molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: مع الحافظين (2) - أمير بن محمد المدري الخميس 27 أكتوبر - 5:36:42 | |
|
مع الحافظين (2)
أمير بن محمد المدري
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي أنزل كتابه الكريم هدى للمتقين وعبرة للمعتبرين ورحمة وموعظة للمؤمنين ونبراسًا للمهتدين وشفاءً لما في صدور العالمين، أحمده تعالى على آلائه، وأشكره على نعمائه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أحيا بكتابه القلوب، و+ى به النفوس، هدى به من الضلالة، وذكر به من الغفلة، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله الذي كان خلقه القرآن، فصلوات الله عليه وعلى آله وصحبه الذين كانوا لا يتجاوزون عشر آيات حتى يعلموا ما فيها من القول والعمل، ورضي الله عن جنده وح+ه، ومن ترسم خطاه وسار على نهجه، ما تعاقب الجديدان وتتابع النيران، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: عباد الله، إن كل مشكلة وكل معضلة وكل ضيق وكرب سلاحه الإيمان والتقوى، قال جل وعلا: وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ [آل عمران:120]، وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا [الطلاق:2]، وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا [الطلاق:4]، وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا [الطلاق:5]، وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ [الأعراف:96]. هذا وعد الله، ومن أصدق من الله قيلا؟! ومن أصدق من الله حديثا؟! اللهم اجعلنا من عبادك المتقين الأبرار.
لا زلنا ـ وإياكم ـ مع الحافظين الذين حفظوا أوامر الله وعملوا بها، وحفظوا نواهي الله فاجتنبوها، وحفظوا حدود الله فلم ينتهكوها، فحفظهم الله في الدنيا والآخرة.
قال ابن الجوزي في صفة الصفوة: "إن رجلا رأى عصفورا يتردد على نخلة من النخلات وفي فمه شيء فاستغرب، وقال: العصافير لا تعشعش على النخل، فلماذا يطير العصفور إلى هذه النخلة؟! فحط العصفور على مكان مرتفع، فرأى أن على النخلة حيّة عيماء يأتي العصفور فيصدر صوتا جميلا فتفتح الحية فمها ويضع قطعة من اللحم في فمها". سبحان الله! من الذي دل العصفور؟! إنه الواحد الأحد، من الذي رزق الحية؟! إنه الحي القيوم القائل: وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ [هود:6].
أخي الحبيب، هل حفظت الله بالتوكل عليه والثقة فيما عنده، يحميك من شر الأشرار ويبارك لك في رزقك؟! فَاللّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [يوسف:64].
طلب أبناء يعقوب عليه السلام أخاهم يوسف فقال يعقوب عليه السلام: إني أخاف أن يأكله الذئب، فغاب عنه يوسف أربعين عاما، ومرت الأيام والسنون وجاؤوا لأخذ بنيامين، وبعد إصرار عليه قال: خذوه فالله خير حافظا وهو أرحم الراحمين، فأعاد الله له الاثنين يوسف وبنيامين.
احفظ الله تجده تجاهك، احفظ الله تجده أمامك، من حفظ الله وحدوده وراعى حقوقه وجد الله معه في كل أحواله، يحوطه وينصره ويحفظه ويوفقه ويسدده، قال تعالى: إنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ [النحل:128]. إن الله سبحانه وتعالى مع الذين اتقوه ـ بامتثال ما أمر واجتناب ما نهى ـ بالنصر والتأييد, ومع الذين يحسنون أداء فرائضه والقيام بحقوقه ولزوم طاعته بعونه وتوفيقه ونصره. وقال تعالى على لسان موسى: كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ [الشعراء:62].
قيل لأحد الصالحين: ألا تستوحش وحدك؟! قال: "من يكون الله معه لا يستوحش، وهو جليسُ مَن ذكره".
ها هو أبو الطيّب الطبري ـ أحد علماء الإسلام ـ بلغ من العمر سبعين سنة، وبينما هو على سفينة وصلت إلى الشاطئ، لكن اليابسة بعيدة تحتاج إلى قفز وقوة، فما استطاع الشباب، فإذا بهذا العالم الجليل يشمّر عن ساقيه ويقفز إلى اليابسة، فاستغرب الشباب، وقالوا: ما هذه القوة يا شيخ؟! قال: "هذه جوارح حفظناها وقت الصغر، فحفظها الله لنا وقت الكبر". فالله خير حافظا وهو أرحم الراحمين.
فالعين يحفظها الله إذا حفظت الله، والسمع يحفظه الله ويبارك فيه يوم يحفظ الله، وكذلك اليد والرجل. فالله خير حافظا وهو أرحم الراحمين.
