molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: الدين وقهر الرجال - أحمد بن عبد العزيز القطان الثلاثاء 18 أكتوبر - 10:12:03 | |
|
الدين وقهر الرجال
أحمد بن عبد العزيز القطان
الخطبة الأولى
كثيراً ما كُنت أقرأ دعاء النبي والذي يقول فيه: ((اللهم إني أعوذُ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز وال+ل، وغلبة الدين وقهر الرجال)) وسأقف مع حضراتكم مع آخر ما في هذا الحديث، الاستعاذة من غلبة الدين وقهر الرجال، لا أجد مسلماً اليوم إلا ويعاني من هذين الهمّين العظيمين.. غلبة الدين وقهر الرجال.
والسبب أيها الأحباب:
إن كثيراً من الناس والأثرياء والمؤسسات وأصحاب الملايين لم يُخرجوا حق الفقير من أموالهم، والله سبحانه لحكمة جعل الناس القلة أغنياء، والكثرة فقراء ثم امتحن الأغنياء بأموالهم، لأن الأموال لله سبحانه، فمنهم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه [محمد:38]. فلا يُخرج حق الفقير في مال الغني إنما يأكله، وهنا يتسبب عدم إخراجه لل+اة أن يستدين الفقير من أجل ضروريات الحياة، وهُنا يتسبب عدم إخراجه لها أن يستدين الفقير من أجل ضروريات الحياة، وهُنا يتعرض لغلبة الدين وقهر الرجال، والمؤسسات المُدينة التي تُطارده بالأقساط وترهقه، ثم قلة وعي الناس اليوم والتقليد الأعمى الذي عليه بعضهم، وحُب الظهور والفخفخة والتظاهر بأنهم أغنياء وهم ليسوا أغنياء، يقلدونهم فيرهقون نفسهم، فكم من إنسان عنده سيارةٌ متواضعة تقضي حاجته وتوصله حيث يريد لكنه رأى جاراً له قد اشترى سيارة جديدة أو أخاً له أو قريباً فقالت له زوجته: نُريد سيارة جديدة فلم يملك أن يقول لها: لا، إن راتبي لا يكفي، بل نُصلح هذه السيارة ونمشي بها، وإنني لا أطيق.
غلبة الدين وقهر الرجال لضعف في شخصيته، لعشقه لها، لحبه لها، ثم يشتريها فتركبه الديون وتطارده الأقساط أو يتعرض لا قدّر الله إلى حادث فتنقلب السيارة.
وهنا تقهره الأقساط حقيقة على حساب الأطفال، وعلى حساب المعيشة، وعلى حساب الكرامة، ترفع عليه قضية ويُجر إلى المحاكم.
رجلٌ أخر أخذ القرض والأرض وبدأ يبني بدأ يؤسس، فأكل البناء كل ما أخذ من قرض الرخام وغير الرخام، وأعمدة لا حاجة لها وزخارف وزينة ثم أخذ يستدين بعد ذلك للأثاث، السرير، بكذا ألف، والحمّام – أكرمكم الله - بكذا ألف، ثم كانت النتيجة أصحاب الحقوق ينتظرون جميعاً مع المقاول خارج القصر الفارغ الذي لا يستطيع أحد أن يدخله أو يسكنه، ويتخطف أصحاب الحقوق راتبه ثم يستدين ثم لا يكفي ثم يهرب عند أمه أو أخته، لا يستطيع أن يدخل إلى بيته، لكثرة المدينين الذين ينتظرونه خارج البيت.
ثم هذا الذي يُطالب بحقوقه، إذا كلّ وملّ ذهب إلى المحاكم، ورفع قضية فيجد نفسه يعرض بيته في المزاد ثم يبيعه بالخسران ثم يُوقع شيكاً لا رصيد به، وتكون الكارثة يعتقل، ويُسجن، وتشرد الأسرة والعائلة، ويبدؤون يتكففون الناس وتسير أيديهم العُليا سفلى، ويصبحون أحاديث، كل ذلك لأنهم حُرموا القناعة، لأن القناعة والرضا كنزٌ لا يفنى، نعم ((ذاق حلاوة الإيمان من رضى بالله رباً)) حديث الرسول عندما أراد أن يصف السعيد في هذه الدنيا لم يقل أصحاب الملايين، والقصور الفاخرة والسيارة الفاخرة وإنما قال: ((من بات أمناً في سربه))[1]، وعندما أراد أن يصف أسباب السعادة قال : ((الزوجة الصالحة والدار الواسعة))[2].
