molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: الأمة الإسلامية بين التخلف والاستخلاف - إسماعيل الحاج أمين نواهضة الأحد 23 أكتوبر - 11:19:07 | |
|
الأمة الإسلامية بين التخلف والاستخلاف
إسماعيل الحاج أمين نواهضة
الخطبة الأولى
قال الله تعالى: وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ [الأنبياء:106، 107].
أيها المؤمنون، لقد استخلف الله تعالى آدم في الأرض؛ لعمارتها وإصلاحها وتنميتها، واستخدام الكنوز والطاقات المرصودة فيها، واستغلال الثروات الظاهرة والباطنة، ووضع الله تعالى ـ جَلّت قدرتُهُ ـ للبشر منهجًا كاملاً متكاملاً للعمل على وفقه في هذه الأرض، منهجًا يقوم على الإيمان والعمل الصالح، والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر.
أيها المسلمون، وفي هذا المنهج، وفي هذا الدين ليس إعمار الأرض واستغلال ثرواتها والانتفاع بطاقاتها هو وحده المقصود فقط، ولكن المقصود ـ بالإضافة إلى هذا الشيء ـ هو العناية بالضمير الإنساني، وتربيته تربية إسلامية صحيحة، دون تحريف أو تأويل. وأخيرًا إرساء قواعد العدل والحرية والمساواة في هذا الكون. ويأتي ذلك من أجل أن يبلغ الإنسانُ كمالَه المقدَّر له في هذه الحياة، فلا ينت+ حيوانًا في وسط الحضارة المادية الزاهرة، ولا يهبط إلى الدرك الأسفل بإنسانيته.
أيها المؤمنون، قد يغلب على هذه الأرض جَبّارون وظَلَمَة وطغاة، وقد يغلب عليها هَمَجٌ وبَرَابِرة وغُزَاة وشُذَّاذ آفاق، وقد يغلب عليها كفّار فُجّار يحسنون استغلالها استغلالاً ماديًّا، ولكن هذا الأمر ليس سوى الطريق، فالوارثة الحقيقية والأخيرة هي للعباد الصالحين بالمفهوم الواسع الشامل، وهم الذين يجمعون بين الإيمان الصادق والعمل الصالح، بين الإعداد المادّي والمعنوي. وحيثما اجتمع إيمان القلب ونشاط العمل في أمة من الأمم فهي الوارثة للأرض في أي فترة من فترات التاريخ، وحين يتخلّف أحد هذين الأمرين فإن الميزان يتَأَرْجَح.
أيها المؤمنون، لقد ظهر المسلمون، وورثوا الأرض، وأقاموا دولتهم، وتزعّموا العالم، وساروا بالإنسانية سيرًا عادلاً، وذلك راجع إلى وجود صفات فيهم تؤهّلهم لقيادة الأمم، ومن أبرز هذه الصفات:
أولاً: أنهم أصحاب كتاب منزّل وشريعة إلهية، فلا يقتنعون ولا يشرعون من عند أنفسهم، ولا يتخبّطون في سلوكهم وسياستهم ومعاملتهم للناس خَبْطَ عَشْوَاء؛ لأن الله جعل لهم نورًا يمشون به في الناس، وجعل لهم شريعة يحكمون بها الناس. قال الله تعالى: أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا [الأنعام:122].
ثانيًا: أن المسلمين الأوائل لم يتولّوا القيادة والحكم بغير تربية خلقية، وت+ية نفس.
فقد كان صلوات الله وسلامه عليه يؤدّبهم وي+ّيهم، ويأخذهم بالزهد والورع والعفّة والأمانة والعدل والإيثار وخشية الله تعالى، وعدم الاستشراف والتطلّع للإمارة والمنصب والحرص عليها، وكان يقول لهم: ((إنا ـ والله ـ لا نولّي هذا العمل أحدًا سأله، أو أحدًا حرص عليه)). ولا يزال يقرع سمعهم قول الله تبارك وتعالى: تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [القصص:83].
