molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: الزلزال - أحمد بن عبد العزيز القطان الثلاثاء 18 أكتوبر - 10:13:34 | |
|
الزلزال
أحمد بن عبد العزيز القطان
الخطبة الأولى
عباد الله:
إني أحبكم في الله، وأسأل الله أن يحشرني وإياكم في ظل عرشه ومستقر رحمته، وأوصيكم ونفسي بتقوى الله.
اللهم ألف على الخير قلوبنا، وأصلح ذات بيننا، واهدنا سُبل السلام، ونعوذ بك من الفتن والمحن والزلازل، ونسألك اللهم أن تنصر المجاهدين.
من هنا من منبر الدفاع عن الأقصى نقول لشعب مصر عظّم الله أجرك، وأحسن عزائك بما أصابك من الزلزال المروع.
فيا أيها الشعب المسلم مصابك مصابنا هنا في الكويت، وفي كل قطر مسلم، اللهم أجرنا من مصيبتنا وأخلفنا خيراً منها، برحمتك يا أرحم الراحمين.
ومصائب الأمة كثير مصيبتنا في الأقصى، وفي البوسنة والهرسك، وكشمير، وبورما، ومصيبتنا في هذه الأمة التي لا تحكم بكتاب الله، وسنة نبيه ولا تّقام فيها الحدود.
أنى التفت إلى الإسلام في بلد تجده كالطير مقصوص جناحاه
مُصيبتنا في البوسنة والهرسك تتعاظم، المسلمون يُذبحون، الأعراض تُنتهك، الملايين يُشردون، وتظهر لنا قضية فلسطين جديدة ليس عند العرب، ولكن عند المسلمين في البوسنة والهرسك، يُشرد الملايين، والآن الحصار يُضرب على كوسوفا بعد أن ضُرب على سراييفو هذه المدينة التي نسبة المسلمين فيها 75، جردوهم من كل وظائفهم، وحطموا كل المؤسسات، طردوهم من الجامعات، اعتقلوا المشايخ، وهم يهيئونهم لمذبحة جماعية كما يذبحون البوسنة والهرسك لا نقول هذا البلاء من الصرب بل العيب والله فينا، قبل أن يكون فيهم، بلاءُ الأمة فيها!!.
أين مواقف الدول العربية والإسلامية؟!! الأمة التي تعرف كيف تقف وراء حقوقها تنتصر، الأسير الأمريكي لم يمر عليه أيامٌ قلائل في العراق إلا وأُطلق سراحه لأن وراءه أمة تطالب، ودولة تُحاسب، وأمتنا تضربها الزلازل وتُذبح وتُشرد ودماؤها أرخص من دم الدجاج في خُن المزارع..!!.
يا شعب مصر: شعب الكويت يقف معك الآن لأنك وقفت معه، لا ننس موقفك يوم أن أُحتل هذا البلد وأصبح أهله كالأيتام على موائد اللئام، وتخلى عنا أقرب الأقرباء وجفانا الأخلاء، واجتمع أعداؤنا ينصروننا، فأشمتوا فينا الشامتين، لا ننسى موقفك يا شعب مصر بعلمائك وجيشك وشعبك، فنقف معك الآن، إن المصاب الذي أصابك هو مصابنا.
والزلزال هذا في قدر الله مكتوب منذ الأزل، وما من قدر كوني ينزل فيه مصاب إلا ولله فيه لُطف، فمن لطف الله في هذا الزلزال أنه لم يكن مركزه المناطق السكنية، وإلا لا يبقي ولا يذر، ولكن كان مركزه في الصحراء وآثاره وصلت إلى المساكن، من لطف الله فيه أنه لم يصب السدود على رأسها السد العالي، ولو وصل لأغرقت مياهه كل الناس ولجاءهم سيل العرم لا يبقي ولا يذر، ومن لطف الله سبحانه وتعالى أن كثيراً من الناس في الشوارع وفي الطرقات قادمون من العمل أو ذاهبون، ولو كان هذا في ليل مُظلم والناس كلهم في بيوتهم لكانت الضحايا أشد وأعظم، لطف الله عظيم ونحن سمعنا عن الزلازل التي أصابت بعض الأمم سمعنا عن زلزال اليونان ماذا فعل بهم؟! إذ قتل منهم ما يزيد عن 50 ألف بضربة واحدة لم تستمر دقيقة، فالحمد لله على كل حال، الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه.
