molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: توديع رمضان وحال الأمة - إسماعيل الحاج أمين نواهضة الأحد 23 أكتوبر - 11:12:37 | |
|
توديع رمضان وحال الأمة
إسماعيل الحاج أمين نواهضة
الخطبة الأولى
قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً [الكهف: 107، 108].
قبل أيام انتهى شهر رمضان المبارك، شهر القرآن، شهر الرضا والغفران والعتق من النار، وكان هذا الشهر مجالا للقرب واستباق الفضائل والتنافس في أعمال الخير، ارتفعت فيه نفوس الصالحين إلى أعالي درجات القرب والرضوان، ونالت به وفيه الكثير من نفحات الله عز وجل وكرم العظيم المنان.
أيها المسلمون، ومن حق هذه النعم الكثيرة والعظيمة القيام بشكر المنعم، وذلك بمتابعة الإحسان والقيام بإتباع الحسنة بمثلها، فثواب الحسنة الحسنة بعدها. فهنيئا لكم يا من صمتم شهر رمضان ووقفتم عند حدود الله وامتثلتم أوامره، حيث أمركم بالصيام فصمتم، ثم أمركم بالإفطار فأفطرتم. وهنيئا لكم يا من غلبتم في صومكم جانب التسامح والصفح الجميل والعفو والمغفرة لزلات الجاهلين، امتثالا لأمر الله عز وجل وطمعا في الحصول على درجات وأجر المحسنين، فبلغتم مراقي السالكين وارتفعتم إلى درجات المتقين الذين عناهم الله بقوله: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران: 133، 134].
ومن أفضل الإحسان استحباب إتباع صيام رمضان بصيام الست من شوال، فقد صح عن رسول الله أنه قال: ((من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر)) أي: كصيام السنة، وذلك لأن الله تعالى يجزي على الحسنة بعشر أمثالها، فيكون صيام رمضان بعشرة أشهر، وصيام الست من شوال يعدل صيام شهرين فتلك السنة كاملة.
ثم في معاودة الصوم بعد رمضان ـ إلى جانب شكر المنعم ـ دليل على شعور المسلم بأن وسائل القرب والطاعة للمولى عز وجل لا تتحدد بزمان، بل هي متصلة برمضان وفي غير رمضان، ولهذا صح عن رسول الله أنه قال: ((أحب العمل إلى الله أدومه))، وقال الإمام الحسن البصري رضي الله عنه: "إن الله لم يجعل لعمل المؤمن أجلا دون الموت"، ثم قرأ قوله تعالى: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر: 99].
وسواء كان صوم هذه الأيام متتابعا من أول الشهر أو مفرقا في خلاله، فهو بر وعمل صالح، والجواز على كلا الأمرين وارد عن الأئمة الفقهاء، فداوموا على عمل البر والإحسان وعقد النية على المسلك الراشد الذي التزمتموه في شهر رمضان في الترفع عن الآثام ومجانبة الذنوب، مصداقا لقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [هود: 23].
وقد نقل عن بعض السلف أنه قال: "من صام رمضان وهو يحدث نفسه أنه إذا أفطر بعد ذلك لا يعصي الله دخل الجنة بغير مسألة ولا حساب، ومن صام رمضان وهو يحدث نفسه أنه إذا أفطر بعد رمضان عصى الله فصيامه مردود".
فاحذروا ـ أيها المسلمون ـ من المعصية بعد الطاعة، ومن البعد بعد الوصال، ومن القطيعة بعد فيض العطاء، ومن الفرقة بعد الوحدة. واعلموا أن ما في أيديكم زائل وفان، مَا عِنْدَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ [النحل: 96]. وتذكروا أنكم ستوقفون بين يدي العزيز الجبار للمحاسبة والمساءلة عن كل شيء، يوم يتجلى الله على عباده ويقول: ((أنا ملك الملوك، أنا رب الأرباب، أين ملوك الدنيا؟)).
فاستجيبوا ـ أيها المؤمنون ـ لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم، واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه، وأنه إليه تحشرون. واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا؛ يصلح شأنكم وتكونوا قذى في عيون أعدائكم وسهاما في نحورهم. إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ [الأنفال: 36].