فكانوا لا يتهافتون على الوظائف والمناصب، فضلاً عن أن يرشّحوا أنفسهم، وينشروا الدعاية لها، وينفقوا الأموال سعيًا وراء الإمارة. والأهمّ من كل ذلك أنهم لم يتنازلوا عن شيء من عقيدتهم أو دينهم من أجل الحصول عليها. وكانوا إذا تولّوا شيئًا من أمور الناس لم يعدّوه مغنمًا، بل عدّوه أمانة في أعناقهم، وامتحانًا لهم من الله، وكانوا على علم بأنهم موقوفون بين يدي ربهم، وأنهم سَيُحاسبون على كل شيء. وتذكّروا قول الله تعالى: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ [الأنعام:165].
ثالثًا: لم يخرج المسلمون الأوائل ليؤسّسوا إمبراطورية عربية ينعمون ويرتعون في ظلها، بل قاموا ليُخرِجوا الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جَوْر الأديان إلى عدل الإسلام. فالأمم عندهم سواء، والناس كلهم من آدم، وآدم من تراب، ولا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي إلا بالتقوى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13].
وباختصار: كانوا سحابة خير انتظمت البلاد، وعمَّت العباد.
أيها المرابطون، إن أعداء الإسلام اليوم يتكالبون على أرض وبلاد المسلمين شرقًا وغربًا؛ ليستعمروها وينالوا من أهلها، مستغلّين فترة تفرّق المسلمين، وعدم اجتماع كلمتهم، بالإضافة إلى ركون الكثير منهم إلى شهوات الدنيا وملذّاتها ومناصبها، مما أدّى بهم إلى الابتعاد عن منهج الله تعالى وحكمه.
واليوم لا سبيل لوراثة الأرض والمحافظة عليها من كل طامع إلا بالرجوع إلى الإسلام عقيدة وعملاً وسلوكًا، إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ [الأنبياء:106]. وليس هذا حُلمًا مستحيلاً كما يظهر للبعض، ولكنّه مُنتَهَى الواقعية.
أيها المسلمون، أما بالنسبة لأرض فلسطين, أرض الإسراء والمعراج فقد ظلّت هدفًا للغُزَاة منذ فجر التاريخ، وشهدت معارك ضارِيَة، كان النصر في نهاية المطاف لأهلها. فكم على أرضها اندحرت جيوش، وانهزم غزاة، وعلى ثَرَاها رَوَّى أصحابُ رسول الله بدمائهم ال+يّة أرضها الطهور؟!
ومنذ احتلالها عام ثمانية وأربعين وهي تتعرض للنهب والسلب والمصادرة وتغيير المعالم، وتدمير الحضارات، وإخراج أهلها منها على مرأى ومسمع العالم.
واليوم نشاهد بارِقة أَمَل تتمثّل ببدء جلاء قطْعان المستوطنين وقوّات الاحتلال عن قطاع غزة وشمال الضفة الغربية، بعد احتلال دام ثمانية وثلاثين عامًا. وهي خطوة بالاتجاه الصحيح، يجب أن تتبعها خطوات أخرى؛ لإتمام تحرير كامل الأرض الفلسطينية والمقدّسات الإسلامية، وفي مقدّمتها المسجد الأقصى المبارك ومدينة القدس، ومن أجل ضمان عودة اللاجئين إلى وطنهم، وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ [الروم:4، 5].
وعلينا أن لا نقلّل من أهمية هذا الجَلاء؛ فهو في حد ذاته انتصار للحق ودَحْر للباطل، ولكن في نفس الوقت يجب أن لا نُبالغ بذلك؛ لأن الإسرائيليين ما زالوا يسيطرون على القطاع برًّا وبحرًا وجوًّا كما تُطالِعنا بذلك وسائل الإعلام المختلفة.
أيها المرابطون، لا بد من التذكير بضرورة الحفاظ على هذه الأرض المحرّرة بالثبات عليها واستثمارها، آخذين العبر من تثبّت هؤلاء المستوطنين بها، بالرغم من أن وجودهم عليها لم يزد على ثمانية وثلاثين عامًا. فكيف بنا ونحن أصحاب الأرض الشرعيين منذ آلاف السنين؟! ولا يتم ذلك إلا بالاعتصام بحبل الله جميعًا، وبتوحيد الكلمة، ورصّ الصفوف، ونبذ الخلافات؛ لتفويت الفرصة على المتربّصين بنا.
