الصلاة وصية الله لأنبيائه وأقوامهم
الشيخ عبدالرحمن العتيبي
الحمد لله الذي جعل الصلاة عماد الدين، وهي صلة بين العبد وربه يقطع شغل الدنيا ليتصل بخالقه مكبراً، مسبحاً، ساجداً، راكعاً، وقائماً متذللاً للواحد الأحد، معلناً طاعته لربه واستجابته لأمره، محبة له وخوفاً من عقابه وطمعاً في جنته، مستمراً في هذا العمل خمس مرات كل يوم وليلة حتى يلقى ربه وينال رضاه، ملتمساً الخشوع وراجياً الفلاح، قال تعالى (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمًنُونَ الَّذًينَ هُمْ فًي صَلَاتًهًمْ خَاشًعُونَ) [المؤمنون: 2ـ1].
الوصية بالصلاة
أخبر عيسى عليه السلام أن الله أوصاه بالصلاة (وَأَوْصَانًي بًالصَّلَاةً وَالزَّكَاةً مَا دُمْتُ حَيّاً) [مريم 31]، قال ابن سعدي في تفسيره (تيسير الكريم الرحمن): (وأوصاني بالصلاة) أي أوصاني بالقيام بحقوقه التي من أعظمها الصلاة مدة حياتي فأنا ممتثل لوصية ربي عامل بها منفذ لها.
ونبي الله موسى عليه السلام عندما كلمه ربه جل وعلا قال له (إًنَّنًي أَنَا اللَّهُ لَا إًلَهَ إًلَّا أَنَا فَاعْبُدْنًي وَأَقًمً الصَّلَاةَ لًذًكْرًي) [طه 14]، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم أمره الله بالصلاة قال تعالى (فَصَلًّ لًرَبًّكَ وَانْحَرْ) [الكوثر 2]، وذكر الله تبارك وتعالى وصايا لقمان الحكيم لابنه ومن ضمنها الوصية بالصلاة، قال تعالى (يَا بُنَيَّ أَقًمً الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بًالْمَعْرُوفً وَانْهَ عَنً الْمُنكَرً وَاصْبًرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إًنَّ ذَلًكَ مًنْ عَزْمً الْأُمُورً) [لقمان 17]، وبعد ثناء الله على أنبيائه أخبر بأنه خلفهم أناس من أقوامهم ضيعوا الصلاة، وذلك يدل على عظم شأن الصلاة عند رب العالمين، قال تعالى (فَخَلَفَ مًن بَعْدًهًمْ خَلْفي أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتً فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً) [مريم 59].
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: إذا أضاعوها فهم لما سواها من الواجبات أضيع، لأنها عماد الدين وقوامه وخير أعمال العباد، وأقبلوا على شهوات الدنيا وملاذها فهؤلاء سيلقون غياً أي خساراً يوم القيامة.
كفر تارك الصلاة
هناك من يشمئز من كلمة (كفر)، ولا شك أنها كلمة كبيرة لما يترتب عليها من أمور خطيرة وسخط وغضب من الله على من تحققت فيه، وتحتاج هذه الكلمة إلى التوقف عندها قبل إطلاقها حكماً على أحد لأنها إذا لم تتحقق فيمن قيلت فيه رجعت إلى قائلها، عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما، فإن كان كما قال وإلا رجعت عليه" [متفق عليه]، ولكن من ثبت بالدليل الشرعي كفره كمن يستهزئ بدين الإسلام ولا يحبه ولا يرغب في ظهوره وانتصاره فإن عدم التكفير في مثل هذه الحالة ورع كاذب ودليل على ضحالة العلم، لأنه لا يعرف حدود الإسلام وما يخرج منه، وقد ورد في النصوص الشرعية أن ترك الصلاة كفر.
عن جابر- رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة" [رواه مسلم].
وكفر تارك الصلاة قول عن الإمام أحمد رحمه الله، وقد أفتى العلامة عبد العزيز بن باز بكفر تارك الصلاة، قال رحمه الله: (فالأدلة الشرعية قائمة على أن تركها كفر وبذلك يعلم أن من مات على ترك الصلاة لا يعتبر من أهل التوحيد) أ هـ [فتاوى ابن باز الجزء العاشر/ 294].
وكذلك أفتى شيخنا الفقيه محمد العثيمين- رحمه الله- بكفر تارك الصلاة، سمعت منه ذلك الحكم في شأن تارك الصلاة عندما كنا نتلقى العلم منه، وهو منقول عنه في كتاب الشرح الممتع الجزء الثاني ص 33، قال (والقول بعدم تكفير تارك الصلاة إفساد في الأرض، لأنك لو قلت للناس على ما فيهم من ضعف الإيمان إن ترك الصلاة ليس بكفر تركوها والذي لا يصلي لا يغتسل من الجنابة، فيصبح الإنسان على هذا بهيمة، ليس همه إلا الأكل والشرب، فإذا تبين كفره بالدليل القائم السالم من المعارض والمقاوم وجب أن تترتب أحكام الكفر والردة عليه ضرورة أن الحكم يدور مع علته وجوداً أو عدماً) أ هـ.
والأخذ بهذه الفتاوى عن هؤلاء العلماء وبثها حريّي بأن يكون رادعاً لمن تسول له نفسه من المسلمين بترك الصلاة وحتى لا يحصل تهاون في شأن الركن الثاني من أركان الإسلام.
ترك الصلاة سبب لدخول النار
قال تعالى (مَا سَلَكَكُمْ فًي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مًنَ الْمُصَلًّينَ) [المدثر: 43ـ42]، وسقر اسم لنار جهنم والعياذ بالله.
الصلاة م+ب وغنيمة
الصلاة راحة وطمأنينة للنفس وهي قرة عين النبي صلى الله عليه وسلم ويطلب الراحة بها، وهي سبب لانشراح الصدر والشعور بالأمان وهي مفتاح للخيرات وبهاء في الوجه، وقوة في البدن، وسيكون مآل من يحافظ عليها دخول الجنة والفوز بالنعيم الدائم، قال تعالى (وَالَّذًينَ هُمْ عَلَى صَلَاتًهًمْ يُحَافًظُونَ أُوْلَئًكَ فًي جَنَّات مُّكْرَمُونَ) [المعارج: 35ـ34].
رزقنا الله وإياكم حب الصلاة وأدائها على الوجه الذي يرضيه عنا.