والله جل جلاله إذا أصاب هذه الأمة بمصاب فإنه يجزيها على صبرها، إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب [الزمر:10]. وينبه الغافل، ويُعلم الجاهل، ويذكر الناسي، ويهدي الضال، ويدل المحتار، فإن الله رحمات غافرات منجيات تنزل في المصيبات، وبشر الصابرين [البقرة:155].
فيا أم الوليد يا من دُفن تحت الركام اصبري واحتسبي، ولا يأخذك الهلع ولا الجزع ولا السخط حتى لا يضيع الأجر، وليكن شعاركي إنا لله وإنا إليه راجعون [البقرة:156].
الزلزال وما أدراك ما الزلزال:
وبينما الناس في غفلة، والعجب أن أول من يشعر به الحيوان قبل الإنسان، فترى البهائم تشعر بالاهتزازات البدائية له والإنذار المبكر منه، والإنسان لا يشعر، لماذا؟ لأن الله أعطى للإنسان عقلاً وتدبيراً وتفكيراً، يخترع الأجهزة التي ترصد الزلازل، ولكن هذه المرة لأن مصر مصنفة في الموقع الجغرافي البعيد عن زلازل كان المرصد قد قُطع عنه التيار الكهربي مُنذ زمن، والأجهزة فيه قديمة والناس لا ينتبهون، ولكن الله سبحانه وتعالى يُعطي كثيراً من الأمم درساً بأن الإنسان والأمة عليها دائماً وأبداً أن تعيش في حذر من نفسها ومن الشيطان ومن عدوها، من ذنوبها، من معاصيها، يشعر الحيوان بالزلزال فيهرب تطير الطيور، وتفر البهائم وتصرخ الحيوانات في حدائق الحيوان، والحيوانات تهز الأقفاص لأنها تريد الهروب، والإنسان لا يدري ماذا سيحدث؟!!
ثم يعم صمت رهيب كأن الكون كله يصيح لهذا الحدث، ثم فجأة يكون انفجار رهيب تحت أقدام الناس تتكسر قشرة الأرض وليست الأرض هذه القشرة البسيطة والتي مهّدها الله وسواها الله وعدّلها الله تتكسر ت+راً بسيطاً ثم فجاءه تتحول الأرض إلى أخاديد سوداء مظلمة ويرتفع الأسفلت ويسّتك في وجوه الناس وتتطاير البنايات والعمارات كأنها علبٌ من الكرتون ويركض الإنسان في غير اتجاه، مرة يحبو برجليه ويديه، ومرة تبتلعه الأخاديد، ومرة يأتيه الجدار عن يمين والشمال فيرفع يديه الضعيفتين ليردهما فلا يستطيع، والجسور تتمايل وتترنح وتقذف ما فوقها من شاحنات وعربات، وأما السدود تتصدع وتأتي مياهها تغرق كل شيء، فالناس في الملاجئ يغرقون، وفي الحفر يغرقون، وتحت الركام الأحياء يغرقون، وأعمدة الكهرباء تترنح وتقذف شراكها وأسلاكها تصعق المارة ويسير الغبار ويشتعل الحريق ويزدحم الناس في المخارج والممرات.
أما تلاميذ المدارس فإنهم في عمر الزلزال الطويل ستون ثانية زمن كأنه ستون قرن، يخرج الأطفال والبنات والمدرسون والفراشون والحراس باندفاع واحد، ((نفسي نفسي)) كأنه يوم القيامة.. ويتساقط الصغار، الضعاف تحت الأقدام ويدوسونهم ويبدأ الركام البشري يعلو حتى يصل إلى السقف ولا ترى بعد ذلك إلا الأقوياء الأشداء يجثون يسبحون فوق آهات الصغار حتى ينجو كل إنسان بنفسه، إنه يذكرنا بمشهد من مشاهد يوم القيامة يوم أن تخرج تلك المرأة من غرفتها والأرض تهتز والغرفة تهتز والمصابيح تتمايل والصواعق من حولها تتفجر تلتقط الوسادة ولا تلتقط طفلها لأنها لا تدري ماذا تحمل بين يديها!!! إن زلزلة الساعة شيء عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة [الحج:1-2].