ومن ضيع الله ضيعه، أما سمعتم خبر البرامكة الذين كانوا وزراء بني عباس، فأعطاهم الله المال والذهب حتى طلَوا قصورهم بماء الذهب، لكنهم ضيّعوا أوامر الله في المعاصي، داخل القصور غناء وخمر ومجون وتضييع للصلاة وزنا وفواحش، فأخذهم علام الغيوب الذي يمهل ولا يهمل، إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له: كن فيكون، فسبحان الله ما أقدره، ولا إله إلا الله ما أعظمه وما أجله.
فسلّط الله عليهم أقرب الناس إليهم، فقتل شبابهم وشيوخهم،َ أودعهم السجن وحبس النساء في غرف. قيل ليحيى البرمكي: ما أنزلكم هذه المنزلة وقد كنتم وكنتم؟! فقال وهو يبكي: دعوة مظلوم غفلنا عنها وما غفل عنا علام الغيوب.
لا تظلمن إذا ما كنتَ مقتدِرًا فالظّلم ترجع عقباه إلى الندم
تنام عينـاك والمظلوم منتبه يدعو عليك وعين الله لَم تنم
قيل لعلي بن الحسين : كم بين العرش والتراب؟ قال: دعوة مستجابة يرفعها الله فوق الغمام حتى تصل إليه. فالله خير حافظا وهو أرحم الرحمين.
من الذي يصرف الأمور إلا الله؟! من الذي بيده مقاليد الأمور إلا الواحد الأحد؟! من الذي بيده قلوب العباد إلا الله؟! قال قتادة: "من يتق الله يكن معه، ومن يكن معه فمعه القوة التي لا تغلَب والحارس الذي لا ينام".
ها هو أبو بكر يقول ليلة الهجرة: يا رسول الله، لو رأى أحدهم تحت قدمه لرآنا، فقال النبي بلسان الواثق بالله تعالى: ((يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟! لا تحزن إن الله معنا)).
من يتّق الله يُحمد فِي عواقبه ويكفه شرّ من عزّوا ومن هانوا
من استجار بغيْر الله فِي فزع فإنّ نـاصره عجز وخـذلان
فالزم يديك بحبل الله معتصما فإنه الركن إن خانـتك أركان
قال بعض الصالحين: "إذا أردت أن توصي صاحبك أو جارك فقل له: احفظ الله يحفظك"، قال موصيا معاذ بن جبل: ((اتق الله حيثما كنت)).
راقب الله في الجلوة والخلوة يكن معك في السراء والضراء؛ فهو الحافظ الذي حفظ إبراهيم في لهب النار، يُرمى فيقول: حسبنا الله ونعم الوكيل، فيأتي الفرج: قلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ [الأنبياء:69]. من الذي يُطفئ النار؟! إنه الله، من الذي ي+ر الحديد؟! إنه الله.
أرسل الحجاج جنوده إلى الحسن البصري، فعلم الحسن أنها النهاية، فلجأ إلى منفّس الكربات وتمتَم بكلمات بينه وبين الله، وانطلق إلى الحجاج ودخل قصره وهو يتمتم بكلمات بينه وبين ربه، وقد جهز الجلادين والسيّاف، فما إن رأى الحسن حتى دعاه إلى جواره وسلّم عليه وقبّله في رأسه، طيَّب لحيته وودعه بخير، فلحقه رئيس الجند، فقال: يا أبا سعيد، والله ما دعاك الحجاج إلا لقتلك، فماذا قلت وأنت داخل؟! قال: قلت: يا ذا العزة التي لا ترام، والركن الذي لا يضام، يا حي يا قيوم، اجعل نقمة الحجاج عليّ بردا وسلاما كما جعلت النار بدرا وسلاما على إبراهيم. فسبحان مقلّب القلوب! مَن قلَب قلْب الحجاج إلا الله؟!
إذًا لماذا نذل بين يدي المخلوقين وننسى الخالق؟! إذا لماذا نطرق باب المخلوقين وننسى باب الخالق الذي لا يغلق؟! إذا لماذا نخاف من الناس ولا نخاف من الله؟!
عبد الله، إذا سألت فاسال الله. إن السؤال فيه بذل لماء الوجه وذلّة للسائل، وذلك لا يصلح إلا لله وحده، فلا يصلح الذل إلا له بالعبادة والمسألة، وكان الإمام أحمد رحمه الله يقول في دعائه: "اللهم كما صنت وجهي عن السجود لغيرك، فصنه عن المسألة لغيرك".
أما من أكثر المسألة بغير حاجة فإنه يأتي يوم القيامة وليس على وجهه مزعة لحم كما ثبت ذلك في الصحيحين؛ لأنه أذهب عِزّ وجهه وصيانته وماءه في الدنيا، فأذهب الله من وجهه في الآخرة جماله وبهاءه الحسّي، فيصير عظما بغير لحم، ويذهب جماله وبهاؤه المعنويّ، فلا يبقى له عند الله وجاهة. الله الذي بيده خزائن السماوات والأرض ولا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء أحق من يسأَل ويطلَب منه قضاء الحوائج، جاء في الحديث القدسي: ((يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا غمس في البحر)).
