molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: الكبير: ما له وما عليه - أحمد بن عبد العزيز المنصور الثلاثاء 18 أكتوبر - 10:20:39 | |
|
الكبير: ما له وما عليه
أحمد بن عبد العزيز المنصور
الخطبة الأولى
عباد الله، الإنسان مفطور على حب الحياة، بل يحب أن يطول في هذه الحياة عمره، ويتمنى أن يخلد فيها، ولكن هيهات هيهات أن يخلد أحد في هذا الدنيا، فقد حكم الله عز وجل لهذه الدّار بالفناء، وكل مخلوق مآله إلى الموت والانتقال إلى دار القرار، والسعيد هو من اغتنم هذه الحياة وعمَرَها بطاعة الله تبارك وتعالى، وليست العبرة في طول العمر، وإنما العبرة والشأن كلّ الشأن في الاستفادة من السنين والأيام التي يعيشها العبد في هذه الحياة، فطول العمر نعمة إذا استخدم في طاعة الله وعمل الخير والبعد عن المحرمات، سئل الرسول : من خير الناس؟ وفي رواية: أي الناس أفضل؟ فقال عليه الصلاة والسلام: ((من طال عمره وحسن عمله)) رواه الترمذي.
ولذلكم اهتمّ الإسلام بالكبير، وجعل له حقا على من دونه، فأوجب احترامه وتوقيره، قال رسول الله : ((ما أكرم شابّ شيخًا من أجل سنّه إلا قيّض الله له عند سنه من يكرمه)) رواه الترمذي، وقال : ((إن من إجلال الله إكرامَ ذي الشيبة المسلم)) رواه أبو داوود والبيهقي، وقال : ((ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا)) الحديث رواه الترمذي.
فالكبير له حقّ الاحترام والتقدير، كيف لا وهو قد سبق من دونه لعمل الصالحات وتعلم العلوم وممارسة أعباء هذه الحياة، وهو المكافح، فهو الأستاذ لمن بعده والمعلم والمربي، فكل ما يتمتّع به الشباب هو من نتاج الكبار، والمثل الشعبي السائد يقول: "أكبر منك يومًا أعرف منك سنة". نعم، الأيام مدارس، فمن ولجها قَبلَك أصبح لك أستاذًا فيها، الشيوخ قد جربوا كثيرا، عرفوا الأيام، وعاشوا تقلبات الأحوال، فأصابوا الحكمة، ونفعتهم الخبرة، ملكوا العقل الراجح والفكر الرزين، يقدرون الواقع، وينظرون بواقعية نحو المستقبل، يرون الحسنات كما يرونَ المحاذير، إنَّ لهم من طول التعامل والمراس ذخرا من الحكمة ورصيدا من الرزانة تجعلهم أصحاب رويّة وتثبّت، أولئك هم الشيوخ، تاج الوقار، ومنابع الأخبار، إذا رأوك في قبيح صدّوك، وإن أبصروك على جميل أيّدوك وأمدّوك، وقد قيل: "عليكم بآراء الشيوخ؛ فإنهم إن فقدوا ذكاءَ الطبع فقد مرّت عليهم تجارب الحياة"، جاء في منثور الحكم: "من طال عمره نقصت قوّة بدنه وزادت قوة عقله". والأيام لا تدع جاهلا إلا أدّبته، فكفى بالتجارب مؤدّبا، وبتقلب الأيام واعظا، وكفى عبرا لأولي الألباب ما جربوا.
فينبغي على الشباب أن يوقروا الشيوخ، ويستنيروا بآرائهم، ويستفيدوا من خبراتهم. نظرَ إبراهيم عليه السلام في المرآة فرأى شيبة بيضاء، وكان أول مرة يرى إبراهيم الشيب، فقال: يا رب، ما هذا البياض؟! قال: هذا وقار يا إبراهيم، قال: اللهم زدني وقارًا.
عباد الله، جاء في الحديث أن الرسول يقول: ((إن الله يستحي أن يعذّب شيخًا في الإسلام))؛ وذلك لأن الكبير في الغالب يكون أكثر إقبالا على الله وحبّا للخير، فيستحي من الله أن يراه على معصية أو مقصّرا في طاعة، فيستحي الله منه. أما إذا لم يستح من الله فإنّ عذابه عند الله أشدّ وأنكى، كما في الحديث الصحيح أن الرسول قال: ((ثلاثة لا ينظر الله إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم)) وفي لفظ: ((ثلاثة لا يكلمهم الله، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم)) منهم: ((أشيمطٌ زانٍ))، شيخ كبير في السن زانٍ، هذا ليس له عند الله قبول، ولا يكلمه الله يوم العرض الأكبر، ولا ينظر إليه، ولا ي+يه، وله عذاب أليم، فشيخ أخذ في عمره ما أخذ ثم أتى إلى الله فختم صحيفته بالزنا لا قبول له عند الله. ((وملك كذاب))، ملك ويكذب؛ لأنه لا داعي له، لأن الإنسان إنما يكذب خوفًا أو رغبة أو رهبة، والملك ليس عنده لا رغبة ولا رهبة. والثالث: ((عائل مستكبر))، رجل يلصق بطنه بالثرى وينام على التراب وليس عنده درهم ولا دينار ويتكبّر على عباد الله. يقول شيخ الإسلام في كلام ما معناه: "ملوم الغنيّ إذا تكبر وغير الملك إذا كذب والشاب إذا زنى، لكن هؤلاء لقلّة دواعي هذه الأمور فيهم كان عذابهم أشدّ وأنكى عند الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى".
