molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: الوحدة الإسلامية - إسماعيل الحاج أمين نواهضة السبت 22 أكتوبر - 9:44:14 | |
|
الوحدة الإسلامية
إسماعيل الحاج أمين نواهضة
الخطبة الأولى
يقول الله تعالى: وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَيُطِيعُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة:71]، صدق الله العظيم.
أيها المسلمون، أيها المؤمنون، إن الوحدة والتوحيد رباط وثيق، لا تنفصم عراه ولا تنفك عقدته، فالوحدة كالصرح الشامخ المتماسك؛ لن يوهنه برق المعاول أو يهدد أوصاله هبوب الأعاصير والرياح، فهو سد صلب منيع، والتوحيد مدخل لهذا البناء وسلمه، فلا يرتقي أحد إلى البناء إلا عن طريق مدخله ومصعده وهذا البناء الشامخ هو الأوسط الذي جمع الله بتعاليمه بين القاصي والداني وبين الأبيض والأسود، بين العرب والعجم، وأوقف السادة إلى جانب العبيد خطاً واحداً متألفاً، لا متخالفاً ولا متنافراً كما قال الله تعالى: يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَـٰكُم مّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَـٰكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَـٰرَفُواْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ٱللَّهِ أَتْقَـٰكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [الحجرات:13].
والتوحيد يا عباد الله هي الكلمة التي دخل بها الناس في دين الله أفواجاً كما قال الله تعالى: قُلْ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ ٱللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مّن دُونِ ٱللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ ٱشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران:64].
ولقد كان المسلمون في عصوركم الذهبية من خلال الرحمة والتوحيد إخوة متحابين وأولياء متصافين لا ينزع الأخ يده من يد أخيه أو يعرض عنه أو ينأى بجانبه عن إخوانه وهم بحاجة إلى عونه ونصره والوقوف إلى جانبه ظهيراً، مستمسكين في ذلك بهدي القرآن الكريم في وصف واقع المؤمنين وصدق ولائهم وصدق إخائهم كما قال رب العزة: وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ مستجيبين لوحي سيد الخلق إذ يقول صلى الله عليه وسلم: ((المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً))[1] فلانت لهم الدنيا وكانوا فيها السادة والقادة وأخرجوا من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، وأضحوا كما وصفهم رب العزة خير أمة أخرجت للناس.
أيها المؤمنون، وإن كان هذا واقع المسلمين في أزهى عصورهم، فإن المسلمين في أعقاب الزمن وبخاصة في زماننا وفي يومنا وقد تتالت عليهم الفتن والمحن، هم في أمس الحاجة إلى تشييد مجتمعاتهم وبناء صرح جامعتهم على الأمثلة الرفيعة الرشيدة التي ضربها السلف في التماسك والتضامن والتعاون على البر والتقوى.
المسلمون اليوم وفي مختلف أقطارهم وأمصارهم في محنة وخطر محدق بهم، عبر السياسة المرسومة لهم من خصوم الإسلام لتفريق كلمتهم وتمزيق شملهم والحيلولة دون تضامنهم ليشنوا حرباً عليهم ويكونوا يداً مسالمة تمتد إليهم وترتبط بعجلتهم وتسخر لإرادتهم ويُحمل المسلمون على الارتداد عن دينهم بمختلف ألوان الإغراء، ثم يجهزون عليهم، وصدق الله العظيم إذ يقول: وَلاَ يَزَالُونَ يُقَـٰتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ [البقرة:217].
أيها المسلمون، إن الهجوم الصليبي والهجوم الصهيوني الذي جاء في أذياله لم ينجح في ضعضعة الدولة الإسلامية والقضاء عليها إلا عقب أن مهد لذلك بتقسيم المسلمين شيعاً منحلة واهية وأضراباً متنافرة ودويلات متدابرة متنازعة، يدب بينها النزاع والخلاف لأتفه الأسباب.