قال بعض السلف: "إني لأستحي من الله أن أسأله الدنيا وهو مالكها، فكيف أسأل من لا يملكها؟!"، وكان بعض السلف يتواصون في طلب الحوائج إلا من الله، قال طاووس لعطاء: "إياك أن تطلب حوائجك إلى من أغلق دونك بابه وجعل دونك حجابه، وعليك بمن بابه مفتوح إلى يوم القيامة، أمرك أن تسأله ووعدك أن يجيبك".
الله يغضب إن تركت سؤاله وبُنَيَّ آدم حين يُسأَل يغضَب
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية
وبعد: عباد الله، حين دخل عبدُ الله بن علي ـ ذلكم الحاكمُ العباسيُ ـ دمشقَ، في يوم واحد فقط قتل فيه ثمانيةً وثلاثين آلفَ مسلم، ثم أدخل الخيولَ مسجدَ بني أميةَ، ثم تبجّح وقال: من يُنكرُ عليّ ما أفعل؟! قالوا: لا نعلمُ أحدًا غير الإمامُ الأوزاعي. فأرسل من يستدعيه، فعلمَ أنه الامتحان، وعلم أنه الابتلاء، وعلم أنه إما أن ينجحَ ونجاحٌ ما بعدَه رسوب، وإما أن يرسبَ ورسوبٌ ما بعده نجاح، فماذا كان من هذا الرجل؟!
قام واغتسلَ وتحنّطَ وتكفّن ولبس ثيابه من على كفنه، ثم أخذَ عصاه في يده، ثم اتجه إلى من حفظه في وقت الرخاء، فقال: يا ذا العزةِ التي لا تضام، والركن الذي لا يرام، يا من لا يهزمُ جندُه، ولا يغلبُ أولياؤهُ، أنتَ حسبي ومن كنتَ حسبَه فقد كفيتَه، حسبي اللهُ ونعم الوكيل. ثم انطلقَ ـ وقد اتصلَ بالله سبحانه وتعالى ـ انطلاقة الأسد إلى ذلك الحاكم، وذاك قد صفَ وزراءه وصفّ سماطين من الجلود يريد أن يقتله وأن يرهبه بها. قال الأوزاعي: فدخلت وإذ السيوف مصلتة، وإذ السماط معدّ، وإذا الأمور غير ما كنت أتوقع، قال: فدخلت، ووالله ما تصوّرت في تلك اللحظة إلا عرش الرحمن بارزا والمنادي ينادي: فريق في الجنة وفريق في السعير. فوالله ما رأيته أمامي إلا كالذباب، والله ما دخلت بلاطه حتى بعت نفسي من الله جل وعلا، قال: فانعقدَ جبينُ هذا الرجل من الغضب، ثم قال له: أأنتَ الأوزاعي؟ قال: يقولُ الناسُ: غني الأوزاعي، قال: ما ترى في هذه الدماء التي سفكناها؟ قال: حدثنا فلان عن فلان عن فلان عن جَدّك ابن عباس وعن ابن مسعود وعن أنس وعن أبي هريرة وعن عائشة أن رسول الله قال:((لا يحلّ دمُ امرأ مسلمٍ إلا بإحدى ثلاث: الثيبُ الزاني، والنفسُ بالنفسِ، والتاركُ لدينه المفارقُ للجماعة))، قال: فتلمّظَ كما تتلمّظُ الحية، وقام الناس يتحفّزون ويرفعون ثيابهم لئلاّ يصيبَهم دمي، ورفعتُ عمامتي ليقع السيفُ على رقبتي مباشرة، وإذا به يقول: وما ترى في هذه الدّور التي اغتصبنا والأموالِ التي أخذنا؟ قال: سوفَ يجرّدُك اللهُ عريانًا كما خلقَك، ثم يسأُلك عن الصغيرِ والكبيرِ والنقيرِ والقطميرِ، فإن كانت حلالاً فحِساب، وإن كانت حرامًا فعقاب، قال: فانعقدَ جبينُه مرة أخرى من الغضبِ، وقام الوزراء يرفعون ثيابهم، وقمت لأرفع عمامتي ليقع السيف على رقبتي مباشرة، قال: وإذ به تنتفخ أوداجه ثم يقول: اخرج، قال: فخرجت، فوالله ما زادني ربي إلا عزّا.
