الصلاة.. الصلاة.. الصلاة (11)
الشيخ عبدالرحمن العتيبي
الترتيب والموالاة من موجبات الوضوء
الحمد لله الذي أمر بالطهارة للصلاة فقال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذًينَ آمَنُواْ إًذَا قُمْتُمْ إًلَى الصَّلاةً فاغْسًلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدًيَكُمْ إًلَى الْمَرَافًقً وَامْسَحُواْ بًرُؤُوسًكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إًلَى الْكَعْبَينً وَإًن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُواْ) [المائدةـ 6]، فجعل الرب جل وعلا القيام إلى الصلاة موجباً للطهارة فلا صلاة بلا وضوء، والطهارة شرط لصحة الصلاة، وشروط الصلاة هي:
1ـ الإسلام.
2ـ العقل.
3ـ التمييز فيؤمر بالصلاة الصغير المميز ليعتاد عليها.
4ـ الطهارة من الحدث الأصغر بالوضوء، ومن الحدث الأكبر بالاغتسال والطهارة من النجاسة في البدن واللباس والمكان الذي يصلي فيه.
5ـ دخول الوقت.
6ـ ستر العورة.
7ـ النية لقوله صلى الله عليه وسلم "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى" [رواه البخاري ومسلم]، ومحل النية القلب ولم يثبت التلفظ بها قبل كل صلاة، وإنما يستحضر المصلي بقلبه الصلاة التي يريد أن يصليها كالفجر أو الظهر وذلك عند إرادة فعلها.
8ـ استقبال القبلة وهي (الكعبة المشرفة) قال تعالى (فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره).
لا صلاة بلا وضوء
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تقبل صلاة من أحدث حتى يتوضأ" [رواه البخاري ومسلم] وفي سورة المائدة الأمر بالوضوء عند القيام للصلاة، قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذًينَ آمَنُواْ إًذَا قُمْتُمْ إًلَى الصَّلاةً فاغْسًلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدًيَكُمْ إًلَى الْمَرَافًقً وَامْسَحُواْ بًرُؤُوسًكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إًلَى الْكَعْبَينً) ونذكر هنا ما قاله ابن عطية الأندلسي في كتابه (المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز) عند تفسيره لهذه الآية: (فاغسلوا وجوهكم) الغسل في اللغة هو إيجاد الماء في المغسول مع إمرار شيء عليه كاليد أو ما قام مقامها وغسل الوجه في الوضوء هو بنقل الماء إليه وإمرار اليد عليه، والوجه هو ما واجه الناظر وقابله، وحده في الطول منابت الشعر وفي الجبهة إلى آخر الذقن وحده عرضا من الاذن إلى الأذن، (وامسحوا برؤوسكم) صفة المسح أن يأخذ ماء باليدين ثم يرسل ثم يمسح الرأس بما تعلق باليدين ويبدأ بمقدم الرأس ثم يذهب بهما إلى قفاه ثم يردهما إلى مقدم الراس فالمسح مرة واحدة ذهابا وعودة ثم يمسح الأذنان.
(وأرجلكم) قرئت بالنصب فيكون العامل اغسلوا وعلى الغسل فعل النبي صلى الله عليه وسلم وبه قال الجمهور، وقيل المسح للرجل بعد إمرار الماء عليها فيكون غسلا بعد مسح، الكعبان هما العظمان الناتئان في جنبي الرجل.
صفة الوضوء مرتبا
1ـ النية فيقصد غسل أعضاء الوضوء للصلاة وليس القصد للنظافة أو التبرد.
2ـ قول "بسم الله".
3ـ غسل الكفين ثلاث مرات.
4ـ المضمضة والاستنشاق بغرفة واحدة أو بغرفة لكل منهما، وحكمهما الوجوب لقوله (فاغسلوا وجوهكم) وهما من الوجه.
5ـ غسل الوجه.
6ـ غسل اليدين إلى المرفقين ثلاثا يبدأ باليمنى من أطراف أصابع اليد إلى المرفق، ثم بعده باليسرى كذلك.
7ـ مسح الرأس ومنه الأذنان فيبلل يديه بالماء ويمسح بهما على رأسه يبدأ من مقدمه حتى يصل قفاه، ثم يعيدها إلى مقدمه مرة أخرى كما في حديث صفة الوضوء (ومسح رسول الله صلى الله عليه وسلم برأسه فاقبل بيديه وادبر) [متفق عليه]، ثم يمسح وسط أذنيه بسبابته وظاهر أذنيه بإبهاميه ويكون المسح مرة واحدة.
