molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: فضل عشر ذي الحجة - حمزة بن فايع الفتحي الأربعاء 2 نوفمبر - 8:17:53 | |
|
فضل عشر ذي الحجة
حمزة بن فايع الفتحي
الخطبة الأولى
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى محمد ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ [آل عمران: 102].
معاشر المسلمين، إنكم لتلاحظون سراعَ كثير من الناس في أمور الدنيا، وتلاحظون حبهم لزهراتها وألوانها، وإنكم لتعجبون من ركضهم وراء مصالحهم ومنافعهم، في حين غفلتهم عن المنافع الباقية والكنوز النفيسة.
تحل علينا هذه الأيام، أيام مباركات وذخائر نفيسات وساعات فاضلات، أيام تضاعف فيها الأعمال وتزداد فيها الدرجات ويعظم فيها الثواب، إنها أيام عشر ذي الحجة التي أقسم الله تعالى بها تنويهًا بشأنها وإرشادًا لأهميتها: وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ [الفجر: 1، 2]، والتي قال عنها النبي كما في الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما: ((ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله منه في هذه الأيام العشر))، قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟! قال: ((ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء)).
إن هذه الأيام الفاضلة تستدعينا للجدّ والاجتهاد، فاحرصوا ـ يا مسلمون ـ على استغلالها وعمارتها بالأعمال الصالحة، وإنه لمن المؤسف أن تدخل هذه الأيام والناس في غفلة فاكهون، لا في الخيرات يسارعون، ولا عن المعاصي يقلعون، قد أهمتهم الدنيا واجتاحتهم الغفلة واحتواهم الطمع.
إن الإنسان منا لينمّي ماله ولا ينمي عمله، يزيد في غفلته ولا يزيد في درجته، يسارع في الفاني ويبطئ في الباقي!
والنـاس هَمّهـم الحيـاةُ ولَم أرَ طولَ الحياة يزيد غيرَ خَبـالِ
وإذا افتقرتَ إلى الذخـائر لم تَجد ذخرًا يكون كصالِح الأعمالِ
إن هذه الأوقات ـ يا مسلمون ـ جزء من أعماركم، وضياعها ضياع لكم وزيادة في حسراتكم.
قال أبو الفرج ابن الجوزي رحمه الله: "رأيت عموم الخلائق يدفعون الزمان دفعًا عجيبا! إن طال الليل فبحديث لا ينفع أو بقراءة كتاب فيه غزل وسمر، وإن طال النهار بالنوم، وهم على أطراف النهار على دجلة أو في الأسواق، فشبّهتهم بالمتحدثين في سفينة وهي تجرى بهم، وما عندهم خبر، ورأيت النادرين قد فهموا معنى الوجود، فهم في تعبئة الزاد والتأهب للرحيل، إلا أنهم يتفاوتون، وسبب تفاوتهم قلة العلم وكثرته بما ينفق في بلد لإقامته. فالغافلون منهم يحملون ما اتفق، وربما فرحوا لا مع خير، فكم فيكم ممن قد قطعت عليه الطريق فبقي مفلسًا، فاللهَ اللهَ في مواسم العمر، والبدار البدار قبل الفوات، واستشهدوا العلم، واستدلوا الحكمة، ونافسوا الزمان، وناقشوا النفوس، واستظهروا بالزاد، فكأنه قد حدا الحادي فلم يُفهم صوته من وقع الندم".
إخوة الإسلام، إن أيام عشر ذي الحجة أيام العمل والجد والمسارعة، وهي أيام الفوز والسعادة والفلاح، فحافظوا عليها، واعمروها بطاعة الله تعالى.
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: "السعيد من اغتنم مواسم الشهور والأيام والساعات، وتقرب فيها إلى مولاه، بما فيها من وظائف والطاعات، فعسى أن تصيبه نفحة من تلك النفحات، فيسعد بها سعادةً، يأمن بعدها من النار وما فيها من اللفحات". قال بكر بن عبد الله المزني رحمه الله: "ما من يوم أخرجه الله إلى أهل الدنيا إلا ينادي: ابن آدم، اغتنمني لعله لا يوم لك بعدي، ولا ليلة إلا تنادي: ابن آدم، اغتنمني لعله لا ليلة لك بعدي".
أيها الإخوة الكرام، يُستحب عمارة هذه العشر المباركة بالطاعات والأعمال الصالحة، ومن ذلك الصيام، فيسن صيام تسع ذي الحجة لأن النبي حضَّ على العمل الصالح فيها، والصيام من أفضل الأعمال، وقد قال عليه الصلاة والسلام كما في الحديث الصحيح: ((عليك بالصوم فإنه لا مثلَ له))، قال النووي رحمه الله: "صيامها مستحب استحبابًا شديدًا". وأما ما اشتهر عند العوام ولا سيما النساء من صيام ثلاث الحجة، ويعنون بها اليوم السابع والثامن والتاسع، فهذا التخصيص لا أصلَ له. وأما صوم يوم عرفة فهذا يتأكد صيامه لورود فضل خاص به كما في صحيح مسلم قال : ((يكفِّر السنة الماضية والسنة القابلة)).
