molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: علي بن أبي طالب - حمزة بن فايع الفتحي الخميس 3 نوفمبر - 7:21:39 | |
|
علي بن أبي طالب
حمزة بن فايع الفتحي
الخطبة الأولى
أيها الناس، هل تأملتم الجيل الفريد؟ وهل عاش بعضُكم أخبارهم وآثارهم؟ وهل استطعمتم حياتهم البهيجة بالإيمان والهدى والنور؟! كان ابن المبارك رحمه الله يكثر الجلوس في بيته، فقيل له: ألا تستوحش؟! فقال: كيف أستوحش وأنا مع النبي وأصحابه؟! وكان يقول رحمه الله: خصلتان من كانتا فيه نجا: الصدقُ وحب أصحاب محمد .
هَلُموا ـ يا مسلمون ـ إلى حديقة وارفةٍ بالإيمان مزدهرة باليقين مزدانة بالعلم، قد تغشتها البطولة وسماها الجد والبذل، لا تعرف الذبول ولا تخضع للتغير والانهيار، حديقة بناها الإيمان وسقاها القرآن ورباها المختار عليه الصلاة والسلام.
إنه الجيل الفريد والرعيل الزاكي المجيد الذي ما عرفت البشرية أعظم منه، ولا شاهدت أ+ى منه، ولا سمعت بأحسنَ منه، رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الفَوْزُ العَظِيمُ [المائدة: 119]. تعالَوا إلى سيرة البطل المجاهد والإمام الفقيه والحكيم الزاهد ممن مات النبي وهو راضٍ عنه، وقال كما في صحيح البخاري: ((أنت مني وأنا منك))، ولما خرج إلى تبوك خلَّفه على النساء والصبيان وقال له مسلِّيا: ((ألا ترضى أن تكون منى بمنزلة هارون من موسى؟! إلا أنه ليس نبي بعدي)) أخرجاه. فأي شرف بعد هذا؟! وأي مكرمة تُطلب بعد هذا الفضل والكرم؟!
ذلكم ـ يا مسلمون ـ علي بن أبي طالب رضي الله عنه. هل سمعتم بأول فدائي في الإسلام؟! وهل رأيتم غلاما يُضحّي بنفسه لله ورسوله؟! لقد وضع هذا البطل الشجاع نفسه على سرير الموت، وقدَّمها قربة لدين الله وحماية لرسول الله ، أما كان يعرف الموت ويسمع صليل السيوف؟! بلى، ولكن هانت عليه نفسه في ذات الله. شاب صغير له عواطف وطموحات، وله مباهج وأمنيات، ولكنها تلاشت عندما فاض النور عليه وتغشته حلية الإيمان، فقام متحديًا الكافرين ومخاصمًا الظالمين وحاميًا لسيد المرسلين عليه الصلاة والسلام.
فبالله عليكم، هل سمعتم بمثل هذا؟! أنجبه الإسلام والتربية الإيمانية التي محَت حبَّ الدنيا من قلبه وطهّرت روحه من كل براثن الهوى، فكان بحقٍ يُحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله.
كذبتم لعمر الله نُبزَى محمدًا ولما نطاعن دونه ونناضِـلِ
ونُسلمَه حتَّى نصرَّع حوله ونذهلَ عن أبنائنا والحلائلِ
روى الإمام أحمد في مسنده بسند حسن أن النبي قال لعلي يوم الهجرة: ((نَمْ في فراشي هذا، وتسجَّ ببردي الحضرمي الأخضر، فإنه لن يصل إليك شيء تكرهه))، فما كان من هذا الشاب المؤمن إلا المبادرة والانصياع، دون تلكؤ أو ترد، متوكلاً على الله، ومن توكل على الله كفاه.
ثم شبّ هذا الصحابي الجليل، وصَلُب عوده، وصار فارسًا بتارًا، يَهُد العمالقة، وَيفلُق هام المعاندين الفجرة.
وصلَت الأحزاب المتجمعة إلى الخندق في السنة الخامسة من الهجرة، وكانوا عشرة آلاف مقاتل، فاندهشت لما رأت من تحصّن المسلمين بالخندق، فقالوا: والله، إن هذه لمكيدة من مكائد فارس، ليس للعرب بها علم قط. فلم يحصل القتال، وإنما تراشقوا بالنبل، واستطاعت فوارس من المشركين أن تجتاز الخندق، فكان من هؤلاء فارس كبير ضخم يدعى: عمرو بن عبدود العامري، فدعا إلى النزال وقال: من يبارز؟ فبرز له علي بن أبى طالب رضي الله عنه وقال له: يا عمرو، إنك كنت عاهدتَ الله أن لا يدعوك رجل من قريش إلى إحدى خَلتين إلا أخذتها منه، قال: أجل، قال: فإني أدعوك إلى الله ورسوله وإلى الإسلام، فقال: لا حاجة لي بذلك، فقال: فإني أدعوك إلى النزال، قال: لِمَ يا ابن أخي؟! فوالله ما أحب أن أقتلك، فقال علي رضي الله عنه: لكني واللهِ أحب أن أقتلك، فحمي عمرو عند ذلك، وفي رواية: قال له عمرو: والله، ما كنت أعيش حتى أُدعى إلى النزال، فاقتحم عن فرسه وضرب وجهه، ثم أقبل على عليّ، فتنازلا وتجاولا، فقتله عليّ رضي الله عنه، فخرجت خيل الباغين منهزمة، حتى اقتحمت الخندق هاربة.