أيها الأحبة الكرام:
الله جل جلاله جعل أطول آية في القرآن في سورة البقرة آية الدين، لأن الله يعلم أن هذه القضية بالنسبة لمعظم هذه الأمة كارثة حتى أن أحدهم كما تذكر الأحاديث يمر على قبر يفرك صدره ويتمنى أن يكون داخل هذا القبر في باطن الأرض من كثرة الديون والبلاء، نسأل الله العافية.
الله جل جلاله في القرآن العظيم أعطانا الاعتدال في الإنفاق والرضا بما قسم الله لم يسرفوا ولم يقتروا [الفرقان:67]. وأعطانا صورة جميلة لهذا الإنسان ولا تبسطها كل البسط [الإسراء:29]. والذين بسطوا كل البسط حقيقة قعدوا ملومين محسورين، يذهبون إلى تلك اللجنة وإلى ذلك الدائن.. ربي سبحانه وتعالى لا يحب المسرفين.. يجب أن ننتبه إلى هذه القضية، فنربي أبناءنا على الاقتصاد، الدينارُ الحلال غالي ما جاء إلا من كد وتعب، فلنربي أهلنا على حسن إنفاقه.
كثيرٌ من الوجبات تأتي بالتليفونات من المطاعم، لماذا؟ أين الذين يجلسون على طعام واحد وصحن واحد وإذا زاد أكلوه في العشاء، صارت شوك ومعالق وتليفونات تنقل ملاذات الطعام والفاتورة على ظهر هذا الوالد المُرهق. أليس هذه ميزانية ترهق؟
محمد كان بإمكانه أن تتحول الجبال له ذهباً ومع ذلك يُمر عليه الهلال تلو الهلال وليس في بيته طعام، إنما يعيش على الأسودين التمر والماء، وكان لم يشبع من خبز الشعير، مات ولم يشبع من خبز الشعير [3].
أيها الأحبة في الله:
إن تربية الزوجة والأهل والنفس على الاقتصاد يجعل رب الأسرة ينام بالليل ولا ديون عليه، يذهب للمسجد ولا ديون عليه، يذهب لسوق بحرية، إنها أنسٌ وسعادة تفوق السعادة التي تأتي من وراء الديون، نرى بعض الناس النقال في يده ((المحمول)) وسيارته مرسيدس ثم تراه مطارداً بالديون، لذلك كان : ((وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال))[4]، والرسول بين أن النعمة تزول، والله ضرب المثل عن مدينة عامرة ذات حضارة فكفرت بأنعم الله [النحل:112]. كما يقول الشافعي: إذا كنت في نعمة فارعها، وداوم عليه بشكر الإله، فإن المعاصي تزيل النعم.
اللهم علمنا الرضا، واجعلنا ممن يحترم النعمة.
أيها الأحبة الكرام:
النبي بين أهله وأولاده يعلمهم فن احترام النعمة، يمر على تمرة وقد أُلقيت فيقول: ((لولا أني أخشى أن تكون من الصدقة لأكلتها))[5].
يعلمنا التمرة التي سقطت في الأرض لها قيمتها وثمنها وآل بيته مُحرم عليهم الصدقات، تواضع واحترام النعمة. ويذهب مع بعض أصحابه فيقدم لهم تمر رديء فعندما يأكلون ويشربون عليه الماء يقول: هذا النعيم الذي سوف تُسألون عنه ثم لتسألن يومئذ عن النعيم [التكاثر:8]. عن الماء البارد يقول الله له: ((ألم أبرده لك))، ينبغي أن نربي أبناءنا على احترام النعمة، والرسول يأمر أمته أن تلعق الأصابع مع أنه والطعام على الأصابع لا يكادُ يُذكر ولكن المبدأ عظيم، فالذي يلعق أصابعه لا يُلقي بأنواع الطعام في ال+الات والنفايات.
اللهم إن نعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز وال+ل، وغلبة الدين وقهر الرجال.
[1] حديث صحيح: وتمامه: ((من أصبح منكم آمناً في سربه معافى في جسده عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها)) صحيح الجامع 5918.
[2] حديث صحيح: تمامه : ((ثلاث خصال من سعادة المرء المسلم في الدنيا: الجار الصالح ، والمسكن الواسع، والمركب الهنيء)) رواه الإمام أحمد والطبراني والحاكم وأخرجه الألباني في السلسلة الصحيحة 282.
[3] صحيح : رواه البخاري عن أبي هريرة.
[4] قطعة من حديث أنس في الصحيحين وأحمد والنسائي والترمذي وأبي داود، ولفظ البخاري ((اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز وال+ل ، والبخل والجبن ، ضلع الدين وغلبة الرجال )) 4/198.
[5] صحيح : أخرجه البخاري في كتاب البيوت ، باب ما يتنزه من الشبهات ، ومسلم في كتاب ال+اة على رسول الله وعلى آله.
الخطبة الثانية
لم ترد.
| |
|