molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: الشهود العشر - أحمد بن عبد العزيز القطان الثلاثاء 18 أكتوبر - 10:14:37 | |
|
الشهود العشر
أحمد بن عبد العزيز القطان
الخطبة الأولى
إذا أذن الله لإسرافيل أن ينفخ نفخة البعث والنشور خرجت الخلائق من قبورها يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر [القمر:7]. يزحفون على بطونهم كما يزحف الجراد، ثم يحاولون الوقوف فيكونون كالجمال الصغيرة المولودة كالحيران الحائرة ويسميها الله بالفراش كالفراش المبثوث [القارعة:4]. ثم تشتد أقدامهم فيقفون حفاة عراة غرلاً وتأتي الشمس فوق الرؤوس على قدر ميل ويأخذهم العرق حتى يغرقوا إلا من رحم الله وتزدحم الخلائق وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض [الكهف:99]. أمواج بشرية لا يعلم عددها إلا الله وأمواج جنيةٌ وشيطانية، وأمواج من الحيوان والطير والوحش والحشرات، يقول الله لغير المكلفين: كونوا تراباً فيكونون تراباً فيقول الكافر: يا ليتني كنت تراباً [النبأ:40].
وفي هذا المشهد العصيب يُطارد الإنسان عشرة شهود، عشرة، يأتي الكتاب الذي كتبه الملكان، يقول الله عنه: ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه [ق:16]. وهذا الكتاب شاهد أول من يقرأه؟ أنت ووضع الكتاب فترى الجرمين مشفقين مما فيه [الكهف:49]. كتابك يقول الله عنه ذاك كتاب المجرمين وهذا كتابك وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه [الإسراء:13]. من اهتدى إعلان إلهي فإنما يهتدي لنفسه [الإسراء:15].
ومن ضل، ويفرح صاحب الكتاب ويحزن صاحب الكتاب.
الفرحان يقول: هاؤم اقرءوا كتابيه [الحاقة:24].
وأما الآخر: يا ليتني لم أوت كتابيه [الحاقة:28].
ويأتي الشاهد الثاني: الغلول: غلّ من أموال الدولة غل من أموال الأجيال تأتي الأجيال كلهم يحشرهم الله يطالبون بأموالهم ممن سرقها وغلها وتخيل إنسان عارياً يوم القيامة تُحاصره الملايين جيلٌ بعد جيل. أنت الذي غللت أموالنا وما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة [آل عمران:161]. وكل غلول من الغنائم وأموال الأمة وفي الجهاد يأتي يوم القيامة شاهد على من غل.
والشاهد الثالث: الغدر غلول وغدر.
يقول : ((يرفع يوم القيامة لكل صاحب غدرة لواءً كتب عليه: غدرة فلان بن فلانه))[1].
أينما يتجه علم يُرفرف وراءه تاريخ الغدرة ونوعها ولمن حصلت واسم صاحبها ونتائجها وحسابها وعذابها في جهنم أينما يذهب يقرؤها القاصي والداني في عرصات يوم القيامة من قريب ومن بعيد، غدرة فلان بن فلانه بن فلان.
ولا يظن الغادرون في الأعراض والأموال والأنفس والمؤسسات والمناقصات والناقلات إلى غيره أنهم سيفوتون على الله يوم القيامة بل سينصب له لواء لأنه لما غدّر أخفى غدّرته فيفضحه الله فيعلنها في لواء يُرفرف.
الشاهد الرابع: الأرض، هذا التراب الذي تمشي عليه يتكلم بلسان فصيح يعرفك أكثر مما تعرفه إذا زلزلت الأرض وأخرجت الأرض أثقالها [الزلزلة:1-2]. ونحن من أثقلها الإنس والجن، تكلمي أيتها الأرض بوحي من الله فتقول: فلان سجد عليّ وبكى، وخشع وسعى إلى المساجد، وفلان ذهب إلى الفجور والزنا تشهد الأرض بمواقع الطاعات والمعاصي فأما المؤمن إذا وافته منيته وانقطعت أعماله حزنت الأرض والسماء لأن أعماله نور في الأرض والسماء.