إذا زلزلت الأرض زلزالها [الزلزلة1].
الزلزال يوم أن يخرج الناس من بيوتهم ومساكنهم إلى الطرقات وارجعوا إلى ما أترفتم فيه [الأنبياء:13].
أحبتي في الله:
ويهدأ الزلزال ولكن الناس لا يعودون إلى بيوتهم من الخوف، فعند كل حركة يجفل قلبه وتهتز فرائصه، ويظن أن الزلزال قد عاد، ويبيت الأطفال والنساء الذين خرجوا بملابسهم الداخلية حائري القلوب شاحبي الوجوه غائري العيون، حفاة الأقدام يتكدسون في المناطق الواسعة والساحات الشاسعة ليس حولهم بناء، تدور رؤوسهم، يتخيل أحدهم بأن نسمة الهواء التي تهب على غُصن الشجرة جدار ينهمر عليه، ويتجلى الإنسان بضعفه وقلة حوله وحيلته ونتذكر الحديث النبوي يقول: ((إذا خرج الإنسان من بيته فليقل: بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله))، ويبيت الناس في العراء ليلة وتأتي بعد ذلك مُلحقات الزلزال زلازل أقل كأنه يودع ويذهب بعيداً بعيداً كأنه يودع ويذهب بعد أن تفيض الأرواح إلى الله وتنسكب الدماء، وتختلط بالحديد والأسمنت والأسفلت، وبعد أن يأتي الناس يبحثون عن بعض أقاربهم لعل من بينهم أحياء.. وترى المشاهد.
أما في بلاد الكافرين فتحدث العجائب، أولئك الذين لا دين لهم ولا إيمان لهم تنتشر اللصوص وقطاع الطرق وذئاب البشر، لا يتردد في ديار الكافرين ذئبٌ بشري داخل عمارة مهدّمة أن يرى فتاة قد أطبقت الصخور والجنادل عليها أن يهتك عرضها، ولا يبالي، ولا يبالون، لقد قرأنا وسمعنا عن الزلازل التي تُصيب الناس في بلاد الكافرين ممن لا إيمان له ولا مروءة له.
ينتشر اللصوص فيأخذون الأموال ويسرقون الدور، وعزاؤنا في أمتنا أن كل أمر المؤمن كله خير ((إن أصابته سراء شكر، وإن أصابته ضراء صبر))، وحتى الشوكة يشاكها ويُكتب له فيها الأجر ولا يكون ذلك إلا لأمة الإسلام والمسلمين.
أحبتي إن الأموال التي دُفعت تبرعات وإعانات إنما هو واجب هذه الدول لمصر، ليس فيه فضل ومنّة، ولعل من لُطف الله في هذا الزلزال أن يقول لكثير من الشركات وكثير من المقاولين والمهندسين، اتقوا الله لقد كانت العمارات والبيوت في مصر تسقط من غير زلزال كيف يكون حالها إن جاء الزلزال، اتقوا الله، دعوا الغش، ((من غشنا فليس منا))[1].
وهذه أمة اليابان يضربها الزلزال والزلازل، أشد من زلزال مصر، وبيوتها تتراقص كأنها في ليلة عُرس أو احتفال لأنهم عرفوا كيف يصنعون بيوتهم ودورهم، يجعلونها على دعائم قوية ثابتة تحتها زنبرك متحرك مهما كان وزن العمارة وناطحة السحاب، ونحن للأسف الشديد في العالم الثالث عالم الغش لا يهم التاجر والمقاول والمهندس إلا أن يملأ جيوبه، ولكن على حساب الآخرين، على حساب دماء الناس، فكم من عمارة سقطت من تسرب الماء، تسرب الماء يُسقط عمارة لولا أن الغش كان موجود فيها، فنسأل الله أن يكون في هذا الزلزال العبرة والدرس المفيد فننتبه، ونشكره، ومن صور شكرانه أن نتذكر أنه ما جعل مركزه في القاهرة بين السكان وإنما في الجنوب في الصحراء، ولم يُفجر السد العالي، من شكر ذلك أن الضحايا لم يكونوا بمئات الألوف، ومن شكر الله أن تغلق محلات الفجور الموجودة وليست هذه الدعوة لمصر خاصة، وإنما للعالم العربي والإسلامي كله، ابتداءً من هنا ثم دُبي ثم البحرين ثم جميع الدول العربية الإسلامية أقول لكم، اتقوا الله، حرموا ما حرّم الله، وأحلوا ما أحل الله.