عباد الله، إن مَن مَنَّ الله عليه بطول العمر ولم يستفد منه لعمل الآحرة أو ضيّع أيامه ولياليه في الغفلة أو انهمك في جمع حطام الدنيا الفاني وألهته دنياه عن عمل أخراه ولم يزدَد من عمل الصالحات في آخر حياته فإنه سيندم حين ينتقل من هذه الدار إلى دار القرار، ولات ساعة مندم، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى عن المفرطين: أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ، ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى عنهم: يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا، قال أهل العلم في هذه الآية: "يقولون: يا ويلتنا على ما ضيّعنا في حياتنا من الأوقات الثمينة".
وعن أبي بكرة رضي الله عنه أن رجلا قال: يا رسول الله، أي الناس خير؟ قال: ((من طال عمره وحسن عمله))، قال: فأي الناس شر؟ قال: ((من طال عمره وساء عمله))، وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله : ((ألا أخبركم بخياركم؟)) قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ((أطولكم أعمارا وأحسنكم أعمالا)) رواه البيهقي، وعن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ قال: (ستين سنة)، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي قال: ((إذا كان يوم القيامة قيل: أين أبناء الستين؟ وهو العمر الذي قال الله: أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ))، وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((أعذر الله إلى امرئ أخّر عمره حتى بلغ ستين سنة))، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: ((من عمره الله ستين سنة أعذر إليه في العمر)) يريد أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين، وأقلهم من يجوز ذلك)) رواه الترمذي وغيره، وجاء عن قتادة رضي الله عنه قوله في الآية: (اعلموا أن طول العمر حجّة، فنعوذ بالله أن نعيّر بطول العمر).
أيها الشيخ الكبير، لقد تعبت في هذه الحياة كثيرا حتى احدودب منك الظهر وتقاربت الخطى وضعف البصر وتساقطت الأسنان، أليس من حق نفسك عليك أن تريحها بقيّة عمرك من أعباء هذه الحياة ومشاكلها، وتقنع بما أعطاك مولاك وجمعته أثناء شبابك، وتتّجه إلى راحة بدنِك بالإقبال على الطاعات والتزوّد من عمل الصالحات من قراءة للقرآن وصدقة وصيام وتبكير إلى صلاة الجمعة والجماعات؟! واعلم أن ذلك مما يكفّر الله به الخطيئات ويرفع به الدرجات، يقول الرسول : ((ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟)) قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ((كثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط)).
عباد الله، على الإنسان أن يحرص على الإكثار من طاعة الله تبارك وتعالى خاصة في آخر عمره، وأن يكثر من الاستغفار والحمد، كما قال الله تبارك وتعالى لنبيه محمد : إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ الآية، فكان بعد نزول هذه الآية يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: ((سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي)) كما روت ذلك عنه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها؛ حيث إنه علم أن نزول هذه السورة علامة على قرب أجله.
اللهم اختم بالصالحات أعمالنا، وقنّعنا بما أعطيتنا، واجعلنا هداة مهتدين، برحمتك يا أرحم الراحمين.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...
الخطبة الثانية
عباد الله، أوقات الإنسان محدودة وأنفاسه معدودة، وسوف يسأل عنها ويحاسب عليها، ويجزى على ما عمل فيها من خير أو شر، قال الرسول : ((لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيم أفناه؟ وعن علمه فيم فعل؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ وعن جسمه فيما أبلاه)). فليعدّ الإنسان لنفسه جوابا صحيحا على هذه الأسئلة، فيحاسب نفسه فيما قال أو فعل أو سمع أو نظر أو تكلم أو مشى، يقول الله تبارك وتعالى: إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً [الإسراء:36]، وقال تعالى: فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الحجر:92، 93]. فينبغي للمسلم أن يغتنم أوقاته فيما يقربه إلى ربه، فهنيئا لمن وفقه الله لطاعته وطاعة رسوله .
وصلوا وسلموا ـ عباد الله ـ على نبيكم الهادي البشير.
اللهم هب لنا عملاً صالحًا يقربنا إليك، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردّنا...
| |
|