وأما الكافر فلا تبكيه يقول الله عنهم: فما بكت عليهم السماء والأرض [الدخان:29].
وأما الشهود الأخرى يأتون ثلاثة ثلاثة بعد هؤلاء الأربعة، الثلاثة، ماذا يقول الله عنهم؟ اسمع: شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم [فصلت:20]. ثلاثة مع بعض: سمع، بصر، جلد، هذا الثالوث المخيف.
يقول : ((فإذا ما شهدوا يقول صاحبهم: سُحقاً لكُنّ وبعداً لكُنّ، إنما كنت أدُفع عنكنّ)).
يسب نفسه يشتم عينه ويشتم سمعه يشتم جلده... وكأن الجلود تقول له كيف لا نشهد ضدك وأنت الذي حرمتنا من عبادة الله الذي خلقنا على الفطرة، فالسمع كان يريد أن ينصت إلى القرآن فأنصت إلى الأغاني، والعين كانت تريد أن تخشع وتبكي تريد دمعة واحدة في العمر خاشعة لله الذي خلقها حتى يُظل صاحبها تحت ظل عرشه ((ورجلٌ ذكر الله خالياً ففاضت عيناه)) من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، ولكن عينه تبكي من كل شيء إلا من الخشوع لله رب العالمين، تبكي على الدرهم والمال، تبكي عند الطرب عند الغناء عند الحزن تبكي عند الفرح ولكنها لا تبكي خاشعة لله فتشهد ضده يوم القيامة.
والجبين الذي حُرم من السجود جلد الجبهة الذي لم يسجد لله فُترى فيها سيما المصلين سيماهم في وجوههم [الفتح:29]. يشهد عليه جلد جبهته يوم القيامة فيقول له سحقاً وبعداً لك، والأيدي والأطراف كُلها تأتي يوم القيامة شهوداً أيضاً، ثالوثٌ خطير يقول الله جل جلاله: وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله [فصلت:21].
ويقول عن الشهود الثلاثة الأخيرة: يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانا يعملون يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين [النور:24-25].
الحق المبين أخفت اليد وأخفت الرجل وأخفى الجلد وأخفى السمع وأخفى البصر من الذي كشف هذه الحقائق إنه الحق المبين.
فيا أيها الأحباب: الرسول ينذر الناس يوم القيامة بأن منهم من يحمل شاة تيعر سرقها يحملها يوم القيامة له صوت تنادي من مكان بعيد، وآخر يحمل جمل له رُغاء يسمعه البعيد والقريب، ومنهم من يأتي يحمل مناقصة تُنقص من حسناته، فالله جل جلاله لا يخفى عليه شيء، شهودٌ أربعة وشهودٌ ثلاثة وشهودٌ عشرة تطارد الإنسان من مكان إلى مكان وما دُمنّا أيها الأحباب في دار عمل فلنتذكر حقيقة هذه الشهود.
أيـا من يدعـي الفهم إلى كم يا أخي الوهـم
تتبـع الذنب بالـذنب وتخطئ إلخـطأ الجـم
أما بـان لك العيـب أمـا أنـذرك الشـيب
وما في نصحه العيب أما نادي بـك المـوت
أما أسمعك الصـوت أما تخشى من الفـوت
فتحطـاط وتهـتـم فكم تسير فـي السـهو
فيا أيها الكرام:
ما دمنا في دار عمل فلنحذر حذراً شديداً هذه الشهود العشرة، ولنحولها لصالحنا بالأعمال الصالحة، فنسأل الله جل جلاله أن يرزقنا يقظة إيمانية تنجينا من مصارع الغفلات.