ومن أعمال هذه العشر التكبير، فيسن فيها التكبير والتحميد والتهليل لحديث ابن عمر في المسند: ((ما من أيام أعظم ولا أحب فيهن العمل من هذه الأيام، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد))، ويستحب إظهار ذلك في المساجد والمنازل والطرقات وكل موضع يجوز فيه ذكر الله تعالى، وصفة التكبير: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد، وما شابهها من الصفات. قال في المغني: "قال القاضي: التكبير في الأضحى مطلق ومقيد، فالمقيد عقب الصلوات، والمطلق في كل حال في الأسواق وفي كل زمان".
والتكبير في هذه الأزمنة صار من السنن المهجورة، ولا سيما في أول العشر، فلا تكاد تسمعه إلا من القليل، فينبغي الجهر به في مواضعه إحياء للسنة وتذكيرًا للغافلين، وقد ثبت في صحيح البخاري معلقًا بصيغة الجزم عن ابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهم أنهما كانا يخرجان إلى السوق أيام العشر يكبّران، ويكبر الناس بتكبيرهما.
ومن أعمال العشر أداء الحج والعمرة، فقد ثبت في الصحيحين أن النبي قال: ((العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)).
ويستحب في هذه العشر الإكثار من الأعمال الصالحة مطلقًا كالصلاة والذكر وقراءة القرآن والدعاء والصدقة والبر والصلة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ومن أعمال العشرة التقرب إلى الله بذبح الأضاحي، ولا ينبغي للمسلم أن يدعها مع سعته وقدرته.
اللهم إنا نسألك فعل الخيرات...
الخطبة الثانية
الحمد الله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الإخوة الكرام، ومن الأعمال الصالحة التي يجب المبادرة بها في هذه العشر وفي كل زمان التوجه النصوح والرجوع إلى الله والإقلاع عن المعاصي والذنوب، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا [التحريم: 8]، وقال تعالى: وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [الحجرات: 11]. والتوبة في هذه الأيام طريق للفوز والفلاح؛ لأنها من مواسم الخيرات، والنفوس فيها مقبلة وتباشر أعمالاً عظيمة كالصيام والتكبير والحج والأضحية.
فسارعوا ـ يا مسلمون ـ إلى التوبة الصادقة بالكف عن المحرمات والتحلل من المظالم ورد الحقوق والبعد عن الفواحش والمشاهد الخليعة، قال تعالى: فَأَمَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَن يَكُونَ مِنَ المُفْلِحِينَ [القصص: 67].
إن التوبة إلى الله شرف العبد وعزه وكرامته، بها يسعد ويغنم، وبها يفرح ويربح، وإنها لباب عظيم من أبواب السعادة، تُنال بها الحسنات، وتُحطّ بها السيئات، ويتنزل بها الرزق، ويدوم الحظ والتوفيق، ويزول الشقاء والحزن. روى مسلم في صحيحه عن أبي موسى رضي الله عنهما أن النبي قال: ((إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيءُ النهار ويبسط يده بالنهار ليتوبَ مسيءُ الليل حتى تطلع الشمس من مغربها)).
فسارع ـ أخي رعاك الله ـ إلى طاعة ربك بالتوبة والاستغفار وكثرة خصال الخير، فإنك في زمان المهلة، واحذر التسويف والتضييع، قال الرسول كما في صحيح مسلم: ((يا أيها الناس، توبوا إلى الله واستغفروه؛ فإني أتوب في اليوم مائة مرة))، وفي الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه قال : ((للهُ أفرحُ بتوبة عبده من أحدكم سقط على بعيره وقد أضله في أرضٍ فلاة)).
فالله ـ يا مسلمون ـ يفرح بتوبة عباده، وبرجوعهم إليه، فسارعوا في التوبة واغتنموا الزمان، واحذروا الغفلة والتأخير.
فيا من فكر في الحياة وتأمّل أحوال الناس وشاهد مصارعهم وشيع جنائزهم وعاش أفراحهم وأحزانهم، إلى متى تدخر التوبة؟! وإلى متى وأنت غافل عن الطاعة؟! وإلى متى وأنت في وضع غريب؛ تسارع في المعصية وتقهر في الطاعة ولا تحدث لله توبة؟! لقد سمعت المواعظ وتلوت القرآن، ورأيت هادم اللذات، فلِمَ تتقاعس عن إجابة الدعوة ولا تلبي النداء والخطاب؟! يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ [التحريم: 8].
يا مسلمون، إن وراءنا يوما ثقيلا عسيرا، فتزودوا لذلك اليوم وخذوا له أهبته، فليس هناك إلا فريقان: فريق السعادة وفريق الشقاء، يسعد أناس ويشقى آخرون، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [الحشر: 18].
| |
|