أيها المؤمنون، كما أنه لا يفوتنا أن نعلن شَجْبَنا واستنكارنا للجريمة النكراء التي ارْتِكبت بحق أبناء شعبنا في مستوطنة شيلو وبدم بارد، والتي تأتي امتدادًا لجرائم سابقة، فنسأل الله تعالى لهم الرحمة، ونتمنّى للجرحى الشفاء.
الخطبة الثانية
أيها المسلمون، بعد غَدٍ الذكرى السادسة والثلاثون لحريق المسجد الأقصى المبارك مَسْرَى رسول ، أولى القبلتين، وثالث المساجد التي تُشدّ إليها الرحال، هذا المسجد الذي تجمّعت من حوله على بركات الله قلوب المسلمين تحجّه وتعظمّه وتهفوا إليه.
إن هذه الذكرى الأليمة تعيد إلى الأذهان صورة النار التي أتت عليه من جميع الجوانب، وأتت بجحيمها المتأجّج منبره، منبر القائد المظفّر صلاح الدين، المنبر الذي أُقِيم لتعلوا من فوقه أصوات الحق والحرية والعدالة من بعد ظلم غاشم وعبودية قاتلة ملأت آفاق الأرض المقدسة، وأهدرت إنسانية العباد وكرامة البلاد، المنبر الذي يرمز إلى تخليص المدينة المقدّسة من دَنَس الاحتلال الصليبي الحاقد. كما أتت النيرانُ المسعورة على قُبّته التي كانت ـ وستبقى إلى يوم الدين ـ تُردّد أصداء النداء الإلهي: الله أكبر، الله أكبر، فتهزم بهذا النداء الباطل والظلم، وتفتح أمام الصدق والحق أرجاء الدنيا وصفحات التاريخ، لتجد شعوب الأرض من خلال هذا النداء العدالة والأمن والسلام والاطمئنان، وينزاح به عن صدورها ثقل الأمم الظالمة، وقسوة الطواغيت والمستبدّين.
إن المسجد الأقصى قد شهد بإسراء الرسول ومعراجه النور الذي لا يخبو، والدعوة التي لا تنطفئ شعلتها، وازداد فيه فيما أفاء الله عليه من سابغ نعمه، من صفاء نفس ونقاء بصيرة، مصداقًا لقوله تعالى: لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الإسراء:1].
أيها المسلمون، إننا لا نريد أن تكون ذكرى الحريق المشؤوم مبلغ الحزن والأسى في النفوس، وإنما نريد منها أن تحمل المسلمين على العزّة والكرامة، وجمع الكلمة، ورصّ الصفوف، ولمّ الشَّتات، والعمل الجادّ الذي يتم به تحرير المسجد الأقصى وتحرير الأرض والإنسان.
إن قلوب العرب والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها تتجّه بشَوْق وحَنِين ولهفة إلى فلسطين، حيث فيها مدينة القدس والتي فيها المسجد الأقصى. وقد دعا رسول الله إلى المرابطة في هذه البلاد حيث قال: ((لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، ولعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم، حتى يأتي أمر الله وهم كذلك)). قيل: وأين هم يا رسول الله؟ قال: ((ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس)).
وقد تعاقب الحكم الإسلامي على هذه الديار حيث تمتعت الطوائف المختلفة بحقوقها الدينية والمدنية.
أيها المسلمون، إن الحادث الخطير الذي جرى في الحادي والعشرين من شهر آب عام تسعة وستين، والذي خططت له نفوس شريرة آثمة تعمّدت فيه الإساءة إلى القلوب المؤمنة الطاهرة، بحيث لم تدع لهذا البيت حرمة، ولا لقيمته هيبة وإجلالاً. هذا الحادث قد هزّ في حينه العالم بأسره، وأدمى القلوب والمشاعر، وإن بشاعته ستبقى ماثلة في الأذهان إلى أن يتم تحريره وتطهيره من دَنَس الاحتلال.
وفي هذه الذكرى نعلن نحن المرابطين في فلسطين للعالم أجمع أننا سنبقى صابرين ومصابرين ومرابطين، وسنبقى متمسّكين بحقوقنا المشروعة والثابتة في أرض الإسراء والمعراج، وسنحافظ عليها ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً، ولن تضعف لنا عزيمة إن شاء الله تعالى. وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ [الشعراء:227].
| |
|