تلك ـ يا مسلمون ـ هي الشجاعة والبطولة التي يصنعها الإيمان، فتمضي قُدُمًا تشقّ الأهوال وتخترق الأبطال، قال تعالى: مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ [الأحزاب: 23].
وفي غزوة خيبر في السنة السابعة من الهجرة يغزو المسلمون اليهود، فيتحصن الجبناء في حصونهم المنيعة، فيتأخر النصر ويطول الحصار، فيبشر النبيّ أصحابه بالفتح، ويبين لهم أن النصر لن يأتي بسهولة ولا بد من قائد مؤمن صادق متوكل على الله، فذكر من صفته ما جعل الصحابة الكرام يشتاقون للإمارة تلك الليلة. ثبت في الصحيحين من حديث سهل رضي الله عنه أن النبي قال يوم خيبر: ((لأُعطين الراية غدًا رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، يفتحُ الله على يديه))، فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها، فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله كلهم يرجو أن يُعطاها، فقال: ((أين علي بن أبي طالب؟!)) فقيل: هو يا رسول الله يشتكي عينيه، قال: ((فأرسلوا إليه))، فأُتي به فبصق رسول الله في عينيه ودعا له، فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية، فقال علي: يا رسول الله، أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا، فقال: ((انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه، فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خيرٌ لك من حُمر النَّعم))، فأخذ أبو الحسن رضي الله عنه الراية، فانطلق إليهم في شجاعة وَمضاء، فخرج إليه مرحب اليهودي، فنزل يختال ويرتجز ويقول:
قد علمت خيبر أني مَرحَبُ شاكي السلاح بطل مجرَّبُ
إذا الحروب أقبلت تَلهَّبُ
فخرج له من المسلمين عامر بن الأكوع رضي الله عنه، فاختلفا ضربتين، فوقع سيف مرحب في تُرس عامر، وذهب عامر يسفل له، فرجع سيفه على نفسه فقطع أكحله ومات رضي الله عنه.
ثم بَرز له علي رضي الله عنه فقال:
أنا الذي سمتني أمي حيدره كلَيث غاباتٍ كريهِ المنظره
أوفيهمُ بالصاع كيلَ السندره
فضرب رأس مرحب فقتله، ثم كان الفتح على يديه.
هل سمعتم ـ يا شبابَ الإسلام ـ بمثل هذه البطولات؟! فدونكم الأبطال، تعلموا منهم وتشبهوا بهم، وكونوا على سبيلهم ومنهاجهم، وعيشوا على سيرهم وأخبارهم، ودعوا عنكم البطولات المزيفة، ولا تغتروا بمن يجعل السفاهة بطولة والخور شجاعة؛ ليقطعوا الأمة عن دينها ويفصلوها عن تاريخها، فتمسي وتصبح على اللهو واللعب المسمى عند هؤلاء: بطولة.
يقول الشيخ مصطفى صادق الرافعي رحمه الله: "يا شباب العرب، يقولون: إن في شباب العرب شيخوخةَ الهمم والعزائم، فالشباب يمتدون في حياة الأمم وهم ينكمشون. يا شباب العرب، اجعلوا رسالتكم إما أن يحيا الشرق عزيزًا وإما أن تموتوا. يا شباب العرب، لم يكن العسير يعسر على أسلافكم الأولين، كأن في أيديهم مفاتيح من العناصر يفتحون بها، أتريدون معرفة السر؟ السر أنهم ارتفعوا فوق ضعف المخلوق، فصاروا عملا من أعمال الخالق، غلبوا على الدنيا لما غلبوا في أنفسهم معنى الفقر ومعنى الخوف والمعنى الأرضي. يا شباب العرب، اجعلوا رسالتكم: إما أن يحيا الشرق عزيزًا وإما أن تموتوا، إما أن يحيا الإسلام عزيزًا وإما أن تموتوا".
اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من +اها، أنت وليها ومولاها.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين...