عن ابن طاوس عن أبيه قال: استعمل رسول الله عبادة بن الصامت على الصدقة ثم قال له: ((اتق الله يا أبا الوليد، لا تأتي يوم القيامة ببعير [2] تحمله وله رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة لها ثؤج))[3].
وهذه المشاهد يوم القيامة حقيقةٌ ثابتةٌ في كتاب الله وسنة رسوله وقد شاهد بعضها ليخبر أمته عنها، فلقد شاهد في النار رجل غل عباءة زهيدة الثمن لُفت به في نار جهنم فتحولت من شملة خيوط إلى شملة نار وجحيم، وكان مجاهداً، وفي غزوة ومع النبي وفي خير القرون ومعه خير الصحبة ومعه الرسول الخاتم، وما شفع له ذلك لما غل الشملة عُذب بها وتواكب الصحابة إلى النبي يسألونه عن صغار الأمور وكبارها حتى سألوه عن الخيط والمخيط.
إن أمتنا هذه أمةٌ نظيفة، أمة أمانة، أمة صدق، أمة شرف، فالذي يتهاون في الخيط والمخيط يتجرأ على غير ذلك، إنه يُعالج في النفوس الأمور الدقيقة قبل أن تُصبح كبيرة، فليراجع كل واحد نفسه ما دُمنا في دار العمل قبل أن ننتقل إلى دار الجزاء، ويدخل في ذلك نسبُ الأولاد إلى غير آبائهم، لقد قال : ((من انتسب إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير موّاليه فقد كفر بما نُزّل على محمد))[4].
واليوم الناس لا يهمها الكفر بما نزل على محمد، المهم كم يُدخل جيبي أطّلع لك جنسية بقيمة كذا، أبيع البطاقات، أساهم في الربا فأذنوا بحرب من الله ورسوله ، الله جل جلاله ما أعلن الحرب على شيء في المنكر كما أعلنها على أكلة الربا ولم يُعط صورةً بشعة مُخيفة إلا في قضية الربا والغيبة.
الربا فصورته القرآنية: لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبّطه الشيطان من المس [البقرة:275]. إنسان فوقه شيطان يضربه على عينه على جسمه هذا الذي يأكل الربا.
الصورة الثانية المرعبة: الغيبة التي يستهين بها الناس صارت سوالف حكاوي ونكت ولا يغتب بعضكم بعضاً [الحجرات:12]. كأنك أحضرت من تغتابه ثم خنقته حتى مات وبرُد لحمه نيئاً ميتاً فأكلته، صورة مخيفة لا يحتملها إنسان مؤمن أبداً. لهذا ننتبه لهذه الأمور التي جعلها مرور الزمن عليها هينة سهلة، عنده استعداد يُصلى يختم المصحف، حج عمرة يصوم رمضان، ولكن ما عنده استعداد أن يتنازل عن 7 من الربا، لهذا سيقال له يوم القيامة خُذ سلاحك، فيقول: لماذا؟ فيقولون: لكي تُحارب الله، أنت بسلاحك – والله. . .
اللهم اجعلنا نؤمن بكتابك وسنن نبيك ، نسألك المال الحلال، اللهم اجعلنا من أهل الجنان ولا تجعلنا من أهل النيران.
[1] حديث صحيح : رواه الطيالسي وأحمد عن أبي سعيد ، وصححه الألباني في صحيح الجامع ((2149)).
[2] قال المناوي: البعير: يقع على الذكر والأنثى وجمعة أبعر وأباعر وبُعران.
[3] صحيح ، أخرجه الطبراني في الكبير عن عبادة من الصامت ، كما ذكر الهيثمي في مجمع الزوائد (3/86) ، وقال : رجاله رجال الصحيح انظر السلسلة الصحيحة للألباني رقم (857)..
[4] صحيح ولكن بلفظ: ((من أنتسب إلى غير أبيه تولى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين)) ، أنظر صحيح الجامع 5980.
الخطبة الثانية
لم ترد.
| |
|