8ـ غسل الرجلين إلى الكعبين ثلاث مرات فيبدأ باليمنى ثم اليسرى، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله" [متفق عليه].
ويجب الترتيب في الوضوء كما ذكر في صفة الوضوء، وتجب الموالاة فلا يفصل بين فروض الوضوء بفاصل زمني كبير بحيث يجف العضو الذي تم غسله ثم يبدأ بما يليه فالواجب التتابع بين فروض الوضوء في وقت واحد.
وأعضاء الوضوء تغسل ثلاث مرات فإن غسلها مرتين أو مرة أجزأه ويحرص على إسباغ الوضوء وهو إتمامه وغسل العضو كاملا لحديث النبي صلى الله عليه وسلم (ويل للأعقاب من النار) [متفق عليه] ولقوله صلى الله عليه وسلم (ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله؟ قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة) [رواه مسلم].
ولا بد أن يكون الوضوء بماء طاهر فلا تصح الطهارة بما نجس وإذا كان قد قضى حاجته قبل الوضوء فيجب عليه الاستنجاء بماء أو الاستجمار.
ومن الذكر بعد الوضوء فيقول: (أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين) فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من قالها فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء.
نواقض الوضوء (ما يبطل الوضوء)
1ـ كل خارج من السبيلين كالبول والغائط والريح والمني والمذي قال تعالى (أو جاء أحد منكم من الغائط) [المائدةـ 6] ولحديث النبي صلى الله عليه وسلم في المسح على الخفين قال: "إلا من غائط او بول أو نوم".
2ـ النوم وكذلك الإغماء.
3ـ مس الفرج باليد من غير حائل.
4ـ أكل لحم الإبل عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: "نعم" [رواه الترمذي].
الوضوء سبب لمغفرة الذنوب
عن حمران مولى عثمان أنه رأى عثمان بن عفان رضي الله عنه دعا بإناء فأفرغ على كفيه ثلاث مرات فغسلهما ثم أدخل يمينه في الإناء فمضمض واستنشق ثم غسل وجهه ثلاثا ويديه إلى المرفقين ثلاث مرات ثم مسح برأسه ثم غسل رجليه ثلاث مرات إلى الكعبين، ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه،غفر له ما تقدم من ذنبه" [رواه البخاري].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا توضأ العبد المسلم فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة كان بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، حتى يخرج نقيا من الذنوب" [رواه مسلم]، وبهذا يصبح الوضوء طهارة للظاهر والباطن ونظافة من الأوساخ وتكفيرا للسيئات وفي الوضوء راحة للنفس وتخفيف لحدة الغضب فما أعظم دين الإسلام وما أنفع شرائعه.
الوضوء ومعجزة نبع الماء بين يدي النبي محمد صلى الله عليه وسلم
عن أنس بن مالك أنه قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وحانت صلاة العصر، فالتمس الناس الوضوء فلم يجدوه، فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوء فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك الإناء يده وأمر الناس أن يتوضأوا منه، قال: فرأيت الماء ينبع من تحت أصابعه حتى توضأوا من عند آخرهم" [رواه البخاري].
وهذه إحدى المعجزات التي أيد الله بها صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وهي من علامات النبوة، فما حصل من نبع الماء من تحت أصابع النبي صلى الله عليه وسلم أمر خارق لسنن الكون المعهودة في أن الماء ينبع من الأرض ولكنه أمر الله الذي لا يقف أمامه شيء قال تعالى (إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون) [يسـ 82] فدهش القوم لما حصل، فعندما ارادوا الوضوء للصلاة احتاجوا الماء ولم يكن معهم من الماء ما يكفي القوم فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده في الإناء فتدفق الماء من تحت أصابعه حتى توضأ القوم جميعا، وازداد يقينهم بقوة ربهم وأنه على كل شيء قدير، وصدق نبوة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم الذي أرسله ربه رحمه للعالمين وبشيرا ونذيرا بين يدي الساعة.
فآمنا بالله ربا وبمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضينا بالإسلام دينا ومن يرجو أن يحشر مع النبي صلى الله عليه وسلم فليتبع سنته، وليتقرب إلى الله بالعبادة، فيحسن الوضوء ويقيم الصلاة، ومن التزم ذلك فإن الله لا يضيع أجر العاملين، تقبل الله منا أجمعين والحمد لله رب العالمين.