حرموا الفجور، حرموا الخمور، فإن الطاعة لها بركة، والمعصية فيها شُؤم وعذاب، ثم نرفع من هنا دعاء من هذا المسجد إلى كل أم أرسلت بنيتها إلى المدرسة ثم عادت جُثة هامدة وإلى كل والد ذهب ابنه إلى الجامع ثم لم يعد إليه، نقول عظم الله أجرك وأحسن الله عزاكم وأخلفكم الله خيراً مما أخذ منكم وأحسن وجعلهم الله شهداء، والحريق شهيد، والغريق شهيد والنفساء شهيدة، فالشهداء في هذه الأمة كثير، فلا تندمي يا أماه إذا ما جاء ابنك يوم القيامة يأخذك ويأخذ بثيابك يشفع لك لتدخلي الجنة معه، اصبري واحتسبي فإن أجركِ عند الله عظيم.
وجزاهم بما صبروا جنة وحريراً [الإنسان:12].
الله جل جلاله في كتابه الكريم أعطانا طريق الأمن والإيمان فقال سبحانه وتعالى: الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم [الإنعام:82]. فنرفع الظلم عن شعوبنا وعن قوانيننا ولنرفع الظلم عن الضعفاء والمساكين، ولنؤد لكل ذي حق حقه فإن دولة العدل إلى قيام الساعة، وإن دولة الظلم لا تدوم ساعة.
نعم أحبتي في الله:
كتاب الله جل جلاله يبين لنا طريق الأمن والإيمان، هو طريق الرحمن سبحانه وتعالى فيا أيتها الشعوب والأنظمة، إذا أردت نصر الله وعافيته وتمكينه التزمي شرع الله.
ولكم في القصاص حياة [البقرة:179].
استجيبوا لله وللرسول [الأنفال:24].
أفحكم الجاهلية يبغون [المائدة:50].
نسأل الله أن يشرح صدور ولاة الأمر إلى حُكم الشريعة التي يكون فيها الأمن والإيمان التي تحفظ من المحن، والرسول [2] يبين أن آخر الزمان تكثر فيه الزلازل وتكثر فيه الفتن وتكثر المحن ويكثر الهرج فسألوه عنه فقال: القتل، فلا يدري القاتل لما قَتَلَ، ولا المقتول لماذا قُتِل؟ هذا الآن يحصل لهذه الأمة، يوم أن ضعف جسدها بضعف إيمانها، فتداعى عليها الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها، أمتنا كثرة، ولكنها لما قل إيمانها ضعفت فصارت قليلة، إن التداعي للجسد إذا كان الجسد صحيحاً.. أين الذين يسهرون تحت وطأة الحمى للمذابح التي تتعرض لها هذه الأمة؟ الناس يسمعون الأخبار كل يوم، ولكن لا هم لهم إلا تحصيل أرزاقهم وأنفسهم، أما الذي يتحرك بالليل والنهار فهو قليل إلا من رحم الله.
إذا كانت فينا هذه الحساسية الإيمانية والغيرة الربانية فإن الله يحفظنا بحفظه ويدفع عنا المصائب والمحن.
[1] حديث صحيح : عن أبي الحمراء مرفوعاً ، صحيح الجامع 6407.
[2] أنظر أحاديث الفتن في صحيح الإمام مسلم ((8/170)) باب لا تقوم الساعة حتى يكثر الهرج.
الخطبة الثانية
لم ترد.
| |
|