يديه ولا يستجاب له، فلماذا ذلك؟! إنه بسبب أكل الحرام والربا. روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((أيها الناس، إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ [المؤمنون: 51]، وقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ [البقرة: 172]))، ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعت أغبر، يمدّ يديه إلى السماء: يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذِي بالحرام: ((فأنى يستجاب لذلك؟!)).
فاتقوا الله يا مسلمون، وخذوا حذركم، فإن أكل الربا حرب لله ولرسوله، وأذان بنزول العذاب وشيوع المفاسد الاجتماعية والأخلاقية التي تشتت المجتمع وتقوِّض أركانه.
قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ [البقرة: 278، 279].
اللهم وفقنا للطيبات، وجنبنا الربا والمحرمات. اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق والأفعال والأقوال، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها، لا يصرف عنا سيئها إلا أنت.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنا مطمئنًا وسائر بلاد المسلمين...
| |
|