ذهب وما كان منه إلا أن سار بطريقه حتى لقيَ الله جل وعلا بحفظه سبحانه وتعالى. ثم جاء هذا الحاكم ومر على قبره بعد أن توفي ووقف عليه وقال: والله، ما كنتُ أخافُ أحدًا على وجهِ الأرضِ كخوفي هذا المدفونُ في هذا القبر، واللهِ إني كنتُ إذا رأيتُه رأيتُ الأسدَ بارزا. اعتصمَ بالله وحفظَ اللهَ في الرخاء فحفظَه اللهُ في الشدة، فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [يوسف:64]. اللهم أصلح فساد قلوبنا يا رب العالمين.
عباد الله، ما ضاعت أمة الإسلام اليوم إلا يوم ضيّعنا أوامر الله ولم نحكّم شرع الله، ما ضاعت أمة الإسلام اليوم إلا يوم استنصرنا بالشرق والغرب ونسينا القوي العزيز، ما ضاعت أمة الإسلام اليوم إلا يوم خاف المسلم أن يقول للظالم: يا ظالم.
لو حفظنا الله حق الحفظ بطاعته واتباع أمره وتحكيم شرعه لما تسلط علينا من ذلوا ومن هانا.
سلفنا الصالح حفظوا الله واعتزّوا به فأعزّهم العزيز، وما اغترّوا بدنيا زائلة، وصدق الله القائل: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا [فاطر:10].
قال أحد السلف: "لما أطعنا الله سخّرت لنا حتى الوحوش في البراري، ولما عصينا الله سلط الله علينا حتى الفئران في جحورها".
خرج عقبة بن نافع قائدا للمسلمين ليفتح إفريقيا، فلما وصل إلى هناك دخل غابة إفريقيا الموحشة وإذا بالأسود في طريقه والحيّات والعقارب، فقام وصلّى ركعتين وخرج وصعد على صخرة وسط الغابة وقال: أيتها الأسود، أيتها السباع، أيتها الحيات، أيتها العقارب، نحن أصحاب محمد ، جئنا لنفتح الدنيا بلا إله إلا الله، فارحلوا إنا نازلون، ومن وجدناه بعد ذلك قتلناه. ورأى الناس بعد ذلك عجبا؛ رأوا أن السباع تخرج من الغابة تحمل أشبالها، والذئاب تحمل جروانها، والحيات تحمل أولادها، ونادى في الناس: لا تؤذوهم حتى يرحلوا عنا، الله أكبر.
بِمعابد الإفرنج كان أذاننـا قبل الكتائب يفتح الأمصارا
لم تنس إفريقيا ولا صحراؤها سجداتنا والأرض تقذف نارا
كنا نقدّم للسيوف صدورنا لَم نَخش يوما غاشِما جبّارا
ذكر ابن كثير بسند جيد أن صلة بن أشيم التابعي كان يغزو في خراسان مع قتيبة بن مسلم، وكان صلة بن أشيم من صلاة العشاء إلى صلاة الفجر في عبادة وفي بكاء. الله أكبر! قولوا ذلك لأهل الطرب والغناء إلى آخر الليل ولا حياء من ربّ الأرباب. طوال الليل وصلة بن أشيم يصلي داخل الغابة، فقام يصلي ويتنفّل، فأتى أسد فدار عليه فما تحوّل ولا تحرّك وما اضطرب، فلمّا سلّم من الركعتين قال: يا حيدرة، إن كنت أمرت بأكلي فكلني، فإنه ليس معي سلاح إلا حماية الله، وإن كنت ما أمرت بقتلي فانطلق إلى حال سبيلك واتركني أصلِّي، فقام الأسد فولّى ذنبه وخفض صوته وذهب إلى حال سبيله. فالله خير حافظا وهو أرحم الراحمين.
عبد الله، كن من الحافظين لحدود الله وأوامره، يحفظك الله في الساعة التي لا مفرّ منها ساعة الموت، ساعة والتفَّت الساق بالساق. كم رأينا وسمعنا أناسًا حفظوا أوامر الله، أدّوا الصلاة في أوقاتها، وصلّوا الأرحام، وأكلوا الحلال، وحسنت أخلاقهم، فجاءت ساعة الموت فثبتهم الله بالقول الثابت، ونطقوا بكلمة التوحيد بكل سرور وحسنت الخاتمة.
وكم رأينا وسمعنا من أناسٍ ضيّعوا أوامر الله، فأصروا وقطعوا الصلاة وقطعوا الأرحام وأكلوا الحرام وساءت أخلاقهم، عصوا ربهم فجاءت ساعة الموت فعجزت ألسنتهم عن النطق بكلمة التوحيد وساءت الخاتمة.
اللهم احفظنا بحفظك ورعايتك، واحرسنا بعينك التي لا تنام.
وصلّوا وسلموا على المصطفى رسول الله...
| |
|