molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: دين الرحمة - إسماعيل الحاج أمين نواهضة السبت 22 أكتوبر - 9:54:20 | |
|
دين الرحمة
إسماعيل الحاج أمين نواهضة
الخطبة الأولى
قال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [الأنبياء:107، 108].
أيها المسلمون، أيها الناس، لقد أرسل الله عز وجل رسوله محمدًا رحمة للناس كافة وللعالمين عامة؛ ليأخذ بأيديهم نحو الهدى والنور، وما يهتدي إلا أولئك المتهيّؤون المستعدون.
إن المنهج الذي جاء به محمد هو منهج يسعد البشرية كلها، ويقودها إلى السمو والكمال في هذه الحياة، كما أن رسالة الإسلام جاءت كتابًا مفتوحًا للعقول والقلوب، شاملة لأصول الحياة البشرية التي لا تتبدل ولا تتغير. ولقد وضع القرآن الكريم أصول المنهج الدائم لحياة إنسانية متجدّدة، وترك للبشرية استنباط الأحكام الشرعية والجزئية التي تحتاج إليها حياتها المتجددة المتطورة، وكفل الإسلام للعقل البشري حرية العمل بكفالة حقه في التفكير. ولقد دلت تجارب البشرية حتى يومنا هذا على أن الإسلام كان وما زال سابقًا لخطوات البشرية في عمومه، وهو يقودها دائمًا إلى الخير، ولا يقعد بها، ولا يعود بها إلى الوراء.
أيها المسلمون، إن منهج الإسلام المتوازن المعتدل لا يكبت طاقات البشرية ولا يحرمها من الاستمتاع بثمرات جهدها وعملها وبالطيبات التي أحلها الله تعالى، وبالمقابل فإن الإسلام لا يطلق للإنسان شهواته الطاغية المنحرفة التي تعكّر صفو حياة المجتمع.
أيها الناس، لقد كانت رسالة محمد رحمة لقومه ورحمة للبشرية كلها من بعده، صحيح أن المبادئ التي جاءت بها هذه الرسالة كانت غريبة على الناس وواقعهم في بداية الأمر، لكنهم سرعان ما أخذوا يقتربون من هذه المبادئ، ويشعرون بعظمتها، ويعودون إليها، ويطبقونها في حياتهم. قال ابن عباس رضي الله عنهما: كان محمد رحمة لجميع الناس، فمن آمن به وصدّق به سعد، ومن لم يؤمن به سلم مما لحق الأمم من الخسف والغرق.
أيها الناس، لقد جاء الإسلام ونادى بإنسانية واحدة تذوب فيها الفوارق الجنسية والعنصرية والجغرافية لتلتقي في عقيدة واحدة ونظام اجتماعي واحد، وكان هذا الأمر غريبًا ومستغربًا على واقع الناس يوم ذاك، حيث كان الأشراف والسادة يعتبرون أنفسهم من طينة غير طينة العبيد. ومع مرور الزمن وانتشار نور الإسلام بدأ هذا الاعتقاد يتلاشى شيئًا فشيئًا، وإن كانت وما تزال إلى يومنا هذا أمم وشعوب في أوروبا وأمريكا تتمسك بالعنصرية البغيضة التي حاربها الإسلام منذ بزوغ فجره.
وإن من أهم مبادئ الإسلام المساواة والعدل بين جميع الناس أمام القضاء والقانون حتى لو كانوا مختلفين في الجنس والدين، قال تعالى: وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى [المائدة:8]، ويقول الرسول : ((الناس سواسية كأسنان المشط)).
أيها المسلمون، وما تزال هذه المبادئ وارِفَة لمن يريد أن يستظلّ بها ويَسْتَرْوِح فيها نسائم السماء الرَخيّة في هَجِير الأرض المحرق وخاصة في هذه الأيام، وكأنّ الناس الذين يخوضون الحروب والمعارك ويحكمون البشر في هذه الأيام تقسو قلوبهم، وتجف دموعهم، وتنزع الرحمة من قلوبهم، ولكن رسول الله ومن اقتدى به وسار على نهجه وشريعته ليسوا من هذا الصنف، لقد كانوا رحماء حتى في المواطن التي يفقد فيها الرحماء رحمتهم، فهذا رسول الله يُؤذَى ويُضرَب ويُضطَهد ويُلقَى على ظهره الشريف فَرْث الجَزُور وهو ساجد بين يدي ربه، فيقول: ((اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون، اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون))، ويوم فتح مكة ـ وقد فعل به أهلها ما فعلوا ـ كان موقفه غير المتوقّع، وقد أمكن الله منهم، فقال عليه الصلاة والسلام: ((اذهبوا أنتم الطلقاء))، وقال أيضًا: ((مثلي ومثلكم كما قال يوسف لإخوته: قَالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [يوسف:92])).