أيها المسلمون، إن الغريب الدخيل المحتل والمسعور لا يستطيع أن يدخل الحصن المنيع ويعيث فيه فساداً إلا بعد أن ينخر في جوانبه ليحدث فيه ثغرة يدخل منها، لذلك فإن المسلمين في حاضرهم وواقعهم في أشد الحاجة إلى تضامن إسلامي كما تضامن السلف الصالح والمسلمون الأوائل، ليقطعوا الطريق على أعدائهم، وهم أيضاً في أمس الحاجة إلى وحدة تجمع الشتات وتؤلف بين الصفوف التي مزقها أعداء الإسلام بدسائسهم ومكرهم وخبثهم وأساليبهم الخاصة.
وعندئذ أيها المسلمون وحين يستظل المسلمون بظل الوحدة والتوحيد للخالق ويصبح التضامن العربي والإسلامي واقعاً ملموساً وترجمة عملية على أرض الواقع، لا قولاً معسولاً وخيالاً يداعب الأذهان والعقول ويخدع الأبصار، حينئذ لا يضرهم زمجرة العاصفة من أي اتجاه تهب عليهم، ولا يضرهم الجماعات المتكالبة وتهديداتهم من كل جانب، وصدق الله العظيم: ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَٱخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَـٰناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا ٱللَّهُ وَنِعْمَ ٱلْوَكِيلُ [آل عمران:173]، حسبنا الله ونعم الوكيل حسبنا الله ونعم الوكيل، كما أنه لا يؤثر في تضامنهم ووحدتهم انقسام من يتفرق عنهم، ومصداق ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين)) ـ لعدوهم قاهرين ـ ((لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى تقوم الساعة))[2] وفي رواية: ((قيل: أين هم يا رسول الله؟ قال: في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس))[3].
أيها المسلمون، إن القافلة يجب أن تسير قُدُماً إلى الأمام في نفس الوقت في دائرة التضامن الإسلامي، لا تقف عند حد، فكل فرد أو جماعة وكل دولة عربية أو إسلامية يجب أن تمد يدها بالتعاون لتتسع أبعاد هذا التضامن، وكل عامل أو كاتب في كل قطر أو مصر من واجبه أن يجرد قلمه للتوعية وشرح مقاصد التضامن الإسلامي وأغراضه وضرورته للعرب والمسلمين، لأنه يعني جمع الكلمة وتحقيق العدالة.
أيها المؤمنون، فإن فعل العلماء والدعاة وحملة الأقلام ذلك فقد قاموا بواجب النصيحة المفروضة عليهم، والنصيحة من صميم هذا الدين كما جاء في الحديث الشريف: ((الدين النصيحة)) قلنا لمن يا رسول الله؟ قال: ((لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم))[4] أما إن طال الصمت ولم يقم الرواد بحملة التوعية والتبصير التي على عاتقهم فإن كل عدو للإسلام سيستغل هذا الصمت المطبق ويعمل جاهداً للدس والوقيعة بين المسلمين ويضع عوامل الهدم لتمزيق الصفوف وإذهاب ريح الجماعة كما قال الله تعالى: وَلاَ تَنَـٰزَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَٱصْبِرُواْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّـٰبِرِينَ [الأنفال:46].
التائب من الذنب كمن لا ذنب له فاستغفروا الله.
[1] أخرجه البخاري في الصلاة، باب: تشبيك الأصابع في المسجد وغيره (481)، ومسلم في البر والصلة، باب: تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم (2585)، من حديث أبي موسى رضي الله عنه بنحوه.
[2] أخرجه البخاري في الاعتصام بالكتاب والسنة، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تزال طائفة)) (7311) بمثله، من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، ومسلم في الإمارة، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تزال طائفة من أمتي)) (1920) بنحوه من حديث ثوبان رضي الله عنه.
[3] أخرجها أحمد (5/269)، والطبراني في الكبير (20/317) من حديث أبي أمامة رضي الله عنه. قال الهيثمي في المجمع (7/288): "رجاله ثقات".