أيها المسلمون، إن الفشل والخذلان وسوء المنقلب هو حليف الكافرين جميعا في كل زمان ومكان مهما أجلبوا على المسلمين وتوعدوا، ومهما أبرقوا وأرعدوا، ومهما تحالفوا وتح+وا. وإن النصر والفلاح وحسن العاقبة هو حليف أولياء الرحمن وجنوده، أولئك الذين آمنوا بالله ورسوله وتنافسوا في الأعمال الصالحة، وفي طليعتها جهاد أعداء الله والوقوف أمام الطغاة الفاسقين المتجبرين، بذلوا فيه النفس والمال لتكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا هي السفلى. إنهم أتباع الحق وأنصار دين الله. إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ [الحجرات: 15].
إنهم الصادقون في إيمانهم وجهادهم، فكان أحدهم يستعذب الموت في سبيل الله، بل وكان فيهم من استبطأ بضع ثوان يأكل فيها تمرات يسد بها رمقه، فرمى بها، واندفع يضرب الأعداء حتى نال الشهادة.
أيها المؤمنون، إن المسلمين اليوم أصبحوا أمام فتنة عمياء وشدائد مظلمة، أوقد نارها أعداء الإسلام، وما أكثرهم، يريدون بذلك إضعاف المسلمين وغزو بلادهم والانتصار عليهم، ولكن هيهات هيهات. فأنى لباغ أن ينتصر؟! فقد قطع الله الوعد بالنصر والتمكين لأهل الإسلام، وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم: 47].
إن الشعوب العربية والإسلامية تواجه اليوم بغيا مكشوفا وعدوانا سافرا وقتلا متعمدا، لا يستند إلى برهان أو حجة يمكن أن يقال: إنها تسوغ وتجيز لهذا العدو بغيه وضلاله ومجاوزه.
فأمريكا وحلفاؤها اليوم يضربون أرض العراق ويقومون بارتكاب المجازر المتعمدة في العديد من مدنه كما هو حاصل في مدينة الفلوجة وغيرها، من هدم البيوت وترويع الآمنين واقتحام بيوت الله لقتل الركع السجود والإجهاز على الجرحى والمصابين بصورة تقشعر منها الجلود ويشيب لها الأطفال.
إن العراقيين يواجهون اليوم غزوا جديدا وذبحا منظما كغزو المغول والتتار لبلده ولبلاد المسلمين، وكمجازر الصليبيين في باحات المسجد الأقصى المبارك.
إن ما يشاهده العالم على الفضائيات من الصور المروعة والمشاهد البشعة التي تلتقط من الفلوجة وغيرها هو أكبر دليل على كشف السياسية الأمريكية وبيان زيف شعاراتهم المرفوعة، لقد سقط القناع وأزيل اللثام عن وجوه هؤلاء المحتلين الغزاة.
إن إخواننا في العراق وأفغانستان والشيشان وفلسطين يواجهون اليوم، ويذبحون كما تذبح النعاج، وتسلب أموالهم، وتنتهك أعراضهم، على مرأى وسمع العالم، ولا أحد يحرك ساكنا. حقا إنه الإرهاب بعينه، والقتل الواضح لمعاني الإنسانية المكرمة على هذه الأرض، فاللهم لا حول ولا قوة إلا بك.
قال تعالى: مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا [المائدة: 32].
الخطبة الثانية
وبعد: أيها المسلمون، أيها المرابطون، فإن جموع المصلين التي أمت المسجد الأقصى المبارك في شهر رمضان هذا العام من جميع المدن الفلسطينية وبأعداد كبيرة بالرغم من الحواجز والقيود قد أبهجت النفوس وأثلجت الصدور وبعثت الأمل في القلوب وأثبتت للعالم أن المسجد الأقصى المبارك يعيش في قلب كل مسلم وأن له مكانة عظمى في النفوس؛ لأنه أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين وأحد المساجد التي تشد إليها الرحال، كما أنه رمز عقيدة المسلمين وتاج مدينة القدس، بنته الأنبياء وانتسب إليه كثير من العلماء والأولياء وسقط على أرضه كثير من الشهداء. فتحه الإسلام، وحرره الإسلام، وسيعيده الإسلام، وهو عش العلماء، وهو دار الإسلام في نهاية الزمان، وأهله مرابطون إلى يوم القيامة. وعلى أرضه الطاهرة المقدسة تعيش الطائفة الظاهرة المنصورة.
