الصلاة.. الصلاة.. الصلاة (06)
الشيخ عبدالرحمن العتيبي
الحمد لله الذي شرع لنا الصلاة، وجعلنا بالقيام بها في تواصل مع عبادة الله آناء الليل وأطراف النهار، ومن يقيم الصلاة فقد أطاع ربه وامتثل أمره وهو على خير عظيم، ومن يخشع في صلاته فله الفلاح في الدنيا والآخرة، قال تعالى ?قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون?.
قال ابن كثير في تفسير الآية: أي فازوا وسعدوا وحصلوا على الفلاح وهم المؤمنون المتصفون بهذه الأوصاف، وقال كعب الأحبار: (أفلح المؤمنون) لما أعد الله لهم من الكرامة، (الذين هم في صلاتهم خاشعون) عن ابن عباس (خاشعون) خائفون ساكنون.
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه الخشوع خشوع القلب، قال محمد بن سيرين: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة فلما نزلت (قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون) خففوا أبصارهم إلى موضع سجودهم والخشوع في الصلاة إنما يحصل لمن فرغ قلبه لها واشتغل بها عما عداها وآثرها على غيرهم وحينئذ تكون راحة له وقرة عين. أ هـ
فالخشوع في الصلاة مطلب مهم لمن يؤدي هذه العبادة العظيمة حتى يحقق بها العبودية لربه، والخشوع في الصلاة يطهر العبد من ذنوبه عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: »ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها، وركوعها، إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم تؤت كبيرة، وذلك الدهر كله« [رواه مسلم].
والشيطان الرجيم إن لم يستطع أن يجعل العبد يترك الصلاة، حاول إفساد صلاته عليه، والنقص من أجرها بخلوها من الخشوع، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: »إذا نودي للصلاة أدبر الشيطان، حتى إذا قضي التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه يقول اذكر كذا اذكر كذا لما لم يكن يذكر حتى يظل الرجل لا يدري كم صلى« [رواه البخاري ومسلم].
وعلى العبد أن يجاهد نفسه ليظفر بأجر صلاته كاملا، وبالمجاهدة والمحاولة تستقيم له الأمور بإذن الله، كما أثر عن أحد السلف قوله: جاهدت نفسي على الخشوع مدة ثم حصلت على ذلك فيما بعد.
يا أهل الصلاة جدوا
رُبَّ داعٍ لا يُردُّ
ما يقول للصلاة إلا
من له عزم وجدُّ
ليس شيء كالتوحيد
والخشوع في الصلاة للقبر يُعدُّ
ويكون الخشوع بسكون الظاهر، وخوف وتعظيم الله في الباطن وخضوع وحضور للقلب مع هذه الصلاة.
علامات الخشوع في الصلاة
-1 سكون الظاهر فالجوارح لا تتحرك إلا بقدر أعمال الصلاة، كرفع اليدين حذو المنكبين عند تكبيرة الإحرام، وعند التكبير للركوع وعند قول سمع الله لمن حمده للرفع من الركوع وعند التكبير للقيام من الجلوس للتشهد الأول ورفع اليدين في هذه المواضع من سنن الصلاة، وكذلك الحركة بالركوع والسجود فهي من أعمال الصلاة، وتجوز الحركة لأمر طارئ إذا احتاج إليها المصلي، ولا تجد الخاشع يلتفت في صلاته أو ينظر في الساعة ليصرف التوقيت أو يعبث بملابسه ويتفقد ما في جيبه من أوراق أثناء صلاته، فسكون الظاهر علامة على اهتمام المصلي بصلاته وأثر من آثار الخشوع.
-2 التأثر بما يقرأ المصلي من آيات القرآن إن كان منفردا أو بما يسمع إن كان مأموما، فيتأثر بما في هذه الآيات من تعظيم لله وذكر لأسمائه وصفاته سبحانه وبحمده، وما في الآيات من وعد ووعيد بما يزيد من الإيمان ويورث الخشية لله والرغبة فيما عنده، والمداومة على العمل الصالح قال تعالى ?وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً?.
-3 الخروج من الصلاة بحال مغاير لما كان عليه قبل الصلاة، فينصرف الخاشع بوقار وسكينة وهدوء وصفاء للنفس وراحة للبال وهو ينعم بالطمأنينة.
أسباب الخشوع في الصلاة
-1 العلم بمكانة الصلاة، ومحبة الله لمن يؤديها على الوجه المشروع، ومعرفة أهمية الخشوع في الصلاة وأنه يزيد في أجرها ويؤدي إلى تمامها، وخلو الصلاة من الخشوع يخل بها وينقص من أجرها، ومن عرف قدر الشيء اهتم به أكثر.
-2 إجابة المؤذن بأن نردد ما يقول مع استحضار لمعاني الأذان.
-3 المبادرة إلى الوضوء وإسباغه حتى يدرك الوقت ويكون قد تهيأ للصلاة.
-4 الدعاء بأن يمكن من الخشوع ومن السنة الاستعاذة من قلب لا يخشع، عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: »اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع ومن نفس لا تقنع، ومن دعوة لا يستجاب لها« [رواه مسلم]. وهذا الدعاء لو تم حفظه والدعاء به وتحري أوقات الإجابة لكان مما يعين على حصول الخشوع.
-5 تصفية البال من المشاغل وذلك قبل وقت الصلاة بزمن يسير أو بعد الأذان مباشرة، والانقطاع عن أي عمل للتفرغ لأداء الصلاة، ومحاولة ذلك قدر الاستطاعة.
-6 الإخلاص لله عند القيام للصلاة والصدق في طلب الخشوع، والحرص على أن تكون الصلاة مقبولة عند الله.
-7 ألا يصلي ونفسه تتوق إلى طعام قد أحضر بين يديه، ولكن يبدأ بالطعام ثم يصلي، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم »لا صلاة بحضرة طعام ولا وهو يدافعه الأخبثان« [رواه مسلم].
-8 ألا يصلي وهو بحاجة إلى قضاء الحاجة، لأن ذلك يمنع من الخشوع كما جاء النهي في الحديث »ولا وهو يدافعه الأخبثان« والأخبثان البول والغائط، والصلاة وهو يدافعه الأخبثان قد يكون مكروها، وقد يكون محرما إذا انشغل المصلي عن صلاته، وأصبح همه متى تنتهي الصلاة حتى يذهب إلى دورة المياه.
-9 خلو المكان الذي يصلي فيه من التصاوير والزخارف التي تشغل المصلي عن صلاته، خاصة إذا كانت القبلة أمامه وهو يصلي، أو كانت التصاوير على لباسه الذي يصلي فيه عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في خميصة لها أعلام، فنظر في أعلامها نظرة فلما انصرف قال: »اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم وأئتوني بانبجانيته فإنها ألهتني آنفا« [رواه البخاري ومسلم].
-10 الصلاة في المكان النظيف الخالي من الروائح المؤذية، وذلك مما يساعد على الخشوع في الصلاة، أما الصلاة في مكان طاهر فهذا من شروط الصلاة التي لا تصح الصلاة إلا بها، فلا تجوز الصلاة في المكان النجس.
-11 الصلاة في مكان لا يستمع فيه إلى حديث الآخرين فإن من يصلي وبجانبه أشخاص يتحدثون ربما يفتقد الخشوع وينشغل عن صلاته بما يسمع من حديثهم والحرص على اختيار المكان يكون بقدر الاستطاعة إن أمكن، وإلا فلا حرج فهناك من يصلي مع وجود من يتحدث بجانبه ولكنه قد وجد في صلاته شغلا عن الآخرين وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.