نعم أيها العالم، إن المواطن التي تغيب عادة فيها عواطف الرحمة بعواطف الانتقام أو الانتصار كانت صفة الرحمة تبقى عند رسول الله في مكانها لا تطغى على غيرها، ولا يطغى غيرها عليها، وكانت رحمته تسع الناس جميعًا على اختلاف ألسنتهم وألوانهم وعقائدهم، ويحس بها المستضعفون قبل الأقوياء، والفقراء قبل الأغنياء. لقد بلغت رحمته الحيوان، فكان أرحم الخلق به، فهذا عبد الرحمن بن عبد الله يحدثنا ويقول: كنا مع رسول الله في سفر فرأينا حُمَّرَة ـ طائر مثل العصفور ـ، معها فرخان لها، فأخذناهما، فجاءت الحُمَّرَة تُفَرِّشُ ـ تُرَفْرِفُ ـ، فلما جاء الرسول قال: ((من فجع هذه بولدها؟! ردوا ولدها إليها)). وكان صلوات الله وسلامه عليه كلما جهز جيشًا أو سرية قال: ((باسم الله، وفي سبيل الله تقاتلون من كفر بالله، لا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا امرأة ولا وليدًا)).
حقًّا أيها الناس، إنها الرحمة التي تفيض حتى تكاد تقتل صاحبها أسى لما يرى من انصراف الخلق عن طريق الجنة إلى طريق النار حتى يعاتبه الله عز وجل بقوله: فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا [الكهف:6].
أيها المسلمون، وقد سار على هذا النهج وعلى هذه المبادئ من بعده أصحابه الكرام والمسلمون المخلصون، وسيبقى هذا الأمر نهج كل مسلم يفهم الإسلام على الوجه الصحيح إلى يوم الدين.
أيها الناس، هذا هو الإسلام، وهذا هو رسول الإسلام، وها هم أصحابه الكرام، فأين هي القسوة والغلظة والجفوة؟! وأين هو القتل؟! بل وأين هو الإرهاب؟! وعليه فإن الافتراء على المسلمين اليوم والذين ينادون بعودة الحياة الإسلامية من جديد لهو افتراء على الإسلام نفسه، وذلك من أجل أن تنزع العقيدة من النفوس، ومن أجل أن تحمل الأذهان صورة بشعة قاتمة عن هذا الدين الحنيف، وحتى يتصور الناس في جميع أنحاء المعمورة أن هذا الدين قد بني على الإرهاب، وأن دعاته ليسوا غير إرهابيين يعملون على نشر الذعر والرعب في البلاد، ونشر الفوضى وعدم الاستقرار بين الناس.
أيها العالم، إن الإسلام هو أبعد العقائد والملل والفلسفات والشرائع عن الإرهاب، وقد جيء به أصلاً لإشاعة الرحمة والأمن والسلام في هذه الدنيا، ولانتزاع أسباب الظلم والقهر بكل صوره وألوانه، جاء من أجل أن تقوم حياة الناس على الأمان والثقة والحرية المشروعة بعيدًا عن الفساد وعن التسلط والترويع والترهيب. إن الإسلام يحذّر أشد تحذير من ترويع الناس وإخافتهم وإشاعة الذعر في نفوس العباد بأي شكل من الأشكال، سواء بالإشارة بالسلاح أو التهديد بالكلام، وفي ذلك يروي النعمان بن بشير ويقول: كنا مع رسول الله في مسيرة فخفق رجل في راحلته فأخذ رجل سهمًا من كنانته فانتبه الرجل ففزع، فقال رسول الله : ((لا يحل لرجل أن يروّع مسلمًا))، وروي عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله يقول: ((من أخاف مؤمنًا كان حقًّا على الله أن لا يؤمّنه من أفزاع يوم القيامة))، وقوله: ((لا يشر أحدكم إلى أخيه بالسلاح؛ فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزع في يده فيقع في حفرة من النار))، إلى غير ذلك من النصوص الواردة في النهي عن ترويع الإنسان لأخيه الإنسان بأي شكل من الإشكال.