أيها المسلمون، ومن هذا المنطلق فإننا نوجه الدعوة إلى جماهير شعبنا الفلسطيني باستمرارية القيام بزيارته والصلاة فيه على مدار السنة، فثواب الركعة فيه بخمسمائة ركعة، كما أن الحديث عن احتمال تعرضه للاعتداء من قبل المتطرفين الحاقدين أخذ بالازدياد هذه الأيام، ومسلسل العدوان عليه ماثل في الأذهان، وليعلم هؤلاء أن كل مساس به هو مساس بمشاعر المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها؛ لأنه شريان القلوب ومهوى الأفئدة ومحط أنظار المسلمين وسر وجودهم عى هذه الأرض المباركة.
فالثبات الثبات في هذه البلاد التي تتعرض للمصادرة والنهب وتغيير للمعالم بشى الوسائل. واعلموا أن الحق أقوى من الواقع، ووعد الله ماض لا محالة، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [آل عمران: 200].
إن المسجد الأقصى المبارك ومدينة القدس وأرض الإسراء والمعراج ليست من الثوابت الفلسطينية فحسب، بل هي من الثوابت العربية الإسلامية.
أيها المسلمون، ومن الأمور الجديرة بالتنويه مسابقات حفظ القرآن الكريم التي أقيمت في شهر رمضان المبارك في بعض الدول العربية والإسلامية، والتي شارك فيها الكثير من أبناء العالم الإسلامي، أقول: إنها خطوة في الطريق الصحيح وسنة حسنة يستحب اتباعها، وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسْ الْمُتَنَافِسُونَ [المطففين: 26]
ولكن كم أتمنى إلى جانب ذلك أن تكون هناك دعوة صريحة لاتباع منهج القرآن الكريم والسير على نهجه عقيدة وعملا وسلوكا، والعمل بأحكامه وتطبيق تشريعاته والتخلق بأخلاقه، اقتداء برسول الله وأصحابه الغر الميامين، فقد حرصوا رضوان الله عليهم على تلقي القرآن الكريم من رسول الله وحفظه وفهمه، وكان ذلك شرفا لهم، فعن أنس رضي الله عنه قال: كان الرجل منا إذا قرأ البقرة وآل عمران جد فينا، أي: عظم.
وحرصوا كذلك على العمل والوقوف عند أحكامه، فقد روي عن أبي عبد الرحمن السلمي أنه قال: حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن كعثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود وغيرهم أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل، قالوا: فتعلمنا القرآن والعلم والعمل معا.
إن القرآن الكريم يعالج المشكلات الإنسانية في شتى مرافق الحياة الروحية والعقلية والبدنية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية علاجا حكيما، لأنه تنزيل الحكيم الحميد. ويضع لكل مشكلة بلسمها الشافي في أسس عامة تترسم الإنسانية خطاها وتبني عليها في كل عصر ما يلائمها، فاكتسب بذلك الصلاحية لكل زمان ومكان، فهو دين الخلود، والمسلمون هم وحدهم الذين يحملون المشعل وسط النظم والمبادئ الأخرى، فحري بهم أن ينفقوا أيديهم من كل بهرج زائف، وأن يقودوا الإنسانية الحائرة المعذبة اليوم في ضميرها المضطربة في أنظمتها المتداعية في أخلاقها، أن يقودوها بالقرآن الكريم حتى يأخذوا بيدها إلى شاطئ السلام، وكما كانت لهم الدولة في الماضي بالقرآن فإنها كذلك لن تكون لهم إلا به في الوقت الحاضر.
أيها المسلمون، أما فيما يتعلق بموضوع صحة إفطارنا هذا العام أو عدمه فقد أكد سماحة مفتي القدس الشيخ الدكتور عكرمة صبري صحة الصيام لهذا العام للذين ابتدؤوا صيامهم الجمعة وأفطروا السبت، حيث ثبتت رؤية هلال شهر شوال مساء الجمعة، مما يؤكد صحة الإفطار وفي نفس الوقت عدم دقة حسابات الفلكين التي تقول خلاف ذلك. وعليه فإن يوم السبت هو الأول من شهر شوال لهذا العام، فاطمئنوا على صيامكم وإفطاركم.
| |
|