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الإخوة الكرام، إننا نشهد الله تعالى على محبة هذا الصحابي الجليل الإمام علي، فما أحبه إلا مؤمن، ولا أبغضه إلا منافق. روى مسلم في صحيحه عن علي رضي الله عنه أنه قال: (والذي فلَق الحبة وبرأ النسْمة، إنه لعهد رسول الله إلي أنه لا يحبني إلا مؤمن، ولا يُبغضني إلا منافق).
ومع حبنا له فإننا لا نغلو فيه، ولا نعطيه أكثر من حقه، ولا نخصه بثناء دون الصحابة الكرام، ونعتبره رابع الخلفاء الراشدين المهديين، وهو رابعهم في الفضل والمنزلة. وقد روي عن عمر رضي الله عنه أنه كان يتعوذ من معضلة ليس لها أبو الحسن.
أيها الإخوة، وإنكم لتشاهدون في سيرة هذا العلَم الكبير العالم المتواضع الزاهد، فقد ذُكر أنه كان يمشي في الأسواق وحده وهو خليفة، يُرشد الضال، ويعين الضعيف، ويمر بالبياع والبقال، فيفتح عليه القرآن، ويقرأ: تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوًا فِي الأَرْضِ وَلاَ فَسَادًا [القصص: 83]، ثم يقول: نزلت هذه الآية في أهل العدل والتواضع من الولاة وأهل القدرة من سائر الناس. وكان يركب الحمار، ويدلي رجليه من موضع واحد، ويقول: أنا الذي أهنتُ الدنيا. ومن مقالاته المستحسنة رضي الله عنه: (ألا وإن الدنيا ارتحلت مدبرة، وإن الآخرة قد أتت مقبلة).
ولكل واحدٍ في سيرته معالم العدل التي سبق بها الإسلام سائر الملل وفازت الأمة بالعدالة التي لا تقيم للشريف وزنًا إذا كان ظالمًا، وتحفظ حق الضعيف إذا كان مظلومًا، واسمعوا إلى هذه القصة العجيبة.
قال الشعبي رحمه الله: وجد علي بن أبي طالب رضي الله عنه درعه عند رجل يهودي، فأقبل به إلى القاضي شريح يخاصمه، قال: يا شريح، هذا الدرع درعي، ولم أبِعْ ولم أهَبْ، فقال شريح لليهودي: ما تقول فيما يقول أمير المؤمنين؟ فقال اليهودي: ما الدرع إلا درعي، وما أمير المؤمنين عندي بكاذب، فالتفت شريح إلى علي فقال: يا أمير المؤمنين، هل من بيّنة؟ فضحك علي وقال: أصاب شريح، ما لي بينة، فقضى بها شريح لليهودي، فأخذه اليهودي ثم مشى، ثم رجع فقال: أما أنا فأشهد أن هذه أحكام الأنبياء، أمير المؤمنين يُدنيني إلى قاضيه يقضي عليه، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، الدرع ـ والله ـ درعك يا أمير المؤمنين، اتبعت الجيش وأنت منطلق إلى صفين، فخرجت من بعيرك الأورَق، فقال علي رضي الله عنه: أما إذا أسلمت فهي لك، وحملَه على فرس.
أيها المسلمون، هكذا كان أسلافكم الكرام، مؤمنين في سائر شؤون الحياة، في الليل عباد، وفي النهار فرسان، ومع الناس متواضعون، يؤدون الحق الذي عليهم، وينصفون من أنفسهم، ولا يبخسون الناس أشياءهم. فهل سمعتم بمثل هذه الأخلاق؟! كلا ـ وايم الله ـ ما سمعنا بها إلا في تاريخ الإسلام المجيد الذي ضيعناه وأهملناه، وإذا ذكرناه ذكرناه على استحياء. وقد غابت أمتنا عن تاريخها، وركنت إلى دنياها، ورضيت بالذل والهوان، ولم تتصل بذلك التاريخ.
مثَلُ القوم نسـوا تاريخهم كلقيط عِيّ في الناس انتسابا
فأين من يطالع التاريخ ليتعلم منه؟! وأين من يقرؤه؟! وأين من يبلغه للأجيال؟! وأين من يعتزّ به؟! وأين من يستلهم الدروس والعبر منه؟!
فعودوا ـ يا مسلمون ـ إلى التاريخ، وعلّموه الأجيال، وقفوهم على محاسن الأبطال وآداب الرجال، فإنه من مفاخرنا أمام الأعداء.
ومن حوى التاريخ في صدره أضافَ أعمارًا إلى عمره
وصلوا وسلموا ـ يا عباد الله ـ على من أمركم الله تعالى بالصلاة والسلام عليه.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًا وسائر بلاد المسلمين...
| |
|