[4] أخرجه مسلم في الإيمان، باب: بيان أن الدين النصيحة (55) من حديث تميم الداري رضي الله عنه.
الخطبة الثانية
أيها المسلمون، قيل للحسن رضي الله عنه: ما الحج المبرور؟ قال: أن ترجع زاهداً في الدنيا، راغباً في الآخرة، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: ((من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه))[1] وإن الله سبحانه وتعالى يختم على عمل الحاج بطابع من نور، فإياكم يا حجاج بيت الله الحرام أن تفكوا ذلك الختم بمعصية الله، وعليكم أن تكونوا بعد رجوعكم خيراً مما كان، وأن يكون خيركم وعملكم الصالح مستمراً، ولله در القائل:
أبشر فحجك مقبول ومبـرور وكل سعيك محمـود ومشـكور
وما تصدقت في أرض الحجاز فأجـره لك عنـد الله مكفـول
وكل سعي وما قدمت من عمل فإنه لـك بعد الربـح موفـور
فإن حججت ولم تأت بمعصية نلت المراد وأنت اليوم مسرور
أيها المسلمون، يعود الحاج الفلسطيني إلى أرض الوطن الحبيب ليجد أمامه الممارسات الإسرائيلية والإجراءات القمعية على اختلاف أنواعها وأشكالها للشعب الفلسطيني والتي تحولت إلى عقوبة جماعية لهذا الشعب المرابط في أرضه وفي وطنه وفي مقدساته.
إن الإجراءات التي تمارسها سلطات الاحتلال بحق شعبنا والتي أدت إلى شل تحركات المواطنين وخنق حرياتهم الأساسية وأعمالهم الرئيسية في التنقل والعمل وتلقي العناية الصحية والتعليم والخدمات الإنسانية هي ممارسات تعسفية وأعمال بربرية همجية لم يحدث لها مثيل في قسوتها وشموليتها.
وما حدث ويحدث في مدننا وقرانا ومخيماتنا وبخاصة مخيمي جنين وبلاطة خلال هذه الفترة من عمليات مداهمة واجتياح وسفك دماء الأبرياء بمن فيهن النساء الحوامل وأقاربهن الذين بصحبتهن إلى المستشفيات، فيقتلون على الحواجز بالإضافة إلى توجيه نيران أسلحتهم نحو كل من يحاول التنقل من مكان إلى آخر بغية الزيارة أو العمل أو التعليم أو العبادة.
إن هذه الأعمال في حد ذاتها تجاوز خطير لأبسط حقوق الإنسان كإنسان، وهي تتعارض مع أبسط المبادىء والقوانين السماوية والوضعية.
أيها المرابطون، والذي يؤلم أكثر من ذلك، ذلكم الصمت الدولي والعالمي بصورة عامة، والصمت العربي والإسلامي بصورة خاصة، فيا أيها العرب والمسلمون، إلى متى سيبقى هذا الصمت المريب، كفاكم عقد مؤتمرات واجتماعات وطرح مبادرات لا تسمن ولا تغني من جوع، واعملوا على نصرة إخوانكم في أرض الرباط ودفع الظلم عنهم، واعملوا على تحرير المسجد الأقصى من براثن الاحتلال فإنه لا كرامة لكم، ومقدساتكم يدنسها المحتلون، وشعب فلسطين يتعرض للإبادة الجماعية صباحاً ومساء.
هذا الشعب الذي يدافع عن كرامتكم وحقوقكم جدير بالنصرة وبمد يد العون له مادياً ومعنوياً، ولا يجوز لكم أن تقفوا متفرجين وكأن الأمر لا يعنيكم.
أيها المسلمون، إن أرض فلسطين هي أرض إسلامية وقفية لا يجوز التنازل عن شبر واحد منها، كما أنه لا يحق لواحد أن يساوم عليها.
[1] أخرجه البخاري في الحج، باب: فضل الحج المبرور (1521) بنحوه، ومسلم في الحج، باب: في فضل الحج والعمرة ويوم عرفة (1350) بنحوه. من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
| |
|