أيها المسلمون، فما بالكم فيما يجري ويحدث في بعض البلاد العربية والإسلامية وغيرها من قتل للأبرياء وتفجير للمباني والمؤسسات والسيارات؟! إنه فعل مشين تقشعر منه الأبدان، وتشيب لهوله الأطفال، إنه عمل خارج عن نطاق الإسلام وتعاليمه السمحة وأخلاقه النبيلة، كما أنه لا يمكن أن يصدر من إنسان يحمل نور الإسلام والإيمان في قلبه. إن المسلمين رحماء بالعباد، رحماء بالخلق جميعًا، وهم بذلك أبعد الخلق عن مظاهر القسوة والإجرام، والمسلمون هم وحدهم اليوم الذين يكتوون بجحيم الإرهاب المتمثل بسفك دماء الكثير من أبنائهم وهدم بيوتهم ومصادرة أراضيهم والزج بهم في السجون والزنازين بدون رحمة ولا شفقة، وشعبنا الفلسطيني هو أكثر الشعوب الإسلامية معاناة من هذا الأمر، فاللهم لا حول ولا قوة إلا بك.
الخطبة الثانية
أيها المسلمون، قبل أيام انتهى شهر رمضان المبارك، شهر العبادة والطاعات، شهر الخير والبركات، واعلموا أن الطاعة للمولى عز وجل لا تتحدد بزمان، بل هي متصلة في رمضان وفي غير رمضان، ولهذا صح عن النبي أنه قال: ((أحب العمل إلى الله أدومه))، وقال الحسن البصري : "إن الله لم يجعل لعمل المؤمن أجلاً دون الموت"، ثم قرأ: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99].
فيا أيها المؤمنون، صلوا الإحسان بالإحسان، واتقوا الله ربكم، فإن من تقواه المداومة على عمل البر والإحسان وعقد النية على التزام المسلك الراشد الذي التزموه في شهر رمضان في مجانبة الذنوب والترفّه عن الآثام، وبذلك ت+و النفوس، ويصقل جوهرها، وتصل إلى درجة البررة من عباد الرحمن. ومن البر أيضًا مواصلة شد الرحال إلى المسجد الأقصى المبارك ما استطعتم إلى ذلك سبيلاً؛ لأنه أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث المساجد التي تشد إليها الرحال، وهو جزء من عقيدة المسلمين كما تعلمون جميعًا.
أيها المسلمون، وتعقيبًا على ما نُشِر في الصحف وتناقلته وكالات الأنباء حول وجود صفقة متمثلة بمبادلة غرفة في الطابق الثاني من مسجد ومقام النبي داود عليه السلام في مدينة القدس بحيث تعطى للفاتيكان مقابل كنيس يهودي في مدينة طوليدو في أسبانيا نقول: إن الموقع الذي يدور الحديث عنه هو مسجد إسلامي، ولا يمكن القبول بتغيير هذا الواقع لأي سبب كان، وقد أكدت الهيئة الإسلامية العليا في بيان مشترك مع مجلس الأوقاف أن المسجد والمقام للمسلمين وحدهم، وأنه لم يسبق لأحد من أتباع الديانات الأخرى أن نازعهم عليه أو ادعى ملكيته. كما حذر البيان من أن الاعتداء على مساجد وممتلكات المسلمين هو ظلم مرفوض، وهو استخفاف بحقوق المسلمين، وإن الاعتداء لا ي+ب المعتدي أي حق في اعتدائه، وإن الحق يبقى لصاحبه مهما طالت مدة الاعتداء. وأكد البيان أن أملاك الأوقاف الإسلامية لها حرمتها ولا يسري عليها بيع ولا هبة ولا تنازل.
| |
|